النقاب ووجه سورية!!
يحيى الأوس- الثرى
لا يختلف اثنان على أن النقاب لم يكن يوما تعبيرا عن واقع الحال في سورية، حتى مع تنامي التيارات والحركات الإسلامية في أرجاء المعمورة ظلت النتوءات الدينية المتطرفة التي يمكن التقاطها في سورية غريبة عن نسيج البلد، فمرة يقال عنها وهابية ومرة طالبانية وأخرى سلفية جهادية بمعنى أنها مستوردة عابرة وليست أصيلة. وحدها الصوفية المعتدلة هي ما يمكن أن يقال أنها ليست غريبة على نسيج هذا البلد، وبالتالي لا يمكن إلقاء اللوم عليها في ظواهر باتت اليوم عبئا ثقيلاً على كاهل السوريين وأقصد هنا النقاب الذي بدأ يطل برأسه في مفاصل عديدة من حياتنا مهدداً بمسح الهوية السورية أو على الأقل تشويهها.
ولئن كان النقاب حاضرا في بعض المناطق فمن الثابت أنه لم ينتشر لأنه ظل تقليدا اجتماعيا مغلقاً لا أساس ديني له، فهو ليس فرضا إلهيا، وإن كان البعض يجنح نحو تفسيرات ملتبسة للنص القرآني لإثباته كذلك رغم غياب الأوامر الإلهية الصريحة والواضحة، وما يؤكد ذلك هو حجم الاختلاف والتفرقة حول وجوبه من عدمه في مختلف النقاشات الدينية والشرعية للوقوف على مقاصده، ليس في سورية وحسب وإنما في أكثر الدول تشدداً، حتى أن مستوى الالتزام به انخفض كثيرا فيها وسكت عنه الكثير من الفقهاء ورجال الدين.
اليوم -ومن منظور حقوق المرأة- لم يعد ممكنا تفادي الاصطدام مع هذا المكون الغريب بوصفه شكلا من أشكال التطرف الذكوري المقيت الذي يحول المرأة إلى خيال بلا وجه معروف ولا شكل مألوف، بوصفه رمزا للخضوع أكثر من كونه تعبيرا صادقا عن الالتزام الديني، بوصفه تعبيرا حقيقيا عن المرأة مسلوبة القرار حتى وإن ادعت أن النقاب خيارها الذاتي
لأن الرجال وحدهم هم من يقررون متى يجب على المرأة أن ترتديه وإلى إشعار آخر!.
من المؤكد أن القرارات والأوامر الإدارية لا يجب إن تعمم ولا يجب إن تمس بالحقوق الأساسية لأي مواطن ولا أقصد هنا الدخول في نقاش حول حرية ارتداء النقاب وإنما عنيت حقوق أي مواطن بمن فيهم المنقبات من التسريح التعسفي والتجريد من الامتيازات الوظيفية والضمان الصحي والتعويض وسواها، هذه الحقوق التي لم تمس عملياً سواء في قرار إبعاد المنقبات عن العملية التعليمية أو حرمانهن من الدخول إلى الحرم الجامعي. الأمر الذي يفضي بنا نحو تحصينات قانونية واضحة ومحكمة لقوانين توفر اشتراطات عقلانية مدونة يفترض أن ُتلحظ في قانون تنظيم الجامعات مثلاً أو اشتراطات عند التقدم لشغل الوظائف الحكومية تتعلق بالمواصفات الشخصية عند الضرورة.
بعيدا عن التأويلات العديدة لدوافع القرارات ومدى صوابيتها من عدمها وبغض النظر عن كم ونوع المنجزات التي تحققت للمرأة إلا أنه لا يمكن إنكار التحول الإيجابي في الموقف الاجتماعي من المرأة، والذي حدث بفضل نجاحها في الحصول على بعض الحقوق التي سيكون من الصعب عليها التفريط بها مرة أخرى لقوى تختفي وراء عباءة الدين.
يحيى الأوس
مجلة الثرى- العدد 243 تاريخ 24-7-2010 السنة السادسة