عن انسحاب حزب العمل الشيوعي من إعلان دمشق.
غسان المفلح
إلى دهام عبد القادر الذي غيبه الموت إثر مرض عضال جاء نتيجة سجنه.
(غسان على اعتبار أنك أحد المناضلين القدامى في حزب العمل وتعرف كواليس الحزب أكثر ربما من الغير بودي أن استفسر منك بعض الأمور :
أولا- هل يوجد فعلا حزب عمل حاليا، خاصة وكما هو معروف أن ابرز قادة الحزب قديما هم فاتح جاموس وأصلان عبد الكريم وعبد العزيز الخيّر، والأخيران كما هو معروف تركا الحزب؟
ثانيا- حزب العمل أيضا كما هو معروف أو ما تبقى منه لم يستطع عقد مؤتمره وتعرف أنت ما يترتب على عقد مؤتمر لأي حزب كان ؟
ثالثا- وكما هو معروف فان المجلس الوطني لاعلان دمشق حضره كثير من قواعد وكوادر حزب العمل لكنهم حضروا بصفة مستقلين ويعلم الجميع بأن لا علاقة تنظيمية وهناك افتراق فكري وسياسي مع فاتح جاموس وما تبقى مع من يسمي نفسه حاليا حزب عمل ؟
مفيد جدا هنا التذكير بقصة تداولها كثير من الأصدقاء الذين تركوا حزب العمل وتعليقهم وقتها عن الأسباب التي دفعت بفاتح جاموس لعدم حضور اجتماع المجلس الوطني الشهير وقولهم أنه قال بالحرف “لو حضرت ورشحت فان رفاقي السابقين سيسقطونني”
أخيرا غسان وهو سؤال موجه شخصيا لك ولكل رفاقك الذين تركوا حزب العمل:
هل ماجرى سابقا وما يجري حاليا فيه اختطاف لحزب العمل؟)
هذه أسئلة جاءتني من الصديق الكاتب أحمد مولود الطيار، إثر نشر بيان انسحاب حزب العمل الشيوعي في سورية من إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي. كذلك الأمر كانت هنالك تعليقات شتى على البيان المنشور، من أسماء ناشطة ومعروفة منها ما كان موضوعيا ومنها ما كان في تعليقه وكأنه يثأر من الحزب وتجربته. تجربة الحزب ليست ملكا لا لفاتح جاموس ولا لعبد العزيز الخير ولا لأصلان عبد الكريم. نسيتم أكرم البني الذي عد لسنوات” دينامو” الحزب، فتجارب الناس لا تسجل بسجل أشخاص مهما كانت حجم مساهمتهم في هذه التجربة، ومهما كانت مواقعهم الفكرية والسياسية.
إن بيان انسحاب الحزب من الإعلان كان سيئا بكل المعاني، فيه من الاتهامات ما تدين الحزب نفسه، بدء من التآمر والكولسة، والخروج عن الثوابت الوطنية وانتهاء بالفساد المالي والأخلاقي..وهذا الاتهام لبقية إعلان دمشق من قبل الحزب هو بحد ذاته إدانة للذين سطروا البيان، فإما أن يفتح الملف بوثائقية أو ألا تكون لغة البيان فيها من الردح والاتهام ما لا طاقة لأحد على تحمله، وبدون إثبات. والسؤال البديهي” لماذا الآن؟ هل جاءت بعد استقالة رياض سيف من الرئاسة والإعلان، واستقالة بعض أعضاء الأمانة غير المعلنة؟ أم أن هنالك دوافع أخرى؟ نرجو توضيحها.
