سقف التفاهم السوري ـ السعودي يتعرّض للضغط في لبنان
خضر طالب
حديث عن دور مصري ترجمة للاعتراض على «التفاهم الثلاثي»
لا يُحسد رئيس الحكومة سعد الحريري على ما لديه من ارتباك نتيجة الموقع الذي أقبل إليه فوجده أثقالاً من كثرة ما فيه من فخاخ لا يستطيع الإفلات من أي منها إلا بتفكيكها وهو ممسك بواحد على الأقل من أزرار تفجيرها، في حين أنه ممنوع عليه أن «يُدبر» فتنفجر كلها ويُتّهم حينها بأنه هو الذي «كبس الزر»…
كان سعد الحريري قد اقتنع بأنه قادر على لعب دور والده الذي جاء إلى الرئاسة الثالثة نتيجة التفاهم السوري ـ السعودي ونجح في التحوّل إلى لعب دور في حماية هذا التفاهم، بل وإدارته أحياناً. لكن سعد الحريري الذي نفّذ العديد من «شروط» الإمساك بأطراف خيوط تسمح له بحياكة مقبولة لدوره المقبل في العلاقة بين السعودية وسوريا وموقعه في كل منهما، فوجئ بما يشبه الانقلاب الذي يطيح كل خطواته، ليكتشف أن المسافة بينه وبين تحقيق أهدافه مليئة بالعوائق والحواجز «الثابتة» و«الطيارة» التي ستعمل على منعه من العبور إلى «السجل الذهبي» للدور الذي قام به والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري في هذا السياق تحديداً.
وإذا كان البعض قد عجز عن فهم ماهية ما يحصل من تصعيد سياسي في الأيام الأخيرة، وخلفياته ودوافعه، المحلية والخارجية، إلا أن ثمة تقاطعاً بين رأيين يردّان عودة التشنّج إلى عوامل ما من خارج الحدود:
ـ الرأي الأول يتّهم سوريا ـ على الرغم من المسافة التي حرصت دمشق على ترسيمها بين مواقفها ومواقف من يزورونها وفي مقدمتهم اللواء جميل السيد ـ بالوقوف خلف الحملات السياسية ضد سعد الحريري، خصوصاً أن هذه الحملات دشّنها السيّد بعد أيام من استقبال الرئيس الأسد له في دمشق. ثم تابعها العماد ميشال عون بعد استقبال الأسد للوزير جبران باسيل. لكن الواقع هو أن «الجنرال» كان استبق السيد بحملة انتقادات لم توفّر حينها رئيس الجمهورية ميشال سليمان.
ويعتقد القائلون بهذا الرأي أن سوريا لم تكتف باعتذار الحريري عن اتهامها السياسي باغتيال والده، وهي تريد منه تقديم المزيد من التنازلات، وربما تحديداً التنازل عن المحكمة الدولية من خلال توقف الحكومة اللبنانية عن دفع حصتها من تمويلها والطلب إلى القضاة اللبنانيين فيها تقديم استقالاتهم.
يعني ذلك، حسب أصحاب هذا الرأي، دفع الحريري نحو خيار من اثنين: إما الانتحار السياسي، أو تقديم استقالته طوعاً من الحكومة للمجيء برئيس حكومة يقوم بكل الإجراءات الكفيلة بإلغاء المحكمة الدولية. وثمة من يتحدّث عن تلميحات تلقاها الحريري بترك السرايا لفترة زمنية محدّدة يجري في خلالها «التخلّص» من ملف المحكمة من دون أن يحمل نفسه وزر إلغائها، على أن يعود بعدها إلى السرايا الحكومية «على النظيف».
أما الرأي الثاني، فإن أصحابه مقتنعون بأن هناك جهات عربية وغربية تحاول إسقاط التفاهم السوري ـ السعودي في لبنان لأنها ليست شريكة فيه. ويربط القائلون بهذا الرأي بين تزامن بدء التصعيد السياسي في لبنان على لسان النائب سامي الجميّل الذي فتح ملف علاقة الكتائب بإسرائيل وبين انطلاق المفاوضات المباشرة في شرم الشيخ بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية برعاية أميركية واحتضان مصري وحاجة هذه المفاوضات إلى لعب ما أمكن من أوراق المنطقة، ولبنان من ضمنها.
ويستشهد أصحاب هذا الاقتناع بالأجواء الهادئة التي سادت بعد حديث سعد الحريري إلى «الشرق الأوسط» تحديداً تعبيراً عن الرضى السعودي على مضمونه الذي طوى صفحة اتهام سوريا ورفع الحماية عن شهود الزور في ذلك الاتهام، ثم بالهجمة المنسّقة التي افتتحها رئيس «الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية» سمير جعجع وأكملتها «كتلة المستقبل» بانضمامها الى «المتبرّئين» من كلام الحريري حول شهود الزور.
لكن القائلين بهذا الرأي يعتقدون أن الأيدي التي تدير الحملة على موقف الرئيس الحريري لإلغاء مفاعيل موقفه من قضية شهود الزور، تحمل بصمات مصرية، وأن موقف سمير جعجع ثم موقف كتلة «المستقبل» برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة تحديداً، يكفيان للدلالة على وقوف القاهرة خلف هذه الحملة، لأنه لم يكن لا جعجع ولا السنيورة ولا غيرهما من نواب «المستقبل» ليجرؤوا على مخالفة موقف الحريري، لو لم يتمتعوا بسقف حماية عنوانه الظاهر القاهرة والمبطن واشنطن. إلا أن هناك دلائل كثيرة إضافية، برأي هؤلاء، وقد يكون الأبرز فيها مع وجود تقارير عن رصد حركة مصرية في الشارع السنّي مع عدد من رموز المرحلة السابقة بما فيها من توتّر سياسي ـ أمني، ثم ما حمله كلام وزير الخارجية المصرية أحمد أبو الغيظ من دلالة على غياب الشراكة المصرية للتفاهم السوري ـ السعودي عندما أكد أن المحور الثلاثي الذي كان في الماضي بين مصر وسوريا والسعودية غير قائم حالياً، مما يعني أن القاهرة غير راضية عن هذا التفاهم، على حد اعتقاد أصحاب هذا الرأي.
في مطلق الأحوال، وأياً كان الرأي الذي يحظى بالصوابية فإن ذلك يعني أن هناك أموراً ما تزال عالقة تخضع راهناً للتجاذب وتبحث عن متنفّس لها في لبنان، لكن هذا يعني أن التفاهم السوري ـ السعودي يتعرّض لضغط كبير قد لا يستطيع الصمود طويلاً إلا إذا تم تدعيمه بورشة خبيرة من «شركة أوجيه» تمنع انهياره، وتحمي في الوقت نفسه رأس الرئيس سعد الحريري من حجارة الأقربين… قبل الأبعدين…
السفير