الأسد للحريري: عالج شهود الزور وإلا… مذكرات توقيف سورية
نقولا ناصيف
دخل ملف شهود الزور على علاقة الرئيس السوري بشّار الأسد برئيس الحكومة سعد الحريري، للمرة الأولى، في سحورهما في 30 آب. في اللقاءات الأربعة السابقة بين الرجلين، دارت أحاديثهما حول العلاقات اللبنانية ـــــ السورية وتماسك حكومة الوحدة الوطنية ودور سوريا في الاستقرار الداخلي، إلى المسألة الأكثر حساسية للحريري، فاتحه بها الأسد في زيارته الأولى لدمشق واتخاذه خيار مصالحة النظام السوري، وهي اتهام سوريا باغتيال الرئيس رفيق الحريري.
بعد السحور الأخير، تقدّم موضوع شهود الزور واجهة العلاقة بين الأسد والحريري، في موازاة تقدّم هذا الملف إلى صدارة المواجهة السياسية الداخلية بين قوى 8 و14 آذار. في المقابل تراجع على نحو لافت، وبلا مبرّر ظاهر على الأقل، الكلام الساخن بدوره الذي أحاط بالقرار الظني المتوقع صدوره عن المحكمة الدولية، والذي يتهم حزب الله باغتيال الرئيس السابق للحكومة، وتحوّلت المواقف المتناقضة من شهود الزور إلى جدل حاد، أكسبه الحريري شرعية إضافية وسبباً للإسهاب في الخوض فيه، عندما أدلى بحديثه إلى صحيفة الشرق الأوسط صباح 6 أيلول.
وهكذا انتقل الخلاف على شهود الزور من التشكيك بوجودهم، إلى إبراز الضرر الذي ألحقوه بالتحقيق الدولي والمحكمة الدولية وبالعلاقات اللبنانية ـــــ السورية. وهي وجهة نظر رئيس الحكومة التي أصبحت حجّة قوية في أيدي معارضيه، بدعوتهم إياه إلى إقران القول بالفعل. بذلك تتقاطع مواقف أفرقاء 8 آذار عند المطالبة بإجراء قضائي لمعالجة شهود الزور، منها عند الدلالة السياسية لما قاله رئيس الحكومة. ولم يحظَ برضى تيّاره وحلفائه، إذ انتزع منهم إحدى الأوراق السياسية والقضائية القوية التي كانوا يتسلحون بها في مواجهة حملة حزب الله على القرار الظني، ومن خلاله على المحكمة الدولية سعياً إلى إلغائها.
متخطياً تحفظات حلفائه عن اعترافه بشهود الزور، كان الحريري بموقفه هذا يطمئن الرئيس السوري إلى خياراته حياله، وحيال تعزيز الثقة الشخصية والسياسية بينهما، وتقديم تنازل مكلف غير متوقع ترجمة لذلك.
في 6 أيلول كانت قد انقضت 8 أيام على سحور دمشق بين الأسد والحريري، طلب فيه رئيس الحكومة من مضيفه مهلة 8 أيام للإعداد لموقف مدوّ من شهود الزور.
في سحور دمشق، طلب الأسد للمرة الأولى من الحريري موقفاً علنياً وصريحاً من شهود الزور، بعدما كان قد طالبه قبل 9 أشهر بموقف مماثل من اتهام سوريا باغتيال والده. في حمأة تصاعد السجال الداخلي على هذا الموضوع، أبدى الحريري استعداداً كاملاً لتحديد موقف مزدوج، لكنه متلازم حكماً من وجهة نظر دمشق، من اتهام سوريا باغتيال الحريري الأب وشهود الزور. وعزا طلبه مهلة 8 أيام إلى تحضير المناخ الداخلي الملائم، وخصوصاً لدى تيّاره وحلفائه، لإطلاقه الموقف المزدوج. توقعت دمشق أن تفضي المهلة المطلوبة إلى اتخاذ إجراءات ملموسة في دفع ملف شهود الزور إلى الواجهة، وإلى اتخاذ مجلس الوزراء تحديداً قراراً بإحالته على القضاء اللبناني. إلا أن رئيس الحكومة اكتفى بحديثه إلى صحيفة الشرق الأوسط، وتصرّف على أن المعالجة سياسية فحسب، بلا آلية إجرائية قانونية تضع موقفه ذاك موضع التنفيذ الفعلي من خلال القضاء اللبناني، كما حضّته عليه سوريا وقوى 8 آذار.
رحّب الأسد بتراجع الحريري عن اتهامه سوريا باغتيال والده، لكن التقويم العام لدى القيادة السورية، في الشقّ الثاني من الموقف المزدوج المتعلق بشهود الزور، لم يكن كافياً ولا يستجيب ما عناه كلام الأسد لرئيس الحكومة في ذلك السحور.
ردّ الفعل الأولي لحزب الله الذي أضحى موقفاً عاماً في الأيام التالية لـ6 أيلول، هو الفتور. لم يتحمّس للترحيب به، ولا عدّه كافياً، وذهب رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، في أكثر من تصريح، إلى القول بأن حزب الله لا يثق بما صدر لأن تجربته مع مواقف مشابهة تجعله يشكك في صدقية ما سمع. ثم راح حزب الله يرفع نبرة الانتقاد بدعوته إلى كشف صانعي شهود الزور وملقّنيهم إفاداتهم الكاذبة. حمل ذلك أحد نواب الحزب على توسيع دائرة علامات الاستفهام حيال مموّلي شهود الزور. وفي ذلك إشارة غير ملتوية إلى فريق رئيس الحكومة في أحسن الأحوال، في مراتب ومواقع شتى، يعتقد حزب الله كما سوريا أنه المسؤول المباشر عن إدارة ملف شهود الزور منذ عام 2005. ثم أتى المؤتمر الصحافي الأخير للواء جميل السيّد الأحد، قبل أن يلتقط الرئيس ميشال عون المبادرة الثلاثاء، ويجعل ملف شهود الزور قضية قوى 8 آذار برمتها. كان رئيس المجلس نبيه برّي قد شقّ بدوره الطريق إلى هذا الموضوع في 31 آب، في صور، بمطالعة قانونية ـــــ سياسية تجعل انتقال الملف إلى القضاء اللبناني أمراً حتمياً.
على نحو كهذا، تحوّل شهود الزور قضية مشتركة لقوى 8 آذار.
لكنها أيضاً قضية سورية.
تبعاً لمطّلعين عن قرب على موقف دمشق، فإن ترحيبها بتخلي الحريري عن اتهامها باغتيال والده لا تجده يكتمل، من أجل أن يتعدى طابعه الإعلامي، ما لم يقترن بإجراءين ملموسين على الأقل: أولهما معالجة موضوع شهود الزور الذي شكّل أحد المرتكزات الرئيسية لتوجيه الاتهام إليها بالاغتيال، وثانيهما وقف الحملات السياسية والإعلامية التي تستهدف سوريا حيال هذا الموضوع.
عندما كرّر رئيس الحكومة على مسمع الرئيس السوري، في سحورهما، أنه تخلى منذ زمن عن اتهام سوريا باغتيال الرئيس الراحل، عبّر جواب الأسد عن عدم اقتناعه بما سمع، ولفت زائره إلى أن تيّار المستقبل وحلفاءه الآخرين يقولون بأن سوريا بُرّئت إعلامياً، ولكنها لا تُبرأ قضائياً إلا من خلال المحكمة الدولية، في إشارة إلى اختفاء اسم سوريا من تقارير لجنة التحقيق الدولية ومن السجال الدائر حول اتهامها السابق بالاغتيال، مع انتقال الشبهة منذ أكثر من سنة إلى حزب الله. لم يستسغ الرئيس السوري الأمر، وطلب من رئيس الحكومة معالجة تناقض مثير للاستغراب بين تأكيد الحريري له أنه متيقن من عدم مسؤولية سوريا عن اغتيال الحريري الأب، وبين ما يرويه نوابه وحلفاؤه من أن الاتهام قائم إلى أن تقول المحكمة الكلمة الفصل.
ثم قال الرئيس السوري: يجب أن تضع في الاعتبار أن كل ما أقوله لك هو بلساني ولسان الملك عبد الله مجتمعين. ما أقوله لك متفق عليه بيننا.
في السحور نفسه، قال الأسد عن شهود الزور: سوريا سائرة في مسار قانوني حيال هؤلاء. وأنا أراعي ظروفك السياسية، وأساعدك من أجل إتاحة الفرصة كي تعالج هذا الموضوع بنفسك. لكن ملف شهود الزور ذاهب في اتجاه إصدار القضاء السوري مذكرات توقيف غيابية بحقّ الذين استدعوا إلى هنا باستنابات قضائية للتحقيق معهم. وأنا لا أستطيع منع القضاء السوري من استكمال عمله. أود تأكيد إعطائك الفرصة المناسبة لمعالجة الأمر، وهذا ما لم يحصل حتى الآن بعد، وأريدك أن تضطلع أنتَ بهذا الدور، وإلا فإن القضاء السوري سيصدر مذكرات التوقيف، وخصوصاً أنه اتبع الأصول المتفق عليها بين لبنان وسوريا وفق المعاهدة القضائية النافذة بينهما. ولم يتلقَّ حتى الآن جواب القضاء اللبناني عن هذه الاستنابات. ربما حصلت هناك ضغوط سياسية. لكنني هنا لا أستطيع الضغط على القضاء السوري لمنعه من إصدار مذكرات التوقيف.
الأخبار