أهداف إسرائيل من نشر صور عن حزب الله
طلعت مسلم
نشر الجيش الإسرائيلي معلومات ذات طابع عسكري عن حزب الله يوم 8 يوليو/تموز 2010 اشتملت على خرائط وصور جوية للجنوب اللبناني وأخرى بالحاسب الآلي.
وقد تم هذا النشر في ظل أوضاع سادت بعد حرب لبنان في يوليو/تموز 2006. وكانت هذه الحرب تفرض على إسرائيل الانتقام لتأكيد قدراتها الردعية وتأكيد حرية حركتها على النحو الذي لا يترك فرصة لقوى أخرى بمحاولة تحدي قدراتها، لكن مرت أربع سنوات ولم تقم إسرائيل بالرد المطلوب. وعدم تنفيذ الانتقام يشير إلى ضعف في القوات الإسرائيلية، وإلى التغيير في الميزان الإستراتيجي نتيجة لما كشفت عنه الحرب من قدرات صاروخية لدى المقاومة اللبنانية، ومن قدراتها الدفاعية في مواجهة الهجمات البرية التي قامت بها، هذا بالإضافة إلى اكتشاف أن لدى المقاومة قدرات على الدفاع االساحلي بما يقيد من حركة القطع البحرية للأسطول الإسرائيلي.
كذلك فقد تصاعدت المعلومات عن توفر تسليح صاروخي لدى سوريا وبكميات كبيرة وبإمداد إيراني، ويصاحب ذلك ما أعلن عنه من تحالف إيراني سوري ينضم إليه حزب الله وربما حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وهي أمور يجب أن توضع في الاعتبار عند تقدير الموقف.
كذلك فقد تصاعد الجدال حول المشروع النووي الإيراني، وتقارير عن دعوة إسرائيلية لضرب المشروع، وتوقيع عقوبات على إيران من مجلس الأمن، وقيام الولايات المتحدة والدول الغربية بفرض عقوبات إضافية من عندها، بينما تبدو واشنطن غير مستعدة لاستخدام القوة، وتسعى إسرائيل لإقناع الرئيس الأميركي بضرورة العمل العسكري.
وكان قد حدث خلاف حول تنفيذ قرار مجلس الأمن 1701 اشتمل على نزع سلاح جنوب لبنان، وتحدد موعد اجتماع لمجلس الأمن لتجديد تفويض قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) يوم 8 يوليو/تموز 2010، وتقدمت إسرائيل باقتراح للمجلس بتغيير قواعد الاشتباك لدى هذه القوة. كذلك فقد بثت أنباء عن توجه فرنسي لاستصدار قرار من قيادة عمليات الأمم المتحدة في نيويورك يقضي باستحداث قوة التدخل السريع في القوة الأممية، وإعادة دمج القوات، في حين يتوقع أن تتخذ دائرة حفظ السلام بمجلس الأمن قرارها بهذا الصدد قبل سبتمبر/أيلول 2010.
تحليل المعلومات التي نشرتها إسرائيل
تبدو المعلومات أساسا على هيئة صورة جوية لقرية الخيام إحدى قرى الجنوب اللبناني وتوضح تفسيرا إسرائيليا للصورة. وقبل أن نناقش مشتملات الصورة الجوية، لا بد من الإشارة إلى أن الجنوب اللبناني يشتمل على عدد من القرى قدرها الجيش الإسرائيلي بأكثر من مائة قرية حولها الحزب إلى ثكنات عسكرية، وبالتالي فإن حجم المعلومات المتيسرة في الصورة يمثل نسبة ضئيلة من المعلومات المتيسرة لدى إسرائيل عن لبنان بما لا يشكل خطورة كبيرة ناتجة عن كشف هذه المعلومات.
يشتمل التفسير الإسرائيلي على: 13 مستودع أسلحة، وملجأين، ومقر قيادة غير واضح، وثلاث مدارس، ومنشأتين طبيتين، ومبنى حكومي واحد، ومسجد واحد. وتقيس الصورة المسافة بين موقع مدرسة وأحد المستودعات. والصورة عادية وليست بها أي تصوير غير عادي، بل قد تكون درجة وضوحها أقل من المتوقع، ويزيد من أهمية ذلك أن الطائرات الإسرائيلية تنتهك المجال الجوي اللبناني بصورة منتظمة ويومية وتحت بصر قوة اليونيفيل ودون اعتراض منها، أي أن الطائرات الإسرائيلية تقوم بالتصوير دون أي تهديد لها, وأنها ليست في حاجة للجوء إلى التصوير المائل، حيث تكون الصورة أقل دقة ووضوحا.
من الصعب تصور وجود هذا العدد من مستودعات الأسلحة في قرية واحدة، وإذا كان كذلك فإن سعة المستودع ستكون صغيرة بحيث يصعب إطلاق اسم مستودع عليها. الأغلب أن هناك مبالغة في تسمية مستودع أسلحة، وأن بعض ما هو مذكور يمكن اعتباره مخزن سلاح صغير، في حين أن باقي المواقع مجرد أماكن قد يستخدمها مقاتلون لأغراض غير التخزين.
والغالب أن عدد الملاجئ في القرية أكثر مما وضح في التفسير الإسرائيلي حتى يتسع للمقاتلين وكذا للسكان المدنيين، ويفترض البحث عن باقي الملاجئ. وتعتبر صور المدارس والمنشآت الطبية والمسجد كعامل مساعد للقول بأن حزب الله يحتمي بالمدنيين، وبالتالي تبرر ضرب المدنيين عند الاشتباك.
من المتصور أنه يمكن أن تكون المعلومات المنشورة لها بعض المصداقية، خاصة بالنسبة لما تراه إسرائيل مستودعات أسلحة، وقد تكون كلها أو بعضها لها استخدامات أخرى كمواقع نيران، أو مناطق تجمع، أو ساحات شحن وتفريغ، وهذا يتوقف على الأثر الذي تسعى إسرائيل إلى تحقيقه، فقد تكون صحيحة بنسبة كبيرة حينما يكون الهدف توضيح درجة دقة المعلومات لدى إسرائيل بما يؤثر بالقطع على قيادة المقاومة، ويدفعها للتفكير في تغيير الأوضاع لتلافي النتائج السلبية المتوقعة، كما يحتمل أن يكون الهدف خداع المقاومة بتصوير أن معلومات الاستخبارات الإسرائيلية غير دقيقة فتستهين بها.
ليس من المتصور أن تكون كل المعلومات الواردة بالتقرير الإسرائيلي فيما يتعلق بالجانب العسكري منها خاطئة بنسبة 100% على نحو ما صدر من بعض التعقيبات التالية له مباشرة حيث لا تحقق أيا من الأهداف المتصورة من نشر التقرير، لكن لا بد أيضا من القول بأن معلومات الاستخبارات الإسرائيلية عن جنوب لبنان يشوبها الكثير من الضعف. وتشير المعلومات عن شبكات التجسس التي اكتشفت في لبنان إلى شعور إسرائيلي بنقص في المعلومات، وأن أكثر هذه الشبكات سقطت في أيدي الاستخبارات والمقاومة اللبنانية. وهكذا فإن وجود أخطاء بالمعلومات المنشورة وارد وطبيعي وبنسبة معقولة تصل إلى 50%.
الأهداف المحتملة للنشر
لم يذكر الجيش الإسرائيلي صراحة الغرض أو الهدف من نشره هذه المعلومات، وإن كان المتحدث باسم القوات الإسرائيلية قال في تصريحه إن إسرائيل تكشف هذه المواد لتذكير العالم بمن هو حزب الله وما هي تطلعاته، بينما ذكرت وكالة أنباء أسوشيتد برس أن القيام بعمل عسكري ضد “المتعصبين الإسلاميين” ليس وشيكا. كما يرى فيها البعض تهديدا ضمنيا بضرب الأهداف الموضحة في الصورة.
من المتوقع أن تهدف إسرائيل من خلال ما قامت به تحقيق هدف رئيسي، ولا يتعارض هذا مع وجود أهداف ثانوية أخرى. ويتعلق الهدف الرئيسي بالوقت الذي كشفت فيه المعلومات وعلاقته بموضوع المعلومات، لذا فإن الأغلب أن هدف إسرائيل من النشر هو “تحقيق نزع سلاح حزب الله في الجنوب اللبناني (جنوب الليطاني) مع تجديد تفويض قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان”.
وكانت وسيلة تحقيق الهدف هي اقتراح السفيرة الإسرائيلية لدى الأمم المتحدة “أن إسرائيل ترى أن اليونيفيل مسؤولة عن فرض قرار مجلس الأمن (1701)، ويجب أن يسمح تجديد التفويض لقوات اليونيفيل بأن تطهر المنطقة التي تقوم بأعمال الدورية فيها على نحو ما هو مطلوب في القرار 1701، وهو ما لم يتحقق في قرار التجديد.
أما الأهداف الثانوية فلا ترتبط بتوقيت الكشف عن المعلومات، ومن المعتقد أن أهمها “محاولة الوقيعة بين المقاومة اللبنانية والسكان المدنيين من الشعب اللبناني، وتشجيع العناصر المناهضة لحزب الله والتي تطالب بنزع سلاحه”، باعتبار أن المعلومة تشير إلى أن المقاومة تعرض حياة المدنيين للخطر باتخاذ مواقع قريبة من الأهداف المدنية التي ليس لها طابع عسكري، وهو هدف سعت إسرائيل إلى تحقيقه خلال كل حروبها السابقة بما فيها حرب يوليو/تموز 2006.
يلي ذلك محاولة “إيجاد رأي عام عالمي يدين المقاومة اللبنانية” ويمهد لاتخاذ القرار إذا لم يتخذ مع قرار تجديد التفويض لقوات اليونيفيل واستجابة للتوجه الفرنسي، كما يمهد لقبول تدمير إسرائيل لأهداف مدنية.
يلي ذلك هدف “التأثير على حزب الله قيادة وقوات”، وذلك باستعراض معلومات استخباراتية عن أهداف للمقاومة، بما يوحي إليها بأنها تحت مراقبة دائمة بما يمكن من قصفها في أي وقت.
رابعا قد تهدف إسرائيل ل”اختبار قيادة المقاومة اللبنانية ومدى استجابتها لما ورد بالتقرير” وخاصة فيما يتعلق بالأهداف التي اعتبرها التقرير مستودعات أسلحة وبالنسبة للأهداف المدنية الأخرى.
التصرف حيال التقرير الإسرائيلي
لا شك أن الاستخبارات الإسرائيلية ستتابع رد الفعل في لبنان والعالم العربي والإسلامي بل وعلى النطاق العالمي على أثر الكشف عن المعلومات السابقة، بغية استخلاص الدروس والاستفادة مما تراه مفيدا، وتجنب أي آثار عكسية بقدر الإمكان.
لذا فإن المفضل ألا تكون هناك ردود فعل رسمية سريعة سواء على مستوى المقاومة أو السياسة اللبنانية، وسواء شفوية أو عملية، خاصة أن احتمالات الحرب ما زالت غير قريبة.
لكن من الضروري خاصة بالنسبة للمقاومة اللبنانية أن تدرس التقرير بأكبر تفصيل ممكن، ومحاولة قراءته وقراءة نوايا العدو، وأن تتجنب أي رد فعل سريع، وألا تجري أي تغييرات مبنية على معلومات التقرير إلا في ظروف تشابه التغيير الطبيعي وفي التوقيتات السابق إعلانها أو الدورية، والابتعاد عن أي تغييرات أو إجراءات سيقوم الحزب أو الحكومة بتنفيذها وفقا لخطط مسبقة.
وفي نفس الوقت يمكن استغلال التقرير للقيام بهجوم دبلوماسي مضاد للتنديد بالانتهاكات الإسرائيلية للأجواء الإقليمية للبنان، وتحميل قوة اليونيفيل مسؤولية السماح للطائرات الإسرائيلية بانتهاك المجال الجوي اللبناني والأمن اللبناني.
وعلى العناصر الوطنية والقومية عموما أن تعبر عن احتجاجها على الانتهاكات الإسرائيلية للسيادة اللبنانية، واعتبار أن اليونيفيل ومنظمة الأمم المتحدة نفسها مسؤولتان عن تعريض الأمن القومي اللبناني للخطر!
الجزيرة نت