مسلسل”تخت شرقي” مرّ دون ضجة رغم جرأته
ديمة عز الدين
مع نهاية شهر رمضان، ينتهي الصوم وتنتهي معه التخمة الدرامية العربية التي نتابعها كل عام، إلا أن الغريب أن هناك أعمالا مرت من دون انتباه برغم أن كل مافيها يقول شيئاً مختلفاً.
تخت شرقي
بهذا الإطار يأتي المسلسل السوري “تخت شرقي” لكاتبته يم مشهدي ومخرجته رشا شربتجي. فعلى الرغم من الايقاع الخفيف الذي اتسم به هذا العمل من خلال حوار شخصياته، إلا أنه قارب مواضيع محظورة، لم تأت فجة لأنها جاءت في حوار غير مفتعل ومن دون تنظير.
نازحون ولاجئون
اختارت يم مشهدي شخصيات مسلسلها من فئة الشباب وقاربت قضاياهم الاجتماعية، ولكنها لم تنس أن تلعب على وتر السياسة الذي عولج من دون شعارات.
فمن أبرز شخصيات العمل شخصية الشاب يعرب،الذي لعب دوره الممثل قصي خولي، وهو خريج جامعي متخصص في التاريخ، جاء الى العاصمة نازحا من الجولان، وقد صوره المسلسل كشخصية مستهترة وغير مبالية رغم انها لم تكن كذلك في الواقع.
ولعل هذه المرة الأولى التي يتم فيها الطرح المباشر للنازحين من الجولان ونظرة المجتمع الدمشقي إليهم بطريقة قد تنتقص منهم.
وكان موسم رمضان العام الماضي قد شهد طرحا مغايرا لموضوع النازحين من خلال مسلسل “رجال الحسم” للمخرج السوري نجدة أنزور، إلا أن السياق الزمني كان مختلفاً، فالأحداث جرت في السبعينات في عمل أنزور، كما روج بصورة عامة لـ “البطولات” ما جعله يبدو خيالياً بعض الشيء. أما الطرح الذي قدمه مسلسل “تخت شرقي” لهذا الموضوع فيأتي بدون لمسات تجميلية.
تضمن “تخت شرقي”، على سبيل المثال، حوارا بين يعرب وزميلة دمشقية له في العمل، تشكو له رغبة ابنها في الزواج بمن وصفتها بـ “نازحة شرشوحة”، ما يعني باللهجة الشامية الشخصية الأدنى اجتماعياً، فما كان من يعرب الا الرد بأنه نازح وأن اسرائيل لو استمرت بالدخول لبضعة كيلومترات إضافية خلال الحرب لكانت هي وأهل دمشق مثله نازحين في مكان ما.
يعرض “تخت شرقي” بجرأة أكبر، ايضا، نظرة المجتمع السوري للاجئين الفلسطينيين، كما بدا عبر شخصية طارق، وهو طبيب فلسطيني لعب دوره الممثل ماكسيم خليل.
ورغم أن طارق ولد في سورية ودرس وعمل فيها، ولكنه يبقى بنظر المجتمع لاجئا فلسطينيا.
نقد حاد
ومن خلال شخصيتي يعرب “النازح” وطارق “اللاجئ” تنجح يم مشهدي في بناء حوارات تتسم بالتلقائية، لكنها تقول ما لا يقوله أكثر النقاد حدة.
يظهر هذا في كثير من المواقف، منها مثلا، عندما يقع طارق في حب زميلة لاب سوري وأم ألمانية، فيمازحه يعرب متسائلا إن كان يحبها أو أنه يسعى لجنسيتها الألمانية والتي يحتاجها كلاجئ فلسطيني. ويرد طارق متسائلاً عن التناقض في فكرة أن الكثير من الفلسطينين نجحوا في الحصول على جنسيات دول كالولايات المتحدة وغيرها من الدول الأوروبية، لكن الفلسطيني لا يستطيع أن يحصل على جنسية بلد ولد فيه وعاش على أرضه وعلى الأرجح سيموت فيه.
ولا يتوقف الحوار عند هذا الحد، حيث يأتي سؤال النازح يعرب لصديقه اللاجئ طارق عن السبب الذي يجعله بحاجة للجنسية السورية، فيرد طارق لأنه يحتاج أن تكون له حقوق، فتأتي الضربة القاضية من يعرب قائلاً له إنه هو حامل الجنسية السورية لا يختلف عن صديقه، فـ “كلانا متساويان هنا، كلانا بلا حقوق”.
شعار “حق العودة”
في معظم الأعمال الدرامية كما في نشرات الأخبار في التلفزيونات الرسمية، عندما يعرض للقضية الفلسطينية يرفع شعار “حق العودة والقدس والمقاومة”.
ويرى الكثيرون أن الشعار يمضي في جهة بينما يسير الواقع في جهة معاكسة تماماً.
ويتناول المسلسل هذا الموضوع بجرأة واضحة خصوصا عندما زار أدهم ابن العائلة الدمشقية المتواضعة صديقه الفلسطيني طارق في منزله الكائن في احد أحياء دمشق الراقية. وبينما كان أدهم لوحده في المنزل يفتح التلفاز فيظهر شعار حق العودة للفلسطينين يصاحبه زخم في الصورة وحشد حكومي للشعار عبر وسائل الإعلام الرسمية، يعلق ساخراً من حق العودة متسائلاً فيما لو كان بعض الفلسطينيين يحظون بحياة لائقة ومنزل لائق في الدول التي تستضيفهم.
وقد سجلت هذه الأفكار، مثل حق العودة، حضورا قويا في النقاش غير المعلن في أوساط المجتمع السوري، إلا أن النقاش يصبح رسميا ومليئا بالشعارات الكبرى عندما يجري في وسائل الإعلام الرسمية.
أوباما والتغيير
في عام 2000 عندما استلم الرئيس بشار الأسد مقاليد الحكم، زاد هامش الحرية والتعبير، لكنه ما لبث أن تراجع خاصة بعد اشتداد العزلة الدولية التي تعرضت لها سورية.
لكن مقدار هذا الهامش يظهر من خلال عرض هذا المسلسل على الفضائية السورية، حيث لم يتعرض مقص الرقيب لمقطع فيه إشار مباشرة لمنصب الرئاسة وهو من المواضيع المحظورة في سورية.
عندما يشكو يعرب لصديقه محدودية الطموح في سورية، يجيبه أدهم بسخرية بأن هذا السقف سيكون محدودا بشكل ما حتى لو ذهب للولايات المتحدة، فيرد يعرب معترضاً بكلمة واحدة هي “أوباما”.
اهمية الإشارة إلى الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، في مسلسل سوري على شاشة رسمية سورية قد تكون دعوة للتغيير باعتبار ان أوباما مشروع تغيير وهو ما جسده انتخابه كأول رئيس أسود في تاريخ الولايات المتحدة، وقد تكون من جانب آخر دعوة لتداول السلطة.
ورغم جرأة ما حمله مسلسل “تخت شرقي” من أفكار حول السياسة والحب والزواج والجنس، لكنه مر بدون ضجة، مقارنه بمسلسلات مهمة أخرى مثل “ما ملكت أيمانكم” برز الاهتمام بها حتى قبل عرضها وغرق المشاهدون بمتابعة تفاصيلها.
بي بي سي