من حق الحزب الانسحاب من أي إئتلاف يراه لم يعد معبرا عن أهدافه، هذا أمر لاجدال فيه، والتحالفات السياسية ليست غايات وإنما وسائل، ثم لا جدال أيضا أن الكولسة والتآمر، هي خاصية حزبية وخاصة شيوعية، ولا أحد بريء منها كأحزاب، وهنا لا نتحدث عن أفراد، وهذا نتاج تجربة طويلة مما يسمى العمل السري، الذي له ممارساته ومقتضياته وهو أصلا حقل يعتمد التآمر كمنطق عام، لا مفر من ذلك. المناضل فاتح جاموس ماهر بالكولسة لكنه ليس أمهر من المناضل رياض الترك، لم أكن أريد فتح بعضا من التجربة هذه لأنها مؤلمة، لكن ما قرأته من تعليقات وما قرأته في بيان الانسحاب، شيء يدعو للحزن حقيقة، على ما وصلنا إليه. نعم وكنت قد كتبت عن هذا الأمر سابقا مقالا في الذكرى الرابعة لتأسيس إعلان دمشق، قلت باختصار، أن عقلية المناضل أبو هشام رياض الترك، أثرت سلبا على عمل المعارضة كلها، فلديه نزعة تجميعية وتلفيقة أحيانا، لم أكن أعرف منذ البداية ما الذي يجمع أصلان عبد الكريم مع حسن عبد العظيم، لا يجمعهما سوى رياض الترك. وهذه النتائج..وقد كنت أبديت بعضا من هذه الملاحظات للرفيق رياض شخصيا وجها لوجه، قبل الإعلان عن تأسيس إعلان دمشق. هذه الممارسات يصبح السؤال عنها، في أنها تخدم العمل المعارض أم لا تخدمه، هذا له نقاش في حقل آخر. لماذا تعرضت للرفيق رياض هنا، لأن بيان انسحاب حزب العمل واضح أن رياض هو الحاضر الأبرز دون تسميته. لكن في المقابل، ما كان لإعلان دمشق أن يرى النور لولا جهود رياض الترك ومثابرته، ولولا حالة من الإجماع الضمني على رمزيته النضالية عند غالبية الطيف السياسي المعارض. أما لماذا فاتح وأصلان وأكرم وعبد العزيز، لم يحققوا هذا الإجماع الرمزي رغم أنهم اعتقلوا نفس المدة التي قضاها أبو هشام بالسجن تقريبا، وربما أكثر كأكرم البني، فهذه مشكلتهم، والمشكلة تبرز عند فاتح أكثر، خاصة إذا علمنا أن الحساسية بين الرجلين ليست جديدة فهي عمرها من عمر تأسيس حزب العمل الشيوعي في سورية1973 الاجتماع الأول للحلقات الماركسية، وعدم رضا رياض الترك عن هذا التاسيس، ورؤية فاتح ومن معه من رفاقنا لحظتها أنهم الأكثر صلاحية لقيادة الحركة الشيوعية في سورية. واضح أن لغة بيان الانسحاب تنز أيضا بهذه المعطيات دون أن تتحدث عنها. أعتقد أن لغة البيان تشير أيضا إلى أن عبد العزيز الخير حاضر بقوة فيها على ما أعتقد. هذه جزء من خلفية الخلاف التاريخي بين بعض قيادات حزب العمل وبين الأمين العام القوي للحزب الشيوعي السوري- المكتب السياسي، حزب الشعب الآن رياض الترك. ورغم مرور كل هذه السنين لازال الطرفين لا يستطيع حتى سماع أسم الطرف الآخر، ورغم الإرث النضالي المشترك.
حزب العمل الآن هو عبارة عن مجموعة رفاق، لازالت هذه المجموعة التي أرادت الاستمرار بالعمل السياسي وبنفس اسم الهوية النضالية كما يقولون، وهم يشكلون أقلية من مئات المناضلين الذين تركوا صفوف الحزب في السجن وبعده. وسيبقى الحزب كحزب عرضة للاعتقالات، لأسباب تتعلق بمناطق نشاط الحزب ورؤية النظام لهذا النشاط.
نعم فاتح كان على خصام مستمر مع التيار” الليبرالي” في الحزب الذي نشأ في السجن. والحزب غير قادر على عقد مؤتمر نتيجة لأسباب منها القمع السلطوي، وأخرى تتعلق بإمكانياته المحدودة.
والآن أريد ان أقول لرفاقي وأصدقائي في الحزب الحالي، نحن نزج في معركة دفاعا عن تجربة الحزب، كتجربة إنسانية وسياسية، ولهذا كنت أتمنى على الرفاق الذين أخذوا أسم الحزب مراعاة هذا الأمر، وتغيير أسم الحزب. لأننا بتنا نرى ونتيجة لممارسات سياسية وخطابية للحزب الحالي، كل من هب ودب يريد التشنيع بهذه التجربة حتى من لهم ولهن خلافات شخصية مع أشخاص من الحزب، رغم أنها في تاريخية القمع السوري، أكثر من دفعت ثمنا. لكن هذا لا يمنع أن هنالك كثر من كل أطياف المعارضة تتعامل مع المجموعة الحالية بوصفها مجموعة علوية، وهذا جزء من العار السوري الذي تتحمله ممارسات السلطة المزمنة، ونتحمله نحن كمعارضين، هذا المعيار يجعل النقاش والحوار ملغوما سلفا، وهذه من القضايا التي أسس لها رياض الترك تاريخيا في علاقته ورؤيته لحزب العمل، فمابالنا الآن؟ ومن جهة أخرى، نعم هنالك الآن تلفيق خطير في خطاب الحزب وتحوله، أخذتم أسم حزب العمل الشيوعي، الذي كان يقول السبعينيات” أن النظام ديكتاتوري لاوطني ذو سمات طائفية، والآن جل خطاباتكم تنكر تماما سلوك النظام الطائفي، وتتنكرون لمعيار الوطنية الذي تستخدمونه الآن في بيان انسحابكم..فتتهمون الآخرين بالخروج عن الثوابت الوطنية، ولا نجد أن هذا الاتهام موجه للنظام..لماذا؟
تاريخية التجربة النضالية، ليست ملكا لمجموعة واحدة، بل هي ملك للجميع، وعلينا احترامها، وبالمقابل ليس مطلوبا من أحد تقديم فروض الطاعة لهذه الرمزية النضالية، لأنها بالمؤدى الأخير هي نتاج خيارات فردية. مطلوب منكم توضيح كل المسائل العالقة، وإن كنتم غير قادرين على ذلك، فتصبح مصيبة، لرفاقنا ورفيقاتنا الموجودين الآن في سجون النظام. ثمة أمر آخر، ما بالكم وبال اللبيرالية، تتصرفون تماما كجماعة العلمانية الجديدة على مبدأ” العرس بدوما والطبل بحرستا” هل انسجامكم مع حزب الاتحاد الاشتراكي، لأنه حزب ديمقراطي ثوري، وليس لبيرالي؟ وخلافكم مع أبو هشام لأنه لبيرالي، متى كان رياض الترك ليبراليا؟ المفصل هو الموقف من السلطة هذا الأمر باختصار أبقوا في خلافكم هنا، ولا تحاولوا جر مزيد من الأعداء لموقفكم…الليبرالية ليست بيت القصيد. تحالف سياسي لتغيير البنية الديكتاتورية للنظام ومن أجل مجتمع ديمقراطي، هنا القصة، كيف؟ وهل موافقة تيارات وأحزاب على هذه النقطة، يجب ان تتبنى مواقفكم كلها؟ نقطة واحدة” الديمقراطية” أما بعض التنظيرات عن حاجة أي تحالف سياسي لهوية وطنية هذه ترهات، هوية وطنية لكي ينصب أصحاب هذه التنظيرات أنفسهم معيارا لنشاط الآخرين السياسي، هذا وطني وذاك خائن، كما نضحت لغة بيان انسحابكم أيضا من الإعلان…نغمة سلطة.
ملاحظة لإعلان دمشق، استطاع الرفيق أبو هشام أن يجعل هذا الإعلان، نصا ومؤسسة مقدسة عند أكثرية الرفاق في حزب الشعب وبعض المستقلين وبالتالي أي نقد له هو من الكبائر…وهذا خطأ قاتل، ثم لم يعد هنالك منافسا لإعلانكم الدمشقي، جبهة الخلاص انتهت باعتبار كنتم تعتبرونها كذلك على الرغم أنها لم تطرح نفسها سوى مكملا، ولا يبدو في الأفق إمكانية ظهور جبهة خلاص أخرى! لهذا على من يريد الدفاع عن الإعلان، أن يكون أريحيا، ويتكلم بلغة من يريد جمع كل من له مطلب ديمقراطي تحت سقف الإعلان، ومن لم يرد أن يكون، لاتخونوه…وتقيمون عليه الحد! إعلان دمشق يجب أن يبقي خطوطه مفتوحة مع الجميع، ولا ينجر إلى أية لغة ضيقة كلغة انسحاب حزب العمل من الإعلان، وعدم الانجرار لا يعني عدم الرد، بل يجب الرد، ويجب توضيح كل شيء للراي العام السوري.