هل ستنتهي موجات اعتقال الرأي الآخر في سورية ؟
عبدالله تركماني
تكررت على مدار سنوات ما بعد ربيع دمشق في العام 2000/2001 الحملات ضد المثقفين وناشطي الشأن العام، اعتقالاً ومحاكمات صورية وأحكاماً بالسجن، وملاحقات واستدعاءات واتهامات مضللة، ومنعاً من الكتابة والتعامل في الإعلام الرسمي، وتسريحاً من العمل في دوائر الدولة، ومنعاً من السفر طالت مئات من المثقفين والناشطين الحقوقيين والسياسيين.
وطوال السنوات الماضية بدا أنّ الوطنية التي يُطلب من جميع السوريين إعلان ولائهم لها وانتمائهم إليها لا تبدو مرتبطة بحقوق وواجبات ومصالح ومسؤوليات والتزامات، وتحتمل النقاش والتطوير والتجديد والتحسين، وإنما سقفاً تفرضه مقتضيات أمن النظام، الذي يتجسد عبر تعزيز القيود والحدود التي تؤمّن وحدها الوحدة والالتحام والانتظام. فليس المطلوب من أحد، لا من الشعب ولا من المسؤولين ولا من نشطاء الشأن العام، تأدية أي واجب من أي نوع كان، بل الطاعة والهدوء وإعلان الولاء. ولذلك لا تتجلى الوطنية هنا عبر إنجازات، سواء أجاءت من المعارضة الوطنية الديمقراطية أم من النظام، ولكن عبر تأكيد الثوابت وإحباط إرادة الأفراد والجماعات المكونة للمجتمع السوري.
وإذا كانت خمسينيات القرن الماضي قد ميزت التجربة الديمقراطية في سورية بكونها أرست الأساس الاجتماعي – السياسي لصعود المسألة الوطنية، فإنّ ائتلاف إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي ( الذي قضى أحد عشر كوكباً من قياداته ورئيسة مجلسه الوطني الدكتورة فداء الحوراني أحكامهم الصورية وبُدئ بإطلاق سراحهم في هذه الأيام ) بدعوته إلى النضال السلمي من أجل الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية، يعبّر عن حيوية قوى المجتمع السوري، وتطلعها نحو نظام وطني ديمقراطي، يقيم العدل، ويتعامل مع الموارد الاقتصادية والبشرية السورية، ومع الجغرافيا السياسية، بعقلانية تروم إلى الجدوى. ومن المؤكد أنه بدون ديمقراطية لا يمكن حماية الوحدة الوطنية، ولا التعاطي المجدي مع محاولات الهيمنة الخارجية، ولا مواجهة المشروع الصهيوني وتحرير الجولان بطريقة مشرفة.
إنّ ما نحتاج إليه لبناء الوطنية الحقة ليس شعارات تعبوية تمجّد الزعيم والحزب الحاكم، بل إنهاء الاعتقال التعسفي للرأي الآخر، وإجراء تحولات ديمقراطية حقيقية في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لتعزيز الدعائم الأساسية التي تقوّي المجتمع وتؤكد حضوره ككيان موحد وفاعل. وبالتالي لن ينعم مجتمعنا بلحمة وطنية صحية إلا في حال البدء بتحرير السياسة من السيطرة الشمولية للسلطة، من الوصاية والنمطية، ومن سيادة الرأي الواحد والصوت الواحد والحزب الواحد، بما يعني الاستعداد لخطوات جريئة، على صعيد حقوق المواطنة والعدالة وسيادة القانون، والقبول بالتعددية والاختلاف كمقدمة لا غنى عنها لصياغة عقد اجتماعي متوازن يضمن للجميع حقوقهم على قدم المساواة في المشاركة السياسية وإدارة الشؤون العامة.
ففي سورية ما يكفيها من الأزمات والتحديات التي تحتاج إلى جهود لا يستطيع النظام مواجهتها، بانفراده وتحكّمه ومنعه النشاط السياسي وحجبه حق المعارضة عن المواطنين، كما تحتاج إلى قبول الرأي الآخر والكف عن قمعه وتجريمه أو تخوينه.
إنّ بوادر الانفراج في سياسات النظام الخارجية وما يعبر عنه إعلامه من إحساس بتراخي العزلة من حوله، لا يمكن أن تتأكد من دون أن يكتسب مصداقيته في سياساته الداخلية، وطالما بقيت العقلية الأمنية مهيمنة على سياساته تجاه المجتمع السوري ونخبه الثقافية والسياسية.
ومن المؤكد أنّ كل الحريصين على سورية، مكانةً ودوراً ومستقبلاً، يأملون من السلطات أن توقف اعتقال الرأي الآخر وأن تطلق سراح جميع معتقلي الرأي والضمير، وفي مقدمتهم عضو الأمانة العامة لإعلان دمشق الأستاذ علي العبدالله وشيخ الناشطين الحقوقيين هيثم المالح، وأن تفتح صفحة جديدة قوامها الحوار الوطني الشامل بين جميع أطياف الحياة الفكرية والسياسية السورية.
كاتب وباحث سوري مقيم في تونس