حسين العوداتصفحات العالم

تراجعَ أوباما ودخل لعبة الخداع

حسين العودات
في ضوء حملة الرئيس باراك أوباما الانتخابية ، والأفكار التي طرحها والمواقف السياسية التي تبناها، وطبيعة شخصية الرجل وتاريخه ونمط تفكيره وتعامله وتجاربه التي عاشها، كان من الصعب التنبؤ ثم الاقتناع بأنه من ذوي ازدواجية القول والرأي، وممارسي الصيف والشتاء على صيف واحد. وقد شرح الرئيس موقفه بالتفصيل من الصراع العربي الإسرائيلي في خطابه الأول الموجه للعالم الإسلامي الذي ألقاه في تركيا، وخطابه الثاني الموجه للعالم العربي الذي ألقاه في القاهرة، وكان الخطابان في الواقع منسجمين مع السياق العام للسياسة المأمولة من الرئيس الجديد للولايات المتحدة ومع توجهاته في حملته الانتخابية، مثل مواقفه من رفض الاستيطان والعمل على إقامة الدولتين والوصول إلى تسوية فيها شيء من العدالة، والإشارة إلى آلام الشعب الفلسطيني وحقوقه وإلى الشرعية الدولية، ولاشك أنه قدم للعرب في هذين الخطابين جرعة تفاؤل، وكانوا سعداء بما قاله ، وتأملوا خيراً واعتقدوا أنه جاء إلى البيت الأبيض الرئيس الذي يتفهم حقوقهم. خاصة وأنه أول رئيس أمريكي يقول ما قال وانتظر الجميع بدء تطبيق الأقوال والسياسات المعلنة في حيز الواقع.
لقد أوحى التطبيق العملي لهذه الأفكار خلال السنة الأولى بتباشير ممارسات جديدة مارستها الإدارة عندما عينت السيناتور ميتشيل وسيطا ًمتفرغاً، وأرسلت نائب الرئيس لزيارة المنطقة للسبب نفسه، ورفضت مشاريع الاستيطان الإسرائيلية الجديدة، وأحيت قرارات الرباعية، وأكد الرئيس أوباما جديته وإصراره على هذه السياسة، عندما استقبل بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل في آذار/ مارس الماضي استقبالاً فاتراً، فلم تؤخذ الصورة التقليدية للقاء ، ولم يودعه كالعادة حتى باب صالة الاستقبال ، وقد سرب بعض الصحفيين الأمريكيين وبعض ضباط الجيش فضلاً عن بعض الاستراتيجيين أقوالاً تشير إلى أن إسرائيل أصبحت عبئاً على الولايات المتحدة، وأن علاقتهما الاستراتيجية والتاريخية تواجه بعض الخلل والصعوبات لأول مرة منذ إنشاء إسرائيل، وافترض المراقبون والمحللون السياسيون بل والأوساط السياسية الأوروبية والأمريكية والشرق أوسطية أن العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة سوف تزداد سوءاً وتدهوراً في القادم من الأيام.
يبدو أن بنيامين نتنياهو والأوساط الصهيونية داخل إسرائيل وخارجها وخاصة في الولايات المتحدة هي الوحيدة التي لم تخش لا قطيعة مع الإدارة الأمريكية ولا صعوبات في العلاقات الاستراتيجية، ولا حتى تغير بالعلاقات التكتيكية والإجرائية، وكانت واثقة من عجز أوباما عن الاستمرار في سياسته المناوئة لسياسة نتنياهو العدوانية والصلفة والمستهترة بالإدارة الأمريكية وبالقانون الدولي وبالرأي العام العالمي، بدليل أن نتيناهو كان يستقبل أي مبعوث أمريكي بقرارات استيطان جديدة، فاستقبل نائب الرئيس بايدن بقرار البدء ببناء (1600) وحدة استيطانية، ورحب بالمبعوث ميتشيل بقرار استيطان لأحد أحياء القدس ، دون خشية من السياسة الأمريكية، بل دون أن يأخذ في اعتباره التعامل مع هذه الإدارة ورجالها بشيء من التهذيب أو الدبلوماسية.
في مطلع الأسبوع الثاني من الشهر الحالي زار نتنياهيو واشنطن، ولم يتوقع أحد أن يستقبل الرئيس أوباما بنيامين نتنياهو بالجفاء نفسه والصد نفسه اللذين كانا في المرة الماضية، وكانت معظم التوقعات تقول أن الاستقبال سيكون معتدلاً هذه المرة وليس جافاً كما كان في المرة السابقة، وسيتم بحث عديد من القضايا المطروحة والمتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي والوضع الإيراني والعلاقات التركية الإسرائيلية. وتوقع معظم المراقبين أن الرئيس الأمريكي سيطالب نتيناهو ، على الأقل، بأن يتحلى بشيء من المسؤولية والتعامل المعتدل مع القانون الدولي، وان يخفف من صلفه وتطرفه وفجاجة سياسته، وبالتالي يكون الرئيس أوباما قد حافظ على نهج سياسته الشرق أوسطية بشكل عام، ونصح الحليف الاستراتيجي الإسرائيلي بالاعتدال، وحافظ على مصالح بلاده وعلى شيء من الدفء في العلاقات الإسرائيلية الأمريكية كما يطالبه بعض إعضاء الكونغرس. إلا أن الرئيس أوباما انقلب على نفسه وتراجع في المؤتمر الصحفي الذي عقده بعد المقابلة من خلال تصريحاته غير المقنعة لأحد والتي لا توحي بأنه هو نفسه مقتنع بها ويصدقها، حيث وصف نتنياهو بأنه معتدل يتصرف بمسؤولية ويسعى للسلام، ودخل في لعبة خداع نفسه والعرب كما كان أسلافه من الرؤساء الجمهوريين والديموقراطيين يخدعونهم منذ أكثر من نصف قرن.
قال الرئيس الأمريكي أن الحديث عن تصدع الحلف بينهما لا أساس له من الصحة، وشدد على أن إدارته لم تطلب أبداً من إسرائيل اتخاذ أي خطوات يمكن أن تقوض (أمنها) مشيداً بتخفيف حصار الحكومة الإسرائيلية لقطاع غزة. وأشار إلى أن محادثاته مع نتنياهو تناولت مجموعة واسعة من القضايا المشتركة، وأعلن انه هنأ نتنياهو (على التقدم الذي تحقق عبر السماح بإدخال مزيد من السلع إلى غزة) وطالب بضمان أمن إسرائيل (المشروع) عبر منع تدفق الصواريخ والأسلحة على حركة حماس، وعبر عن قناعته بأن نتنياهو مستعد (للمخاطرة) من أجل السلام والدخول في مفاوضات مباشرة. وفيما يتعلق بالتسلح النووي الإسرائيلي قال إنه يعتقد ( أن لإسرائيل متطلبات أمنية خاصة) وبرر هذه المتطلبات (بالنظر إلى حجمها وتاريخها وموقعها والمخاطر التي تواجهها) ولهذا السبب أعلن التزامه (بأمن إسرائيل) وتأييده لامتلاكها السلاح النووي.
يتساءل المراقب هل حقاً إن الرئيس الأمريكي مقتنع بماقال؟ وهلا فعلاً أنه يصدق رغبة نتنياهو بالسلام وبان ما سماه التقدم في إدخال السلع على غزة هو الحل بدلاً من إلغاء حصارها الهمجي ؟.
وأخيراً كيف ينسجم موقفه من زيادة العقوبات على إيران بحجة سعيها لامتلاك السلاح النووي ودفاعه عن امتلاك إسرائيل مئات القنابل النووية والبلدان يقعان في منطقة واحدة، وهمجية إسرائيل وعدوانيتها مشهودة؟.
يبدو أن الرئيس الأميركي دخل لعبة الخداع، خداع النفس وخداع العرب كما دخلها أسلافه من قبل استجابة للضغوط الداخلية.
البيان

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. الأستاذ حسين العودات أستاذنا للغة العربية في ثانوية درعا قبل مايقرب من نصف القرن من المثقفين المعروفين على مستوى سوريا والعالم العربي — ولذلك فأنا أعجب من مقالته تلك التي يتوقع فيها أن ينالنا الإنصاف والعدالة من — باراك حسين أوباما — ياأستاذي الكريم أظن أنه غابت عنك حقيقة هي غائبة أيضا على الكثيرين من المثقفين العرب — هذه الحقيقة هي أن إسرائيل هي العصا التي تضربنا بها أمريكا لنبقى خاضعين لها تتحكم في مقدراتنا وكل ثرواتنا وعلى رأسها البترول — حسرتي كم بحت حناجرنا ونحن نهتف : بترول العرب للعرب والخيبة للإستعمار –حتى نبقى خاضعين أذلاء تحت الهيمنة الأمريكية يجب أن نخاف من شيئ هذا الشئ ياأستاذي الكريم هو — إسرائيييييييييل — ليست إسرائيل هي التي تسيطر على أمريكا كما يحلوا للكثير من العرب أن يظنوا — إن إسرائيل تعيش منذ نشأتها على المساعدات الأمريكية — ترى لماذا تقوم أمريكابالإنفاق على إسرائيل بهذا الكرم — هل هو لسواد عيون اليهود – أبدا لا إنما هو لتبقى إسرائيل هي العصا الغليظة التي تضربنا بها أمريكا لنخضع ونستكين ويساعدها في حكامنا الأ شاوس — على فكرة أستاذي الكريم شاهدت أمس على برنامج مناظر من حوران ثم عرجت على الجولان حيث عملت مدرسا فيها لمدة سنتين فرأيت العجب المحزن — رأيت أسماء القرى السورية قد ألغيت من الخريطة ووضع بدلا منها أسماء المستعمرات الإسرائيلية googl aerth

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى