صفحات سورية

قراءة في واقع وآفاق الاقتصاد السوري

null
معتز حيسو
تتجلى أزمة التناقض البنيوي للنظام الرأسمالي العالمي (القائم على تفاقم التراكم الاحتكاري، وتمظهره بأشكال مالية وخدمية تناقض موضوعياً الأسس الكلاسيكية للنظام الرأسمالي الصناعي/ الإنتاجي) في انعكاساتها على الاقتصادات العالمية بأشكال متباينة ومستويات مختلفة.
ومن الواضح، بأن تزايد حدة الأزمة الاقتصادية العالمية, ( زيادة معدلات الانكماش الاقتصادي، وهيمنة طور الركود على الاقتصادات العالمية، الذي تتصاعد معدلاته بوتائر متسارعة متجلية بانخفاض معدلات النمو، انخفاض الناتج القومي والإجمالي، ارتفاع معدلات تضخم الكتلة النقدية، تنامي رأس المال المالي أمام تراجع الاستثمار في مجالات الإنتاج الحقيقي زراعة، صناعة/ 44تريليون دولار يوظف في الإنتاج الحقيقي، بينما تتجاوز الكتلة النقدية في أسواق المال والمضاربات 2000 تريليون دولار/..ومن المؤكد بأن هذه التطورات تنبئ بدخول الاقتصاد العالمي في طور الكساد، مما يعني ازدياد حدة التناقض البنيوي الذي يهدد الأسس الموضوعية الضامنة لاستمرار النظام الرأسمالي، ويتقاطع دخول النظام الرأسمالي العالمي في طور الكساد، مع تنامي جملة من التشوهات والانحرافات البنيوية والهيكلية للنظام الرأسمالي في سياق سيرورته التاريخية، ( ومن الدقة بمكان القول بأن الانحرافات والتشوهات البنيوية التي طرأت على النظام الرأسمالي العالمي منذ عام 1979 حتى الآن ساهمت موضوعياً في التأسيس لأزمته الراهنة) التي تزداد عمقاً وتوسعاً أفقياً، وهذا يعود إلى تنامي مفاعيل عوامل الأزمة البنيوية الداخلية للرأسمالية في بنيتها العولمية المؤمركة، القائمة على الربط الاقتصادي العالمي، وفق آليات احتكارية تزيد من حدة الاستقطاب العالمي الذي يتجلى من خلال تعمّق الفرز الطبقي، ويتجلى هذا الربط على المستوى الكوني وفق أشكال تقوم على الدمج والاستتباع والغزو/ الاقتصادي، العسكري/ والإجتياف والهيمنة والإلحاق … لاقتصاديات الدول الفقيرة والمفقّرة باقتصاديات دول المركز للرأسمال العالمي، وقد تحدد الترابط الاقتصادي القائم على الدمج القسري على قاعد اشتغال متناقض لقانونان أساسيان حكما التطور الرأسمالي تاريخياً: ميل رأس المال نحو الربح ، وميل معدل الربح نحو الانخفاض/ بسبب تغيّر التركيب العضوي لرأس المال/، والذي ساهم تاريخياً في انتقال الرساميل من الدول الصناعية إلى مناطق استثمار جديدة سعياً لتحقيق أعلى معدلات ربحية. وقد ساهم في تنامي ظاهرة انتقال الكتل النقدية، وتسريع وتيرة حركة رأس المال من الدول الرأسمالية المركزية إلى مواطن الاستثمار على شكل قروض واستثمارات .. إضافة للقانونين السابقين تصدير الكتل النقدية على أثر الفورات النفطية من البلدان النفطية إلى الدول الرأسمالية المركزية، وهذا يفسر الانزياحات التاريخية في حركة الرساميل العولمية، مما أدى إلى : ــ الازدياد المطرد لتمركز الثروة احتكارياً ـ انخفاض حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ـ انخفاض الطلب العام، ظهور فائض إنتاج ــ تصدع الأشكال القاعدية والبنيوية للنظام الرأسمالي العالمي. ورافق هذه التجليات أشكالاً من المد/ التمدد/ الانتشار/الغزو.. الإعلامي الذي ساهم و يساهم في تشكيل وعي اجتماعي عام يتأسس على مفاهيم اجتماعية، سياسية، اقتصادية، ثقافية، جديدة // منظومة وعي ثقافي قيمي مغاير للمنظومة الثقافية والقيمية السائدة // وهذه المفاهيم تؤسس موضوعياً لأشكال / اقتصادية، اجتماعية، سياسية، ثقافية / متجددة وجديدة، تمهد لهيمنة الفئات المسيطرة وفق أشكال تتوافق مع المتغيرات العالمية الجديدة،في سياق اشتغالها على نشر منظومات قيمية مستحدثة تتوافق مع سياساتها الراهنة.
((في هذا السياق نرى أنه من الضروري التنويه إلى أن الثورات العلمية التي تجلت في وسائل وقوى وعلاقات الإنتاج المكونة للنظام الرأسمالي، حوّلت عبر ثورة الاتصال والمعلوماتية (انفتاح حدود فضاء والجغرافية المكانية، والزمانية) منظومات الوعي الثقافي المعبّرة عن ثقافة السوق الرأسمالي الحر المنفلت غير المضبوط واللاأخلاقي، إلى مدافع ثقيلة تدك منظومات الوعي الثقافي السائد وتحديداً في البلدان المتخلفة، ذات المنظومات الثقافية الشمولية، العقائدية … محوّلة في هذا السياق الوعي الثقافي إلى سلعة يمكن التحكم بها أو ضبط آليات تجلياتها كأي إنتاج سلعي آخر، ويكرس هذه الميول ويدعمها ويتقاطع معها في البلدان المتخلفة سيطرة أشكال متخلفة من الوعي تكرسه نظم سياسية شمولية عقائدية إثنية جهوية عشائرية.. ، ومنظومات ثقافية دينية أصولية سلفية / ليتجلى هذا التمازج والاندماج والتماهي بأشكال وعي ثقافي سلعي سماته التحلل الأخلاقي، الفساد، السطحية، الهامشية، العنف، وعي جنسي مبتذل، غياب الاهتمام بالقضايا العامة، المظاهرية، الضياع، الكبت الجنسي والسياسي، غياب الحريات وحقوق المواطنة…………………….)) وفي هذا السياق يجب التركيز على إيجاد السبل والمناخات والآليات التي تساهم في إيجاد أشكال ثقافة علمانية ديمقراطية بديلة للثقافة السلعية السائدة التي تميل إلى أن تكون ثقافة مهيمنة، ولن تتجسد أشكال الثقافة البديلة (المتجاوزة لما هو سائد) إلا عبر تكريس حقوق المواطنة والحريات الفردية والحريات السياسية … وفق أشكال ممارسة يومية، و الأشكال الثقافية هذه لا يمكن أن تكون معزولة عن لوحة التناقضات الاجتماعية، والصراعات الطبقية، وتجليات النمط الاقتصادي المهيمن، بل هي تجسيد وتكثيف لها، لذلك يمكننا القول بأن تكريس إنسانية الإنسان، وتجاوز حالات الاغتراب بكافة أشكالها ومستوياتها… لن يكون إلا عبر تجاوز تناقضات النظام الرأسمالي المعولم بأشكاله الراهنة.

إن العمل على تحديد أشكال التناقض في المستويين البنيوي والشكلي للسياسات الاقتصادية الماكروية والميكروية يفترض منا تحديد مفهوم الدولة، بكونها لم تكن بكافة أنماطها وأشكالها خارج لوحة التناقض الطبقي الذي يعتمل في القاع الاجتماعي، إذ كانت سلطة الدولة على الدوام تمثل مصالح فئات اجتماعية مسيطرة تكثف في إطارها البنيوي لوحة التناقض الاجتماعي/ الطبقي، ومن الواضح بأنه كان يتم على الدوام خلط بين مفهومي سلطة الدولة ودولة السلطة، أي بين مفهوم السلطة، ومفهوم الدولة، إضافة إلى أنه كان وما يزال يتم إدراك وتعيين مفهوم سلطة الدولة نسبياً على أنها مجموعة من الأجهزة والمؤسسات المستقلة عما يعتمل من تناقضات اجتماعية، ووفقاً لهذا الشكل من التحليل فإن سلطة الدولة تتعيّن بكونها قوة القانون الذي يتساوى أمامه كافة المواطنون. لكن من الواضح في سياق تطور أشكال الدولة بأن اندماج السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية، وهيمنة جهة محددة / جهاز، مؤسسة، أفراد، فرد / كان يؤدي على الدوام إلى هيمنة السلطة التنفيذية.
وإذا كانت حتى وقت قريب الحكومات السورية تمثل مصالح الكتل الاجتماعية الأساسية والحقيقية و تعمل على ضمان استقرارها الاقتصادي والاجتماعي، لكونها القوة الأساسية الضامنة لاستقرار واستمرار النظام السياسي، فإن من الواضح في اللحظة الراهنة انحيازها إلى تمثيل وتبني مصالح فئات اجتماعية تتناقض مصالحها الاقتصادية مع مصالح فئات اجتماعية واسعة، دون أن يلغي هذا التباينات الموجودة داخل إطار القيادات السياسية العليا.
إن التوجهات السياسية والاقتصادية بأشكالها الراهنة تؤسس لاستبدال القوى الاجتماعية الحقيقية بأشباه قوى تعمل لترسيخ هيمنتها على القرار الاقتصادي والسياسي، ويأتي هذا التطور في سياق تغيّر التركيبة الطبقية للفئات السياسية والاقتصادية المسيطرة. بمعنى آخر تحولت الفئات المسيطرة على القرار السياسي والاقتصادي من فئات تحافظ نسبياً على مصالح الفئات الاجتماعية الفقيرة والشعبية، إلى فئات تدافع عن مصالحها الخاصة من خلال تكريس سيطرتها السياسية والاقتصادية. إن هذا التحول يساهم في تسريع تراكم التناقضات الاجتماعية التي من الممكن أن تتجلى بأشكال انفجارية نتيجة لتفاقم ظاهرة الاستقطاب الاجتماعي الذي ينقسم على أساسه المجتمع إلى فئة فائقة الثراء، وفئات اجتماعية واسعة تتموضع تحت خط الفقر، ويترافق تزايد حدة الاستقطاب مع ازدياد ظواهر الفساد بأشكاله المختلفة / سياسي، إداري، اقتصادي، اجتماعي ../ ويتقاطع في هذا السياق الحد من فاعلية القوى السياسية الديمقراطية الوطنية والمدنية، وتغيّبها في بعض اللحظات، مع تنامي المد الأصولي بأشكاله السلفية الذي يهدد موضوعياً الاستقرار الاجتماعي. و إذا كانت السلطة السائدة تفكر بأن استمرارها مرتبط بعدم قوننة الممارسة السياسية بأشكال ديمقراطية تمثل الواقع الاجتماعي والسياسي المتعيّن والملموس، فإن تزايد حدة الأزمات الداخلية المتقاطعة مع الأزمات العالمية، تنذر بتزايد حدة التناقضات الاجتماعية في القاع الاجتماعي.
إن الترابط العضوي والبنيوي للمستويين الاقتصادي والسياسي على أساس التشارط التاريخي القائم على التحديد والتحدّد المتبادل في سياق علاقتهما البنيوية يشكل جوهر أي بحث اقتصادي / سياسي، وهذا التحديد يقتضي تحديد مفهوم الدولة على قاعدة : إن سلطة الدولة / والدولة عموماً تتحدد على أساس النمط الاقتصادي المهيمن، الذي يتجلى عبر أشكال متباينة تتمظهر بأشكال سياسية متوافقة ومعبّرة عن النمط الاقتصادي الذي يتجلى بميول وتوجهات اقتصادية متعيّنة وملموسة واقعياً، وبهذا المستوى تكون أجهزة ومؤسسات سلطة الدولة تعبيراً موضوعياً عن كافة التجليات الاقتصادية والسياسية المتعيّنة، وهي أي / سلطة الدولة/ دولة السلطة/ تعبيراً وتجسيداً لمصالح فئات اجتماعية لها وجودها الموضوعي المتعيّن اجتماعياً. لذلك من الواضح بأن أشكال تجليات الدولة تختلف تبعاً لكل مرحلة تاريخية، /والمرحلة التاريخية ،الحقبة التاريخية/ في هذا السياق تتحدد على أساس النمط الاقتصادي المهيمن الذي يتجلى من خلاله أشكال وعي وثقافة اجتماعية تكون معبّرة عنه.
إن تباين أشكال الدولة في النمط الاقتصادي الواحد يتعلق بالطور الذي يمر فيه النمط الاقتصادي المهيمن، وبالأشكال الثقافية المؤسسة في القاع الاجتماعي التي تعتبر تجلياً موضوعياً للوعي الثقافي للفئات المسيطرة، و التي يتم التعبير عنها بأشكال متغيرة ومتغايرة وفق كل مرحلة أو طور جديد، ومن هنا يمكننا الإشارة إلى التباين والاختلاف بين أشكال الدولة وفق أشكال تجليات النمط الاقتصادي المهيمن، وكدلالة على التجليات المتباينة لأشكال الدولة يمكننا تصوّر أشكال التجليات المتباينة لشكل رأسمالية الدولة في طور الاشتراكية المحققة، تمظهرات الدولة في أشكالها الكنزية، أشكال الدولة الليبرالية والنيوليبرالية…. كل هذا وغيره من تجليات أشكال الدولة المختلفة يمكن مقاربته بين دول بلدان الشمال والجنوب/ بين البلدان المتخلفة والبلدان المتطورة صناعياً، وبين المجتمعات ذات المنظومات القيمية العقائدية الشمولية والمغلقة، والمجتمعات ذات الثقافات المنفتحة والمتحررة. لذلك وفي ظل الأزمة الاقتصادية للنظام الرأسمالي المهيمن، الذي يبحث قادته عن مخارج من الأزمة الراهنة للحفاظ على هيمنة النظام الرأسمالي، في سياق تجاوز أزماته الدورية والبنيوية، فإن إمكانية العودة لتكريس أشكال الدولة الرأسمالية وفق المنظور الكنزي، سوف تكون أيضاً وفق تجليات مختلفة ومتباينة تبعاً للظروف الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية المسيطرة والمهيمنة في كل مجتمع، أي أن الخاص في سياق ترابطه بالكل المحدِّد له دور في أشكال تجليات الدولة في اللحظة الراهنة، وهذا لا يتناقض مع التحديدات النظرية والمنهجية التي نعمل على أساسها، بل أن التحولات والتغيرات في أشكال الدولة تؤكدها. وإن تجلت العودة إلى أشكال الدولة الكنزية بكونها تشكل ضرورة موضوعية لتجاوز أو للحد من تناقضات الأزمة البنيوية للنظام الرأسمالي في اللحظة الراهنة، فإن العمل على ضبط مفهوم الدولة وأشكل تجلياتها، ودور السلطة السياسية له الدور المحوري والأساس في ضبط وتحديد أشكال تجليات دور الدولة المتغير وفق الظروف والمراحل التاريخية المتغيرة في إطار النمط الاقتصادي المهيمن، ذلك لأن شكل الدولة ودورها الاجتماعي يتحددان انطلاقاً من بنية السلطة السياسية وشكلها الاقتصادي.
لذلك وجب علينا عند العمل على تحديد وضبط دور الدولة الاقتصادي / الاجتماعي، تحديد مفهوم الدولة، لأننا في تحديدنا لمفهوم نمط الدولة بشكلها المتعيّن نكون قادرين على ضبط توجهاتها وميولها المعبّرة عن جوهرها البنيوي، وتمظهرها الشكلي الذي يتم تسويقه وتقديمه في سياق تبرير السياسات المتوافقة مع جوهرها الفعلي، وأيضاً لتغطية السياسات اليومية المتناقضة مع مصالح الفئات الاجتماعية المشكلة للقاع الاجتماعي الذي يشكل القاعدة والركيزة الأساسية في حال استقرار مصالحه، لاستمرار أي نظام سياسي، أو نمط اقتصادي. ويتجسد هذا في سياق خطاب سياسي أيديولوجي شكلاني يتباين إن لم يكن يتناقض مع التوجهات والميول الاقتصادية المتعيّنة بشكل ملموس، والذي يؤسس عبر الوسائل الإعلامية بذات اللحظة لوعي اجتماعي يتوافق مع التغيرات والتطورات الاقتصادية المعبرة عن جوهر الأسس الاقتصادية التي تتجلى عبر توجهات اقتصادية متدرجة تراكمياً، في سياق التأسيس لتشكيل مناخ وواقع اجتماعي جديد يتناسب مع الميول والتوجهات الاقتصادية والسياسية الجديدة، حتى لو كانت هذه الميول تتناقض مع مصالح الغالبية الاجتماعية المتضررة من ترسيخ اقتصاد السوق الحر، و ثقافة السوق. وفي هذا إطار نلاحظ كيف تم ويتم تحول وتحويل الوعي الاجتماعي إلى وعي / استهلاكي، مظاهري، فردي ـ شخصاني،سطحي، ../ يعبّر عن ميول وتموضعات اجتماعية جديدة متجلية عن التوجهات الاقتصادية الراهنة و القادمة.
من خلال ما عرضناه، يمكننا التأكيد على نقطة محورية ومركزية تدلل على أنه مع تغيّر التركيبة الطبقية للسلطة، فإنه من البداهة بمكان أن يتم العمل على تغيير آليات عمل الفئات المسيطرة على كافة المستويات, ذلك بحكم تبدل المواقع والتموضعات الطبقية التي تفترض بداهة تغيّر المصالح الطبقية للفئات المتحكمة والمسيطرة على مقاليد القرار السياسي والاقتصادي، ويأتي هذا التحول بعد إنهاك القطاع العام من قِبل بعض المتنفذين، وإيصاله لمرحلة لا يمكن فيها التعويل على إصلاحه، أو إعادة هيكلته من جديد، نتيجة لسياسات اقتصادية أفضت إلى منع التراكم النقدي الذي كان يجب أن يوجه لإعادة هيكلة الوسائل الإنتاجية لضمان القدرة الإنتاجية والتنافسية. هذه السياسات وغيرها ساهمت في تردي مستويات ونوعية إنتاج القطاع العام وصولاً إلى تدميره بشكل شبه كامل .
ويتقاطع هذا المستوى مع انتشار ظواهر الفساد التي أسست وتأسست في سياق شفط الموارد العامة، وموارد مؤسسات القطاع العام، وتحويلها لثروات فردية./ تحويل رأس المال السياسي إلى ثروة نقدية/ ، تنامي ظواهر المحاصصة القائمة على توظيف المكانة السياسية، العسكرية، الاجتماعية، الجهوية… بعد هذا التحول لم يعد من حاجة للحفاظ على مؤسسات القطاع العام، لكونها أصبحت عبئاً على موازنة الدولة، في لحظة يؤسس فيها الأثرياء الجدد لبنية وشكل اقتصادي خاص من خلاله يمكنهم ليس السيطرة فقط على القرار السياسي والاقتصادي، بل الهيمنة على السلطة والدولة والمجتمع. ونرى هنا ضرورة التنويه بأن ما يملكه المستثمرون في القطاع الخاص يفوق ميزانية الدولة.

ولتأكيد صحة التحولات التي نوهنا عنها ، نرى ضرورة لفت الانتباه لبعض التوجهات الاقتصادية المتعيّنة على أرض الواقع، والتي باتت نتائجها السلبية ملموسة على شرائح اجتماعية واسعة :
(تحرير الأسعار، التحرير النقدي، تمركز الاستثمارات في القطاعات الخدمية/ العقارية، المالية، السياحية/، أنشاء سوق الأوراق المالية الذي كان عدم وجوده أحد أهم الأسباب في التخفيف من حدة تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية على الاقتصاد والمجتمع السوري، تحرير التجارة الخارجية والداخلية وتراجع الجهات المعنية عن دورها الرقابي و الضابط، إطلاق الحرية للمستثمرين السوريين والعرب والأجانب في توظيف أموالهم دون تحديد زمن الاستثمار ومجالاته/ من الملاحظ بأنه لم يتم توظيف الاستثمارات في المشاريع التنموية الإستراتيجية/، تخفيض المعدلات الضريبة على الأرباح، والذي لم ينتج عنه انخفاض في أسعار السلع. إعفاء الصناعيين من عشرات الرسوم التي كانت مفروضة عليهم علماً بأن تشجيع الاستثمار لا يأتي فقط من التخفيض الضريبي، بل من توفير المناخات الاستثمارية المناسبة، ولهذا نرى بشكل ملموس ظاهرة هروب الرساميل الوطنية إلى الخارج، وأيضاً الإخفاق في تحويل سوريا لدولة مستقطبة أو جاذبة للاستثمارات. السعي إلى إنجاز الاتفاقية الشراكة الأوربية السورية المشتركة، ووضعها في حيز التنفيذ، مما يعني انفتاح الأسواق السورية لغزو سلعي أوربي يترافق بالضرورة مع غزو ثقافي سلعي، وبعيداً عن الدخول في تفاصيل الاتفاقية، يجب التأكيد على ضرورة حماية الصناعات الوطنية أمام منافسة الصناعات الأجنبية التي تمتلك قيمة فائضة مرتفعة نتيجة لكثافة رأس المال في القطاعات الصناعية الأوربية، ونتيجة لحماية الدول الأوربية لبعض صناعاتها الوطنية حفاظاً على قدرتها التنافسية.. وهذا ما تفتقده صناعاتنا النامية المهدّدة بالانهيار، بسبب انكشاف الاقتصاد السوري الذي يعاني تناقضاً بنيوياً وهيكلياً أمام اقتصاد عالمي فائق التطور التقاني، ويتقاطع مع هذا ارتفاع أسعار المشتقات النفطية التي ساهمت في رفع الكلف الإنتاجية، مما يعني بالضرورة تراجع القدرة التنافسية للمنتجات الوطنية التي تعاني بالأساس من انخفاض قدرتها التنافسية، وانخفاض في كثافة رأس المال الصناعي / الإنتاجي، وبالتالي انخفاض القيمية المضافة فيها. ويجب التنويه بأن مؤشر انفتاح الاقتصاد والأسواق السورية بين عام /2005 ـ 2008 كان : 62% 61% 63% 63%.
ــ طبيعة المستوردات السورية لعام 2007 بملايين الليرات:(سلع استهلاكية 68132 بنسبة 10%- سلع وسيطة 499165 بنسبة 73%- سلع رأسمالية أي أصول ثابتة مقدار 117259 بنسبة 17%). وهذا يشكل خطراً كبيراً إذا لم يتم تداركه، لأن السلع الوسيطة تعبّر عن السلع اللازمة والمطلوبة من قبل الصناعة السورية التي يغلب عليها طابع تجميعي يشكل نسبة 73%، أي إن الدورة الاقتصادية الإنتاجية عندنا تابعة ومكملة للدورة الاقتصادية في العالم الخارجي وهذا سيؤدي إلى نقل تداعيات الأزمة الخارجية إلى اقتصادنا.
وقد بلغت مستورداتنا من منتجات الصناعة التحويلية مقدار 638703 مليون ل.س أي بنسبة 93% ، وبالنظر إلى مكوناتها نجد أن أغلبها يمكن تأمينه محلياً، سواء كانت مستوردات الأقمشة أم الغزول أم الورق أم التبغ أم المنتجات الغذائية أم الملابس والمنسوجات.. إلخ. ولمعالجة ذلك لابد من زيادة الوزن النوعي للسلع المصنعة ذات القيم المضافة والأسعار والأرباح والربحية والقدرة التفاوضية الأعلى.
ــ أما القطاع العام فإن العجز في ميزانه وصل إلى 40642 مليون ل.س بسب تراجع صادراته وزيادة مستورداته من المواد المصنعة بالقيمة المطلقة والنسبية، والتي شكلت من إجمالي الصادرات لعام 2005 نسبة 24% وارتفعت في عام 2007 إلى 41%، وكان هذا على حساب تراجع الصادرات في المواد الخام بشكلها المطلق والنسبي. وهذا ما يدفعنا للعودة مرة أخرى للتنبيه إلى ضرورة عدم تصدير المواد الأولية إلا بعد تصنعيها وتحويلها إلى منتجات تامة الصنع أو على الأقل نصف مصنعة، لأن القيمة المضافة تزداد مع تقدمنا في مراحل العملية الإنتاجية ( ويتجلى هذا الانفتاح من خلال الفرق بين حجم الاستيراد / سلع، مواد مصنعة، مواد نصف مصنعة/ مقابل الصادرات مما يعني خضوع الاقتصاد السوري لتناقضات الأزمة الاقتصادية العالمية.
ــ ستبرز أهم تداعيات الأزمة بالنسبة لسورية كبلد من بلدان العالم الثالث بارتفاع أسعار المستوردات نتيجة انخفاض القيمة الفعلية للعملات العالمية أو حتى فقدان إمكانية تأمين هذه المستوردات بسبب الانكماش والركود الذي يعاني منهما الاقتصاد العالمي. وبما أن مدخلات اقتصادنا من الخارج هامة جداً، فإن ذلك سيؤثر بشكل حاد على الإنتاج والاستهلاك، و الميل العام في ظل الأزمة هو الاتجاه نحو انخفاض أسعار المواد الخام عالمياً، وبما أننا دولة عالم ثالثية تعتمد في تصديرها على المواد الخام أكثر منه على المواد المصنعة، فإن ذلك سيعني هبوطاً حاداً في موارد الاقتصاد الوطني وموارد خزينة الدولة، مع كل ما يترتب على ذلك من أعباء على النمو والفقر والبطالة. وهناك خطر آخر يتجلى في مستقبل القيمة الحقيقية للاحتياطي السوري من العملات الصعبة التي تشكل أحد الضمانات المهمة للأمن الوطني في حال حدوث انهيار مالي عالمي، وكان من المفيد اعتماد سلة نقدية متنوعة العملات العالمية.
وفي ظل انخفاض معدلات النمو الاقتصادي المتوقع بشكل عام، وخاصة في قطاعات الإنتاج الحقيقي/الزراعة والصناعة/ ، فإن اللوحة ستبدو قاتمةً ما لم يجر تدارك هذا الأمر فوراً.
ــ ومن الضروري هنا التذكير بضرورة عدم تمويل الموازنة الجارية بالعجز، وإذا حدث ذلك في الموازنة الاستثمارية فإنه يفترض أن يكون مدروس علمياً، ويوظف في المشروعات الإستراتيجية والمفتاحية.
وفي ظل تجليات وانعكاسات الأزمة العالمية وتداعياتها المحتملة يفترض التأكيد على ضمان الأمن الغذائي الذي لا يمكن تحقيقه بالاعتماد على الخارج كما بينت التجربة التاريخية، بل يتطلب توجيه الموارد باتجاهه وتغيير جميع السياسات جذرياً لمصلحته.
ــ تراوحت نسب مشاركة القطاع الخاص من الناتج المحلي بين 63% ــ 78%. عدا القطاعات الاستخراجية . دون أن يتجاوز حجم التحصيل الضريبي للقطاع الخاص نسبة 20%. السماح للقطاع الخاص والشركات الأجنبية لاستثمار الموانئ والشواطئ والمرافئ التي يفترض أن تكون رمزاً للسيادة الوطنية.
ــ العمل على تخفيض حصة رب العمل عن اشتراك عماله في مؤسسة التأمينات الاجتماعية من 17% إلى 10%؟- خفض نسبة الاشتراك التأميني من 7 إلى 4% للعمال. جوهر هذا المشروع الخطير هو تخفيض نسبة الاشتراك في التأمينات الاجتماعية، وبالتالي انخفاض العوائد النقدية للعمال المتقاعدين. علماً أن القانون الحالي يحدد نسباً للاشتراك، قد تكون الأكثر انخفاضاً مقارنة بدول أخرى، فبينما يصل مجموعها لدينا إلى 24%، تصل مثلاً في فرنسا إلى 41%، وفي ألمانيا إلى 49%، وفي ليبيا إلى 40%.
ــ إقرار الحكومة مقترح هيئة الإشراف على التأمين بما يتعلق بتوسيع مظلة التأمين الإلزامي ليشمل قطاعات أساسية عديدة كالمصانع والأفران والمشافي الخاصة ودور الحضانة والمدارس والجامعات قانون يقضي بإنشاء شركات التأمين لتوسيع المظلة التأمينية للعمال وووصل عدد شركات التأمين إلى / 13/ شركة، منها /12/ شركة خاصة. وقد سجلت شركات التأمين في نهاية العام الماضي معدلات نمو وتطور وصلت إلى نحو 12.5 مليار ليرة سورية. ( ما يلاحظ من هذا الإقرار هو إمكانية توسيع مشاركة شركات التأمين الخاصة، لتغطي العاملين بالدولة، أي خصخصة قطاع التأمين بشكل كامل.).
ــ إصدار القانون رقم / 56/ لعام 2004 م / والذي يسمح باسترداد / 60 % من الأرض التي وضع الفلاحون يدهم عليها على أساس قانون الإصلاح الزراعي رقم / 134 لعام 1958 م / وهذا بحد ذاته يمثل تراجعاً في سياسة الحكومة الاجتماعية، ويأتي هذا القرار في سياق جملة من العثرات، منها أن سورية تعاني من سوء إدارة الموارد وضعف استثمارها المكثف، ومن محدوديتها وندرتها ومن تآكلها بفعل سوء إدارتها المؤسسية، وافتقادها إلى معايير الإدارة التنموية المتكاملة للموارد عموماً، وللموارد الطبيعية والبيئية ولا سيما الكنفية(1) منها المحدودة وغير المتجددة، وفي مقدمتها الأرض والمياه والطاقة التي تتفاوت مستويات المحدود وغير المتجدد منها، والتي تمثل المحددات الأساسية المتكاملة لمفهوم المجال(2)، بمعنى أن المجال لا يمكن أن ينهض إلا بواسطتها. اشتداد وتيرتي التذرر والتجميع في آن واحد على مستوى حجوم الحيازة، و تترافق بدرجة أساسية مع التحول من “الرسملة المقيّدة” إلى الرسملة التامة، وتحرير العلاقات الزراعية من الاشتباك بين حقوق الاستخدام والحيازة ووضع اليد وحقوق الملكية، وتحويل كافة الأراضي الزراعية إلى أراض قابلة للتداول والاتجار بما في ذلك أراضي الإصلاح الزراعي، تراجع المساحات المزروعة في الحيازات الصغيرة وتآكلها وتذررها أو تفتيتها بفعل الإرث، وضعف جدواها الاقتصادية في ظل استمرار الاتجاهات التقانية الراهنة التي تعيق استثمارها، وبالتالي إلى هجرها أو استخدامها لأغراضٍ غير زراعيةٍ. حيث تشكل الحيازات الصغيرة نسبة (36%) من مجمل مساحة الحيازات، أي ثلث إجمالي الحيازات أو حوالي (4%) من إجمالي المساحة القابلة للزراعة المقدرة بنسبة (32%) من الأراضي السورية في سنة (2005).
ومن المعلوم بأن مورد الأرض الفعلي المتاح والمحتمل في سورية يتسم بالندرة الحرجة وليس بالكفاية، كما يتسم بالتآكل وسوء إدارته وتوظيفه واستثماره، وتعقد نظم استخدامه بما ينتج عنه من مشكلات العلاقة بين الملكية والاستخدام. وفي أن الخاصة الأساسية لمجاله تتسم في العام (2005) وستبقى تتسم خلال العقدين القادمين باستمرار وتيرة ارتفاع معدل الكثافة السكانية المجالية بسبب شح مورد الأرض والمياه ومحدوديتهما، وضعف فرص التوسع الأفقي المجالي، بينما الزيادة المطلقة بأعداد السكان ستستمر بزيادة تفوق نصف مليون نسمة سنوياً. وهو ما يجعل من المجال السوري أحد أكثر المجالات السكانية اكتظاظاً إقليمياً وعالمياً، حيث سيعيش حوالي (28.65) مليون نسمة وهم عدد سكان سورية المتوقع في الفرض المتوسط حتى نهاية العام

(1) في “المنجد” الكنف هو الصيانة والحفظ والإحاطة والحرز
الموارد الكنفية تنقسم إلى:1ـ موارد غير المتجددة / النفط والغاز والفلزات المعدنية/ 2ـ الموارد الكنفية المتجددة تنقسم بدورها إلى: موارد متجددة بشكل غير مشروط / الطاقة الشمسية، المائية، طاقة الرياح /
موارد متجددة ضمن شروط (حدود):الموارد الكنفية غير الحية والمتجددة ضمن دورة مثل المياه، النترات، الأكسجين وغاز الكربون .الموارد الكنفية البيولوجية التنوع الحيوي النباتي والحيواني، الغابات، المحاصيل. الموارد الكنفية المعقدة مثل التربة والنظام الإيكولوجي.
(2) تشكل الثروات الكنفية المحددات الأساسية لمفهوم المجال الذي يتخطى حدود الحيز الجغرافي-المكاني بمقوماته الطبيعية إلى معنى المجال المعمور إنسانياً، وبذلك يستند مفهوم المجال هنا بأبعاده المادية والإنسانية إلى مفهوم العمران البشري. وتتجاوز دلالاته وأبعاده البشرية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية والعمرانية والثقافية والمؤسسية المترابطة تلك الدلالة المادية المحدودة لمفهوم المكان في الاستخدامات المفاهيمية الجارية أو المصطلحات التي تركز على مقاربة بعينها دون غيرها، لتتعداها وتتكامل وتترابط مع الأبعاد البشرية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية والعمرانية والثقافية والمؤسسية. وتبعاً لذلك فإن مفهوم المجال بأبعاده تلك وطرق استخدامه وحيزاته المتاحة والمحتملة، ابتغاءً لتنويع النشاط الاقتصادي، والاستثمار الواسع المكثف في بناء قدرات رأس المال البشري، والإدارة التقانية والمعرفية والمؤسسية الرشيدة والمتكاملة لرفع القدرة الإنتاجية، وتحقيق تكاملها مع السوق.
ويعرّف رأس المال المجالي بـ”مجموعة الموارد التي يراكمها فاعل معين وتسمح بأن يستخلص المزيد منها تبعاً لإستراتيجيته ولاستخدام البعد المجالي للمجتمع. وترتكز محددات هذا التعريف على استخدام الفاعل (الذي قد يكون دولةً أو إدارةً إقليميةً أو مؤسسة) للموارد المجالية الإقليمية أو الوطنية المتنوعة في سطح الأرض وما تحته وفوقه في إطار إستراتيجيته التنموية. وتشكل الموارد والمرافق المتعلقة بها واستخداماتها ما يمكن تسميته برأس المال الثُابت (capitale fixe) الذي يساهم بدوره في جذب رأس المال الجديد أو المتحرك (capital mobile). وخلاصة ذلك أن الإقليم يمثل في حدَ ذاته رأسمالاً مجالياً، يخضع استثماره برمته إلى الإنسان و مراميه وقدراته البشرية.

(2025) فوق مساحةٍ فعليةٍ قصوى قدرها حوالي (35.8%) تقريباً (بما فيها المساحة المشغولة بالأبنية والمرافق) من المساحة الكلية لسورية في حال عدم التفكير باستثمار المساحات المفتوحة.
ــ ظاهرة تناقص الأراضي المستثمرة حيث تناقصت خلال فترة (1992-2003) بمعدل تراجع سنوي سالب مقداره (-0.1%) حيث انخفضت الأراضي المستثمرة (الداخلة في الدورة الزراعية) من (5554) ألف هكتار عام (1992) إلى (5478) ألف هكتار في العام (2003)، أي أن النقص بلغ (76 ألف) هكتار، كما انخفضت الأراضي المزروعة فعلاً.
ــ أثر التغيرات المناخية، وخاصةً تلك المتعلقة منها بالأمطار، وزيادة عدد سنوات الجفاف في سلسلةٍ زمنيةٍ محددةٍ مقارنةً بالسلاسل المرصودة، ودور تلك التغيرات في تعزيز آلية التصحر، وانعكاس ذلك بشكل خاص على الزراعات البعلية.
ــ استمرار اعتماد الخطط الزراعية للمساحات في زمام المصادر المائية الجوفية بالضخ من الآبار، والتي لا تقل عن (865) ألف هكتار من مجموع الأراضي المستثمرة في العام (2005)، على تأمين مياه الري من خلال استنزاف المياه الجوفية بشكل عشوائي
ــ استمرار التعرية المائية والريحية التي تُفْقِدُ الأراضي الزراعية (12-19) ملم في السنة، أي حوالي (25) طن/ هكتار/ سنة من التربة، وتبلغ نسبة هذا الفقدان في منطقة الغاب وحدها (3%) سنوياً من طبقة التربة الزراعية.
ــ استثمار الأرض بأقل من طاقتها المجالية الإنتاجية الكامنة، وضعف استثمار رأس المال المجالي المتاح، وقيام الاستثمار على الكفاءة الكمية الخارجية أكثر من الكفاءة الداخلية المكثفة، وتدني تقاناته وقيمه المضافة مما يفضي إلى إنتاجيةٍ ضعيفةٍ ومجهدةٍ للنظام المجالي البشري الإيكولوجي بأبعاده المادية والإنسانية، ومبذرة للموارد عموماً، وعالية الفاقد على مستوى مرافق رأس المال المجالي خصوصاً.
ــ انشغال قسم من الأرض يقع حول المدن بمناطق المخالفات السكانية والأحياء العشوائية التي يتموضع معظمها فوق أراض زراعية وقابلة للزراعة.
ــ تأثر الأراضي الزراعية المستصلحة بعوامل التلوث والتملح الثانوي التي تؤدي إلى تدهور تربتها بما يخرجها من الاستثمار. ويقدر بعض الخبراء الوطنيين نسبة الأراضي الزراعية التي تعاني من مشكلة التملح في العام (2006) بنسبةٍ تصل إلى الـ(35%) . والتملح درجات ولكن أقصاه هو الذي يتسم بالتصحر، حيث بلغ إجمالي الأراضي الزراعية المعرضة للتصحر وفق أحدث الدراسات الاختصاصية حوالي (17%) من إجمالي مساحة الأراضي الزراعية في سورية
ــ تقع معظم الزراعة داخل المخطط التنظيمي، أو حتى في مساحاتٍ منظمة مخصصة لإقامة مشاريع حيوية.
لا يتعدى مورد الأرض المعمور المتاح في العام (2005) ثلث المساحة الكلية للتراب الوطني (33.6%)، والذي يعادل (62.158) ألف كم2 من المساحة العامة . ويتركز في هذا الثلث الضيق والمحدود نسبياً كل من المناطق السكنية والأبنية والمرافق العامة والمناطق الصناعية والزراعية وكافة مناطق الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والبشرية الأخرى. وتبلغ الكثافة السكانية الفعلية في هذه المناطق في العام 2005 تقريباً (273) نسمة/ كم2.

ـ صدور قرار الاستثمار رقم / 8 / ألغى العمل بقانون الاستثمار رقم /10 لعام 1991 /. وقد قضى المرسوم التشريعي رقم / 9 / إحداث هيئة الاستثمار السوري و المجلس الأعلى للاستثمار وتحديد مهامه الإشرافية وتركيبه، وتكريس مبدأ النافذة الواحدة وحقوق وواجبات ومهام مجلس الإدارة للهيئة المحدثة لتكون وريثة مكتب الاستثمار، والتي أصبح من واجبها تتبع تنفيذ المشاريع وتذليل العقبات التي تعوق تنفيذها، وإعداد خارطة استثمارية، ووضع الأسس والمعايير المتعلقة بالاستثمار بهدف تبسيط الإجراءات وتسهيلها وترويج المشاريع وجذب الاستثمارات وتضمن تركيب وتشكيل مجلس الإدارة، وإدخال ثلاثة ممثلين عن غرف الصناعة و التجارة والزراعة في عضويته، وقضى بدعوة ممثل العمال لحضور الجلسات التي تتناول قضايا تتعلق بهم، وأعطى المرسوم التشريعي لمجلس الإدارة الحق بالموافقة للمستثمر غير السوري باستئجار أو تملك العقارات في حدود احتياجات المشروع الفعلية حتى لو تجاوزت سقف الملكية المنصوص عنه في القوانين والأنظمة النافذة.
وقد أعفى القانون الجديد كافة مستلزمات الإنتاج والعمل في المشروع من الضرائب والرسوم الجمركية حين استيرادها، وإلى ذلك فقد أحال القانون الضرائب والإعفاءات الضريبية على القانون رقم / 51 / لعام/ 2006/ دون أن يتضمن إعفاءات ضريبية خاصة كما كان الحال في قانون الاستثمار رقم / 10 / لعام / 1991/ وبذلك أخضعت المشاريع المنفذة وفق أحكامه لأحكام الإعفاء الضريبي الديناميكي الذي يمنحه القانون، خاصة وأن المعدل الضريبي أصبح 16% ويمكن أن يصل إلى 14%.
المادة / 1 / من المرسوم / 8 / عرفت الاستثمار بأنه : إقامة المشاريع أو توسيعها أو تطويرها أو تحديثها (( دون تحديد أية مشاريع )).
مما يعني بأن كافة القطاعات سواءً منها الخدمية أو الإنتاجية أو مشاريع البنى التحتية والقطاع العام والقطاعات الأساسية مفتوحة لصالح المستثمرين الأجانب.
ــ السماح للمستثمر بتجاوز سقف الملكية المحددة سابقاً لتصل إلى 61%ــ بعد أن كانت لا تتجاوز 49%.
ــ يسمح للمستثمر باستقدام العمالة الأجنبية التي يحق لها تصدير 50% من أجورها للخارج و100% من تعويض نهاية الخدمة.
ــ لم يتطرق المرسوم لقوانين العمل وتطبيق أحكام قانون العمل رقم / 91 / لعام 1958 / وللقوانين الناظمة لعلاقة العمل بين العمال وأرباب العمل القادمين برساميلهم.
ــ قضت تشريعات الاستثمار باستمرار المشاريع المسجلة بأحكام القانون رقم / 10 / بالاستفادة من جميع المزايا والإعفاءات التي منحت لها حتى آخر مدة الإعفاء دون أن تمييز بين المشاريع المباشر بها والتي لم يتم المباشرة بها ونسبة تنفيذها، مما يعني بأن نسبة كبرى من المشاريع الاستثمارية سيعمل بها وفق القانون رقم/ 10/ وهذا يوضح موجة التشميل والتسجيل وأخذ الموافقات مسبقاً لمشاريع ….قبل صدور المرسوم / 8/ للاستفادة من إعفاءات القانون رقم / 10 / في ظل القانون الجديد، مما يعطي دوراً كبيراً وأساسياً للقائمين على القرار الاقتصادي.
ـــ أعطى المرسوم الحق للمستثمر بتحويل الأرباح والفوائد التي يحققها المال الخارجي المستثمر إلى خارج البلاد بعد دفع الفوائد والضرائب المترتبة عليها وعن طريق المصارف المرخصة أصولاً، والخشية من تحول هذه المصارف لأدوات لإخراج الأموال، أي أن تتحول بفعل ذلك لجامع أموال مرخص قانونياً هدفه سحب الثروة من داخل البلاد إلى المصارف الدولية في الخارج … إضافة إلى أنه يحق للمستثمر تصدير إنتاجه واستيراد كافة معداته وتجهيزاته وأدواته ولزوم مشاريعه دون التقيد بأحكام وقف ومنع وحصر الاستيراد، وتعفى مستورداته من الرسوم الجمركية، ؟؟؟؟
ـــ لم تحدد فترات زمنية لإنجاز المشاريع، أو الحال عند استنفاذ الزمن اللازم والمحدد في ظل التشغيل، وهل يمكن للهيئة العودة عن الموافقة.
ـــ لم يحدد نسبة المشاركة في حال وجود شركاء سوريين.
ــ لم يحدد طبيعة مجالس الإدارات للشركات والمشاريع التي ستشمل أو ترفض أو تعمل وفق أحكامها وخاصة في حال استقدام استثمارات أجنبية فهل تكون مجالس الإدارة من جنسيات أجنبية ومن مواطنين غير السوريين، وكيف ستتم مراقبة ومتابعة عملها، وهل يمكن أن تقوم شركات أو مشاريع في سورية بمجالس إدارات يكون لغير السوريين حق التقرير فيها.
ــ أعطت التشريعات المشملة وفق أحكامها الإعفاءات المنصوص عنها في قانون ضريبة الدخل النافذة رقم / 51/ لعام 2006 / إلا أنها أعطت لمجلس الهيئة الحق بمنح تسهيلات وضمانات أو مزايا استثمارية إضافية، وكما أطلقت يد المجلس الأعلى للاستثمار بإعطائه الحق بتشميل المشاريع التي يراها مناسبة ويقررها بأحكام المرسوم /8/ بناءً على اقتراح مجلس الإدارة وكذلك تحديد القطاعات التي ستقام بها المشاريع …………
ــ إنشاء سوق الأوراق المالية الذي يزيد من ارتباط وتبعية حركة الكتل النقدية في سوق المال بحركة رأس المال العالمي، مما يعني انعكاس أزمات رأس المال العالمي بشكل مباشر على القطاعات المصرفية والخدمية والإنتاجية في سوريا، من دون أن ننسى بأن عدد الشركات المدرجة في البورصة السورية حتى الآن، ونوعية نشاط هذه الشركات، لا يعطيان مؤشراً إيجابياً إلى دورها التنموي، فمن أصل 65 شركة مساهمة لم يدرج في السوق إلاّ ست شركات هي: «بنك بيمو السعودي الفرنسي»، «البنك العربي-سورية»، «المجموعة المتحدة للنشر والإعلان والتسويق» «الشركة الأهلية للنقل» «بنك سورية والمهجر»، وبنك عودة.! فما هو الدور التنموي لسوق مالية تدرج فيها أسهم شركات لا تساهم في النشاط الحقيقي كالزراعة والصناعة؟ ونعلم بأن البورصة / قد / تساهم في التمويل وتنمية الادخار، لكن تتحدد وظيفتها ودورها بشكل أساس بكونها مطرحاً للمضاربات التي أدت في كثير من الأحيان إلى تخريب اقتصادات دول بأكملها، ومثال نمور آسيا حاضر في الأذهان. والمضاربات تعني ببساطة أن ما يربحه مضارب في السوق يخسره مضارب آخر، وتلعب القدرة المالية، والمغامرة، وخبث المضاربين دوراً هاماً في هذا المجال. ودروس الأزمة العالمية الأخيرة أكدت دور البورصات الكبرى واللاعبين فيها في تشجيع الاستثمارات المغامرة، وترويج السندات المضروبة، وغير الآمنة.
ــ إن أشكال وأساليب الحديث عن الفرص الاستثمارية المتوافرة في سورية، وفق السياسات الاقتصادية الراهنة يحرف الأنظار عن الأزمة العالمية الراهنة وآثار انعكاساتها على الاقتصاد الوطني، ولم يعد مقنعاً للمواطن بحكم الشواهد العيانية التي تثبت خلاف ذلك ، وبنفس اللحظة لا يقنع المستثمرين ورجال المال الباحثين عن
وطن استثماري وأرض خصبة لتوطين استثماراتهم، بدليل أن المستثمرين يواجهون أخطر أزمة منذ عقود، ويترقبون تطوّراتها في ظل توقعات سلبية وبالغة الخطورة.
ومن الأمثلة الصارخة التي تؤكد الفشل المحتوم للرؤية الاقتصادية الراهنة، توقف الاستثمار في بلدان تعدّ الأكثر جذباً للمستثمرين، ومنها دبي التي أوقفت أنشطتها الاستثمارية، وتبعتها هيئة الاستثمار القطرية التي علقت مشاريعها الاستثمارية خلال الشهور الستة القادمة. وعالمياً يبدو المشهد أكثر خطورة في ظل خسائر قدّرت بنحو 50 تريليون دولار (حسب مصرف التنمية الآسيوي)، بينما يُقدّر حجم الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الحرب العالمية الأولى 197 مليار دولار، وكلّفت الحرب العالمية الثانية تريليونَيْ دولار، وحروب الشرق الأوسط منذ العام 1990 بنحو 12 تريليون دولار.
ــ ويجب التنويه في هذا السياق على خطورة ما يطرح من إمكانية العمل على تخفيض قيمة العملة الوطنية، والذي من المؤكد أن آثاره السلبية سوف تنعكس على المستوى الاجتماعي بشكل كامل، أي أن هكذا خطوة تزيد من حدة مستويات الفقر. إن تخفيض قيمة النقد الوطني يؤدي موضوعياً إلى تضخم الكتلة النقدية، أي أنه يساهم في زيادة معدلات التضخم، ونعلم بأن ارتفاع معدلات التضخم تؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية الضرورية لمعيشة الفرد، وارتفاع تكاليف أسباب الحياة اليومية،مما يعني زيادة العجز الاجتماعي وتهديد الأمن الغذائي، وفتح أبواب الإنفجارات الاجتماعية. ويجب التنويه بأن إجراء تخفيض قيمة النقد يجب أن يقوم على دراسة علمية تحدد الجدوى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لذلك، ونعلم بأن هكذا خطوة تقوم فيها دول صناعية متطورة ومتقدمة لزيادة مستويات التصدير للاستفادة من كتل نقدية متنوعة، لكن وحال الاقتصاد الوطني يقوم على استيراد مواد سلعية استهلاكية ومواد مصنعة ونصف مصنعة تدخل في العمليات الإنتاجية، بنسب تفوق في معدلاتها مستويات التصدير الذي يعتمد على المواد الخام التي تنخفض أسعارها عالمياً نتيجة لتنامي مفاعيل الأزمة، أي أن الاقتصاد الوطني سيدخل مرحلة الأزمة المستعصية في حال اعتماد تخفيض قيمة العملة الوطنية نتيجة لما ذكرناه، و يرتبط ما ذكرناه مع انخفاض التقنية في صناعاتنا والذي يتحدد على أساسه انخفاض القيمة المضافة وبالتالي انخفاض نسب هامش الربح، ويتقاطع هذا المستوى مع ارتفاع تقنيات البضائع المستوردة التي تتمتع بكثافة رأس المال وبالتالي ارتفاع معدلات الربح فيها، وبالتالي ارتفاع أسعارها التي لا تتوافق مع معدلات الدخل الوطني، وتأتي هذه الخطوة في سياق تتناقض فيه الميول والسياسات الاقتصادية الراهنة مع الأشكال التي يجب أن تعمل على الخروج من الأزمة والحد من انعكاس وتجليات الأزمة العالمية على الاقتصاد الوطني، ويتجلى هذا إضافة لما ذكرنا مع تخلي الحكومة ومؤسساتها ذات الصلة عن دورها الاجتماعي الذي يجب أن يتعزز في هذه اللحظة، والذي يأتي متقاطعاً مع إطلاق الحرية والعنان للاستثمارات الخاصة الوطنية والأجنبية، والحرية المصرفية وتحرير الأسعار وتحرير النقد….بالتالي يمكننا التأكيد بأن هكذا خطوة يجب أن تكون قائمة على قاعدة إنتاجية متطورة ذات كثافة رأسمالية مرتفعة، وذات إنتاجية مرتفعة وتحمل قيمة مضافة عالية وذات قدرة تنافسية مضمونة في الأسواق الإقليمية والدولية، ويجب أن يتقاطع هذا مع زيادة دور الدولة الضامن لاستقرار البنى الاقتصادية والاجتماعية من التناقضات والأزمات المحتملة، ولهذا فإنه وفي ظل اقتصاد متخلف تتخلى فيه السلطات الرسمية عن أدوارها الاجتماعية في وقت تتزايد فيه معدلات الفساد والتخلع الهيكلي على المستويات الاجتماعية والاقتصادية/ الصناعية المتهالكة والزراعية البدائية والمبعثرة/في إطار بنى اقتصادية تابعة بنيوياً وعضوياً، فإن النتائج سوف تكون كارثية، وتحديداً في سياق تنامي تحلل المنظومات القيمية الضامنة للتماسك الاجتماعي، والذي يترافق مع تبدل في أشكال ومستويات الوعي الاجتماعي عبر مفاعيل وأسباب ذاتية وخارجية.
ـ وأخيراً إن تحرير أسعار السماد الذي سوف يساهم في تعزيز مشاركة القطاع الخاص في استيراد هذه المادة، وبيعها بالأسعار الرائجة. واعترفت وزارة الزراعة بأن تحرير أسعار السماد سيؤدي إلى (زيادة تكلفة زراعة كل كيلو غرام من القمح المروي 240 قرشاً، والشعير 230 قرشاً، والعدس 212 قرشاً، والحمص 230 قرشاً، والبطاطا 200 قرش، وهذه الزيادات تعادل الوفر الناتج عن تخفيض سعر المازوت من 25 إلى 20 ليرة سورية). وقد تدنت مساهمة القطاع الزراعي في الناتج الإجمالي قبل هذا القرار من 21% في عام 2006، إلى 17% عام 2007. وبسبب تبريرات وزارة الزراعة وتوجهاتها الراهنة سيصبح أمننا الغذائي في مهب الريح.
ويترافق تحرير أسعار الأسمدة مع ما كشفته جريدة تشرين في تحقيق بتاريخ31/3/2008 إضافة إلى ما تكشفه «تشرين» مجدداً في هذا الملف حول قيام المكتب العراقي الوسيط بتوريد عشرات الآلاف من الأطنان سنوياً من الكبريت سددت قيمته الشركة العامة للأسمدة وتعذر عليها حتى الآن تسوية الخلاف مع الوسيط العراقي لأن كمية الكبريت غير صالحة للاستخدام في العملية الإنتاجية وكانت خسارة الشركة لا تقل عن 1،2مليار ل.س، وأصدر مدير عام الشركة العامة للأسمدة بتاريخ 19/2/2009 كتاباً أرسله إلى الوسيط العراقي عبر الفاكس يطلب منه ترحيل كمية حوالي 8164 طناً من الكبريت المخالف للمواصفات خارج سور الشركة وتوريد كمية مطابقة للمواصفات العقدية بدلاً منها. ‏

إن تطور سياقنا البحثي يضعنا أمام ضرورة التحديد بأن الميول والتوجهات الاقتصادية تحدد هوية الاقتصاد وتتحدد به، وبالتالي تكشف عن التجليات العيانية والمتعيّنة واقعياً لشكل الدولة الذي تغير وفق أشكال بنيوية وهيكلية في سياق التعبير الموضوعي للميول الاقتصادية بأشكالها الجديدة عن شكل ونمط الدولة الراهن والمستقبلي. ولهذا نرى توافقاً هيكلياً بين أشكال التحولات الاقتصادية، وبين التحولات البنيوية التي تم على أساسها تغير شكل ونمط الدولة. وأيضاً يمكننا أن نلحظ ونحدد بأن دور السلطة، والمؤسسات والأجهزة الرسمية، على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تشكل تعبيراً ملموساً عن البناء الهيكلي والبنيوي لشكل الدولة المسيطر ونمطها المهيمن.
إن سياق بحثنا يتعيّن موضوعياً في إطار أزمة اقتصادية عالمية تنعكس بأشكال ومستويات مختلفة ومتباينة على كافة مستويات البنى الاجتماعية/ السياسية / الاقتصادية المحلية. وبما أن تجليات الأزمة الاقتصادية العالمية تدلل على ضرورة استعادة دور مؤسسات الدولة المعنية لضبط حركة وميول رأس المال المالي والخدمي بأشكاله الراهنة،( لكن لن يكون هذا التحول في شكل الدولة متماهياً ومتطابقاً مع الشكل الكنزي) دون أن يعني العودة إلى القاعدة الأساسية التي يتحدد عليها نمط الإنتاج الرأسمالي ( توسيع وتعميق دوائر الإنتاج بأشكاله الحقيقية الصناعية الزراعية) مما يؤكد عدم القدرة على تجاوز التناقض البنيوي الذي يحكم النظام الرأسمالي، و دون أن يعني أيضاً دخوله في أزمة عامة التي تتحدد في أحد مستوياتها بوجود بديل طبقي سياسي يساري ناضج يمكنه أن يعمل على تغيير النمط الاقتصادي المهيمن في الأفق المنظور، وهذا يؤكد بالضرورة على أن الأزمة الراهنة للاقتصاد الرأسمالي العام / الكوني سوف تتفاقم وتترسخ عالمياً، لتنعكس نتائجها أفقياً وعمودياً على المستوى الاجتماعي، أي أنها تتحول في سياق دخولها طور الكساد إلى أزمة اجتماعية تتجلى من خلال تزايد معدلات البطالة والفقر والاستقطاب الاجتماعي، مما يعني الدخول في طور من التناقضات الاجتماعية على المستوى العالمي، ومن المؤسف أن لا تكون حركات اليسار هي من يواجه التحولات الراهنة وأشكال تجلياتها المستقبلية، ومن المؤسف أيضاً أن لا يكون لليسار العالمي الدور القيادي والموجه لحركة الصراع الطبقي العالمي، مما يعني أن التناقضات الطبقية بأشكالها الاجتماعية والسياسية المستقبلية يمكن أن تتشكل على أسس متباينة مع تمظهرات وتجليات اليسار بأشكاله وبنيته الراهنة، رغم أن قوى اليسار العالمي هي الأقدر منهجياً على التأثير بمسارات التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، لكونها البديل الموضوعي للنظام الرأسمالي المأزوم بنيوياً، لذلك من الممكن أن تتولد في لوحات الصراع الطبقي المستقبلي قيادات وحركات سياسية تكون قادرة على قيادة وتوجيه التحولات القادمة، ولأن الواقع يرفض الفراغ، لذلك وللضرورة التاريخية فإن التجليات التاريخية الراهنة والمستقبلية سوف تتمخض عن أشكال سياسية تكون قادرة على امتطاء صهوة التحولات التاريخية بأشكالها الاجتماعية، السياسية، الاقتصادية المستقبلية، ومن المرجح في ظل اللوحة المستقبلية للصراع الطبقي على المستوى العالمي أن تتشكل تكتلات وتحالفات وتجمعات ذات نزوع يسارية علمانية وديمقراطية فاعلة ومحددة لحركة الصراع، ذلك نتيجة للتغيرات والتموضعات الاجتماعية الجديدة الناتجة عن مفاعيل الأزمة العالمية .وبتحديدنا لشكل الدولة القائم على رأسمالية الدولة، وتحديداً في الدول الطرفية، أي دوام نمط الاقتصادي الرأسمالي عالمياً، ورغم توفر إمكانية نشوء وتطور أقطاب اقتصادية وسياسية جديدة على قاعدة التناقض، فإن شكل السلطة/ الدولة، في البلدان الطرفية سوف يتحدد ويتكرس أفقياً وعمودياً على قاعدة زيادة حدة الضبط والتحكم في لجم التحولات السياسية المعبّرة عن التحولات الاجتماعية المتحددة على قاعدة المتغيرات الاقتصادية الجديدة القائمة على أرضية الأزمة الاقتصادية العالمية المعولمة، ويأتي هذا في سياق ازدياد حدة الارتباط والترابط في النمط الاقتصادي الرأسمالي المهيمن بناءً على أسس التطور التبعي متفاوت التطور.
إن تحديدنا لأشكال تجليات الأزمة العالمية على المستويين الأفقي والعمودي، والمستويين الجزئي والكلي ( الميكروي، الماكروي)، إضافة إلى تحديدنا للآليات والأشكال التي من الممكن أن تنعكس على الاقتصاديات المركزية والطرفية، والتي تتوسع انعكاساتها بالضرورة بشكل متزامن على المستويين الاجتماعي والسياسي، إن هذه التحديدات تفترض ضرورة العمل على ضبط التوجهات التي نفترض بأنها تشكل مخارجاً من انعكاسات الأزمة على البنى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية على المستوى الوطني. وفي هذا السياق يمكننا تحديد هذه الآليات بناءً على فصل المستويات الاجتماعية السياسية الاقتصادية على المستوى البحثي فقط، هذا لكونها تشكل بنية اجتماعية مترابطة موضوعياً:

ـ المستوى السياسي: إن الإشكالية والأزمة في عمقها الموضوعي تتموضع في المستوى السياسي، مما يعني أنه حتى لو تموضعت الأزمة في الحقل الاقتصادي، فإن مفاعيلها الأساسية تتشكل وتتجلى في إطار الحقل السياسي، لذلك نؤكد على إن مداخل ومخارج الأزمة تتمحور حول إشكاليات المستوى السياسي، أي أن الحقل السياسي هو الحقل الرئيس في تحديد أشكال التناقضات والأزمات التي يعاني منها مجتمعنا. وعلى هذا الأساس يمكننا أن نحدد بأن الخروج من التناقضات التي يعاني منها مجتمعنا في مستوياته كافةً تتجلى في: استعادة الحياة السياسية لكافة أطياف التيارات السياسية على قاعدة حرية الممارسة السياسية الوطنية الديمقراطية المعبّرة عن الواقع الموضوعي للمجتمع بمختلف شرائحه وفئاته، مما يعني بأن قوننة الممارسة السياسية يجب أن تكون تعبيراً عن واقع اجتماعي وسياسي موضوعي وملموس. وإذا كانت الحريات السياسية تشكل المدخل الفعلي لتجاوز الأزمة الراهنة، ومدخلاً لمواجهة المد الأصولي الديني بأشكاله السلفية التي تنعكس آثاره السلبية على المستويين السياسي والاجتماعي، فإن استعادة دور العمل النقابي المطلبي المستقل في إطار التعاون والتنسيق المشترك مع الحكومة وقطاعات العمل يشكل الركيزة الأساسية التي يجب من خلالها ضبط وتوجيه الفعاليات الاجتماعية في القطاعات الخاصة والعامة والمشتركة، لكونها تشكل الحقل المترابط مع المستوى السياسي، وأحد أهم المستويات المعبّرة عن التناقضات في المستوى الاجتماعي. وبمعنى آخر إن توافر المناخ السياسي الديمقراطي يشكل المدخل الموضوعي لحل كافة التناقضات السياسية تحديداً والاجتماعية، إضافة لكون المناخ السياسي الديمقراطي الحر والمقونن بذات الوقت يشكل الحلقة الأساسية لتجاوز حالة الاحتقان السياسي والاجتماعية التي تنبئ بإمكانية انفجارات اجتماعية لا يمكن التكهّن بأشكالها ومستوياتها الأفقية والعمودية، والتي تترافق مؤشرات تناميها مع تزايد مفاعيل الأزمة الاقتصادية على المستويين العالمي والمحلي بحكم الترابط البنيوي.

ــ المستوى الاجتماعي: إن تراجع دور الدولة الاجتماعي المتزامن مع تنامي دور القطاع الخاص بأشكاله الريعية والخدمية غير المؤسس لاقتصاد تنموي إنتاجي، يفرز موضوعياً تناقضاً اجتماعياً حاداً باتت ملامحه واضحة للعيان، مما يعني إمكانية حدوث تغير جذري في لوحة التركيب الاجتماعي العام، وهذا التحول يتموضع على أساس ازدياد الفجوة بين الفقراء الذين يتزايد أعدادهم بشكل كبير، وبين قلة من الأثرياء يتحكمون بمقاليد القرار الاقتصادي/ السياسي، هذا التحول يقوم على قاعدة استقطابية شديدة التباين والتناقض في المستوى الاجتماعي، يتلاشى فيها دور الفئات الاجتماعية الوسطى الحاملة أو المؤهلة لقيادة المشاريع التغيرية الاقتصادية والسياسية.
إن ما ذكرناه يضعنا أمام واقع اجتماعي يخضع إلى مفاعيل أزمة اجتماعية عامة. وللتخفيف من حدتها، وتجاوزها يفترض العمل على تحرير الطاقات الاجتماعية الكامنة التي تشكل البنية والجوهر الحقيقي والفعلي للحراك الاجتماعي والمجتمع.
وإذا سلمنا بأن التوجهات والميول الاقتصادية بأشكالها السائدة تؤسس لتناقض اجتماعي بين قاع المجتمع وقمته، وزيادة مفاعيل التناقض يتعزز بفعل تغييب المناخ الديمقراطي، فإن المناخ الديمقراطي يوفّر للقوى الاجتماعية بتجلياتها المتنوعة التعبير عن ذاتها ومصالحها على المستويين المدني / السياسي، ويمكّنها من تجاوز التناقضات الاجتماعية بمختلف مستوياتها وتعدد أشكالها.
إن موضوعية التحليل تفترض التأكيد على أن تحرير الطاقات الاجتماعية الكامنة، والتي لم تعبّر حتى اللحظة عن ذاتها تشكل أحد المخارج الأساسية من الأزمة. وإذا كان المستوى السياسي محكوم بجملة من التناقضات الذاتية والعامة المتزامنة مع تغييب المناخ الديمقراطي، فإن المستوى الاجتماعي بأشكاله المدنية والأهلية يتحدد موضوعياً على القاعدة ذاتها، لهذا يفترض العمل على تحرير المجتمع وإطلاق حريته وتكريس حقوق المواطنة، ويتجلى هذا المستوى من خلال التركيز على أشكال العمل المدني والحقوقي والأهلي، أي التركيز على ضرورة تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني / النقابات والجمعيات المدنية والحقوقية والبيئية … لكونها أحد أشكال تجليات الفعاليات الاجتماعية الرئيسية، وأحد أشكال التخفيف والحد من حدة التناقضات الاجتماعية. ويجب التنويه في هذا السياق بأن التجليات الاجتماعية بأشكالها المدنية والعلمانية إضافة لكونها تساهم في التخفيف من حدة تنامي المد الأصولي بأشكاله السلفية، التي من الممكن أن تتحول إلى قاعدة للتشظيات والتناقضات الاجتماعية بأشكال أثنية ، طائفية، عشائرية.. و التي يمكن أن تكون تجلياتها بأشكال عنفية نتيجة لتنامي حدة الأزمة الاجتماعية، مما يعني تهديداً فعلياً للأمن والاستقرار الاجتماعي. لذلك فإن توفير المرتكزات الموضوعية لمؤسسات المجتمع المدني بأشكاله الديمقراطية العلمانية تساهم في مواجهة التشوهات التي يمكن أن تنتج عن استفحال وتفرد القطاع الخاص بأشكاله الشوهاء، مما يعني بأن دور مؤسسات المجتمع المدني هي بمثابة صمام الأمان والضامن الفعلي للاستقرار الاجتماعي في مواجهة التحولات الاقتصادية ذات التجليات السياسية الكابتة للتمظهرات والتجليات السياسية والمدنية المعبّرة عن مصالح الفئات الاجتماعية المهمشة في القاع الاجتماعي.
إن تحرير الطاقات الاجتماعية يستدعي منا التركيز على أهمية التفكير الحر والمتحرر من التابوات والمنظومات الفكرية العقائدية والشمولية، والتركيز على القدرات الفردية الإبداعية في مواجهة تجليات وآثار التحولات الاقتصادية على المستويات الاجتماعية وتحديداً ما يخص مستوى الوعي والتفكير والثقافة، والتي تؤسس / أي التحولات الاقتصادية/ لأشكال وعي ثقافي استهلاكي مظهري ترفي يتناقض مع التموضعات الاجتماعية اقتصادياً، مما يؤسس لمظاهر من الفساد الاجتماعي المرتكز على التحلل القيمي الأخلاقي والثقافي. ومن هنا تنبع ضرورة الاشتغال على تكريس وتطوير منظومة قيمية ثقافية أخلاقية مدنية علماني في مواجهة الآثار الثقافية للمد الثقافي المعولم ، و ظواهر المد السلفي، وهذا يستدعي بطبيعة الحال التركيز على ضرورة تطوير المناهج الدراسية وأساليب التعليم والتربية، التركيز على دور المرأة في البناء الاجتماعي بعيداً عن العقلية الذكورية/ البطريركية الوصائية، مما يعني تحرير الفرد /المجتمع من عقد التخلف والنقص القائمة على منظومة ثقافية تمييزية على أساس الجنس / النوع ، والتي يتمتع فيها الرجل بحق القوامة والسيطرة والهيمنة على المرأة لاعتبارات ثقافية مختلفة، وهذا يفترض أيضاً التركيز على دور المرأة الذاتي للتخلص من النظرة الدونية المحكومة بها في علاقتها مع الرجل، أي تحرير المرأة من ذاتها المتخلفة. ويرتبط مع تجاوز الإشكاليات التي تهيمن على موضوعات المرأة، التركيز على بحث قضايا الطفل والطفولة، لنؤكد على ضرورة وأهمية تربية الطفل بكونه إنساناً حراً ذو شخصية مستقلة، وله كامل الحق في تحديد أشكال مصيره المستقبلي.

ــ المستوى الاقتصادي: إن ما عرضناه ينبئ بتفاقم وتسارع تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية على كامل البنى الاجتماعية، بأشكال ومستويات متباينة تطال آثارها الأمن الغذائي، الذي يشكل أحد أسباب الاستقرار الاجتماعي. لذلك فإن خطورة الأزمة الاقتصادية في سياق تحولها إلى أزمة اجتماعية، يكمن في تقاطع ميول وتوجهات بعض السياسات الاقتصادية الرسمية، مع أسباب وأشكال تجليات الأزمة العالمية، ويكمن أحد أسباب هذا التقاطع في الترابط الموضوعي للاقتصاد المحلي مع النمط الرأسمالي المهيمن والمأزوم، وقد أتينا في عرضنا على توضيح جملة من السياسات الاقتصادية التي ساهمت وتساهم في تفاقم وتسارع مفاعيل الأزمة على المستوى المحلي. ولهذا يمكننا إيجاز بعض النقاط العامة التي يمكن أن تشكل مدخلاً للحد من آثار الأزمة، وليس تجاوزها، ذلك لعلمنا بصعوبة الخروج من تناقضات النظام الرأسمالي على المستوى الوطني، مما يعني أن تجاوز تناقضات النظام الرأسمالي المهيمن بأشكاله المشوهة والمبتذلة يحتاج إلى سياسيات اقتصادية جذرية تبدأ من إعادة هيكلة البنى الاقتصادية الأساسية والسياسات الاقتصادية التي ابتعدت عن أشكال الإنتاج الأساسية للنمط الرأسمالي الكلاسيكي وغيبت دور الدولة ومؤسساتها الضابطة للميول الاقتصادية … و لا تنتهي بإعادة بناء المؤسسات الاقتصادية والإنمائية والمالية العالمية. ونؤكد بأن أشكال تجاوز تناقضات الأزمة العالمية بأشكالها الراهنة تتشكل على قاعدة ترابط العام،الخاص/ الكلي، الجزئي.
إن ما تعانيه الاقتصادات العربية والاقتصاد السوري جزء منها، يحتاج إلى تشكيل تكتلات اقتصادية عربية إقليمية ودولية على قاعدة الإنتاج السلعي الحقيقي، أي تمكين وتطوير الإنتاج السلعي الحامل لقيمة مضافة عالية، وبذات الوقت يتمتع بقدرة تنافسية في الأسواق الدولية. مما يعني أن الإنتاج على المستويين الصناعي والزراعي وطنياً يجب أن يكون قائماً على إعادة هيكلة وسائل الإنتاج، و الاعتماد على الوسائل الإنتاجية المتطورة، وعلى المؤهلات والكوادر العلمية الوطنية، وهذا يستوجب بداية إيجاد الحلول لهجرة الأدمغة، ويمكن أن يكون المدخل في توفير إمكانيات البحث العلمي الذي يساهم في تطوير وتمتين الإنتاج الصناعي، و يساهم في الحد من الاعتماد على الخبرات الخارجية، و التبعية للخارج. ( وللعلم فإن بعض المصادر تؤكد بأن ما يصرف على البحث العلمي في الدول العربية لا يتجاوز 0.2% من الناتج المحلي في حين تصل هذه النسبة إلى 3.6% و2.7% و2% في السويد واليابان وفرنسا على التوالي.).
— ضبط وتحديد الميول الاقتصادية بما يتلاءم مع مصالح الفئات والشرائح الاجتماعية المتضررة من سياسات التحرير الاقتصادي.
— ضبط آليات حركة السوق ( العرض، الطلب ) من خلال تفعيل دور المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، وفق سياسات مالية واقتصادية مدروسة، والعمل على زيادة التنسيق بين الحكومة والقطاع العام والخاص والمشترك للحد من الانحرافات السعرية والتشوهات التي يفرضها اقتصاد السوق الحر. والعمل على ضبط سياسية السوق التي تميل لتحقيق أعلى معدلات ربحية، من خلال إيجاد آليات توازن بين الأسواق وانطلاقتها والدولة وتوجهاتها.
— الحد من دور الشركات والمؤسسات والأفراد في القرارات التي تخص قضايا (الإنتاج والتداول والتوزيع والاستهلاك).
— التجارة الخارجية امتداد للواقع الإنتاجي الداخلي وتعكس مستوى تطور القوى الإنتاجية. و أغلب دول العالم اعتمدت مبدأ (التحرير بعد التمكين) أي فرض سياسة حمائية قبل سياسات التحرير الاقتصادي. ورغم التفاوت الكبير بين الدول المتطورة والنامية أو دول الشمال والجنوب إلا أن الدول الأولى لا تزال تضع القيود على مستورداتها وخاصة على السلع الزراعية وبعض السلع الصناعية: فرضت الولايات المتحدة الأميركية في عامي 2003 و2004 رسوماً وصلت إلى حدود 34% على الفولاذ المستورد بناء على طلب الشركات الأميركية المنتجة للفولاذ الصناعي، وأيضاً تقدم دعما كبيراً لمزارعي القمح وفول الصويا والذرة والأرز… إلخ. وتؤكد الدراسات أن اليابان تدعم يوميا كل بقرة بحدود 18 دولاراً. كذلك دول الاتحاد الأوروبي ولاسيما بعد تشجيع الانتقال إلى استخدام (الايتانول والوقود الحيوي) كبديل عن النفط ومشتقاته، لذلك لا بد من زيادة معدلات الإنفاق العام لدعم القطاع الصناعي والزراعي و وضع سياسات حمائية تساهم في تمكين الاقتصاد الوطني/ الصناعي، الزراعي/ قبل تحريره، وهذا ما يؤكده قول شارل بلتهايم: (إن الحمائية بالنسبة للدول المتطورة أشبه بسلم صعدوا عليه إلى الطابق الثاني والثالث… إلخ ثم كسروه حتى لا يصعد عليه الآخرون)، أي إن هذا الشعار يستخدم وفق مصالح الأقوى وبما يخدم مصالحهم ولا يجوز اعتماده اقتصادياً كوصفة مطلقة.
— إن أي علاقة اقتصادية تؤول في مآلها الأخير إلى العلاقة المالية، وإن القاعدة الإنتاجية المتطورة تخلق قاعدة خدماتية متطورة تلحق بها والعكس ليس صحيحاً دائماً. وخاصة في ظل ظروف الأزمة الغذائية والمالية التي يشهدها العالم بأكمله وسيتأثر بها الاقتصاد السوري ضمناً. وهذا ما عبَّر عنه وبكل صراحة التقرير الاقتصادي عن أداء الحكومة لعام 2008 الذي ركَّز ضرورة دعم القطاعات الإنتاجية حيث ورد حرفياً ما يلي:
«حصل تغير في نسبة مساهمة ناتج بعض القطاعات الاقتصادية في تكوين الناتج المحلي الإجمالي حيث انخفضت مساهمة قطاع الصناعة الاستخراجية من 17% عام 2005 إلى 13% عام 2007 وقطاع الزراعة من 23% عام 2005 إلى 21% عام 2007 في حين حافظت بعض القطاعات على مساهمة عالية في الناتج مثل التجارة 20% في عامي 2005 و2007 وقطاع النقل والموصلات من 11% عام 2005 إلى 12% عام 2007 وقطاع المال والتأمين 5% في عامي 2005 و2007 مع الإشارة إلى أن القطاعات ذات الطابع الخدمي تتجه صعوداً»، زيادة مساهمة الصناعة التحويلية في الناتج المحلي الإجمالي ويجب ألا تقل عن 25% حتى تعوض عن التراجع في الإيرادات النفطية والتي تراجعت وحسب تقرير أداء الحكومة لعام 2008 من (141 مليار ليرة عام 2004 إلى 98 مليار ليرة سورية عام 2005 ارتفعت إلى 127 ملياراً ليرة سورية عام 2006). أما معدل نمو الناتج المحلي غير النفطي وحسب التقرير الاقتصادي عن أداء الحكومة لعام 2008 فقد أكد أن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بلغ 8% خلال الفترة 2005– 2007 وبالأسعار الثابتة لعام 2000، حيث بلغت قيمة الناتج المحلي الإجمالي من دون نفط 967 مليار ليرة سورية في عام 2005 ليصل إلى 1288 مليار ليرة سورية عام 2007.
ــ العمل على مكافحة التهرب الضريبي سواء كان على مستوى الفعاليات الاقتصادية أو على مستوى تراجع الإيرادات الجمركية بسبب صدور قائمة الرسوم الجمركية المنسقة والفساد لأن الصادرات والمستوردات زادتا بشكل كبير بين عامي 2005 و2007 وكانت معدلات الزيادة فيهما أكبر من معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي بسعر السوق وبالأسعار الرائجة مما أدى إلى ارتفاع مؤشر الانكشاف التجاري: 62% 61% 63% 63%.
–السماح لكل القطاعات الاقتصادية بالعمل بشكل متوازن وعادل بشرط أن تتحمل مسؤوليتها الاقتصادية وإلى جانبها المسؤولية الاجتماعية.
— إن قياس مدى النجاح الاقتصادي يتحدد بتحقق ثلاثة مؤشرات اقتصادية وهي: 1- زيادة الإنتاج المحلي الإجمالي- 2- معدل منخفض من البطالة- 3- المحافظة على الأسعار أي تجنب التضخم.(التضخم المستورد الناتج عن ارتفاع أسعار المواد المستوردة التي تؤثر على وضع الاقتصاد السوري، و شكلت قيم المستوردات من عام 2005 إلى عام 2007 من (502369- 531324- 684557) مليون ل.س، وشكلت من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي نسبة (34%- 31.3%- 34%) ) و(التضخم الداخلي المرتكز على (فجوة الناتج).) أي توجيه الفعاليات الاقتصادية الإنتاجية للتأقلم مع المتطلبات الاستهلاكية الداخلية والوصول إلى تناسب وتوافق بين (العرض الكلي من الإنتاج السوري والطلب الإجمالي في سورية) وعندها نستطيع أن نميز بين ارتفاع أسعار السلع المستوردة وأسعار السلع الداخلية. ولذلك يجب أن نركز على (التضخم الداخلي) لعزله عن (التضخم المستورد) وهنا تكون أهمية تقوية إنتاجنا وزيادته ونموه.
— من الضرورة تحديد جوهر المشكلة هل تكمن في تواضع الإيرادات؟ أم زيادة النفقات؟ أم عدم التوازن بينهما؟ وهنا تكمن ضرورة البحث عن بديل يعوض نقص الإيرادات النفطية. والبديل هو زيادة فعالية ومساهمة الصناعة التحويلية في الناتج المحلي الإجمالي على أساس التشاركية مع القطاع الخاص، لكونها تثور القطاعات الأخرى بسبب تداخلها و تكاملها مع كافة القطاعات والفعاليات الاقتصادية: زراعة، صناعة، تجارة، خدمات ، مما يعني أن مخرجات الزراعة ستكون مدخلات للصناعة ومخرجات الصناعة ستكون مدخلات للزراعة وبالتالي فإن تزامن تطور القطاعات الاقتصادية يؤدي إلى زيادة الناتج والقيمة المضافة والأرباح، ويتقاطع هذا مع ضرورة البحث عن وسائل لزيادة الإيرادات ومنها مثلاً زيادة كفاءة رأس المال المستثمر ومحاربة التهرب الضريبي وزيادة الإيرادات الجمركية وتغطية المستوردات للصادرات وتفعيل كل القطاعات الاقتصادية من عام وخاص ومشترك، التركيز على الإنفاق التنموي الاستثماري وتخفيض عبء الموازنة للحدود المقبولة عالمياً لأن التمويل بالعجز لا يصلح إلا في حالات الركود، استثمار أذون الخزانة و تحويلها إلى مشاريع استثمارية وليس لتسديد العجز، استثمار واستغلال الموارد المتاحة لزيادة الناتج المحلي الإجمالي والإيرادات والخروج من دائرة عطالة الموارد وتقليل الاعتماد على تصدير المواد الأولية وخاصة إذا عرفنا أن كل (دولار واحد من القطن المصدر يعطي قيمة مضافة مقدارها بين 10 و11 دولاراً فيما إذا صنع ألبسة)، تفعيل العوامل المشجعة لزيادة الإنتاج الزراعي وتحويله إلى منتجات صناعية أو على الأقل نصف مصنعة، زيادة دائرة المواسم الإستراتيجية لتضم إضافة إلى [التبغ- القمح- القطن- الشوندر» كلاً من «الزيتون والخضار والفواكه؛… الخ.
ــ تحفيز الصادرات ، وضع رسوم جمركية على المستوردات التي تلحق الأذى بالمنتجات الوطنية، إيقاف العمل باتفاقيات التجارة مثل /Gaftaa/ منع استيراد السلع المنافسة للصناعات المحلية.).
ــ التأكيد على وضع سلم أجور متحرك يتناسب مع التغيرات الطارئة على الأسعار/ ربط الأجور بالأسعار/.
ــ ضرورة إعادة تأهيل وهيكلة القوى العاملة الحية، والاعتماد على قوى عاملة مدربة تمتلك إمكانية التعامل مع الوسائل الإنتاجية ذات التقانة العالية، وفي هذا السياق نذكر بأن أكثر من / 60% من اليد العاملة الوطنية لا يتجاوز مستواها التعليمي المرحلة الابتدائية / التعليم الأساسي الحلقة الأولى/. وإذا كان لدور سلطة الدولة / ليس دولة السلطة/ بكافة مؤسساتها الدور الأساس في تجاوز تناقضات النظام الرأسمالي بأشكاله الخدمية والريعية والمالية، وهذا ما نلاحظه على المستوى بلدان العالم الصناعي، لذلك من المفترض الاعتماد على الخبراء الاقتصاديين في وضع سياسات اقتصادية منهجية ومدروسة توفر السبل والآليات التي يمكن من خلالها توظيف كافة الموارد والطاقات الوطنية، لكن من الضروري التركيز في هذا الإطار على ضرورة البداية من مواجهة الفساد المستشري و الحد من تغوله على مستوى القاع الاجتماعي، وفي النخب التي حولت رأسمالها السياسي إلى حقل الاستثمار الاقتصادي، والتي باتت على أبواب السيطرة على مقاليد القرار السياسي والاقتصادي، أي أنها تعمل على إطباق سيطرتها على الدولة والمجتمع، بعد أن أنهت دور القطاع العام الذي بات أعجز من أن يكون بمستوياته وأشكاله الراهنة حاملاً للمشروع التنموي الوطني… وهذا يعني بالضرورة العمل على تأسيس أجهزة رقابية ومحاسبية تتمتع بالاستقلالية والخبرة والنزاهة، وتعمل بذات الوقت تحت سقف القانون الذي يجب أن يكون الممثل والحامي للمواطن والثروة الوطنية، مما يعني ضرورة العمل على فصل السلطات والحد من هيمنة السلطة التنفيذية.
ويمكننا أن نؤكد أيضاً على ضرورة وضع نظام ضريبي يمكن من خلاله مكافحة التهرب الضريبي، وتحديداً في القطاع الخاص الذي لا تشكل معدلات التحصيل الضريبي على الأرباح والإنتاج الحد الأدنى مقارنة بمستوى مشاركته التي تتراوح بين: 65% ـــ 73%، ويجب أن نذكر هنا بأن أحد أشكال مواجهة أزمة البطالة يمكن أن تكون من خلال تحديد ساعات العمل في القطاع الخاص، والقطاعات المشكلة لاقتصاد الظل، والتي تتراوح ساعات العمل فيها بين الثماني ساعات واثنتي عشر ساعة يومياً، هذا إضافة إلى عدم تعويض العمال عن الأعياد الدينية وأيام العطل الرسمية والأعياد الوطنية، والذي يترافق مع إهدار حقوق العمال في التأمينات التي تشكل حماية للعمال ورصيداً لموازنة الدولة والمجتمع في حال توظيفها إنتاجياً في مشاريع مدروسة يمكن أن توفر فرص عمل جديدة. هذا إضافة إلى أن النظام الضريبي يجب أن يحقق العدالة الاجتماعية من خلال تخفيف الأعباء الضريبية على أصحاب الدخل المحدود.
ــ التوزيع عادل للثروة القومية والناتج الإجمالي.
إن تمحور الاقتصاد السوري حول الأشكال الريعية والخدمية على مستويات متنوعة ومختلفة، إضافة لكونه يعتمد على إنتاج و تصدير المواد الخام / الزراعية، الصناعية ، الاستخراجية/ يدلل على عدم استقرار الأسس الاقتصادية، وضعف البنى الهيكلية الأساسية للاقتصاد بشكل عام، مما يعني صعوبة التمكن من وضع استراتيجيات اقتصادية يمكن من خلالها اعتماد نمو اقتصادي مستديم نظراً لكونه يعتمد بالدرجة الأولى على ثروات ناضبة لا يتم توظيفها في خطط تنموية اقتصادية تؤسس لنمط اقتصادي إنتاجي في حال نضوبها ، لذلك يجب توظيف كافة الموارد والثروات الوطنية لتوفير المناخ الطبيعي والمناسب لتكريس نمط اقتصاد إنتاجي استثماري، ويتقاطع هذا مع شكل الاقتصاد الزراعي الذي يتسم به الاقتصاد السوري، مما يستدعي العمل على الاهتمام بالزراعة والمزارعين، من خلال وضع أطر وخطط إستراتيجية مستقبلية تكون فيها الزراعة قائمة على الإنتاج بالوسائل الحديثة والمؤتمتة، مما يستدعي أن يكون للدولة دوراً أساسياً على مستويين: دعم القطاع الزراعي من جهة، واعتماد مشاريع زراعية كبيرة يكون فيها للدولة الدور الأساس لضمان الأمن الغذائي الضامن للاستقرار الاجتماعي.

في نهاية هذا النص نجد من الضروري التركيز على أن جملة النقاط التي تم تناولها وبحثها، تشكل سياق نظري/ بحثي متكامل ومترابط، أي أنه في إطار الاشتغال النظري لواقع اجتماعي سياسي ثقافي اقتصادي ملموس ومحسوس لا بد من التأكيد المنهجي لترابط المستويات الاجتماعية في إطار تشكيلتها البنيوية العامة والكلية . ولهذا فمن الواضح بأن أي إشكالية اجتماعية حتى لو تجلت بكونها ظاهرة مستقلة أو منفردة، فإنها في بعدها المنهجي والموضوعي المتعيّن تشكّل موضوعياً جزء من كل اجتماعي مترابط ومتشابك، لذلك يكون من الضرورة والموضوعية بمكان ربط كافة المستويات في إطار بنية كلية وعامة، يكون فيها الجزء متحدداً في إطار الترابط الكلي بالكل / العام المحدد .

اعتمدنا في إنجاز هذا النص على:
ــ تقرير التنمية الإستشرافي. ــ لمجموعة من الخبراء الاقتصاديين.
ــ د ــ قدري جميل ــ الأزمة الاقتصادية العالمية: الجذور – الآفاق – الانعكاسات.
ــ معتز حيسو ــ قراءة في قانون الاستثمار رقم /8 ــ9 /.
ــ نقد تقرير صندوق النقد الدولي حول الاقتصاد السوري. د – حيان سلمان.
ــ جريدة النور عدد / 385/.
ــ صحيفة الثورة بتاريخ 6/4/2009.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى