صفحات سورية

صفوان عكاش في حديث لمجة “مقاربات” حول اعلان دمشق

null


العدد الجديد من مجلة مقاريات طرح المحور التالي

من داخل إعلان دمشق…. فن الممكن؟

وتوجه بأربعة عشر سؤالاً حول إعلان دمشق، إلى كل من السادة:

حسن عبد العظيم، سمير نشار، صفوان عكاش، عبد العزيز الخير، عبد العزيز الجرف، عبد الحميد درويش، عبد الحفيظ الحافظ، غالب عامر، غياث عيون السود، كبرائيل كورية، ماجد حبو، محمد عبد المجيد منجونة، محمد محفوض، منصور الأتاسي، نذير جزماتي، هيثم المالح.

التالي اجابات صفوان عكاش على أسئلة مجلة مقاربات

السؤال الأول: ماهي الدوافع السياسية التي تقف وراء وثيقة إعلان دمشق؟

اسمحوا لي أولاً بأن أشكركم على جهودكم فالموضوع المفتوح للنقاش يستحق الكثير من اهتمام أهل الثقافة والسياسة في بلدنا وخارجه.

خلال ما يقارب عقدين من الزمن كانت السياسة فعلاً جرمياً يرتب على من يقترفه آيات العقاب والعذاب ابتداءً من الحصار والتهميش مروراً بالسجن والاعتقال وانتهاءً بفقدان الحياة وهي الحق الأقدس بين حقوق الإنسان التي نصت عليها المواثيق والقوانين وكرستها الأعراف الدولية. ومن الطبيعي أن يؤدي ذلك في مجتمعنا إلى تجنب السياسة وافتقاد الممارسة والنظر السياسيين، وما يترتب على ذلك من تراكم الأخطاء والأزمات وانعدام سبل التصحيح وتحكم فئة ضئيلة بمصائر وأرزاق مجمل البلاد وشعبها. لقد بدأت مفاصل وقوى المجتمع تعاني من الوهن والخمول والعجز عن مواجهة التحديات التاريخية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الوقت الذي كانت به التطورات العالمية تدفع على الأقل نحو إطلاق المشاركة السياسية. وفي هذه الظروف كانت القوى السياسية الحية تحاول على ضعفها وتشتتها لملمة جراحها والتوجه نحو مرحلة جديدة عنوانها إعادة السياسة إلى المجتمع والتخلص من إرث القمع والإقصاء وبدء دورة جديدة من حياة المجتمع تتسم بحيوية المشاركة ومواجهة التحديات، مع ما قد يعتري ذلك من أخطاء ناجمة عن واحدية الاستبداد لمرحلة طويلة وبشرية الأفراد والجماعات التي تنطحت لهذه المهمة التي لا يمكن لبلدنا عبور بوابة التاريخ دون إنجازها. إن من المنطقي والواقعي أن تتعدد الدوافع السياسية المذكورة بتعدد الأطراف المساهمة ولكن المحصلة العامة لها لا تخرج ولم تخرج عن التشارك في عملية التغيير الوطني الديمقراطي رغم بعض الغموض الذي يشوب هذا المفهوم من حيث آليات ووسائل وقوى تحقيقه.

السؤال الثاني: برأيكم هل ارتبط إعلان دمشق بمواقف القوى المتواجدة على الساحة السورية أم بالمستجدات والمتغيرات الإقليمية والدولية، خاصة وانه قد كثر اللغط في حينه عن علاقة ما بين توقيت صدور وثيقة إعلان دمشق وتقرير ميليتس؟

ليس هناك أي تناقض بهذا الشأن، إعلان دمشق هو منتج سوري مئة بالمئة، شاركت فيه قوى سياسية عريقة في العمل الوطني الديمقراطي المعارض من التيارات القومي واليساري والليبرالي والإسلامي وشخصيات بعضها دخلت حديثاً ساحة الفعل، وهناك إجماع فيما بين هذه الأطراف على المهمة الديمقراطية، يكفي الاطلاع على برامج ومطالب وشعارات هذه الأطراف كل على حدة لتبين هذا الاتفاق. من جهة أخرى فإن كل هذه القوى (وغيرها كالنظام مثلاً) تأخذ في حسبانها المستجدات والمتغيرات الإقليمية والدولية مع تعدد زوايا النظر لها بالطبع. لنتطرق الآن إلى التوقيت، هذه مسألة مزمنة فطالما أن المعارضة السورية ضعيفة وأن التدخلات والعوامل الخارجية قوية سنظل نواجه مثل هذا اللغط، إعلان دمشق صدر قبيل ظهور تقرير ميليتس وأثار هذا اللغط وسيكون اللغط أكبر لو صدر الإعلان عند ظهور التقرير أو بعده، هل المطلوب عدم إصدار الإعلان؟ إن هذه المحنة ستتكرر طالما ظل التدخل الخارجي والاستقطاب كثيفين وقد مر بها إعلان بيروت دمشق كذلك. مع ذلك فقد طرح بعض النقاد المخلصين تساؤلات وانتقادات جادة حول بعض الفقرات الركيكة والخاطئة في نص الإعلان ومنها ما ورد بأن التغيير قد بدأ، وتحدى هؤلاء أطراف الإعلان بأن تظهر ما لديها من قوى تسمح لها ببدء عملية التغيير، وإلا فأنها تعول بالمطلق على العامل الخارجي. لنعترف هنا أن إعلان دمشق كان مقصراً في التفاعل مع هذه الانتقادات وفي إجلاء بعض النقاط الغامضة، كانت هناك محاولة وحيدة بهذا الخصوص هي البيان التوضيحي الذي لاقى استحسان بعض المنتقدين (واستهجان البعض الآخر) ثم تراجعت عنه بعض القوى التي أقرته بالإجماع، نعم كان يجب أن نكون أكثر دقة وانفتاحاً على النقد وكذلك أن نبتعد عن الشطحات اللفظية فلا يمكن اعتبار أن التغيير قد بدأ إلا بالمعنى الذاتي الضيق وربما الثقافي فقط، والحقيقة أن أغلب القوى التي وقعت على الإعلان تعي أن التغيير الديمقراطي عملية طويلة ومضنية وأنها ضرورة مجتمعية ومطلب موضوعي بغض النظر عن مواقف القوى الدولية والإقليمية، بل إن نظرة سريعة على حصيلة السنوات السابقة تظهر أن قضية الديمقراطية شهدت تراجعاً وليس تقدماً بسبب المواقف والسياسات الأمريكية مثلاً وبسبب الاستقطاب المتوتر في لبنان وفلسطين وحولهما.

السؤال الثالث: برأيكم لماذا سمي بإعلان دمشق وليس جبهة أو تجمع كما تم الاتفاق عليه مؤخرا، مجلس وطني؟ وهل تسميته “إعلان” تشكل فرقا من حيث البرنامج وطبيعة القوى عن الصيغ الأخرى؟
هو في واقع الأمر إعلان مبادئ ولهذا سمي إعلان دمشق، والمجلس الوطني ليس تسمية جديدة إنه إحدى هيئات الإعلان وللدقة هو أعلى هيئات الإعلان فهو الذي يقر السياسات والبرامج والوثائق الأساسية ويختار مكتب الأمانة، ليس هناك أي تغيير في التسمية إعلان دمشق مازال “إعلان دمشق”. وفي الحقيقة لا يزال الإعلان ائتلافاً لعدة قوى وشخصيات وهناك فرق فعلي بين الائتلاف والجبهة فلا يمكن الحديث عن جبهة بدون برنامج سياسي يغطي مرحلة ما، الأمر الذي لم يحدث حتى الآن في إعلان دمشق، غير أن دلالات الأسماء تتغير كما هو معروف أي أن من الممكن أن يتحول إلى جبهة ويحافظ على تسميته في الوقت نفسه، لا مشكلة في التسميات
.

السؤال الرابع: هل حقق المجلس الوطني بانعقاده النقلة من مرحلة “إعلان دمشق” إلى مرحلة جبهة عمل وطني؟

لم يكن مثل هذا التحول مطروحاً على جدول أعمال المجلس ولا يمكن لهذا المجلس أو أي مجلس آخر تحقيق الانتقال إلى جبهة عمل وطني، هذا شيء يتم بالحوار بين القوى السياسية المعنية وبالاتفاق إما على برنامج سياسي شامل أو على برنامج عمل يغطي المرحلة القادمة، سيكون مثل هذا التحول إنجازاً كبيراً ولكنه لا يلوح في الأفق.

السؤال الخامس: ماهي النواظم المحددة للعلاقة بين القوى والشخصيات المنضوية تحت الإعلان في الداخل والخارج؟

كما هو معلوم فقد وقعت على وثيقة الإعلان عدة قوى سياسية وبعض الشخصيات الوطنية البارزة، هذه القوى مجتمعة ومنفردة تضع مسألة الوصول إلى الديمقراطية على رأس الأولويات الوطنية، ولكنها من جهة أخرى مختلفة في توجهاتها الأيديولوجية وجزء من التوجهات في مجال السياسة المحلية والإقليمية والدولية أيضاً، هذا أمر واقع يمكن للمراقب أن يلمسه بالمقارنة بين الوثائق الخاصة بكل طرف من أطراف الإعلان، كما إن هذه الأطراف تعترف بذلك ولا تخفيه. وفي ظل هذا الواقع لا يمكن إلا اعتماد التوافق كناظم للعلاقة في المسائل السياسية والتنظيمية الأساسية مع العمل في الوقت نفسه على توسيع رقعة التوافق وتضييق الاختلاف وعدم السماح بتحويل هذا المبدأ إلى حق نقض (فيتو) معرقل. والمشكلة في مبدأ التوافق أن تطبيقه يتطلب كثيراً من الصبر وسعة الصدر والتخلي عن الأفكار الجاهزة المعلبة حيال الأطراف التي نختلف معها، ولكن عواقب التعامل معه بخفة أو بضيق صدر ليست أبداً في صالح العمل المشترك، إذ سيؤدي ذلك إلى إكراه طرف أو أكثر على العمل بما لا يقبل به أو الانسحاب. أضف إلى ذلك هناك آلية التصويت بالأغلبية حين يتعذر هذا التوافق وبالأكثرية في المجالات التي لا تتطلب التوافق.

السؤال السادس: هل هناك نوع من التنسيق والنقاش بين القوى والشخصيات في الداخل والقوى والشخصيات في الخارج في كل ما يصدر عن إعلان دمشق من مواقف، مثلا: الموقف من جبهة الخلاص وتحركات الحمصي..الخ؟
أعتقد هنا أن السؤال يشوبه شيء من الغموض، كما إن كثيراً من المتاعب والإشكالات الخاصة بالإعلان نجمت عن بعض حالات الغموض، وهناك أطراف تستفيد من الغموض لتمارس ألعاباً هي على العموم غير نظيفة، على سبيل المثال ما سمي أمانة بيروت لإعلان دمشق أو المكتب الإعلامي لإعلان دمشق (حالياً) فقد أعلن مكتب الأمانة في مناسبتين أن لا علاقة للإعلان بما أسماه السيد مأمون الحمصي أمانة بيروت ومع ذلك يستمر في التلطي وراء الإعلان بحجة أنه ليس ملكاً لأحد، إن العمل السياسي مسؤولية وإعلان دمشق لم يتنصل من مسؤولية مواقفه التي اتخذها، وعلى الآخرين أن يتحملوا مسؤولية تحركاتهم بشجاعة بدون التلطي وراء غيرهم، نعم الإعلان ليس ملكاً لأحد ولكنه ليس مضافة أو وكالة من غير بواب، هناك أصول للعمل السياسي تجعله مختلفاً عن البهلوانيات الفارغة. نلاحظ الغموض أيضاً في حالة أخرى، فالإخوان المسلمون كانوا من الأطراف التي أعلنت التزامها بإعلان دمشق دون أن يترتب على ذلك أية خطوة عملية للأسف، ثم تشكلت جبهة الخلاص وشارك فيها الإخوان المسلمون كطرف أساسي وهي كيان مختلف عن إعلان دمشق الذي أعلن في عدة مناسبات أنه ليس على أية علاقة بها، ومن هنا نشأ وضع إشكالي بحاجة إلى التوضيح، وفي هذا المقام أود أن أؤكد أن الغموض في هذه الحالات لا يساعد على الاطمئنان ولا على وضوح المواقف بل ويتيح المجال كما رأينا لبعض المواقف والتصريحات غير المسؤولة والتي لا تأخذ اللحظة السياسية بنظر الاعتبار. بعد كل ما تقدم أقول أن هناك حداً أدنى من التنسيق بين “أطراف إعلان دمشق” في سوريا” وبلدان المنفى رغم المعوقات الناتجة عن منع السفر وإجراءات المراقبة والتضييق، وفي جميع الأحوال فإن مصدر المواقف لمن يتوخى الحقيقة هو مكتب الأمانة العامة فقط
.

السؤال السابع: هل انعقاد المجلي الوطني هو بداية مرحلة سياسية جديدة للإعلان ام هو بداية انهيار وتفكيك لقواه؟
كان انعقاد المجلس الوطني إحدى محطات الإعلان ومن غير المفيد التهويل من أهمية هذه المحطة ولا تقزيمها، بل على العكس من الضروري الآن الالتفات إلى النتائج السياسية والتنظيمية والأمنية لهذه المحطة ولظروف انعقادها لدراستها واستخلاص العبر منها بما يضبط عملنا القادم. وسيكون إذا تحلينا بالحكمة والشجاعة في مواجهة الأخطاء بداية مرحلة سياسية على صعيد الإعلان ذاته مع أملنا بأن يتحول إلى بداية مرحلة جديدة في الحياة السياسية السورية. عموماً هناك حاجة لتدارك الوضع الحالي وهي مسؤولية جميع الأطراف
.

السؤال الثامن: أعلنت بعض القوى والشخصيات تجميد عضويتها إثر انعقاد المجلس الوطني، كيف تقرأون هذا التجميد، خاصة مع إعلان قوتين هما الاتحاد الاشتراكي وحزب العمل، عن تجميد عضويتهما في الإعلان مما يعني غياب التيارين القومي والماركسي عن الإعلان الذي كان هدفه تجميع وتمثيل كافة التيارات السياسية؟ وما هي تداعيات هذا التجميد على الإعلان مستقبلا؟
لم تتمثل أهمية إعلان دمشق في نص الإعلان فهو نص مألوف وفيه العديد من الهنات والأخطاء، ولا في قوته السياسية والتنظيمية فكلنا يعلم حالة الضعف التي كانت المعارضة السورية ومازالت تعانيها. إن أهمية الإعلان تنبع من قوته المعنوية من حيث أنه قدم لهذا المجتمع أملاً كان في أمسّ الحاجة إليه وإطاراً جامعاً للعمل الديمقراطي المعارض لم تشهده سوريا منذ عدة عقود. وكان من الممكن للمجلس الوطني لو تم ترتيبه بالعناية التي يستحقها وبالروح والممارسة التواثقية المطلوبة أن يرفع الزخم المعنوي ويزيد الثقة بين أطرافه ليشكل فعلاً بداية مرحلة جديدة في العمل المشترك على الأقل، ولكن ذلك لم يحصل مع الأسف وهذا شيء في غير مصلحة الجميع، ولو اعتبر البعض أنه حقق بعضاً مما يصبو إليه فسيكون واهماً وخاسراً كخسارة من يستبدل بولده قرد المهرج. ولا يمكن قراءة التجميد إلا كتعبير عن أزمة سياسية وتنظيمية من واجبنا التصدي لها وإيجاد الحلول الكفيلة بتجاوزها في المنحى الإيجابي مع تجاهل مهرجانات الردح والشتائم التي لا تصدر إلا عن الصغار الصغار في أية جهة كان هؤلاء الصغار. وللتدقيق فإن الحزبين المذكورين لم ينسحبا من الإعلان ولم يجمدا عضويتهما فيه بل جمدا نشاطهما في هيئات الإعلان بمعنى أنهما تركا الباب موارباً لإمكانية التصحيح والمراجعة. لقد خلقت مشاركة الإخوان المسلمين في جبهة الخلاص مشكلة لم ولن تحلها التصريحات المجاملة الفارغة وأدت في الواقع إلى خسارة الجهة الأساسية في التيار الإسلامي، ثم تلاها الآن ما نجم عن الممارسات السلبية التي رافقت الإعداد لعقد المجلس الوطني وصياغة مشروع البيان وأحداث المجلس ذاته فأفضت إلى نذر خسارة أخرى، وعلينا جميعاً أن ندرك أن تآكل الرأسمال المعنوي لإعلان دمشق أو اقتصاره على لون واحد أو استبعاد أي طرف منه هو خطوة إلى الوراء في مسيرة العمل الديمقراطي وأن المشكلات التي تواجهنا ممكنة الحل إذا خلصت النوايا
.

السؤال التاسع: كيف يمكن قراءة قرارات التجميد في ظل الاعتقالات التي طالت شخصيات من الإعلان دمشق؟

لا يجوز قراءة التجميد إلا بما هو عليه في الواقع أي تعبيراً عن أزمة ذات جانب سياسي وجانب تنظيمي هو بدوره ذو جذر سياسي، وهي أزمة تتفاعل داخل البيت الواحد لا بين خصوم سياسيين، ومما يبشر بالخير الموقف المبدئي الذي اتخذه حزب الاتحاد الاشتراكي وحزب العمل الشيوعي من الاعتقالات الأخيرة. ومع ذلك فإنني أشعر بالأسف لأن هذه الاعتقالات عطلت إمكانية حدوث نقاش علني هادئ وموضوعي في الجانبين السياسي والتنظيمي كان من المقدر له أن يشكل تجاوزاً للمهاترات التي رأيناها. إن من الأسباب الرئيسية للاعتقالات، أية اعتقالات، القضاء على ممارسة الحوار وثقافة الحوار وأخلاقيات الحوار، ولكننا نأمل في إطلاق هذا الحوار المنشود داخلياً ضمن الأطر المعهودة مما يشكل بداية لرد عملي على حملات القمع التي نتعرض لها.

السؤال العاشر: كيف تقيمون سياسيا حملة الاعتقالات الأخيرة، وهل هناك رابط مابين الشخصيات التي تم اعتقالها؟

من الواضح أن الحملة تقصدت شخصيات بارزة ونشيطة في صفوف الإعلان، كما تقصدت شخصيات من التوجه الإسلامي وهي بذلك تعيد التشديد على الخطوط الحمراء القديمة- الجديدة وتسعى إلى شل الإعلان وجعله يعمل كمنظمة للدفاع عن المعتقلين وإلى إرهاب الناس وإبعادهم عن التجاوب مع مبادراته والانخراط في نشاطاته. وعلينا أن نعترف بأن النظام نجح في ذلك إلى حد كبير، فهو يمتلك خبرة عقود من القمع المعمم. كما لا تزال قضية الحرية تحتل درجة متدنية على سلّم الأولويات المجتمعية بعد قضية الأمان والسلم الاجتماعي وقضية رغيف الخبز المضني وقضية الذبح اليومي الذي يتعرض له شعبنا في فلسطين والعراق بشكل خاص والسلوك الامبريالي الفظ الذي تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة العربية بشكل عام، فيما لم يستطع إعلان دمشق أن يعانق هذه القضايا بل إن بعض أطرافه ترى في التعاطي معها تشويشاً على قضية الديمقراطية. من المفيد أن نلاحظ أيضاً أن هذه الحملة تجنبت اعتقال بعض الأشخاص البارزين مما يدل على رغبتها في شل الإعلان بأقل التكاليف الإعلامية والسياسية وفي الإبقاء على بعض الشخصيات التي أتقنت ارتكاب التقييمات والمواقف السياسية الخاطئة التي يتخذها النظام ذريعة لتبرير حملاته القمعية.

السؤال الحادي عشر: هل تعتقدون بوجود توجه جديد لإعلان دمشق، أدى لتغييب قوى وشخصيات مهمة عن نتائج الانتخابات الأخيرة؟
ليست النقطة المركزية هنا نتائج الانتخابات الأخيرة، فهذه النتائج مجرد حصيلة فقط لتجاوز مبدأ التوافق في القضايا السياسية والتنظيمية الأساسية ولتلاعب بعض الأطراف بهدف السيطرة وتهميش أطراف أخرى، وقد تكشفت في هذا الصدد حقائق كثيرة ولم يعد الأمر مجرد تكهنات وتحليلات. إن الضحية الأولى لهذه الممارسات التي أدت إلى انعدام الثقة هي إعلان دمشق نفسه فلا يمكن الآن أن نتحدث عن توجه جديد أو قديم، إذا استمرت الأمور على ما هي عليه ولم نستطع مواجهة التحديات المطروحة فسيصبح إعلان دمشق شيئاً مختلفاً، قوى وتوازنات مختلفة وبالتالي توجهات مختلفة. شخصياً مازلت آمل في أن لا نضيع ثمرة عمل جميع الأطراف خلال الفترة الماضية
.

السؤال الثاني عشر: هناك بعض المزاعم بوجود توجه جديد نحو النيوليبرالية كي يحصل الإعلان على دعم وشرعية خارجية، ما مدى صحة هذه المزاعم؟

في ظل انعدام الصرامة الذي يسود استخدام المفاهيم لا يستطيع المرء أن يجزم بوجود تيار أو توجه نيوليبرالي من عدمه. لكنه من الواضح أن المعارضة السورية تنطوي على العديد من التيارات الإيديولوجية ومنها القومي واليساري والليبرالي وأن العديد من أهل السياسة والثقافة الذين انتقلوا من التيار اليساري إلى التيار الليبرالي وغيرهم يحملون وجهات نظر متشددة تتقاطع مع التوجه النيوليبرالي للإدارة الأمريكية وبطانتها الإيديولوجية، وغالباً ما يعود فضل هذا الانتقال إلى النظام الذي أصم أذنيه عن جميع الدعوات إلى الإصلاح وأغلق في وجهه السبل فأصاب اليأس هؤلاء وجعلهم يتخذون مثل هذه المواقف التي يتكشف خطأها وتسرعها يوماً بعد يوم. والحقيقة انه ليس هناك مشكلة في وجود هذا التيار أو غيره فهو وجود موضوعي وسيتم في مجرى عملية الانتقال إلى الديمقراطية ظهور وتصارع تيارات فكرية وسياسية عديدة وفي النهاية لن يصح إلا الصحيح. المشكلة في مكان آخر، لنؤكد من جديد أن لدينا توافق إجماعي على قضية الديمقراطية وعلى مركزيتها أو أولويتها، كذلك لا يمكن الوصول إلى اتفاق بين التيارين القومي واليساري من جهة والتيار الليبرالي من جهة أخرى على مواقف موحدة من الولايات المتحدة وسياستها أو من الصراعات الإقليمية والتوترات المحيطة بنا في لبنان والعراق وفلسطين أو من النهب الاقتصادي الداخلي والخارجي فذلك الاتفاق من ضروب الخيال، ونحن لا نسعى إليه بأي حال من الأحوال، كل ما نطالب به هو ملاحظة انعكاسات هذه القضايا على نضالنا الديمقراطي واتخاذ المواقف منها وفقاً لذلك وهذا ممكن وواجب، عندها لن يعود النظام السعودي جزءاً من التيار الديمقراطي ولا اعتقال أكثر من ثلث أعضاء البرلمان الفلسطيني خطوة على طريق الديمقراطية ولا معاداة مئات ملايين العرب وأكثر من مليار مسلم للسياسات والإدارة الأمريكية “الخيرة” ناتجة عن الخوف من النظام السوري أو خدمة له حسبما يتحفنا به حكماء السياسة كل يوم. وفي جميع الأحوال أعتقد بضرورة إعادة النظر في طروحاتنا وتدقيقها وإعادة تأسيسها وهو ما أخذت بوادره تظهر على الأقل في محاولات الأستاذين برهان غليون وياسين الحاج صالح، كما يمكن أن نلمح شيئاً من ذلك في بيان مكتب الأمانة الصادر بتاريخ 26/1 من هذا العام.

يجب أن يتضح إذاً أن هناك رؤى سياسية مختلفة ولا علاقة للموضوع بالدعم الخارجي أو الشرعية الخارجية، فالشرعية لا يمكن اكتسابها إلا في ساحة العمل الحقيقية عندما يتحقق التلاحم بين القوى السياسية والقوى الاجتماعية، أما الدعم الخارجي فمن البديهي أن يسعى الجميع إليه، والفارق في نوعية الخارج، فهناك خارج إمبريالي يزرع أرضنا بعساكره وخارج ديمقراطي مهتم فعلاً بدعم التطور الديمقراطي في منطقتنا وغيرها، إن من يحلل أو يحرم العلاقة مع الخارج بإطلاق وبدون تحديد أي خارج يمارس تضليلاً هدفه إما محاصرة العمل الديمقراطي أو الانفلات في علاقاته الخارجية من أي معيار وطني أو أخلاقي.

السؤال الثالث عشر: هل وجدت معايير محددة تم على أساسها دعوة الشخصيات المستقلة لحضور المجلس الوطني لإعلان دمشق؟ وماهي هذه المعايير في حال وجودها؟
من البديهي أن تجري مناقشة هذه الخطوة مسبقاً وأن يتم الاتفاق عليها، وهو ما حدث فعلاً وتم الاتفاق على دعوة الشخصيات الوطنية المستقلة التي توافق على وثائق الإعلان الرئيسية، وصفة الوطنية هنا ذات دلالة غير سياسية إذ كان من المفروض أن تتمتع هذه الشخصيات بحد أدنى من الحضور والشهرة على ساحة الوطن مع شيء من التسامح (فنانون- أدباء- شعراء- كتّاب- نقابيون …الخ). وفي الواقع كان هناك بخصوص هذه النقطة توجهان أحدهما يرغب بتوسيع المجلس بحيث لا يتجاوز عدد أعضاءه 90- 100 والآخر مع التوسيع غير المقيد، وفي الممارسة تم خرق هذين المعيارين بالمطلق، فقد تمت دعوة أشخاص لم يسمع بهم أحد ومنهم من يرفض حتى إعلان دمشق بشكل معلن، وحين حاول البعض التأكد فيما إذا كانوا يوافقون على الوثائق جاءهم الجواب (هل نطلب من الناس أن يقسموا على المصحف). في النتيجة تم توسيع المجلس إلى أكبر عدد ممكن (أقل من 200 حضر منهم 163) وكان معظمهم من تيار إيديولوجي واحد وانعكس ذلك على مكتب الأمانة المنتخب فكان نصفه تقريباً من هذا التيار
.

السؤال الرابع عشر: هل وجد خلال انتخابات المجلس الوطني لقيادته، نوع من مراقبة الانتخابات قامت به جهات مستقلة “شخصيات مستقلة او منظمات حقوق إنسان”؟

لقد صور البعض انتخاب مكتب الأمانة على أنه من أرقى الممارسات الديمقراطية (من هؤلاء من لم يكن في المجلس ولا كان حتى داخل سوريا) فيما نزع البعض الآخر صفة الديمقراطية عنها، وهنا أرغب ببعض التوضيح، إن الكلام عن عدم ديمقراطية ما جرى يتعلق بالإعداد للمجلس والترتيبات التي سبقته ولا علاقة له بالعملية الانتخابية ذاتها فقد كان الانتخاب حراً وسرياً وجرت عمليات الفرز والعد والمراقبة من قبل أشخاص مشهود بنزاهتهم. وفي الواقع لم تكن هناك مراقبة من أية جهة مستقلة، وإذا كان التأكد من نزاهة الانتخابات داعياً لوجود هذه المراقبة المستقلة فأعتقد أنه لا حاجة لها على الإطلاق، أما إذا كان السبب تكريس بعض التقاليد الديمقراطية فذلك أمر مستحسن من قبل الجميع، وفي الحقيقة أنه ما من أحد فكّر بذلك وربما كنا نصنفه كرفاهية لا كحاجة.

ختاماً أكرر شكري على اهتمامكم، وأتمنى أن يساهم فتحكم لهذا النقاش في تجاوز بعض عثرات العمل المشترك.

سورية الآن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى