الثالوث المقدس عند العرب، الذي يدفعهم لاستخدام العنف والقتل ويجرهم للحروب
ـ الدين، الأرض ثم المرأة جميعها متشابك ومترابط ومؤثربالآخر
فلورنس غزلان
1ــ الدين:ــ حسب مفهوم بو علي ياسين في كتابه” الثالوث المحرم”، فقد أخذ تعريفاته عن الكثير من الكتاب العظماء اخترت أهمهم “هيغل”، الذي يرى أن( الدين هو مفهوم الشعب عن ذاته)، أما ” انجلز” فقد رأى أن( الدين انعكاس خيالي في رؤوس الناس لقوى خارجية تتحكم بوجودهم اليومي، هو انعكاس تتخذ فيه القوى الأرضية شكل قوى فوق أرضية)، بينما يرى ” جورج قرم” :(ان الوحدانية هي الأصل أما التعددية أي الشرك ، فجاءت من اتحاد من عدة عشائر في قبيلة واحدة، أو عدة شعوب في امبراطورية واحدة) ، لكن بو علي ياسين يضيف:( أن الدين أيديولوجيا انتماء تعبر عن الجماعة وتمثلها، ومن خلال البحث في تطور البشرية يستنتج أن الدين ارتبط اجمالاً بالطبيعة وقدرتها على تدمير الإنسان وقوته، ومن ثم عندما تغلب على الطبيعة لكنه لم يستطع التغلب على خصمه الإنسان الذي يستغله ولديه مفاتيح قوى اقتصادية ومادية تتحكم بمصيره فعزاها لظهور صراع الطبقات ، فمنح الدين للأغنياء عندما يستغلون الفقراء طرق تبرئة للنفس مثل : الزكاة، الصلاة، الصدقة،أو وإذا بليتم في المعاصي فاستتروا، أما الفقراء فوعدهم بالجنة عندما يكونوا مظلومين ، وبالقصاص عندما يرتكبوا الذنوب،وبأطيعوا أولي الأمر منكم كي يخضعوا لسلطة تسوءهم العذاب،وبهذا فقد منع الدين التسلط الطبقي وأزال صراعه”.
من هذه المقدمة نستنتج أن الدين خط أحمر” تابو” في القاموس العربي، وأي مس في شأنه ، أو محاولة لنقده ولو من أجل إصلاحه وتطويره سيأتي على الفاعل بالوبال وعظائم الأمور، ويُنعت صاحبه بأقبح الأفعال ويعتبر مارقاً خارجاً عن الأخلاق “والثوابت” ، بل يصل الأمر لحد إهدار دمه وتحليل قتله ــ( سليمان رشدي / آيات شيطانية ) ، وأضعفها تطليقه من زوجته أو حرمانه من وطنه وتهجيره ــ ( نصر حامد أبو زيد / نقد الخطاب الديني وغيره )،وفي أحسن الحالات منع كتبه من الأسواق ومن التداول ــ ( ماحدث لكتاب وليمة أعشاب البحر للكاتب السوري حيدر حيدر ولديوان أبو نواس والعديد من الكتب والكٌتاب ، على سبيل المثال لا الحصر، إلى جانب رفع دعوات تكفيرية بحق الدكتورة نوال السعداوي والمخرجة إيناس الدغيدي، وسيد القمني، والحرب التكفيرية الشعواء ، التي شنت بحق الدكتورة الكويتية ابتهال الخطيب مؤخراً، وأكثرها إجراماً الاغتيال الغادر للكاتب العلماني فرج فودة بعد أن أصدرت” ندوة العلماء” بحقه بيانات مندده بفكره وبمحاولة عرقلة انشاء الحزب، الذي عزم على تأسيسه ” المستقبل”، وكان على رأس زعماء الإثارة والتحفيز على القتل السيد عبد الغفار عزيز” زعيم ندوة العلماء ومؤسسها” ومانشرته صحيفة ” النور” المصرية، متهمة إياه بارتكاب” أخطاء فادحة، تطاول فيها وسخر من المقدسات والثوابت الدينية”!، وهذا البيان كان الدافع الأول وراء شحن العقول القاصرة لدى القتلة ومحامي القتلة ، والصحفي سليم عزوز، ومن أشهر كتب فودة” الحقيقة الغائبة، نكون أو لانكون ، الطائفية إلى أين/ بالاشتراك مع رفعت سعيد، ثم كتاب الإرهاب …الخ”، وهنا لا يسعنا إلا أن نتذكر محاولة الاغتيال ، التي تعرض لها نجيب محفوظ حامل جائزة نوبل للسلام في الأدب، ولم يقتصر الأمر عليهم ، فقد غدت بعض الأقلام وبعض النواب اختصاصيين في رفع دعاوي التكفير بحق كل من يرون فيه خطر على فكر أسلمة السياسة، وهذه الفئة غالباً ماتعمل على التشهير دون حتى أن تكلف نفسها قراءة المقال أو الكتاب موضوع النقد والتكفير، ناهيك عن عدم السماح لمسلم بتغيير دينه باعتبار أنه وُلد لأبوين مسلمين ، أي لم يكن له في بصمة الدين وختمه فوق جبينه أي خيار أو حق في الاختيار وحينها يصنف ” كمرتد” يجوز قتله إن لم يرتدع ويعود ” للصراط المستقيم والدين الحنيف”! وهو الوحيد في العالم ( الإسلام)، وكل ماعداه من أديان يمكن تغييرها ولا تشترط على المنتمي لها مايشترطه الإسلام ، لأنه خاتم الأديان ويصلح لكل زمان ومكان!!!، وقد شهدت مصر الكثير من الحوادث المشابهة ، التي وقف أصحابها أمام المحاكم بتهمة الارتداد أو الزواج المخالف للشرع..وأدت إلى أحداث عنف راح ضحيتها أبرياء في الصعيد خاصة بين الأقباط والمسلمين في قرى “ديروط ، ملاوي ، فرشوط…” ..وخلال قرون تقارب الخمسة عشر، حاول بعض المتنورين والعقلانيين من أهل الفقه والعلم أن يدخلوا بعض الإصلاحات الدينية يغلبون فيها لغة العقل على النقل ” محمد عبدو ، الأفغاني، الكواكبي، ثم فيما بعد طه حسين، والشيخ عبد الرازق، وقاسم أمين ولاحقاً في هذا الزمن الرديء ” محمد شحرور، جودت سعيد، نصر حامد أبو زيد، جمال البنا..وغيرهم “،جلهم يدعو إلى تفسير مغاير لحرفية النص وأسباب نزول الآيات وعلاقتة بالزمن والتوقيت والتطور التاريخي، الذي لاينطبق ولا بأي حال على الواقع الحياتي المتغير والمتحضر والمنفتح على العالم والتبادل الثقافي والعلمي، بينما يعمل البعض الآخر ــ وهم الأكثرية ــ على عبادة النص الحرفي وإلزام العامة بتعاليمه وتطبيقه باعتباره يصلح لكل زمان ، أو باعتباره كلام الله وتشريعه وماعلينا إلا الانصياع والقبول بالحاكمية الإلهية!. وقد مر عبر التاريخ الكثير من العلماء الذين فسروا الآيات القرآنية أو الأحاديث ــ رغم أنها نقلت شفاهياً ومهما بلغت عبقرية الناقل فلابد من وقوع الخطأ في اللفظ أو المعنى أو القصد ــ فمنهم من جعل الإسلام دين عُسر يثير الرعب والخوف بقلب من ينتمي إليه ويجعل من العذاب والآخرة جهنماً يومياً وكابوساً ليلياً للانسان ، فمابالك بالطفل الذي يتعلمه على يد معلم جاهل ؟، ويُكَّفِر كل منتمي لدين آخر أو فلسفة وعقيدة مغايرة ويبيح قتله،” كابن تيمية/ الصارم المسلول… وغيره ” لهذا نجد أن تحجر العقول والمواقف يؤدي إلى نكوص وتقهقر في مجتمعاتنا وينعكس سلباً على تطورها اجتماعياً واقتصادياً والأهم منها سياسياً، خاصة لدى من يعتبروه ” ديناً ودنيا”، ويتخذون منه مصدراً تشريعياً لكل القوانين وأهمها وأكثرها تأثيرا في الحياة المجتمعية لمناطقنا في الشرق الأوسط هي قوانين الأحوال الشخصية, ولا نستطيع إلا أن نرقب بخشية الملدوغ ماسيخرج من أدراج النظام السوري بعد القانون المُعَدَّل الأسوا من سالفه، ودون أن يحق لنا معرفة اللجنة الموكول إليها أمر تقرير مصيرنا ومصير أولادنا ، قانون لايشبه سواه بما حمله من تحقير ودونية لوضع المرأة ودورها وللإنسان السوري كمواطن غير كفؤ ولا متكافيء مع أخيه المنتمي لمذهب آخر، فلكل مذهب وطائفة قانونها الخاص، وهذا ينفي معنى المواطنة السورية ويمحيها كلياً، ويخلق فروقاً وأصنافاً تلتزم بالانتماء الطائفي لا الوطني فترفع من حواجز الفصل بين الطوائف وتضعف من روابط المواطنة، وكأني بحال لجنته تقول أنها تربت في أحضان طالبان وابن لادن ، في هذا المجال لانستطيع أن ننسى موقف كبار مشايخ وعلماء سورية المقربين من النظام ” محمد رمضان البوطي ، والشيخ الدمشقي من قضية منح المرأة جنسيتها وغيره من مطالب المرأة السورية، وصل بهم الأمر لدرجة تخصيص العديد من خطب الجمعة للتنديد بالمطالبات واتهامهن بالعمالة لأمريكا ، التي تملي عليهن مثل هذه المطالب لبث التفرقة بين أبناء الشعب والدين الواحد ــ سبق وكتبت في هذا الموضوع ــ هذا التعصب الأعمى عند المسلم دفع لرد فعل مشابه تقريباً لدى معتنقي الأديان الأخرى كالمسيحيين في المشرق، مما اضطرهم أيضاً للنكوص والتعصب إزاء دينهم لما لاقوه من ويلات وتفرقة، أو إقصاء من الحياة العامة واعتبارهم مواطنين من درجة ثانية ومحاولات اجتثاثهم وتهجيرهم وأسلمة بعضهم ولو بالقوة، وخير دليل ماتم ويتم للمسيحيين في العراق ، ــ حوادث تفجير الكنائس والقتل في بغداد والموصل ونينوى وكمثال فقط ” مقتل 1960 عراقياً مسيحياً في مناطق مختلفة من العراق من آذار 1998ــ 2003/ منظمة مراقبة حقوق الانسان في الولايات المتحدة” ..هل نصل ليوم تخلو فيها العراق من مسيحييها وهم من سكانها الأصليين؟ وما حدث ويحدث لأقباط مصر، ــ القتل الجماعي يوم الفصح في نجع حمادي والاعتداء على أقباط في الاسكندرية وغيرها ، ولا نستطيع إلا أن نذكر بأن أقباط مصر هم سكانها الأصليين وامتداداً للفراعنة ويكفي أن ماوجد على الحجر الشهير ” حجر الرشيد” كان منقوشاً باللغتين ” الهيروغليفية والديموطقية” وهذه الأخيرة هي اللغة الحديثة لقدماء المصريين إلى جانب الإغريقية طبعاً، والديموطقية هي اللغة الشعبية في الكتابة والقراءة والكلام، أي العامية المصرية لغة الأجداد الأوائل للأقباط” ، فهل يمكننا أن نرى ونصمت على الاجحاف والتضييق وعمليات الاقصاء والتكفير والتهجير، التي تقام بحق أبناء السلالة الأصلية لسكان مصر؟ ناهيك عن أحداث التفجير الذي خلفته الحركات السلفية من قاعدة وجماعة في الأقصر وأغلب المناطق السياحية، وقياساً لايمكن للعين المراقبة إلا أن ترى مايجري بصمت ، وكيف يهاجر مسيحيو سورية بدون ضجة ويتناقصون يوماً بعد يوم ،نتيجة لارتفاع وانتشار التطييف السياسي، واستقطاب النظام لأطراف سلفية تمهد له الأرض لتمرير سياساته ويستخدمها لضرب مصالح معارضيه داخل وخارج البلاد وتخويف المجتمع الغربي بالإرهاب وأنه ضحيته مع أنه صانعه ومفبركه، وهذه الحركات تُركت لها ساحة اللعب ، بينما تنقض السلطة على الفكر العلماني وحامليه وتزج بهم في السجون،ــ” كإلغاء مؤتمر العلمانية في دمشق هذا العام” ــ بينما نلمس كيف تتكاثر الحركات السلفية وتنتشر كالفطر في تربة يمهدها الاستبداد، ــ الأعداد الهائلة للداعيات القبيسيات ــ تغطي مشاهد التشدد الديني على مساحة الوطن وتنذر بالخطر الظاهر بوضوح على علاقات السكان ببعضهم مما صنع بين المواطن وأخيه جدراناً من العزل، لما يمثله المختلف إثنياً أو مذهبياً من موقع كفر وإلحاد سواء بالدين الاسلامي أو” بالوطن” أي الولاء للنظام ، وللتذكير فقط، أن نسبة المسيحيين في سورية بعد الاستقلال كانت تساوي حوالي العشرين بالمئة من عدد السكان ( آنذاك كنا ثلاثة ملايين نسمة ) ، أما اليوم فلا تتجاوز نسبتهم السبعة بالمئة!!.” من الصعب العثور على دراسة دقيقة للنسب السكانية في بلد كسورية النسبة هنا تقديرية وسطية”
ومن خلال البحث والملاحظة نجد أن أي تعرض للدين حمل جموع الجماهير للاعتراض والتظاهر بل والقتال من أجل الدين، فحادثة ” الرسوم التي طالت الرسول محمد” في الدانيمارك مازالت حتى اللحظة حاضرة في الأذهان ولا يتوانى البعض عن استخدامها لتجييش كتائب الحقد والكراهية ضد ” الكفار وبلاد الكفر ، التي تتقصد الإسلام والمسلمين وتتآمر عليهم ” وتظهر ردود فعلها العنيفة في الشارع الإسلامي والعربي، وكيف تم استغلالها من قبل الأنظمة العربية الشمولية والمستبدة / كما حصل في دمشق من مهاجمة للسفارة الدانيماركية. والمظاهرات ، التي عمت العواصم العربية للتنديد بالموقف الفرنسي من الحجاب ــ علماً أن الأنظمة العربية لاتسمح بالتظاهر من أجل تدني القدرة الشرائية فيها مثلاً ــ وحين منعت فرنسا الحجاب في مدارسها العلمانية منعت معه كل إشهار للرموز الدينية . وفي الفترة الأخيرة ضد النقاب الممنوع في الحياة العامة ببلجيكا وفرنسا..يكرس علماء الدين وأئمة المساجد أوقاتهم ومواقعهم وخطبهم من أجل استنهاض الشارع العربي ضد الغرب الكافر ، الذي يريد على الدوام بنا شراً!.
ناهيك عن دعاوي وفتاوي خرج بعضها من مصر والسعودية وسورية وفلسطين، ومن كل بقعة عربية أو مسلمة غير عربية، فجموع المظاهرات ، التي اجتاحت المدن المصرية فاقت ما يخرج من أجل فلسطين!، وكيف نفسر مافعله التعصب الديني الطائفي الأعمى من حرب أهلية ذهب ضحيتها آلاف البشر الآمنين والأبرياء غالب الأحيان، والعراق أكبر شاهد تارخي حاضر بكل ثقله أمام أعيننا، ولبنان السبعينات بحربه التي دامت عقد ونصف مازالت آثارها قائمة في النفوس وفي وجع وآلام أمهات فقدن أبناءهن في حرب قامت على أساس الهوية المذهبية الطائفية، بين شيعي وسني، درزي وعلوي، مسيحي ومسلم، أو العكس، وهل ننسى ماجرى قبل عامين في نهر البارد على يدي فتح الإسلام من عبسي وجماعته؟ وكم ذهب ضحية هذا القتال الشرس الذي دار بين فتح الإسلام والجيش اللبناني، والذي أدى لتدمير المخيم تدميراً كاملاً وتهجير سكانه!.
ولن نغفل عن ذكر أحداث حماة إبان الثمانينات من القرن الماضي، والتي راح ضحيتها مايزيد على عشرين ألف إنسان..وأساسها الطائفي ، بين النظام والإسلام السياسي ممثلاً بالأخوان المسلمين. ناهيك عن الاغتيالات وحادثة المدفعية في حلب، وكم من الأبرياء سحلوا وسحقوا، سجنوا وعذبوا دون سبب وراحوا ضحية حقد طائفي أعمى…هل أطفأ العنف نار الحقد الطائفي أم أخمدها لحين؟ ماذا يُخفي رمادها في قاع النفس؟
وهنا يحق لنا أن نتساءل، ماهو الفرق بين ديكتاتورية إسلامية تعمل بالحاكمية الإلهية، وترفض مبدأ المواطنة فتحصره بمذهب الأكثرية، وديكتاتورية عسكرية جاءت بفعل انقلابي جعلت من البلاد مزرعة متوارثة من الأب للابن؟
القضية إذن ليست قضية إيمان وعبادة، إنما قضية أسلمة للسياسة أو تطييف وتفصيل على أساس الانتماء الطائفي ، فالأحزاب الإسلامية ، هي بحد ذاتها أحزاب سياسية وغاياتها بسط سلطانها وهيمنتها على السلطة والأرض باسم الشرع وبقانون إلهي وكلمات سماوية نزلت وفُرضت وما عليهم إلا العمل على تطبيقها على الواقع، وماهم إلا وساطة خير!..هذا النوع من الديكتاتورية الإسلامية ، الذي تتداخل فيه تعاليم الايمان بتعاليم الحياة اليومية للفرد والمجتمع ويصل الأمر إلى التدخل بالسلوك الشخصي للفرد امرأة كان أم شابا ، زوجاً أم زوجة ويهيمن ويفرض سلطته على الثقافة والتعليم والفن والأدب واللغة…يكفي أن نذكر ماجرى للمرأة والمدارس في أفغانستان ، وما اقترفوه بحق أروع الفنون والآثار في التاريخ العالمي حين قصفوا تمثالي بوذا الأعظم والأضخم فوق الأرض، فهل سننتظر حتى نصل ليوم نرى فيه الأهرامات وقد غدت قاعاً صفصفاً على أيدي الأسلمة الجديدة والحركات السلفية ، التي تطغى وتنتشر كالنار في الهشيم؟!.
تحفل المواقع السلفية ،ــ ” من خلال بحث واحد فقط وقعت على 365 موقع”ــ ، التي لاحصر لها وحتى الداعية لفكر ابن لادن والظواهري تحفل بماهب ودب من تكفير وتطيير للعقل وتهويش وتهويل من العلماني وفكره وتدعوا لقتله باعتباره ” زنديق ، خنزير كافر…الخ” ولكم فقط أن تفتحوا على أي موقع منها لتصاب رؤوسكم بالهذيان لشدة ماتحمله من تشدد وتعصب غارق في الجهل والعمى لايرى في الوطن إلا مسرحاً لخوض معاركه الجهادية والحصول على المكافأة بجنات الخلد وعدنه وحورياته…منها ماهو شيعي الهوى وآخر سني يتحاربان فيما بينهما، لكن كلاهما يتفق في محاربة العلمانية والعلمانيين من أبناء وطنهم قبل محاربة الغرب!
كيف يمكن أن نبني صروح المواطنة والتآخي على أساسها ،طالما أن من يتسلموا زمام الدين من علماء الأزهر حتى مكة وكعبتها يغرقون في بحر من الفتاوي المتناقضة دون اتفاق على مرجعية موحدة ، ودون القبول في حوار مفتوح حول الإسلام بالذات ، قبل أن نفتح حوار الأديان مع الآخر؟!..أرى أن هناك تقصير ملحوظ من العلماء المتنورين وممن يريدون الإسهام في التطوير والقبول ببلد حر وديمقراطي يتساوى فيه المواطنين على أساس الانتماء الوطني لا المللي والطائفي والعشائري، كما أننا شعوب متنوعة الاثنيات والطوائف ولا يمكن أن نجتمع تحت سقف قانوني واحد يساوي بيننا إذا كان أساسه ديني…فهذا معناه أن تطغى مذهبية الأكثرية على مذهبيات الأقليات، وأن تطغى قومية الأكثرية على قوميات الأقليات الموجودة فوق أرضنا ومن سكانها الأصليين كما هي حال الأكراد والتركمان والأقباط…وهذا يجعل من هذه الطوائف والاثنيات تابعة ملحقة…تلوذ بالحماية وتمنح حق الوجود وتدفع ضريبة الحماية ” الجزية”.. لكنها أبداً لاتتساوى في المواطنة ولا تخضع لنفس القانون…العلمانية هي الحل الوحيد ليتساوى المواطنين أمام قانون عادل يختاره ويصوت عليه بنفسه دون إملاء من إمام مسجد أو كاهن في كنيسة…ولو طبق لبنان هذا القانون لتجنب الكثير من الخلافات والاقتتال…ونعلم جميعاً أن كافة رجال الدين رفضوا هذا القانون على اختلاف انتماءاتهم!! لماذا؟ لأن القانون العلماني يسحب منهم السلطة السياسية لا الدينية…فهم زعماء دين وسياسة في الوقت نفسه…لكن يوم النور وفجره لابد ..لابد آتٍ وأنا على يقين منه …إن شددتم رحالكم وجمعتم قواكم لدرء خطر محدق بتفتيت بلدانكم.
2ــ الأرض…لايشك امرء بقدسية الأرض لدى الانسان عامة وخاصة مايتعلق بالوطن، لكن هذه القدسية تختلف من منطق لأخر وتخضع لعوامل تاريخية وموروث ديني ووطني وتحسب نتائجها بمقدار ماتجره من ويلات وحروب وما يقدم على مذبح الحفاظ عليها من ضحايا وأرواح تزهق باسم حريتها…ففي التاريخ العالمي جرت حروب واحتلالات تحت اسم الغزو والتوسع والاستيطان، وبعضها تحت اسم التحرير والتطوير!، سواء في التاريخ القديم أم الحديث، وعلى الدوام واستمر حتى اليوم منطق القوة كسيد للموقف وخاتم فصول الخلاف والحروب ، وفارض نتائجها لصالحه بالطبع، ومن هذا المنطلق شرع الانسان بالتسابق من أجل التسلح ضد عدو ما..أو خصم ربما يأتيه عن يمينه أو يساره أو يفاجئه من خلفه أو أمامه..، وخلال مسيرة التاريخ قامت وتولدت صراعات وحروب دامية استمرت العديد من الأعوام، كحرب المئة عام بين فرنسا وبريطانيا، وفي حقيقة الأمر أن هذه الحرب استمرت أكثر من 116 عام لكن المؤرخين سموها حرب المئة عام دامت من 1337 ـــ 1456 وفيها لمع نجم الفلاحة القائدة ” جان دارك” والتي استطاعت تحرير الكثير من المناطق الفرنسية وتتويج شارل السابع ملكاً على فرنسا ، وتعتبر نهاية هذه الحرب الحد الفاصل بين القرون الوسطى والحديثة، والتي دفعت بعدها دول أوربا خاصة للتسابق التكنولوجي والحربي ــ يمكن العودة لموسوعة حروب القرون الوسطى ـــ وحرب السبع سنوات بين فرنسا وحليفتها النمسا وروسيا والسويد ثم انسحاب روسيا وخسارة نابليون الثالث وسقوط بروسيا كلياُ بيد فريدريك الثاني وعلى أنقاضها أقام دولته الألمانية الموحدة ومن نتائج هذه الحرب هو نهاية كليه لدولة كانت تسمى بروسيا! ..الحرب قامت بين( 1756 ــ 1763 ) وشملت دولا تحتلها بريطانيا وفرنسا خارج قارتيهما في أمريكا الشمالية والهند وإفريقيا ــ راجع دراسات في تاريخ أوربا الحديث / عبد الكافي الصطوف / جامعة دمشق.
من خلال مطالعتنا للحروب القديمة نجد أنها لم تشكل دولاً بحدود ومفاهيم سياسية كما هي عليه الحال اليوم، فكانت تعتمد إما على صراعات عائلية ملكية اقطاعية تدعمها الكنيسة غالباً، أو امبراطوريات بدأت بالتشكل في نهاية العصور الوسطى وامتد نفوذها خارج قارتها..وكنا في منطقتنا نتعرض لصراع بين امبراطورية الفرس من جهة والإمبراطورية الرومانية من جهة أخرى، لكن هذا لم يمنع من إقامة الكثير من الدول ذات القوة والمساحة التي يعتد بها وينظر إليها كمؤسس لحضارة المشرق.. ، التي تعتبر من أقدم الحضارات فوق سطح الكرة الأرضية وقبل الميلاد، كحضارة الغساسنة جنوب سورية، والأنباط في بترا / الأردن وحضارة البابليين والآشوريين والسومريين/ مابين النهرين ، دمشق مثلاً عمرها أكثر من سبع آلاف عام…وتحت دمشق الحالية هناك حضارة ومدينة لانعرف عنها الكثير ــ مع الأسف ــ فقد امتدت الحضارة الآرامية وكانت لغتها لغة البلاد الرسمية حتى القرن السابع الميلادي من جبال طوروس شمالا حتى الجزيرة العربية ومصر جنوباً…وظلت على ماهي عليه حتى دخول خالد بن الوليد وعبيدة بن الجراح واحتلالهما لدمشق، وللعلماء الآراميين الفضل في الكثير من الترجمات عن اليونانية في العصرين الأموي والعباسي” ترجموا أرسطو وسقراط ــ أحمد أمين / ضحى الإسلام ” ناهيك عن ابداعهم في الحساب” المثلث والمستطيل ، القسمة والضرب والطرح والكسور ــ حسب ماجاء في كتاب مدارس العراق قبل الإسلام/ رافائيل بايو إسحق “، وتدخل الكثير من مصطلحاتها وتتشابك مع العربية ــ التاريخ السرياني والسريانية / الدكتور سامي نوح كرومي ــ قصدت من هذا أن حدود سوريا وسكانها الأصليين ظلت تمتد حتى جبال طوروس إلى أن انتهت الحرب العالمية الأولى، وأعني هنا ( انطاكية ، كليكيا، ديار بكر، أضنة، الرها، ولواء اسكندرون برمته )، هذه المنطقة تعتبر مساحتها أكبر من مساحة فلسطين، وعدد سكانها بعد ان ضمها ” كمال أتاتورك” حين اقام دولة تركيا على أنقاض الدولة العثمانية ووضع يديه على معظم الأراضي السورية ساعدته فرنسا وبريطانية في ذلك لتدرأ تحالفه مع ألمانيا ومن ثم وهبت له لواء اسكندرون عام 1939.( عدد سكان اللواء وحده قبل استلابه كان 220 ألف مواطن عام 1921 ومساحته 500 ألف كيلو متر مربع) تعرض سكانه للتهجير والقتل واستفتائه للتزوير، ولا يمكننا أن ننسى أن انطاكية كانت عاصمة سورية قبل دمشق أي قبل الإسلام.وقد تتابع القتل والتصفيات بعد مذابح الأتراك للأرمن عام 1915، فقد تعرض السريان للقتل والترهيب على يد الأتراك العثمانيين وقتلوا منهم قرابة نصف مليون إنسان ــ قصة حضارة للكاتب ويل ديورانت ــ كما يمكنكم العودة لمراسلات مكماهون ــ الشريف حسين والتي يضع فيها شروطه وحدود سوريا من جبال طوروس حتى البحر المتوسط شمالا والجزيرة العربية جنوباً، ثم يقبل بالتنازل عن كليكيا وأضنة وماردين وديار بكر.
السؤال الهام هنا:ــ لماذا يختلف موقفنا من احتلال هذه الأرض عن موقفنا من احتلال فلسطين؟!.
ــ لماذا نخوض ومازلنا حروباً طاحنة مع إسرائيل ولا نرفع إصبعاً ونطالب بما سلب منا واقتطع من شمال سورية لا سابقاً ولا لاحقاً؟…هل هو منطق القوة أم الخوف أم هناك أسباب أخرى؟، هل قوة تركيا تفوق قوة إسرائيل؟…والمعني بهذا سورية قبل غيرها…لماذا تخوض سوريا حروباً من أجل فلسطين عام 1967 وعام 1973 وتخسر فيها أرضا جديدة ” الجولان” ولم تخضها من أجل أرضها هي؟! وحتى الجولان مر على احتلاله اليوم 43 عاماً ، لكن صوت فلسطين يعلو على صوت الجولان وأي منطقة عربية محتلة، نعم إن طريقة الاحتلال الإسرائيلي كانت من أبشع الصور، التي عرفها التاريخ، لأنها هجرت شعب وكيان لاقامة شعب آخر لاكيان له…لكن ألا ترون معي أن هناك أسباب أخرى خفية تلعب دورها وراء هذا الموقف؟
السبب في اعتقادي يعود لاختلاط قدسية الدين بقدسية الأرض، لأن أرض فلسطين بالعرف الموروث إسلامياً هي ” أرض وقف إسلامي” قبل أن تكون أرض عربية وما الصراع على القدس كعاصمة من كلا الطرفين إلا بسبب قدسيتها الدينية !وكلا الطرفين يعود لسام بن نوح!.
ــ لماذا يستمر حزب الله في تسليح نفسه بحجة مزارع شبعا باعتبارها أرض لبنانية محتلة، وأن غايته مقاومة المحتل؟ــ وكلنا يعلم أن الأمر سياسي ــ ولماذا لايقبل في مدارسه وصفوفه غير الشيعة؟ وكذلك الحال بالنسبة لأحزاب الأخوان المسلمين أو حماس والجهاد، هل يوجد بينهم مسيحي واحد، أو شيعي واحد؟
ــ لماذا يختلف منطق قدسية الأرض عندنا عنه في دول أخرى لاتريد أن تخسر من أجل قطعة أرض المزيد من الدماء والضحايا؟ روسيا باعت ألاسكا لأمريكا، والمكسيك باعت كاليفورنيا للولايات المتحدة، والألزاس واللورين تنازلت عنهم ألمانيا لفرنسا، وبروسيا برمتها حذفت من التاريخ والجغرافيا وأقيمت على أنقاضها ألمانيا الموحدة، هونغ كونغ مازالت مستعمرة بريطانية ، وجزيرة مايوت” إحدى جزر القمر العربية” رفضت الاستقلال! وصوت أهلها في آذار 2009 على بقائهم تحت جناح فرنسا وسيصبح انضمامهم لها رسميا في عام 2011 ،ناهيك عن أن حرية جيبوتي شكلية وفيها أكبر قاعدة للقوات الفرنسية.
وينطبق الحال نفسه على كل من مجموعة الجزر في المحيط الهادي” الدومنيكان، الغوادلوب، غوايانا” ثم جزيرة كاليدونيا قرب أستراليا، لماذا تفضل هذه البلدان بالبقاء فرنسية وترفض الاستقلال؟
لقد استقلت الجزائر بعد حرب طويلة ومقاومة عسيرة راح ضحيتها مليون إنسان، لماذا يحلم معظم ــ إن لم نقل كل ــ شبابها بالهجرة والعمل في فرنسا؟ ألم يحصلوا على حريتهم؟ ويقيموا دولتهم المسلمة العربية عليها؟ هل السبب اقتصادي فقط؟ ولماذا ينهار اقتصاد بلد بهذه المساحة وهذا الشريط الساحلي الأخضر الطويل على المتوسط وهذه الثروة البترولية الهائلة؟ .
3ـــ المرأة …غرابة الربط هذه عند العربي تعود لغرابة موقفه من إنسان هو سبب وجوده على الأرض وهو سبب ثراء الأرض وتكاثر النوع الإنساني، وترتبط هذه الغرابة بالموروث الاجتماعي عشائري البعد والموروث الديني الدوني في تقييمه للمرأة ودورها في الحياة الأسرية والعامة، وتختلف هذه الموازين وتتعرض لانخفاض وارتفاع تبعاً لتطور التاريخ وتطور العقل العربي وثقافته الموروثة والعمل على تطويرها وتحديثها حسب المفهوم السياسي للأنظمة التي تعاقبت علينا حتى اليوم.
حين خرجت جموع النساء في مصر على رأسهن هدى شعرواي وقبلها نبوية موسى” أول من تعلمت وأسست مدرسة للبنات”،كانت المرأة في مصر سباقة إلى النهوض المجتمعي والسياسي، وقد أسست هدى أول اتحاد نسائي مستقل وتظاهرت احتجاجاً على اعتقال زعماء حزب الوفد وطالبت سعد زغلول بمساواة وحرية المرأة، لم تكن فيهن امرأة آنذاك تحارب الإسلام أو تريد الخروج على تعاليمه، لكنها سعت لاعادة النظر بفهمه وتفسيره بشكل واقعي عقلاني متحضر والأخذ بالنصوص ، التي تنتصر للمرأة كإنسان ولا تحط من قدرها وكرامتها ولا من مساواتها مع الرجل، وتطالب بحقها في العلم والعمل والإدارة والتأثير في الحياة العامة كمواطنة،وآنذاك قال المرحوم رفاعة الطهطاوي بين عامي 1801 ــ 187″ وقوع اللخبطة بالنسبة لفقه النساء لايأتي من كشفهن أو سترهن، بل منشأ ذلك التربية الجيدة والخسيسة”!,, بنفس الوقت ظهر في سورية ولبنان أعلام نسائية وأصوات مناضلة مثل: هند نوفل ثم نازك بيهم، ونظيرة زين الدين ، وفي تونس السباقة حتى الآن ظهر مصلح ومحرر رائع ” الطاهر حداد، نساءنا بين الحق الديني والمجتمعي” وحين أطلق الرئيس التونسي المرحوم ” الحبيب بورقيبة” صرخته واتخذ قراره مع مجموعة من علماء الزيتونة، اعتمد فيها على الآيات القرآنية ، في منعه الزواج بأكثر من واحدة” أخذ من القرآن الآية: (وإن لم تعدلوا فواحدة…..ولن تعدلوا)…أي أنه التزم وألزم التونسيين بما ينطبق على الحاضر ويتوقف عليه مستقبل تونس وتحضرها وانعاش نموها اقتصادياً، ولم يأخذ المقطع الأول من الآية ، التي تسمح بالتعدد ، والتي تقوض تطور المجتمع وتهين المرأة وتغمضها حقها أي ( يحل لكم مثنى وثلاث ورباع وماملكت أيمانكم ) ــ دراسة دكتوراة جامعية للسيدة سعاد باكالتي ــ …هذه الآية لاحياة لها مع الحاضر، مع الزمن..عصرها انتهى وسبب نزولها لم يعد له أثر ووجود، وهل يعقل أن يأخذ المرء بالآية القائلة” واللاتي تخافون نشوزهن، فعضوهن، واهجروهن في المضاجع ، واضربوهن، فإن أطعنكم، فلا تبغوا عليهن سبيلا” /34من سورة النساء.وعلى الرغم من أن المرحوم محمد متولي شعراوي حاول التخفيف من وطأة الآية وتفسيرها في إحدى حلقات إرشاده ووعظه التلفزيونية على أنه ” ضرب غير مبرح، وأن الضرب لايعني الكراهية، ولكنه يكون علامة حب، وبما أنه غير مبرح فهذا يعني أنه يسبب الماً بسيطاً ، لأن الرجل بهذا يبغي مصلحة من يحب ومن يهمه أمره”!!! لا أدري ماهي حدود الضرب غير المبرح وأين تتوقف؟ …لكن أحداً لم يذكر عن أثرها النفسي قبل الجسدي،ــ وبالطبع لا أريد ان أضع اللوم كله على الإسلام، فالعنف ضد المرأة يمارس يومياً وفي كل بقعة من بقاع الأرض، وفي أعظم المجتمعات تطورا والتابعة لقوانين تحضر وتمنع العنف ــ لكن أقسى أنواعه وأبشعها هو القتل تحت مسمى ” جريمة شرف”!! ويكفي أن تفتح يومياً على صفحات موقع” نساء سورية” لتتحف ناظريك بجريمة جديدة تطال ضحية لاذنب لها على الغالب ، سيدة ترفع دعوى على رجل يضايقها هاتفياً ، لكن محاميه كان بارعاً فادعى أنها كانت على علاقة به وتتهرب منه الآن! حتى يخلصه من التهمة…فما كان من شقيقها إلا أن قتلها…وهي البريئة وابنة التسعة عشرة ربيعاً وأم لطفلين!…لا أعتقد هنا أن السبب يتعلق بالشروط الدينية بقدر مايتعلق بالتخلف الاجتماعي وسيادة عقل القبيلة وحق الرجل في امتلاك المرأة كجسد وعلى هذا الجسد يتوقف شرفه الرفيع وهنا تتفق التقاليد مع الإسلام حول معنى الامتلاك!! لايسعنا إلا أن نتوقف ملياً أمام قانون العقوبات في سورية خاصة حامل الرقم ” 548″ والمادة” 192″ التي تمنح القاتل صك براءة وحتى بعد تعديله من سيادة الرئيس فإنه يبقي على اسم الشرف ملتصقاً بالمرأة وأعلى نسبة سجن يمكنه أن يلقاها القاتل تصل حتى السنتين…وغالباً لايقضي نصفها ويخرج للحياة ليبني أسرة!! ، فأي نوع من الأسرة يمكن أن تنشأ على يد قاتل؟.
الحجاب ليس أقل مهانة من العنف ، وهنا يجب التفريق بين الحجاب المفروض من قبل الدولة ” إيران، وبعض المناطق في العراق” أو من قبل أحزاب تتحكم بمصير المنتمين لها” حزب الله” أو من قبل الأهل والمحيط…أي أننا ندرك أن من ترتديه هنا لايد لها فيه ولا خيار، لكن الأمر يختلف عندما تكون قد اختارته بمحض إرادتها مقتنعة بأنها ” عورة” وبأن الحجاب يحمي ” عفتها”..كما يخطب ويلقي الوعاظ والمفسرون!، لكني ومن خلال سؤالي للكثير من الفتيات أثناء زيارتي الوحيدة للوطن عام 2004، وجدت أن معظمهن يرتدينه اتقاء لشر ألسنة السوء وتجنباً لضغط الأخ أو الأب، وبعضهن يعتبرنه وسيلة أسهل للحركة والتواصل، كما أنه وسيلة اقتصادية هامة في ضوء الانهيار الاقتصادي وعدم مقدرة الفقيرة من مجاراة موضة العصر، ونادرا ما تختاره الفتاة عن قناعة وايمان وتمارس معه كل الطقوس الدينية، وهنا يجب أن ننظر للمحجبة إن اختارته بعد أن بلغت سن الرشد أم لا، لأنها على الأقل تكون قادرة على امتلاك زمام الاختيار ومسؤولة عنه، لهذا يؤلمني مشهد طفلة تختنق بغطاء رأس يلفع براءتها وثوب طويل يمنعها من اللعب والحركة.
وظاهرة عودة الحجاب بكثافة اليوم لمجتمعاتنا باعتقادي أنها نتيجة انهزام الرجل المسلم أمام نفسه وأمام محيطه وفشله الاجتماعي والعصري وبما أن الشعور النرجسي والتفوق متأصلة لديه ، فتأتي إسقاطاته واضحة البصمات فوق جسد المرأة.
ومن أبرز حالات ومواقف الحط من قدر وكرامة المرأة إسلامياً، هو دونيتها حسب ماجاءت فيه الآية” الرجال قوامون على النساء فيما فضل بعضهم على بعض” والتفضيل والقوامة هي للرجل باعتباره المعيل اقتصاديا ــ وهذا لم يعد وارداً ـ وباعتباره الأوفر حظاً حيث يأتي الحديث الشريف مكملاً ومترجماً منحازاً للرجل ففي قوله ” لو أمرت أحداً أن يسجد لأحدٍ ، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها” ــ عن القرطبي في آداب النكاح. في هذا الكتاب تقعون على عجائب من الأحاديث منها الصحيح ومنها المتفق عليه…وكلها يصيب الانسان بالغثيان لشدة حطه من المرأة وتشييئها وعبودية الرجل لها جنسياً..ومعاشرته لها وطاعتها له في كل الحالات والأوقات
كل هذا الموروث الديني مختلطاً مع الموروث الاجتماعي والتقاليد البالية قبلية البعد…تجعلنا ندرك أين تكمن محنة المرأة ولماذا يضحى بها وتقتل كي يبقى الرجل ، حتى في حالات اغتصاب المحارم…هي من يموت…وهو من يبقى…وقد كتبت الصحف الأردنية منذ أكثر من أسبوع وأغرقت صفحاتها بمافعله أب استمر في اغتصاب ابنته أعواماً مع صمت مطبق من أمها! …وكيف أراد إجراء عملية إجهاض لها…فانكشف أمره…وحالة أخرى مشابهة في درعا…اغتصبت ابنة الخامسة عشر ربيعاً من عمها..فقام بشنقها ليغطي على جريمته..هذا مايتم كشفه وفضحه إعلاميا حين يصل لوسائل الإعلام، لكن الحوادث الأهم هي ما تخفى ويغطى عليها…والحوادث الأبشع هو الرق الأبيض والمتاجرة بالمرأة كجسد…ولكم أن تطلعوا على تقرير منظمة العفو الدولية لعام 2009 تحت عنوان ” نساء العراق في قبضة العنف” ومعها تقرير صادر عن ممثلة منظمة حقوق الإنسان ومراقبة حقوق الإنسان الأمريكية وباختصار مجموع التقارير تؤكد أن هناك مايعادل 5 ملايين طفل يتيم و500 ألف مشرد ناهيك عن أعداد الأرامل ضحايا القهر الإجتماعي والسياسي، وضحايا الاغتصاب والتهريب وإجبارهن على ممارسة الدعارة، ناهيك عن السجينات ومايتعرضن له من حالات اغتصاب ويستهدفن لمجرد أنهن ينتمين لجنس المرأة!، هذا يعني أن المرأة في الحروب هي الضحية الأولى وأول من يدفع ثمن حماقة لايد لها فيها لافي القرار السياسي ولا في نظرة المجتمع المتدنية المقززة كونها جسد لإشباع غريزة حيوانية، ففي حروب صدام كانت أرملة وقتلت بقوانينه الجائرة…وتاجروا بجسدها في الأنفال…وهاهي تعيش ذل الأمية لارتفاع نسبتها اليوم وضحية العنف والفاقة…
ترتكب باسمها ومن أجلها الجرائم، وتحمل نتائج حروب الرجال فتكون أولى ضحاياها…بالطبع هنا تتوحد الكائنات البشرية في قذارة حروبها وفي موقفها من المرأة….لكن جرائم الشرف نختص بها وحدنا..كعرب…لأن نرجسيتنا العربية وشرفنا المقدس يتموضع بين فخذي امرأة، لكنه لاينهزولا ترتفع حرارة الإيمان عنده حين يسرق وينهب المال العام ، ولا حين يعتدي على ابنة جاره..ولا حين يقتل شريكه في التجارة طمعا بمال لماذا تنقلب المعايير دينياً وتقليديا وأخلاقياً حين تقف بمواجهة امرأة…أو وطن؟!.
ــ 19/06/2010
خاص – صفحات سورية –