الإصلاح والتغيير بين سياقين
بعد خروج كوكبة من قيادات إعلان دمشق وأعضاء مجلسه الوطني من السجن، الذي أمضوا فيه سنتين ونصف تنفيذا لحكم جائر، كان لابد للأسئلة أن تطرح مجددا حول دور الإعلان وفعاليته والمهام التي تصدى لها وما زال بإمكانه أن يقوم بها. وكل تلك الأسئلة وما شابهها كان من الطبيعي طرحها بل والترحيب بالحوار حولها، فالمراجعة والتقويم لا شك أنهما مطلوبان وضروريان، لكن ما لفت الانتباه هو التساؤلات المنطلقة من هاجس أمني، وتمحورت حول الخطوات الانعطافية المتوقعة من الإعلان بعد عودة بعض قياداته. وهي تساؤلات ما زالت مصرة على رؤية ائتلاف إعلان دمشق كحركة تغيير مفاجئ أو انقلابي، يكون من السهل احتواؤها خارجيا ومن ثم اتهامها بالتآمروالاندراج في مخططات عدوة !
هذه الرؤية هي نفسها التي هدفت إلى اتهام الإعلان، وزجّ تلك المجموعة الكريمة من قادته ونشطائه في السجن، بعيد انعقاد مجلسه الوطني الأول أواخر 2007.
ومجددا ، لم يرغب أصحاب هذا الهاجس الأمني برؤية الفكرة الإصلاحية التي مثّلت جوهر دعوة إعلان دمشق إلى التغيير الوطني الديمقراطي، بكل ما حددته في ذلك التغيير من علنية و سلمية وتدرج وأمان، يكفل مشاركة جميع السوريين في إصلاح شؤون بلدهم بعد عقود مديدة من الإقصاء والتأخر، ولم يكن لتك الدعوة إلا أن تكون إصلاحا يندرج التغييرالعميق في إهابه. لكن الأمنيين لم يروا كل ذلك، بل رغبوا في أن يروا، ولهم مصلحة في أن يروا، الجانب التغييري كجانب انقلابي انسجاما مع تاريخهم وتراثهم القريب العهد. من هنا، جاء فصلهم لمصطلح التغيير عن الإصلاح، وإصرارهم على رؤية التغيير كثورة وانقلاب، من السهل إدراجه في سياق الضغوط والعوامل الخارجية المواتية.
وبالأصل، فكل إصلاح يؤدي إلى تغيير وتقدم، ولرب إصلاح أكبر من ثورة كما كان المفكر السوري الراحل (الياس مرقص) يقول، كونه يسعى لتصحيح ما فسـد. بينما لايؤدي كل تغييرإلى إصلاح، بل قد يؤدي إلى تراجع وعودة إلى الخلف، كما يحدث نتيجة للمؤامرة أو الانقلاب العسكري.
ونظرا إلى أن تاريخنا الحديث بخاصة لم يعرف الحياة السياسية الديمقراطية إلا لفترات خاطفة، فإن شيئا من ثقافة الاعتراف بالاختلاف وحقوق المعارضة والرأي الآخرلم يترسخ ، بل تكرست ثقافة الانقلابات والثورات والتآمر، التي أعطتنا الأنظمة السلطانية المحدثة. وهذه الأخيرة لايمكن لها بطبيعتها إلا أن تنظر بعين الريبة إلى أية دعوة إصلاحية مهما كان لها من طابع سلمي.
لكن الامر مختلف في العالم من حولنا، فحيث تسود الحياة السياسية الديمقراطية، ويتوفر للمعارضة الحق في المشاركة، فإن شعار التغيير رفع في العديد من البلدان ولم يكن موضع تشكيك أو اتهام وطني.
تلك إذن مسألة سياقات مختلفة، سياق يعترف بالآخر وبحقه في المعارضة وإبداء الرأي، فلايرى في شعار التغيير اتهاما ولا تآمرا. وسياق آخر يحتكر قيادة الدولة والمجتمع، ويستمر في وضعهما في حالة طوارئ منذ أكثرمن 47 عاما، فلا يستطيع أن يرى في شعار التغيير إلاعدوا مبيناَ!
هكذا، لم يكن ظهور إعلان دمشق أواخرعام 2005 خطوة مفاجئة ولانزوعا مغامرا، بل كان تتويجا لنضالات الديمقراطيين السوريين وحراك المجتمع السوري، وتعبيرا عن حاجة عميقة للإصلاح، ما زالت ماسة ومطروحة على جدول أعمال السوريين ، بغض النظر عمن يبلورها ويأخذ بها . وسواء كان إعلان دمشق قد ظهرأم لم يظهر بشكله ومحدداته المعروفة، فقد كان لابد لتلك الحاجة أن تجد من يفصح عنها طال الزمن أم قصر، وقد آن الأوان لإدراجها في إصلاحات برنامجية لجميع جوانب المجتمع السوري، وهذا ما أكده معظم أولئك العائدين إلى الحرية، ممن تسنت لهم فرص التصريح، ومنهم الكاتب وعضو المجلس الوطني فايز سارة، حين عبرباختصارعن ذلك: إن تجمع إعلان دمشق هو إطار للمستقبل وليس جزءا من الماضي، وهو إطار للنقاش بين جميع السوريين بمختلف انتماءاتهم من أجل الحوار حول سبل تصحيح أوضاعهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
14/8/2010 هيئة التحرير
موقع اعلان دمشق