صفحات سورية

عودة خيار ضرب إيران

null

عبد الوهاب بدرخان
في التمنيات، لا أحد في المنطقة يريد حرباً أخرى، لا ضد إيران، ولا ضد سواها، لأن لا أحد سيكون بمنأى عن أضرارها، وإذا كانت هناك فعلاً إرادة ورغبة حقيقيتان لحل أزمة الملف النووي دبلوماسياً، فهذا ما تتمناه شعوب المنطقة، وبالأخص دول الخليج التي تريد أن تتمتع بأرباحها النفطية.

في التحليل، قد تكون عودة الخيار العسكري هي الواقع، والإشارات كثيرة طبعاً هناك الضجة المثارة إسرائيليا، وأميركياً من خلال مؤتمر “ايباك” للوبي الصهيوني، وبالتأكيد هناك اللجوء السوري إلى القناة التركية لمعاودة التفاوض، كخطوة تحوط مما سيكون أو يمكن أن يكون، وفي السياق نفسه يأتي الإلحاح الأميركي على إنجاز معاهدة أمنية مع العراق خلال مهلة محددة بنهاية يوليو المقبل. وبالإضافة إلى كل ذلك، هناك “الضرورات” الأميركية البحتة التي تأخذ في اعتبارها مصلحة “النظام” الأميركي أولاً، وفي إطارها مصلحة إسرائيل، من دون الاهتمام بالتداعيات على مصالح الآخرين، خصوصاً عرب الخليج.

عندما يستعرض جورج دبليو بوش مغامرته العراقية لا بد أنه يصاب بنوبات ضيق، ومع اقتراب ولايته الثانية من نهايتها يبدو مزاجه أقرب إلى ذاك الذي لزمه لدى نسجه حربه ضد صدام حسين. مزاج خليط من الأيديولوجية والغطرسة، يمنعه من الركون إلى الواقع قبل حرب العراق لم يقل أحد من القادة العسكريين الأميركيين، على رغم كل الأكاذيب والتلفيقات، أن عراق صدام قتل جنوداً أو حتى مدنيين أميركيين، أما اليوم فإن الجنرال ديفيد بيترايوس أكد علناً أن جنوداً يقتلون على أيدي الإيرانيين.

ليس مصير الجنود هو- على وجه الدقة – ما يغضب بوش، ما يطيح صوابه أن تكون إيران وظفت أميركا عملياً، وإلى حد كبير، في استراتيجيتها الخاصة، مع أن أميركا ذهبت إلى الحرب لتوظف كل دول المنطقة، بما فيها إيران، في استراتيجية الهيمنة التي رسمتها.

هي تهيمن، نعم، لكنها لم تعد قادرة على تسيير سياساتها، ولم يعد أصدقاؤها وحلفاؤها ومحميوها في مأمن من أذرعة النفوذ الإيراني، لا في العراق ولا في فلسطين، ولا في لبنان ولا في أفغانستان.

وليس بوش من سيعترف بأن أميركا أخطأت، فالدولة العظمى الوحيدة لا تخطئ أبداً، إذاً فلا بد أن الإيرانيين هم الذين أخطأوا، إنهم يتحدون أميركا، وينجحون!

كان هذا وحده ليكفي بوش كي يتخذ موقفاً. أما أن يحسم أمره ويضع قراراً فهذا ما يبدو عسيراً، لكن هناك أيضاً الملف النووي، وفيه تخوض إيران صراعاً زئبقياً وذكياً مع كل الدول الكبرى. صحيح أن تقرير أجهزة الاستخبارات الأميركية ثبت واقعاً وتفادى نهج التلفيق، إلا أن بوش قال منذ اللحظة الأولى إنه لن يعتد به. يترك المسألة لديك تشيني كي يعالجها على طريقته، وهي لا تقتصر على مجرد “احتمال” بأن تتحصل إيران على سلاح نووي، وإنما في كون نشاطها أصبح بمثابة منتج أول من هذا السلاح، فإذا تركت بقوتها الراهنة، كما بنفوذها وتمددها، فإن تغييراً استراتيجياً جذرياً يكون قد حصل على رغم أميركا وتحت نظرها وحتى برعايتها، وبالطبع سيتسبب لها بخسائر استراتيجية فادحة، ولاشك أن “إيران النووية” ستكون حاجزاً يمنع إسرائيل من التمتع بمكاسب استراتيجية قدمتها إليها الحرب الأميركية على العراق، إنه حاجز ردع لم تواجه إسرائيل مثله منذ نشأتها.

جرت محاولات خلال الشهور الماضية لتقدير إمكاناتها “تطبيع” العلاقة بين أميركا وإيران، لكنها اصطدمت كالعادة بجدار انعدام الثقة والأعوام الطويلة التي ضاعت من دون اتصال أو حوار، أما الآن فحانت اللحظة المهمة، لحظة يميل فيها بوش إلى الذهاب إلى أقصى حد بقناعاته، وتريد فيها إسرائيل أن تستنهض غرائز الثنائي بوش – تشيني للمرة الأخيرة قبل أن يودعا المسرح السياسي. جرى استبعاد خيار ضرب سوريا بغية إضعاف إيران. وبدا خيار إضعاف نفوذها في العراق كأنه هروب من المشكلة.

الأفضل هو الذهاب مباشرة إلى قلب التحدي. بالنسبة إلى بوش، هذا أيضاً مدخل جيد إلى التاريخ، فليس في مصلحته أن يقال إنه تهاون.

هذا أسوأ من القول بأنه أخطأ. ثم إنه يجب أن يفكر بخلفه الآتي إلى البيت الأبيض: إذا جاء “الجمهوري” جون ماكين، بعد ضرب إيران، فإن بوش سيجنبه مسؤولية قرار الحرب منذ بداية ولايته، وإذا جاء “الديمقراطي” باراك أوباما، فإن بوش سيمنعه بذلك من التحاور مع إيران أقله في مستهل ولايته.

جريدة الاتحاد



مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى