قصارى الكلام: العراق غير قادر على حماية نفسه بنفسه
كامران قره داغي
يحتار كثيرون في الجواب عن السؤال: هل العراق سيكون قادراً أم لا على حماية نفسه بعد الانسحاب التام للقوات الأميركية بحلول نهاية 2011؟ ظاهرياً يبدو الطرفان المعنيان، العراق والولايات المتحدة، غير متفقين على الجواب. القائلون بأن العراق لن يكون قادراً على حماية نفسه من دون الأميركيين عبّر عن لسان حالهم صراحة رئيس أركان الجيش العراقي بابكر زيباري الذي أكد أن القوات العراقية لن تكون جاهزة لتوفير الحماية المطلوبة للبلد – عسكرياً من الأخطار الخارجية وأمنياً من الأخطار الداخلية، قبل 2020 على الأقل.
كذلك هي حال الطرف الأميركي إن كان المتحدث في الموضوع نائب الرئيس جو بايدن أم القائد المنتهية ولايته للقوات الأميركية في العراق رايموند اوديرنو أو قائد القوات في أفغانستان الجنرال ديفيد بترايوس الذي يُعزى إليه فضل مقارعة «القاعدة» يوم سبق ادوديرنو في قيادة القوات الأميركية في العراق أم، أخيراً وليس آخراً، وكيلة وزارة الدفاع الأميركية للشؤون السياسية ميشيل فلورنوي التي ردت على كلام زيباري بقولها إن القوات العراقية من جيش وشرطة مؤهلة لاستيعاب هذه «المرحلة الانتقالية». لكنها تضيف الى ذلك مزيداً من الاستدراكات. مثلاً: انه ما زال أمام القوات العراقية «الكثير من الجهود الواجب بذلها كي تتوافر لديها القدرات القتالية لمواجهة التحديات من الآن وحتى نهاية العام المقبل».
فوق هذا ستبقى إدارة الرئيس باراك أوباما، والكلام ما زال للمسؤولة الأميركية، «ملتزمة حماية العراق كدولة حليفة طوال السنوات المقبلة» (كم سنة؟). لكن هل يمكن أن تغير إدارة اوباما رأيها فتبقي قواتها في العراق الى ما بعد نهاية 2022؟ ممكن، تقول فلورنوي، «لكن ذلك رهن برغبة الشعب العراقي وبطلب الحكومة العراقية». وتفسير ذلك، بحسب فلورنوي، أن الحرب في العراق «لم تنته بعد وما زال هناك الكثير من التضحيات التي ينبغي بذلها من أجل تطبيق الديموقراطية وأسسها»، إضافة الى «الكثير من الأمور التي ينبغي إتمامها». وخذوا مثالاً على ذلك «التوتر المتواصل في شمال العراق بين العرب والكرد» والى غير ذلك.
طبعاً يمكن لمن يريد أن يكابر أن يزعم أن القوات العراقية ستصبح جاهزة خلال سنة أخرى لحماية البلد من الأخطار الداخلية والخارجية. لكن كيف ستفعل ذلك من دون طائرات ودبابات وصواريخ وغير ذلك من الأسلحة الثقيلة؟ كيف تستطيع ذلك واستخبارات الدولة، العسكرية والأمنية، أضعف من أجهزة الاستخبارات التابعة لأحزابها، ناهيك عن شبكات زرعتها أجهزة استخبارات دول مجاورة؟
عسكرياً أيضاً ما زال الجيش يفتقد الكفاءات المطلوبة، خصوصاً لجهة الضباط الأركان. معروف أن أي جيش يحتاج الى قيادات من ضباط الأركان قادرة على إدارته وتنظيمه وتعبئته. في السابق كان يتحتم على الضابط كي يقبل في كلية الأركان أن تكون رتبته بين نقيب ومقدم ويخوض اختبارات نظرية ونفسية، فاذا نجح فيها تعين عليه أن يدرس سنتين وينجح بالحصول على صفة «ضابط ركن». للمقارنة: في ظل الوضع الراهن منح كثيرون رتباً عالية وصفة «ركن» في الجيش العراقي، فيما حصل عدد كبير من الضباط على رتبهم العسكرية بفضل دمج تشكيلات عسكرية تابعة لأحزاب في الجيش العراقي بعد تدريبهم في دورات استغرقت بضعة أسابيع. العراقيون مولعون بابتكار ألقاب معينة فأطلقوا على هؤلاء تسمية «الدمّاجة». وفي الماضي أطلقوا تسمية «التفريخ» على عسكريين دربهم حزب البعث لمدة 21 يوماً بعد انقلاب تموز (يوليو) 1968 نسبة الى مزارع تفريخ الدجاج بعد حفظ البيض في حاضنات لمدة 21 يوماً.
هل نحتاج الى تذكير المكابرين بأحداث الأيام القليلة الماضية؟ لم تمض 48 ساعة على تأكيدات بايدن واوديرنو وغيرهما من مسؤولين أميركيين كبار أن «القاعدة» (عادة الأميركيون يتجنبون ذكر الجماعات الإرهابية الأخرى التي يقودها حزب البعث) تراجعت وضعفت حتى تلقوا الرد في شكل أعمال عنف وفي شكل تفجيرات وهجمات منسقة الأربعاء الماضي على مراكز للشرطة شملت بغداد والكوت والبصرة وكربلاء وديالى وكركوك والموصل والفلوجة والرمادي وغيرها وأسفرت عن عشرات الضحايا. وبدا ارتباك القيادة العسكرية واضحاً، إن صح الخبر الذي بثته وكالة أنباء عراقية محلية (براثا)، عبر أوامر أصدرتها القيادة العامة للقوات المسلحة تقضي بأن تخلي قوات الشرطة مراكزها وتنتقل الى مواقع «بديلة» تحسباً لمزيد من الهجمات المحتملة.
فاذا انتقلنا الى الجانب السياسي، وهو مرتبط عضوياً ومباشرة بالجانب العسكري، فان الجواب سلباً يصبح سهلاً عن السؤال: هل العراق قادر على حماية نفسه؟ هل يستطيع العراق حقاً أن يحمي نفسه إذا كانت قياداته السياسية عاجزة عن الاتفاق على تشكيل حكومة بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على الانتخابات؟ هل يستطيع ذلك إذا كان زعماؤه السياسيون يقولون علناً إن تشكيل الحكومة رهن أيضاً بموافقات قوى خارجية؟
الأمثلة: اياد علاوي زعيم قائمة «العراقية» الفائزة بأعلى الأصوات في الانتخابات قال علناً إن تشكيل الحكومة ليس رهناً بالعراقيين وحدهم إذ إن الولايات المتحدة لن توافق على أي حكومة لا ترضى بها إيران. لعل علاوي كان أكثر صراحة من غيره من السياسيين الذين أجمعوا في أي حال على أنهم يتعرضون لضغوط مباشرة من الخارج وأن الحكومة الجديدة لن تتشكل بمعزل عن هذه الضغوط والتدخلات الخارجية لـ «تفضيل»، كي لا يُقال لفرض، هذه الشخصية أو تلك لرئاسة الوزراء.
أكيد أن لكل هذه الاعتبارات أسباباً وتبريرات موضوعية يقتضيها وضع الأمر الواقع الراهن في العراق. لكن قصارى الكلام إن العراق ما زال، وفقاً لأي معيار، عسكري أم سياسي، داخلي أم خارجي، غير قادر وحتى مستقبل منظور على حماية نفسه بنفسه، لا من نفسه ولا من أي عدوان خارجي محتمل عليه.
الحياة