صفحات العالمما يحدث في لبنان

سوسة

زياد ماجد
لم يعد من اليسير أن يكتب الواحد مقالاً – ولو مقتضباً – كل ثلاثاء دون حيرة تصيبه لحظة الكتابة إن هو أراد الخوض المباشر في شأن سياسي لبناني.
فهل يعلّق على حدث يحتل صدارة الأحداث مثلاً، أم يناقش مسائل عامة متصلة بأزمات البلد واستطراداً بأزمات المنطقة ومعضلاتها؟ أم يكتب في قضايا الإصلاح المنشود (والبعيد) التي يُعنى بها كمواطن منذ زمن؟ وهل يساجِل بعض الكتّاب أم يعقّب على مقولات وتصريحات بعض السياسيين أم يحاول الاكتفاء بإثارة قضايا يجري تجاهلها في الثقافة السياسية المهيمنة؟
تبدو الإجابة عن الأسئلة المذكورة وغيرها على الدوام معلّقة أو مؤجّلة. ويبدو الاستمرار في الكتابة كل فترة حول الشأن اللبناني مرتبطاً بالشعور بواجب المواكبة أو بحاجة التواصل مع قرّاء وأصدقاء، أو ربما بـ”سوسة” تنخر المرء على الدوام، سوسة الانتماء الى هذا الوطن الصغير والتعلّق به وبشجونه.
فلولا هذه السوسة، لما أمكن لشخص – لا يعدّ نفسه مازوشياً – تفسير أسباب إضاعته وقتاً:
– في سماع زعيق ضابط يتهدّد وحلفاؤه من يسمّونهم “شهود زور” (رغم أن أوّلهم موجود في دمشق وطريقة إخراجه من لبنان تشير الى هويّة من فبركه وحماه ونظّم مؤتمره الصحفي، وثانيهم موجود في بيروت وشريط أبو عدس الذي أرسله الى الإعلام ما زال متوفّراً)؛
– أو في قراءة العبارات السقيمة حول “وحدة 14 آذار وتماسكها” (بعد كل ما جرى!) وتشبّث “المجتمع الدولي بالحقيقة والعدالة”، أو على العكس “تآمره عليهما استهدافاً للمقاومة والممانعة”؛
– أو في متابعة أفعال “الندامة” المحيلة اتّهام النظام السوري في اغتيال رفيق الحريري الى تسرّع ولعبة أمم وشهادات مضلِلة (من بينها – وفق هذا المنطق – شهادات عدد من النادمين أنفسهم وشهادات سواهم ممّن أكّدوا شكوى الحريري لهم عقب تلقّيه تهديدات مباشرة من الرئيس الأسد “بتحطيم لبنان على رأسه ورأس صديقه شيراك”)،
– أو في الوقوف على الحملات ضد جهاز أمني رسمي وتشبيهه شتماً بالميليشيا (بعد مرحلة إشادات بأدائه عقب توقيفه جواسيس أو متّهمين بالتجسّس لإسرائيل)، في وقت يدافع المتحاملون أنفسهم عن ميليشيات فعلية قائمة شهدت برج أبي حيدر نتفاً من مآثرها منذ أسابيع،
– أو في البحث وسط السجالات في الشؤون الاجتماعية والاقتصادية والخدماتية والنفطية عن معلومة علمية واحدة أو عن فكرة جديدة (بعيداً عن الاتهامات الممجوجة والمواقف المُسبقة) يمكن الاستفادة منها لتحديد موقف من قضايا معيشية راهنة تؤثر في حياة الناس أكثر من الصراخ والتخوين العقيم.
لكنها السوسة. ولولاها لما تابع شخص سويّ مجريات ما ذُكر. ولولاها أيضاً، لما كان كثر من القرّاء ليلقون نظرة عليه…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى