صفحات العالمما يحدث في لبنان

موقف الحريري ودوافعه في قراءتين سورية ولبنانية

سابين عويس
كثيرة هي الاسئلة التي اثارها الحديث الاخير لرئيس الوزراء سعد الحريري الى صحيفة “الشرق الاوسط” ليس حول حيثياته او خلفياته وهي معروفة وانما لما سيرتبه على المشهد الداخلي والاداء السياسي للحريري والتيار الذي يرئسه في المرحلة المقبلة، ذلك لانه يشكل تحولا مفصليا في المعركة التي يقودها زعيم “المستقبل” والغالبية في ملف المحكمة الخاصة باغتيال والده الرئيس الراحل رفيق الحريري.
وقد ربط كثيرون هذا الحديث بنتائج لقاء الحريري والرئيس السوري بشار الاسد اخيرا في دمشق وهو امر صحيح الى حد بعيد وان كان ثمة معطيات اضافية استجدت في الايام الفاصلة بين الزيارة وموعد صدور الحديث (الذي اجري قبل يوم الاحد الماضي وارتؤي نشره يوم الاثنين) عززت الدفع في اتجاه صدوره على ما جاء في حين ان كان ثمة توافق ان يأتي في سياق تدريجي من خلال اكثر من حديث يجريه الحريري ويضمنه موقفه من مختلف القضايا المطروحة التي تتطلب حسما للجدل الذي اخذ بعدا خطيرا بات يهدد الاستقرار الداخلي والسلم الاهلي على حد ما يرى معنيون بهذا الملف.
وفي حين احدث موقف الحريري من شهود الزور واسقاطه اتهامه سوريا سياسيا في قضية الاغتيال ذهولا من جمهور 14 آذار والوسط السياسي لرئيس “المستقبل”، ذلك انه لم يفاتح احدا به، فهو كان متوقعا في الاوساط المقابلة كنتيجة “طبيعية” لما اثير بين الاسد والحريري اثناء السحور الدمشقي الاخير على ما ينقل زوار دمشق الذين، خلافا للانطباع الذي خرج به الحريري عن اللقاء بوصفه اياه بانه كان “ايجابيا”، اكدوا انه اتسم بكلام صريح لصديق عاتب” اذ بادر الرئيس السوري وردا على ما اثاره الحريري حول استهدافه شخصيا وسياسيا من قوى الثامن من آذار ولا سيما “حزب الله” ولجوئه الى الاحتكام الى دمشق لوقف الحملات والحفاظ على اجواء الهدوء حرصا على الاستقرار العام والسلم الاهلي، بادر الى تأكيد التمايز بين الموقف الشخصي للاسد من الحريري والموقف السياسي لسوريا من “حزب الله” وحلفائها في لبنان. اذ نقل هؤلاء الزوار ابداء الاسد استعداداه التام للتعاون بين الرجلين على المستوى الشخصي وتعزيز الصداقة المستجدة. ولكن لا يمكن العلاقة على المستوى السياسي على ان تستمر على ما هي عليه. اذ بدا للقيادة السورية “ان الحريري في دمشق غيره في بيروت”، وكان السحور استعادة لمحطات تطور العلاقات بين لبنان وسوريا منذ الزيارة الاولى للحريري لدمشق.
واضاف هؤلاء ودائما في معرض نقلهم لما لمسوه من المآخذ السورية ان الانطباعات التي تخرج عن الادارة السياسية للحريري من موقعه كرئيس للحكومة اللبنانية لا تأخذ في الاعتبار هذا الموقع بل تنحو اكثر نحو موقعه كرئيس تيار وفريق سياسي فضلا عن عدم توظيفه الفرصة التي قدمتها القمة الثلاثية في بيروت من اجل ترسيخ الاستقرار وتحصين الجبهة الداخلية في مواجهة الاخطار الخارجية.
وبحسب المعلومات المتوافرة فان 3 مسائل اثيرت في السحور الدمشقي وكانت في الوقت عينه مدار نقاش بين مدير مكتب رئيس الحكومة نادر الحريري ومستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان في لقاء جمعهما على هامش لقاء الحريري والاسد.
وتمثلت الاولى في الادارة السياسية للملفات الداخلية والعلاقة مع الشركاء في الحكم والتي لم تعكس في راي الاسد مناخ التهدئة الذي ارسته قمة بيروت.وتناولت المسألة الثانية ملف شهود الزور “الذين اساؤوا الى العلاقات اللبنانية – اللبنانية واللبنانية – السورية وحاول من وراءهم ضرب النظام والاستقرار في سوريا” على حد ما نقل الزوار انفسهم مضيفين “انه لم يصدر اي اعتذار الى القيادة السورية والشعب السوري عما قام به فريق من اللبنانيين ولم يلاحق هؤلاء ولم يتحرك القضاء في اتجاههم”.
اما المسألة الثالثة فتمثلت في مقاربة حادث برج ابي حيدر الذي رأت القيادة السورية انه يمت من زاوية ان مسجداً أحرق بدلاً من التصدي للسبب المباشر للحادث وهو اغتيال مسؤول في “حزب الله” ومعاونه مما جعل التعامل يظهر على انه مع النتائج وليس مع الاسباب وان ذلك كان بمثابة اغتيال للمقاومة الامر الذي يدفع سوريا الى تجديد موقفها من المقاومة وسلاحها والتأكيد ان السياسة المتبعة لا تحمي المقاومة ولا تؤمن الاستقرار والسلم الاهلي.
وخلاصة السحور كما فهمها زوار دمشق ان اي مساعدة مطلوبة من سوريا لا يمكن ان تحصل اذا استمر النمط السياسي على حاله وان المطلوب خطوات عملية تعكس التزام الحريري. هذا التوجه الذي ترعاه المملكة العربية السعودية وتكرس مسيرة بناء الثقة بين الحريري وتياره والقيادة السورية بحيث لا يتحوّل كل حادث او مفصل في الحياة السياسية اللبنانية محطة استعادة مواقف او معاتبة على التزامات او وعود لم تنفّذ.
هذا في القراءة السورية. ولكن ماذا عن القراءة المحلية للحديث الاخير للحريري وهل يعبّر عن موقف تيار “المستقبل”؟ وماذا سيرتب على مسار الملفات السياسية المرتبطة بشكل وثيق بالملف الاساسي للمحكمة الدولية وما يستتبعها من قرار ظني وشهود زور؟
لا شك ان الوسط الداخلي بجناحي 8 آذار و14 آذار في حاجة الى قراءة متأنية لموقف رئيس الحكومة وزعيم “المستقبل” وعدم التسرّع في الحكم عليه سلباً او ايجاباً. “فهو حتماً لديه معطياته التي املت عليه مثل هذا التحوّل وهي معطيات محكومة بحرص دولة الرئيس على الاستقرار السياسي والامني والسلم الاهلي واستعادة اللحمة بين اللبنانيين” على ما يجيب مصدر سياسي “مستقبلي”، مشيراً الى انه سيترك للرئيس الحريري ان يخاطب اللبنانيين في شأن هذا الموقف الذي املته عليه الظروف السياسية المحلية والاقليمية، المحكومة بسقف التفاهم السعودي – السوري، من دون ان يعني ذلك تنازل زعيم “المستقبل” عن ثوابته او مسلماته، وهي بدت واضحة في موقفه من المحكمة عندما فصل بين الاتهام السياسي لسوريا وتراجعه عن ذلك الاتهام، في اطار الصفحة الجديدة المفتوحة مع دمشق، والمحكمة ومسارها “الذي لا علاقة له باتهامات سياسية كانت متسرعة، هناك تحقيق وهناك محكمة والمحكمة لا تنظر الا في الدليل”.
ولكن هل هذا يعني ان كلام الحريري لن يطاول مسار المحكمة وماذا في حسابات الربح والخسارة من جراء هذا الكلام؟
اذا كان رئيس الحكومة ربح في كلامه سوريا ومبدأ تكريس الثقة معها انطلاقاً من المسار الذي بدأه منذ خطا خطواته الاولى نحو دمشق قبل اشهر، وربح بذلك ما كان يحرص دائماً على الاحاطة به، وان كان على حساب رصيده الشخصي، وهو الاستقرار والحفاظ على وحدة حكومته، فهو في المقابل اعطى الفريق الآخر ما يطمئنه وان نسبياً (في ظل تراجع عامل الثقة بين الجانبين) في مرحلة اعادة بناء الثقة الحافلة باستحقاقات وتحديات داخلية واقليمية.
وسجلت مصادر سياسية مجموعة من الخلاصات نتيجة كلام الحريري:
– أولها ان شهر العسل مع سوريا عبر طي صفحة الماضي من دون الاعتذار عن تراكماتها انتهى وبدأت مرحلة تسديد الفواتير مع قرب موعد الاستحقاقات الاقليمية الداهمة. وان الكلام الاخير للحريري ليس الا بداية لمواقف ستكون أكثرتشدداً وتعكس مسار التحوّل في العلاقات اللبنانية السورية.
– عودة سوريا بنفوذها السياسي من الباب العريض بعدما استعادت كل حلفائها وطوت بذلك حقبة سنوات الثورة وشعارات السيادة والاستقلال، وضبطت مجدداً الملف اللبناني وهذا سيترجم في بلورة منحى العلاقة بين الحريري و”حزب الله” قريباً جداً.
– ان الاعتراف بملف شهود الزور من جانب الحريري خلافاً لكل المواقف السابقة، شكّل التعويض المعنوي او ربما المقايضة في مقابل طي ملف برج ابي حيدر.
ولكن الاهم من كل ذلك وربما الاخطر في رأي المصادر ان الاعتراف بهذا الملف معطوفاً على نزع الاتهام السياسي عن سوريا قد يترك مخاوف على مسار المحكمة في شكل عام.
واذا كان الاعتذار من سوريا شكّل الخطوة الاولى على طريق استعادة الثقة معها، فإن ثمة خطوات اخرى متوقعة ستظهر تباعاً لتكريس هذه الثقة علماً ان عارفي السياسة السورية يعلمون ان دمشق لا ترتوي بسهولة، فكيف الحال وقد بات الملف اللبناني ثميناً جداً في الرهان المفتوح على فصل المسار السوري عن الايراني وإلحاقه بمسار المفاوضات المباشرة مع إسرائيل؟
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى