صفحات العالمما يحدث في لبنان

“بيروت منزوعة السلاح”: النكتة الكبرى

سعد محيو
“بيروت منزوعة السلاح” هو الشعار الجديد الذي يُنتظر أن تُخاض تحت مظلته المعارك السياسية الجديدة في لبنان .
أو هذا على الأقل ما يسعى إليه أنصاره في تيار 14 آذار، الذين يعتبرون أن الاشتباكات الأخيرة في برج أبي حيدر بين فرقاء 8 آذار، وفّرت فرصة ذهبية لحشر هذا التيار الأخير في زاوية ضيقة . وهم سيبنون على الحنق الشعبي العام على هذا الفلتان الأمني، كما على الارتباك السياسي الواضح في صفوف الخصم، لتسجيل نقاط قوة سياسية إضافية لمصلحتهم .
بيد أن هذا الشعار أقل ما يمكن القول فيه إنه “نكتة كبرى” . صحيح أنه مُحق في تمييزه بين سلاح المقاومة والسلاح الميليشاوي، وفي مطالبته أن يكون السلاح الوحيد المرخّص به خارج دائرة المواجهة مع “إسرائيل” هو سلاح الشرعية (الدولة)، إلا أن المشكلة تكمن في أصحاب الشعار لا في الشعار نفسه .
فهؤلاء قادة طوائف، وبالتالي، فهم بالتعريف مناهضون بالسليقة والغريزة لمفهوم الدولة . فحيث هناك طوائف سياسية، ثمة انتفاء تام لقيام الدولة، وحيث يكون الأمن بالتراضي هو القانون الوحيد الذي تقبل به الطوائف من دون غيره، يصبح قانون احتكار الدولة لأدوات العنف مزحة سمجة .
لكن، لماذا هذا العداء المستشري الذي تكنّه الطوائف لمؤسسة الدولة؟
الأمر يعود في ظروف اجتماعية وتاريخية وسيكولوجية، ينبغي في إطارها التمييز بين كل من الأقليات والطوائف كي تتضح الصورة . فالأقليات هي تلك المجموعات الطائفية أو الإثنية التي لا تنتمي إلى التيار الأكثري في دولة ما، لكنها تشاطره حياته المشتركة، وتبني معه الأمة الموحّدة، وتقبل تسليم جلّ أمورها إلى الدولة، بغض النظر عما إذا كانت هذه الدولة سلطوية أو ديمقراطية . فالأساس هنا هو الاندماج لا الانعزال أو التقوقع .
الفئات المسيحية في سوريا وفلسطين والأورثوذكس في لبنان تنتمي إلى تعريف الأقليات هذا، وقد كان لها تاريخ مشهود في المشاركة في قيادة الحركات القومية العربية والوطنية السورية واللبنانية والفلسطينية، كما أنها طوّرت عملية اندماجها في الأكثرية ليس في سكناها في المدن فقط، بل أيضاً بقبولها أن تكون إسلامية حضارياً، كما صرّح العديد من قادتها .
الطوائف، في المقابل، تقف على طرفي نقيض من الأقليات . فهي تقطن عادة في مناطق منعزلة في الجبال أو المناطق القصية والمدينية المقتصرة عليها، وهي ترتبط بهذه المناطق بأواصر دينية تعج بالعديد مما هو “مقدس” بالنسبة لها . وهذه التركيبة الجغرافية – الديموغرافية – الإسطورية تجعل من الصعب على الطوائف تسليم أمرها إلى الدولة، لأن هذا قد يمس “فرادتها” أو “تميزها” أو حتى امتيازاتها (إذا ما كان ثمة امتيازات) .
العيّنة الفاقعة على النزعة الطائفية هم الموارنة الذين رفعوا منذ الاستقلال الشعار الشهير: “مالنا لنا ومالكم لنا ولكم”، وهذا أسفر في نهاية المطاف عن نسف إمكانية قيام دولة حديثة تحتكر العنف، وتفصل بين الدين والسياسة، خاصة بعد أن “تمورنت” بقية الطوائف عبر تبنيها، وإن ضمناً، الشعار نفسه .
والحصيلة هي ما نرى الآن، حيث تسعى كل طائفة إلى أمنها الخاص، و”مجالها الحيوي الاستراتيجي الخاص”، فيما هي تُعامل الدولة كمجرد واجهة لمبنى شرعي لا وجود له .
“بيروت منزوعة السلاح”؟ الأفضل لمن يريد الأمن حقاً أن يرفع قبل ذلك شعار “طوائف منزوعة الأنياب” .
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى