اللعب بالنار والثلج معاً
خيري منصور
لو سئل الثالوث الصهيوني الأكثر شغفاً باللعب بالنار عن أسوأ مقالة نشرت في الصحافة الصهيونية هذا العام، لأجاب إنها مقالة عميرة هاس التي حملت عنوان “اللعب بالنار”، ذلك لأن المقالة تعيد ثلاث نقاط محذوفة إلى الحرف السياسي الأكثر تداولاً اليوم، وهي مطالبة المحتل بأن يكون حسن السلوك مع من يغتصب أرضه، خصوصاً إذا كان من أهل المقدس، الذين أعد لهم عقاب كافكاوي عجيب، لخصه أحد تلاميذ كافكا في عبارة واحدة، هي العقاب الجاهز الذي يبحث عن مُتّهم .
والنقطة الثانية، هي إبعاد قادة وعناصر فلسطينيين لأنهم لم يخلعوا القبعات وينحنوا لتهويد القدس وما يجرى فيها من تطهير عرقي .
والنقطة الثالثة في مقالة هاس، هي تذكير قادة الأجهزة الأمنية في الدولة الصهيونية بأن هذا اللعب بالنار لن يتوقف عند العبث برمادها، فهي حتماً سوف تمتد لتحرق اللاعبين أيضاً، وهذا في ذاته تحذير طالما كرره كتّاب ومحللون يهود من ذوي الأطروحات المضادة للصهيونية . إن اللعب بالنار يقابله من الجهة الأخرى اللعب بالثلج لأن الكرة أيضاً تكبر كلما تدحرجت، وأقرب مثال تاريخي على اللعب بالثلج، ما قالته مس بل في رسائلها إلى ذويها في لندن، عندما كانت تسمي نفسها صانعة تماثيل ثلج في العراق في الحرب العالمية الأولى، فما إنْ تفرغ المس بل من إنجاز تمثال ثلجي حتى يبدأ في الذوبان بدءاً من الأنف .
إن من يقبلون اللعب بالنار هم اللاعبون بكرات الثلج، أو صانعوا التماثيل التي سرعان ما تتلاشى وتصبح ماء، وعلى الطرف الفلسطيني الذي يدرك اللعب بالنار جيداً ألا يصغي بجدية إلى وعود أشبه بجرعات التخدير المتعاقبة والمتصاعدة أيضاً، فما قيل عن الدولة الفلسطينية القابلة للحياة كان مجرد عبارات ممنوعة من الصرف، لأن الدويلة التي يجرى العمل على تحديد تضاريسها وراء الكواليس غير قابلة للحياة . ويكفي، للتأكد من ذلك، مراجعة الأرقام المتعلقة بالاستيطان وعمليات القضم للأراضي الفلسطينية منذ أوسلو .
أما الثالوث الصهيوني الذي سيقول بصوت واحد كالجوقة إن مقالة هاس هي الأسوأ في الصحافة الصهيونية هذا العام، فهم ليبرمان وليفني ونتنياهو، لأنهم من الراديكاليين الذين يحلمون بترك بصماتهم على الحقبة الثانية للصهيونية، وإن كان نتنياهو الأكثر تطلعاً إلى موقع في ريادة ثانية . لهذا فإن هؤلاء وما يمثلونه سياسياً وثقافياً أصبحوا متخصصين في حذف النقاط عن الحروف، كي يبقى كل ما يصدر عنهم مجرد كلام عابر هدفه كسب المزيد من الوقت .
ولا تنفرد مقالة هاس بهذه الرؤية المضادة للمشروع الصهيوني الذي تأسس على الحذف والإقصاء، فثمة الآن محللون بين اليهود يعتبر كل ما يكتبونه عسير الهضم بالنسبة لنتنياهو وحكومته، وأحياناً يثير لديهم غثياناً سياسياً لأنه يفضح ما يحاولون بشتى الوسائل حَجْبَه بمراوغات لغوية، ومنها ما قيل منذ أسابيع فقط عن الفارق في المعنى بين ما يصرحون به بالعبرية وبين ترجمة هذه التصريحات .
ثمة قرائن عديدة تدفعنا إلى الاعتقاد أن ما تجرعه بعض اليهود من مرارات بسبب قياداتهم الحمقاء، وما يعانونه من قبح الصورة على مستوى العالم، قد يدفعهم إلى الصراخ بأن الإمبراطور عارٍ، لكن ليس على طريقة قصة أندرسون الشهيرة التي كتبت للأطفال، فعري الإمبراطور الصهيوني أمر يخصّ البالغين، سواء كانوا داخل فلسطين وعلى انقاضها أو في نيويورك وضواحيها القريبة والبعيدة .
الحليج