من يحرك ذيل الفتنة في لبنان؟!
محمد فاروق الإمام
(الفتنة نائمة لعن الله موقظها).. بهذه الكلمات القليلة حذرنا رسول الله صلى الله عليه والسلم من الفتنة وتوعد موقظها بالطرد من رحمة الله.. ولا أعتقد أن سماحة السيد حسن نصر الله قد غابت عنه كلمات هذا الحديث، فهو يرددها في كل مناسبة كلما أطل من شاشته الكبيرة يحاضر أو يخطب.. محذراً ومنذراً من الفتنة التي قد تأكل لبنان وأهله، متوعداً فريق الأكثرية (الرابع عشر من آذار) من أن ينجر وراء الفتنة لأنه سيكون الخاسر الأكبر!!
فللمرة الثالثة في نحو عشرة أيام أطل حسن نصر الله يوم الأحد 25 تموز الحالي، مواصلاً هجومه الاستباقي على القرار الظني للمحكمة الدولية الخاصة في النظر في جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وإطلالته الثالثة هذه جاءت من بوابة التحقيق الدولي وشهود الزور – كما قال – مقترحاً تشكيل لجنة لبنانية للتحقيق مع شهود الزور لمعرفة من جندهم وفبركهم – كما قال – ولمصلحة من!!
لم يخف على أي مراقب أو متابع لما يجري في الساحة اللبنانية ما كان يقصده السيد حسن نصر الله في إثارته موضوع شهود الزور.. إنه يقصد إلى التشكيك في مصداقية المحكمة الدولية ونزاهة قضاتها ومحققيها وحرفها عن مسارها والسعي إلى نسفها من جذورها، وقد لاح في الأفق أن قرار المحكمة الظني يشير بأصابع الاتهام إلى عدد من أعضاء حزب الله بتورطهم في عملية الاغتيال، رغم أن هذا الأمر لم يعلن بعد.. إنه الاستباق لاستجرار عواطف الناس وشحنها مسبقاً في مواجهة من كان وراء هذه المحكمة – التي في زعمه – على علاقة وثيقة بالموساد الإسرائيلي، وحجته ما توصل إليه الأمن اللبناني من اكتشاف عدد كبير من شبكات التجسس داخل مؤسسة الاتصالات اللبنانية تعمل لصالح الموساد الإسرائيلي، وكأن المحكمة وقضاتها ومحققيها هم صنيعة الموساد الإسرائيلي ويجب معاملتهم كما تعامل شبكات التجسس المكتشفة في مؤسسة الاتصالات!!
وكان الأجدر بالسيد حسن نصر الله أن يعلن من شاشته الكبيرة أنه على استعداد للتعاون مع المحكمة الدولية لكشف الحقيقة وإماطة اللثام عن وجه القتلة سواء أكانوا من حزب الله أو أي طيف من الأطياف اللبنانية بغض النظر عن العرق أو الدين أو المذهب، فدم الحريري والعشرات الذين اغتيلوا ومصلحة الوطن أغلى بكثير من دم حفنة من القتلة، سواء كانوا من حزب الله أو أي حزب لبناني آخر!!
ولو فعل حسن نصر ذلك لكان حقيقة هو من يقف في وجه الفتنة ويمنع حدوثها لا سمح الله.. فلبنان والمنطقة لم تعد تحتمل مزيداً من الفتن والصراعات والحروب والدماء، وبعكس ذلك فإن حسن نصر الله بتصريحاته ودعاويه وافتراءاته وتشكيكه هو من يحرك ذيل الفتنة ويسعى لإشعالها!!
وفي مقابل ما قاله حسن نصر الله من كلام محرض ومشكك، سمعنا كلاماً متوازناً وعقلانياً من رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري في مؤتمر تيار المستقبل الأول حيث قال: (إن روح والدي لن تكون سبباً لتجديد الفتنة على ارض لبنان)، وقال (إن المحكمة الدولية ليست أمراً طارئاً وأن قضية اغتيال والدي باتت قضية وطنية وعربية ودولية، وأن الالتزام بتحقيق العدالة غير قابل للمساومة وجزء لا يتجزأ من الإجماع اللبناني ومن البيانات الوزارية ومن قرارات القمم العربية التي أكدت على ضرورة تحقيق العدالة(، محذراً من (أن هناك من يتصوّر أو يتخوّف أو يهوّل أو يتمنى أن تكون قضية اغتيال رفيق الحريري سبباً لاندلاع الحرب اللبنانية ونحن نقول أنه لا مكان في قاموسنا لهذه المخاوف ولا نبني موقفنا على معلومات أو تسريبات، فالقضية بالنسبة إلينا مبدئية ولا ترتبط بمسار التحقيق بل التزام شرعي وقومي نتعاطى معها بروح المسؤولية لمنع الفتنة من النفاذ إلى وحدتنا الوطنية الداخلية).