محمد زهير الصديق ما زال “المدمِّر الملك” لشرعية المحكمة
جهاد الزين
I
لا يزال محمد زهير الصديق المدمِّر (بكسر الميم الثانية) الاول للمحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بلبنان. بل لا يزال، مع كل التقدير لـ”معطيات” آخرين، المدمِّر الأكبر لصدقيتها منذ ظهرت قصته على شكل فضيحة تتواصل الى اليوم، بل تتسع يوماً بعد يوم.
ففي “ظل”، بل تحت شمس الصمت المدهش (وهو مدهش فعلاً) لاصحاب العلاقة المفترض انهم مستفيدون سياسياً من شهادة محمد زهير الصديق، صمتهم حيال مكان وجوده منذ أكثر من ثلاث سنوات، بل امتناعهم عن أي تعليق – حتى اللحظة – على دعوات تسليمه للمحكمة الدولية، يزداد حجم هذه الفضيحة.
نحن هنا أمام حالة تتعلق بدولة كبرى أولاً. أي فرنسا التي، ولو تخلصت من محمد زهير الصديق بتسفيره السري الى دول أخرى، كانت المتورطة الرئيسية في هذا الملف الغامض جداً، حيث الغموض عنوان لفقدان المصداقية.
لا أفهم – وأقول ذلك بكل بساطة – كيف سمح الحريصون (السياسيون) الدوليون والاقليميون على “المحكمة” تحقيقاً ثم تأسيساً بظهور فضيحة من هذا النوع تبدو ملتصقة بكل “بنية” المحكمة الى حد القضاء (الاخلاقي – أي المصداقي) عليها.
بُحّتْ مئات الاصوات في لبنان، أكانوا من ذوي النوايا السيئة أم الحسنة، ثرثارين على التلفزيونات، أم رصينين، وهي تسأل أين محمد زهير الصديق؟
لا جواب. يزداد الصمت المدمِّر لشرعية المحكمة، بل تقول المعلومات ان سياسات محلية ودولية تبنى على أساس الاستمرار في الصمت حيال هذا الملف.
هذه هي الثغرة، بل الهوة الأعمق والأخطر على مصير المحكمة من زاوية الرأي العام تلتها “كبسة الزر” بتحويل الاتهام في “دير شبيغل” نحو “حزب الله” بعد “تدريب” الرأي العام اللبناني لسنوات على اتهام سوريا؟
لقد حول ملف محمد زهير الصديق المحكمة برمتها الى متهَمة (بفتح الهاء). والى اليوم، حتى “معطيات” أمين عام “حزب الله”، واطلاق سراح الضباط الاربعة لا تعادل، التأثير الاخلاقي والسياسي الذي تعرضت له مصداقية المحكمة، لا بل تبدو “المعطيات” هنا، و”اطلاق السراح” هناك “نتائج” لفضيحة محمد زهير الصديق، سواء كان الربط التقني بين احدى هذه النتائج قائماً كما في حالة اطلاق الضباط أو غير قائم كما في “المعطيات” الاسرائيلية الاخيرة التي تطلق أمواجاً تقنية – سياسية جديدة متباينة بين بيروت ولاهاي؟
II
هذا موضوع أشمل، وإن كان “أبرد” افتتحه بالتأمل التالي:
… قد يسمّي مؤرخو العقد المقبل أو الذي بعده السنوات التي عشناها في العقدين المنصرمين، سنوات “النمط الايراني” في إدارة الصراع العربي – الاسرائيلي.
هذا نمط جديد نستكشفه، عرباً ولبنانيين، أياً تكن مواقعنا من السياسة الايرانية، أوروبيين وأميركيين، يقدم نجاحاته واخفاقاته الجديدة علينا ولو كان بعض من مادته البشرية الاصيلة، كما من كفاءاته الدقيقة، عربياً ولبنانياً، موجوداً في التحالف السوري – الايراني، وفي “حزب الله” و”حماس”.
نمط مختلف… كالنمط المصري الذي ساد في الخمسينات والستينات بعد اندلاع الصراع عام 1948 والى جانبه العراقي والسوري والاردني، ثم النمط الفلسطيني الذي عرفناه بعد 1967 وتقلب في حقبات مختلفة حتى “الانتفاضة الثانية”، وكل من هذه الانماط قدم ابداعاته واخفاقاته الخاصة.
الآن نعيش زمن نمط “ايراني” صاعد بمعناه ايضاً المتعدد: مزيج سياسي، ثقافي، مذهبي، بشري، تقني. دون أن ننسى أن نمطاً لا زال غير متبلور، ظهر في الاشهر الاخيرة هو “النمط التركي… لكن الذي – بالكاد – وُلد الآن… ولا نعرف عن ماذا سيسفر في هذا الصراع مع اسرائيل، وإن كانت مدرسته ستنجح في محاولتها الاتيان بأنماط “سلمية” غير مسبوقة؟ كما لا نعرف ما إذا كان سيأخذ فرصته الكاملة في أن ينمو… ويترعرع… ثم يزدهر… في “حل سلمي” لهذا الصراع الذي أفسد حياة جيلين من بضعة شعوب حتى اليوم؟؟؟ وقد يكون على الأرجح في طريقه إلى إفساد حياة جيل ثالث.
النهار