صفحات سورية

ما هي حقيقة الموقف السوري من الوضع في لبنان ؟: سياسة الازدواجية والبراغماتــية تقلق الجميع

null
اميل خوري
بات اللبنانيون يحارون في معرفة حقيقة الموقف السوري الرسمي من الوضع في لبنان، واي من الطرفين السياسيين يعود من دمشق ومعه الحقيقة. فهناك طرف يقول ان القيادة السورية مع الحكم القائم في لبنان، وحريصة على ان تقوم العلاقات بين البلدين من دولة الى دولة من دون ان يتناقض ذلك مع العلاقات الشخصية والصداقات بين هذه القيادة وسياسيين لبنانيين، وان القيادة السورية تدعم الحكومة اللبنانية وبقاءها عملا باتفاق الدوحة وتأكيدا لما قررته القمة الثلاثية اللبنانية – السورية – السعودية، وذلك حرصا على استمرار الامن والاستقرار اللذين لهما الاولوية على اي موضوع آخر، خصوصا في هذه المرحلة، وان القيادة السورية هي مع ما تقرره المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لمعرفة الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه، شرط ان يكون قرارها منزها وبعيدا عن اي تسييس،
وهي مستعدة لان تعاقب اي سوري يثبت تورطه في هذه الجريمة، وهذه القيادة تدعم ايضا عملية السلام شرط ان تبنى على اساس تنفيذ القرارات الدولية ومبادئ مؤتمر مدريد، كما تؤيد اجراء مفاوضات على هذا الاساس لتكون بديلا من اللجوء الى المقاومة.
ويسمع اللبنانيون من طرف آخر اكثر قربا من سوريا كلاما مختلفا، وهو انها مع الحكم القائم في لبنان بقدر ما يكون مع موقفها، ولا سيما في الشؤون الامنية والدفاعية والخارجية، وانها غير مستعدة للتخلي عن صداقاتها مع سياسيين واحزاب في لبنان حرصا على العلاقات من دولة الى دولة، خصوصا ان دولا عدة عربية واجنبية تقيم صداقات مع احزاب وسياسيين في لبنان.
اما في ما يتعلق بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان فان موقف القيادة السورية منها مشروط، بدليل ان بعض الصحف السورية تعلن تأييدها موقف “حزب الله” من هذه المحكمة وتدعم السعي لاسقاطها او اسقاط الحكومة اذا كان موقفها مغايرا لموقف هذا الحزب من القرار الاتهامي، وهي لا تزال تدعم المقاومة سبيلا لاستعادة الحقوق الفلسطينية والعربية المشروعة، وترى في المفاوضات مضيعة للوقت، وهو ما جعل نوابا حاليين وسابقين في قوى 14 آذار، ومنهم عضو المكتب السياسي لـ”تيار المستقبل” النائب السابق مصطفى علوش يرد على مطالبة الوزير السابق وئام وهاب، وزراء 8 آذار بسحب تمويل المحكمة، بالقول “ان وهاب يعبر عادة عما يسمعه، ولا اعرف ما اذا كان موكلا هذه المهمة ام لا، وهو يطلق كلاما يشكل تهديدا واضحا للناس، ولم اسمع احدا من “حزب الله” ومن 8 آذار يقول انه لا يوافق على هذا الكلام”، لكنه شدد على “اننا نأخذ في الاعتبار الكلام الرسمي الذي يصدر عنه”.
والسؤال المهم الذي يحيّر اللبنانيين هو: هل التقارب السوري – السعودي كفيل بحفظ الامن والاستقرار ليس في لبنان فحسب بل في المنطقة، ويشكل قوة داعمة لتحقيق السلام الشامل وتجنب الحرب المدمرة؟ وهل هذا التقارب يتناقض والتقارب السوري – الايراني وحماية “حزب الله”؟ خصوصا انه ينسحب على الوضع في العراق وفلسطين واليمن؟ وما الذي يمكن ان يعطل هذا التقارب الذي اخذ يثير بعض القلق لدى ايران؟
اوساط سياسية ترى ان التقارب السوري – السعودي يمر بمحطات اختبار لقدرته على البقاء والصمود وعدم تعرضه للانهيار.
وهذه المحطات هي:
اولا- الموقف من القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه عند صدوره. هل يلتقي الموقف السوري والسعودي في هذا القرار سلبا او ايجابا، أم يفترقان فينعكس ذلك ليس على الوضع الحكومي فحسب، بل على الوضع العام في لبنان، وربما في المنطقة، خصوصا على الامن والاستقرار؟
ثانيا- هل يذهب اختلاف موقفهما من القرار الاتهامي الى حد الطلب من وزراء المعارضة السابقة الاستقالة من الحكومة، فيدخل لبنان عندئذ ازمة وزارية مفتوحة قد تتحول ازمة حكم، ام يتم الفصل بين الموقف من القرار الاتهامي والموقف من الحكومة حرصا على استمرار الامن والاستقرار، لانه في حال اهتزازهما فان اسرائيل تكون وحدها المستفيدة؟
ثالثا – هل يظل التقارب السوري – السعودي صامدا اذا لم يكن موقفهما واحدا من استئناف المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية او من نتائجها، وبات مطلوبا وضع حد لتشدد حركة “حماس” في فلسطين و”حزب الله” في لبنان، وذلك بوقف امرار الاسلحة اليهما اذا ظلا يفضلان اللجوء الى القوة لاستعادة الحقوق المشروعة وليس الى المفاوضات التي يعتبرانها عبثية؟
رابعا – هل يظل التقارب السوري – السعودي صامدا اذا لم تنته المحادثات مع ايران حول برنامجها النووي الى تسوية واصبحت المواجهة العسكرية حتمية؟
الواقع ان سوريا التي تجيد سياسة الازدواجية والبراغماتية وتحرص على ان تربح رهاناتها بالوقوف مع المعسكر الذي تتوقع له الانتصار وليس مع ذاك الذي تتوقع له الانكسار، قد تجد نفسها عاجلا ام آجلا امام خيارات صعبة عليها ان تختار منها الافضل والاسلام.
ويذكر ان سوريا اختارت في الماضي الوقوف مع العاهل الاردني الراحل الملك حسين في حربه مع الفلسطينيين، والتي انتهت بانتصار الجيش الاردني ونزوح عدد منهم الى لبنان. ووقفت سوريا مع الولايات المتحدة الاميركية في حرب الخليج ضد الرئيس صدام حسين الذي كان قد احتل الكويت، فدفع العماد ميشال عون الثمن في لبنان واطيح حكمه بضربة عسكرية سورية خاطفة وجعلته يلجأ الى فرنسا منفيا، فكان ذلك بداية الوصاية السورية على لبنان بعدما اوقفت الاقتتال فيه، لكن سوريا لم تقف مع الولايات المتحدة الاميركية في حربها على العراق لاطاحة حكم صدام حسين، لانها لم تقتنع بجدوى تلك الحرب، فأين تقف سوريا اذا وقعت الواقعة بين دول الغرب، وعلى رأسها الولايات المتحدة من جهة وايران من جهة اخرى، وهي المعروفة بدقة حساباتها وصحة رهاناتها؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى