صفحات العالم

الجنرال فى متاهته

عماد الدين حسن
قبل أقل من أسبوعين أقال الرئيس الأمريكى باراك أوباما قائد القوات الأمريكية والأجنبية فى أفغانستان الجنرال ستانلى ماكريستال من منصبه وعين بدلا منه ديفيد بتريوس. سبب الاقالة ان ماكريستال أدلى بتصريحات للكاتب مايكل هاستينج فى مجلة «رولينج ستون»، نشرت تحت عنوان «الجنرال الهارب».
فى هذه التصريحات سخر ماكريستال من أوباما وطريقة تفكيره وإدارته للحرب فى أفغانستان ووصف مساعدى الرئيس ومنهم نائبه جون بايدن ومبعوثه إلى أفغانستان ريتشارد هولبروك ومستشاره للأمن القومى جيم جونز بأنهم مهرجون وحيوانات جريحة ولا يفهمون كثيرا فى الأمور العسكرية.
أوباما عقد مؤتمرا صحفيا لإعلان الاقالة وبعدها خرج ماكريستال من البيت الأبيض فى سيارة رمادية تغطى الستائر الداكنة زجاج أبوابها، عائدا إلى منزله بعد أن وافق أوباما على أن يمنحه معاش تقاعد برتبة جنرال بأربع نجوم، ما يمنحه معاشا شهريا قدره 12475 دولارا من دون ضرائب وكان يمكن لأوباما أن يمنحه معاش تقاعد «ثلاث نجوم» بمعاش قدره 11736 دولارا من دون خصم الضرائب، لكن أوباما قدر له خدمته الممتدة فى الجيش لمدة 34 عاما.
إقالة ماكريستال وراتبه التقاعدى وأزمة أمريكا وورطتها فى أفغانستان ليست هى بيت القصيد هنا، لكن الأمر يثير المقارنة بين هذا السلوك الأمريكى، وما يحدث على سبيل المثال فى بعض البلدان المتخلفة خصوصا فى أفريقيا الجنوبية.
فى الولايات المتحدة وأوروبا ــ سواء أحببنا أو كرهنا ــ هناك نظام أو «سيستم» يجعل القادة العسكريين مجرد منفذين للسياسات التى تضعها الحكومات والإدارات المنتخبة، ولذلك كان طبيعيا أن يقول أوباما إنه لم يحل ماكريستال للتقاعد بسبب «الاهانات الشخصية» التى تفوه بها ضده، لكن لأن «سلوكه لم يكن منسجما مع المعايير المطلوبة بالنسبة لجنرال»، وبعده تحدث مايك مولين رئيس الأركان قائلا: «نحن قادة الجيش الأمريكى ليس لنا الحق أو الأفضلية للتشكيك فى قدرة قادتنا المنتخبين أو المعينين أو الاستهزاء بدوافعهم.. نحن مجرد أداة محايدة ويجب أن نظل كذلك».
هذا هو حال الجنرالات فى أمريكا وأوروبا فماذا يفعل الجنرالات فى البلدان المتخلفة؟
فى هذه البلدان يستيقظ الجنرال ذات يوم، متعكر المزاج، لأى سبب من الأسباب، فيستدعى دبابة ويأمر سائقها بالتوجه إلى القصر الجمهورى، فيقتل كل من يقابله، بعدها يتوجه بنفس الدبابة إلى دار الإذاعة والتليفزيون، ومن هناك يلقى بالبيان رقم واحد لتحرير البلاد من فساد وديكتاتورية الرئيس الذى أصبح راحلا هو وأفراد عائلته، بعد اعترافهم بخيانتهم وجرائمهم ضد الشعب.
الرئيس المخلوع أو المقتول كان بدوره قد استولى على الحكم بنفس الطريقة عندما كان جنرالا، وأعدم الرئيس الذى قبله. جنرالات أمريكا وأوروبا يعرفون أن قادتهم السياسيين ــ حتى لو كان بعضهم شاذا جنسيا ــ جاءوا للحكم فى انتخابات حرة، وأنهم، أى الجنرالات، لو فكروا فى التمرد العسكرى فإن المجتمعات الحية والعفية ستحاكمهم فورا، وجنرالات التخلف يدركون أن رؤساءهم سرقوا السلطة أو اغتصبوها، وأنهم مكروهون شعبيا، ولذلك يتصرفون بطريقة «يا صابت.. يا اتنين عور».
الجنرال فى أمريكا ينتقد رئيسه، فتتم إقالته ويذهب إلى منزله آمنا ويحصل على معاشه كاملا، والجنرال الآخر، إما أن يصبح رئيسا أو قتيلا وأحيانا معتقلا مدى الحياة. علينا أن نحمد الله أن أبعد الانقلابات العسكرية عن منطقتنا العربية باستثناء بعض البقع الصغيرة كما حدث فى موريتانيا، وعلى أوباما أن يحمد ربه أن أقصى ما يمكن لماكريستال أو أمثاله أن يفعلوه هو النقد والسخرية فقط.. وعلى الجنرال ماكريستال نفسه أن يتقوقع على نفسه فى متاهته قانعا بمعاش تقاعدى أربع نجوم و12475 دولارا شهريا.
الشروق المصرية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى