غسان المفلح

السلطة واضحة ونحن أكثر!

غسان المفلح
منذ زمن ليس قليل، وأنا اكتب عن قضية لطالما شكلت تضليلا، في حقلي الثقافة والسياسة في سورية، وهي قضية تركيز غالبية النخب السورية في نقدها للأوضاع السياسية، على ما يعرف بالوضع العربي، في تعميم مقصود وبين. التنظير للحالة العربية، لدى النخب السورية، ليس فقط لدى النخب الثقافية والسياسية المعارضة، أو من هم في مجالها، بل يتعدى الأمر إلى مثقفي السلطة السياسية، والأمر أكثر من واضح، تعميم الحالة السورية، أو رمي الحالة العربية كأنها سببا للحالة السورية. السلطة السياسية واضحة في تعميميتها هذه ومصلحتها في ذلك واضحة أيضا، ولكن يعتقد بعض منا أن النخب الأخرى هي الغامضة، ولديها خلل في قراءة المشهد السوري، أنا لا أعتقد ان الطيب تيزيني أو جورج طرابيشي أو برهان غليون* أو عزيز العظمة أو أدونيس، لديهم خلل في ما يطرحونه على المستهلك من خطاب، بل أننا يجب ان نقر ونعترف أن هذا هو موقفهم من الحالة السورية الداخلية. وهم أكثر وضوحا في ذلك. وجمعهم هنا لا يعني أن مواقفهم واحدة من الحالة السورية، ولكن من حقهم بالطبع أن يكونوا مثقفين على المستوى العربي، وهذا له مقتضياته الخطابية، ويؤره الثقافية، ولكن الأمر أنهم كل موضوع يتناولونه، يخرج القارئ أو المتلقي تقريبا” بأن الأحوال هي نفسها في كل البلدان العربية” جورج طرابيشي عزيز العظمة أدونيس تنظيراتهم حول إشكالية العلمانية والديمقراطية فمصر مثل جارتها ليبيا والسعودية مثل المغرب، وتونس مثل سورية، كلهم إسلام، الطيب تيزيني وتنظيراته حول المسألة القومية، والصراع العربي الإسرائيلي.

هل هذا تعبير عن قصور معرفي؟ أم أنه يناقش في حقل الموقف السياسي؟ في مراجعات بسيطة تماما، يرى المرء، أن الموقف السياسي سباق على التنظير له، الموقف السياسي الذي تتضح فيها القوى وموازينها على الأرض، والاصطفافات، وتتضح البؤر المولدة للحدث السياسي، في هذا المعنى لا أحد منا بريء، كلنا متورطون في التباس المعنى سوريا، السلطة وحدها واضحة، فسادها واضح، قانون لاطوارئها واضح، تطييفها للمجتمع أكثر وضوحا، وتحويلها سورية إلى دولة فاشلة أكثر من واضح، تزايد متسارع لانحدار مزيدا من الشرائح الاجتماعية إلى مادون خط الفقر، لم يعد يحتاج إلى تنظيرات بل يحتاج إلى أرقام موجودة لدى هيئات كثيرة دولية وإقليمية ومحلية، وهي منشورة في أكثر من مكان.
عنوان بسيط” نظر للقضايا العربية، دافع عن العلمانية وتخوف من الديمقراطية لكي لا تأتي بالإسلاميين إلى السلطة، هاجم تخاذل الدول العربية تجاه القضية الفلسطينية” هذه عناوين مرحب بها لدى السلطة، ولا تحتاج أن نقول لأصحابها أنكم، وطنيون ولكن لديكم خلط، لأنه من الخطأ تماما إخضاع مفهوم الوطني لمقتضيات موقف سياسي، بهذا المعنى علينا تحديد معيار الوطنية السورية، وهذا أمر في الواقع لا يعني أحد، كل يرى وطنه من زاويته، لهذا أرى أن سحب مفهوم الوطنية من التداول هو الأمر الأكثر خصوبة، لقراءة اللوحة سياسيا. التأصيل الثقافي السياسي في سورية، يمر عبر عتبة السلطة، ليس لأنها تريد ذلك فقط، بل لأنه بات هنالك جملة من المصالح والكتل النخبوية، ترى أنها يجب ان تؤصل لوضع السلطة ثقافيا وسياسيا، مهما اختلفت العناوين. سؤال الوضع السوري في النهاية ليس سؤالا للنخب، بل هو سؤالا للمعارضة السورية، التي تحاول أن تؤسس لسؤال الديمقراطية، بمعناها المتداول، لأن السلطة واضحة تجاهه وعلينا أن نكون أكثر وضوحا.

* للدكتور برهان غليون تجربة فكرية وسياسية مختلفة.
ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى