الهجوم الاستباقي لحسن نصر الله
محمد فاروق الإمام
ما فتئ السيد حسن نصر الله يطل من خلال الشاشة بعيداً عن عيون الناس لأسباب أمنية، خشية وصول الأعداء إليه كما تشير التقارير والتحليلات الصحفية، ويعلن بصوت جهوري عال رسائل يريد إيصالها إلى فريق الرابع عشر من آذار، شريكه في الحكم، مفادها المثل الذي يقول: (ركبنا حميركم وصدنا غزلانكم) وسنبقى نغطي الشمس بغربال ونطمس عين الحقيقة رغم أنوفكم وإلا فسابع من أيار جديد بانتظاركم!!
فقد استبق حسن نصر الله صدور القرار الظني المتوقع صدوره عن المحكمة التي تنظر في جريمة اغتيال رفيق الحريري، الذي من المتوقع توجيه الاتهام لثلاثة عناصر (غير منضبطة) في الحزب.
فقد أكد نصر الله في مؤتمر صحافي الخميس 15 تموز الحالي أن رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري أبلغه قبيل توجهه إلى واشنطن في أيار أن القرار الظني المتوقع صدوره عن المحكمة سيتهم عناصر في حزب الله. وأن الحريري وعده بأنه (إذا حصل أي شيء فسأظهر في الإعلام وأقول إن الحزب لا علاقة له وأن أناساً غير منضبطين عملوا على ذلك).
موقف الحريري الشجاع والعقلاني الحريص على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي لم يقنع السيد حسن نصر الله، فقد أطل مجدداً من خلال شاشته يوم الخميس 22 تموز الحالي ليعلن، بعد أيام على خطابه الذي أثار ضجة سياسية وأوحى بإمكان عودة لبنان إلى ما قبل أحداث 7 أيار 2008 الدامية، ليؤكد أنه (علينا أن ندرك ونعرف أن لبنان تمّ إدخاله في مرحلة حسّاسة جداً من الآن، ونحن أمام مرحلة معقّدة ودقيقة، يدخل لبنان إليها ليس من باب أحداث داخلية ولا من باب حرب إسرائيلية، بل من باب المحكمة الدولية وما يقال عن قرار ظنّي سيصدر قريبًا)، وأن (حزب الله ليس خائفا، في موضوع القرار الظني، نحن مُعتدى علينا، وعندما يُعتدى علينا نعرف جيداً كيف ندافع عن أنفسنا). (ونحن لا نقبل أن يتهم نصف واحد من حزب الله لكي نقبل بأكثر).
وانتقد عدد من نواب الأكثرية (نواب فريق الرابع عشر من آذار) موقف حسن نصر الله في دعوته لفريق الأكثرية لمراجعة مواقفهم والاعتراف بأخطائهم، والاقتداء بما قام به رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط عندما اعترف بأخطائه وانحاز إلى حزب الله وسورية، وكان على رأس المعادين للنظام السوري، الذي اتهمه صراحة باغتيال والده كمال جنبلاط واغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، وعلى رأس المطالبين بوضع سلاح حزب الله بيد الدولة اللبنانية، مبدين تخوفهم من أن نصر الله يريد منهم الاستسلام وليس مراجعة المواقف، وهذا أمر خطير سيعيد لبنان إلى المربع الأول من العلاقات بين الفرقاء فيه!!
قد يكون حسن نصر الله قد وجد نفسه بعيداً عن الأضواء، وقد حل محله رئيس الوزراء سعد الحريري في زياراته المكوكية الناجحة إلى سورية، وهو الذي كان يعتبر نفسه الرجل الأول المؤتمن والمستشار لدى الحكومة السورية وقد تجاهلته في كل الذي يجري على الساحة اللبنانية السورية وقد أصبح في الدرجة الثانية من اهتمامها، وسواء كان هذا الأمر من سورية متعمد أم جاء عفوياً، للتحلل من هذا التحالف الذي جمعه مع إيران، في ظروف لم تعد تحتمل مثل هذا التحالف في هذه الأيام، وقد وجد نفسه في مواجهة أمريكا والغرب ومعظم الدول العربية، فإن حسن نصر الله لم يحتمل مثل هذا الموقف من حليف قدم له الكثير من الدعم التسليحي واللوجستي، وبادله الكثير من التضحيات والمعارك السياسية والإعلامية والتصدي لرافضي وجوده في لبنان وشن الحروب نيابة عنه والصمت عن تصفية عدد من قادته الميدانيين في دمشق، ويخشى أن يكافأ من قبل دمشق كما كافأ النعمان سنمار باني قصره الخورنق الذي زرع عيباً في أصل بنائه لا يعرفه غيره، بإلقائه من سطح ذلك القصر ليلاقي حتفه.
من هنا نجد انتفاضة حسن نصر الله المفاجئة من خلال شاشته الكبيرة للفت الأنظار إلى أنه لا يزال الأقوى في الساحة اللبنانية وأن بيده مفتاح الفوضى والأمان والسلم والحرب داخل لبنان وخارجه، ورسالته هذه قد وصلت إلى الفرقاء اللبنانيين، فهل وصلت إلى حلفائه في دمشق؟.. القابل من الأيام سيجيب عن هذا السؤال!!