لمـاذا المـر وفـي «الدفـاع» … ومـا هـي قصـة الموظـف الأميـركي المقيـم؟
كتب المحرر السياسي:
لم تعد المسألة مسألة تأليف حكومة وحدة وطنية نصّ عليها اتفاق الدوحة ويفترض أن تعبر بتوازناتها عن الصورة السياسية الحقيقية للبلد. صارت المسألة أبعد من ذلك. «حكومة الوحدة الوطنية» نظريا، باتت عمليا حكومة رفع المتاريس السياسية وتحضير «عدة الشغل» لخوض انتخابات نيابية تعيد إنتاج سلطة جديدة يسعى كل طرف أن تكون على الصورة التي يشتهيها.
وما دام اتفاق الدوحة، قد نزع فتيل الاشتباك السني الشيعي نسبيا من خلال التقسيمات الانتخابية والتفاهمات الجانبية سواء في قضاء صيدا أو في الدائرة الثانية في بيروت، فإن نتائج معظم الأقضية ذات اللون الإسلامي الواحد باتت محسومة بما فيها نتائج الشوف وربما عاليه الى حد كبير، فيما ستنحسر المعركة في الأقضية المسيحية، وخاصة في المتن الشمالي وكسروان.
ولأن الجميع يدرك في الداخل والخارج أن الصوت المسيحي هو الذي سيقرر مصير الأغلبية في هذا الاتجاه أو ذاك، كان لا بد من رسم خارطة طريق تحدثت عنها بصراحة قيادات عربية بارزة في ما يسمى «معسكر الاعتدال»، فيما كانت دائرة التخطيط السياسي في الخارجية الأميركية تضع أيضا مسودة خارطة طريق يفترض أن يتم العمل عليها من الآن وحتى الانتخابات النيابية المقبلة.
بهذا المعنى، بدا واضحا أن من يدير الملف السياسي، وتحديدا الحكومي، في معسكر الموالاة، انما يديره بعقلية الانتقام من زعيم الغالبية المسيحية ميشال عون، عبر تحجيم وزنه في الحكومة والقول له «الحقوق المسيحية لا تأتي من خلالك بل من خلال بكركي ومعراب وبكفيا وقرنة شهوان..»، ولذلك أدرك الطرف المسيحي المقابل، أن التساهل في الموضوع الحكومي سيضطره الى تنازلات في أماكن أخرى، فكان أن قرر عدم التساهل وخوض المعركة حتى النهاية ما دام عامل الوقت كان يأتي دائما بنتائج لمصلحته، واضطر في هذا السياق الى استخدام أسلحة غير تقليدية مثل الحديث عن تعديل صلاحيات رئاسة الحكومة، فكان أن ارتدت نتائج استخدامها عليه سريعا…
لماذا الياس المر وفي وزارة الدفاع؟
عمليا لم يعط الدوحة أي رئيس للجمهورية الحق باختيار ثلاثة وزراء، بل
أعطى الرئيس الحق في أن يختار وزيرين فقط ما دام الياس المر ثابتا في الوزارة قبل أن ينتقل العماد ميشال سليمان نفسه من اليرزة الى القصر الجمهوري، كيف لا والمر نفسه هو ابن بيت سياسي أرثوذكسي عريق لا ينتظر أصحابه عادة من يصنع لهم موقعا بل هم «صناع المواقع والرؤساء»… والتجربة في الثمانينات والتسعينات والألفية الجديدة خير برهان…
لماذا الياس المر وفي وزارة الدفاع؟
عمليا، كان هناك أخذ ورد حول من يكون رئيس الحكومة الجديدة، أو بالأحرى، كانت هناك رغبة لدى فريق لا يستهان به في الموالاة، وما زالت، بأن يأتي سعد الحريري رئيسا للحكومة، ولكن التكليف قد حصل. هناك أخذ ورد حول معظم التركيبة الحكومية الثلاثينية الا الياس المر الذي ينام مطمئن البال بأنه الثابت الوحيد في الوزارة وتحديدا في حقيبة الدفاع. الخبر زفّه اليه من قبل حصول الانتخابات الرئاسية وكيل وزير الدفاع الأميركي للسياسات الخارجية إيريك أدلمان وجاء مسؤول عربي كبير الى لبنان ونقل اليه الموقف نفسه، فصار وزيرا قبل أن يكون هناك رئيس وحكومة وحدة وطنية!
لماذا الياس المر وفي وزارة الدفاع؟
لا يخفي الأميركيون وفريق عربي كبير أنه ليس بمقدور قوة لبنانية أن تواجه «حزب الله»، ولذلك لا بد من التأسيس على انتصار الجيش في معركة مخيم نهر البارد ضد الارهاب من أجل اعادة نظر في عقيدة الجيش اللبناني القتالية واستراتيجيته، وهذا الكلام قال بعضه أيضا أدلمان نفسه في مقابلة مع الزميل مارسيل غانم عبر «كلام الناس» في تشرين الأول الماضي…
تحدث أدلمان عن البرامج العسكرية المشتركة بين الجيشين اللبناني والأميركي وبين وزارتي الدفاع في البلدين وقال «نحن لا نرى سببا يجعل لبنان وإسرائيل عدوين… نحاول خلق ظروف لقيام دولة قوية في لبنان وحاولنا خلال «حرب تموز» خلق ظروف لسلام طويل الأمد بين لبنان وإسرائيل… هدفنا تدريب وتجهيز الجيش للدفاع عن لبنان والمحافظة على الأمن الداخلي»!
لماذا الياس المر وفي وزارة الدفاع؟
لأنه من المقدر لمعركة المتن الشمالي الانتخابية أن تكون «أم المعارك» الانتخابية. مشهد الأكثرية والأقلية سيرتسم هناك حسب سيناريوهات البعض.. والعنصر المستجد أن آل المر ينتقلون من تحالف المعارضة الى تحالف جديد يريدون له أن يحاول أن يأخذ من وهج ورمزية موقع الرئاسة الأولى، بينما تصب أهدافه في خانة إضعاف رئيس الجمهورية نفسه وميشال عون وكل الفريق السياسي الذي ينتمي اليه.
لماذا الياس المر وفي وزارة الدفاع؟
سؤال يجب أن يوجه الى الموظف الكبير في مديرية التخطيط السياسي في وزارة الخارجية الأميركية الذي سبق كوندليسا رايس الى بيروت، قبل ثلاثة أسابيع وما يزال يقيم بين اللبنانيين في اطار مهمة مفتوحة، أحد عناوينها المستحيلة وضع مزارع شبعا تحت وصاية الأمم المتحدة، لسحب ذريعة السلاح من «حزب الله»، وضع «فيتوات» على بعض الأسماء المرشحة لقيادة الجيش اللبناني، اعادة شد عصب جمهور الرابع عشر من آذار وتحديدا اعادة الاعتبار الى الموقع المتقدم لوليد جنبلاط ومسيحيي الموالاة، محاولة اجتذاب ميشال عون بكل عناصر الإغراء والمال والسلطة والنفوذ الى «معسكره الطبيعي» ضمن 14 آذار وإذا تعذر ذلك، العمل بطريقة متفرقة وإفرادية، على «تياره الوطني الحر» وتكتله النيابي، من أجل زعزعة أوضاعه الداخلية ومحاولة سرقة كوادر وتنسيبها الى معسكر الموالاة، تجميع الشيعة المعتدلين، سياسيين ومثقفين وصحافيين ونخب اقتصادية… بهذا المعنى يمكن ادراج الزيارة التي طلب من القائمة بالأعمال الأميركية ميشال سيسون القيام بها الى الجنوب للقاء رجل الأعمال عبد الله بيطار وأحمد كامل الأسعد وبعض الوجوه التي لم يتسن لها أن تصل اليها بسبب ما تعرض له موكبها من مظاهر احتجاجية في منطقة النبطية…
بري والسنيورة يلتقيان
ويزوران سليمان بالمفرق
الى ذلك، استعاد رئيس مجلس النواب نبيه بري زياراته الاسبوعية لرئيس الجمهورية، فزار أمس، القصر الجمهوري والتقى الرئيس سليمان لمدة ساعة، اكد بعدها، انه نقل اليه افكارا ومقترحات لتسهيل تشكيل الحكومة، وأعرب عن «استعداد المعارضة للانفتاح على كل الاقتراحات لتشكيل الحكومة حتى نصل إلى حل».
وحذر بري من استخدام موضوع التأليف الحكومي في خانة تعزيز المواقع الانتخابية وقال: «هناك ايضا من يحاول ربح الانتخابات من خلال الحكومة، فليقلعوا عن هذه العملية. لا أحد يفكر في إضعاف أحد. فلنخرج من النزاعات حول هذا الموضوع، الانتخابات مقبلة وكل واحد يأخذ نصيبه منها. ولا يعتقد أحد أن المجال الآن هو لإضعاف العماد ميشال عون أو غيره».
وزار الرئيس فؤاد السنيورة القصر الجمهوري، والتقى الرئيس سليمان لمدة نصف ساعة، وأعلن انه تناول طعام الغداء عند الرئيس بري، أمس، في عين التينة، مستبعدا تشكيل الحكومة هذا الاسبوع او الذي يليه، بسبب احتفال تطويب الاب يعقوب الكبوشي الاحد وسفره الاثنين الى مؤتمر فيينا للدول المانحة، الا انه لم يستبعد حصول مفاجآت قبل ذلك.
وعلمت «السفير» أن الرئيس بري ومن خلال لقائه السنيورة (بمبادرة من رئيس الحكومة المكلف) وسليمان، حاول القيام بعملية كسر للجمود الذي يلف عملية التأليف الحكومي وصولا الى عملية توليف جديدة للملف الحكومي، تتجاوز المنطق التقليدي السائد وعملية التحديد الحاصلة للوزارات السيادية وغير السيادية، داعيا الى عدم محاصرة الملف الحكومي في زوايا جامدة ومحددة، كما أبلغ الجميع أن من يعتقد أنه بمقدوره أن يخوض انتخابات نيابية ضد ميشال عون من خلال الحكومة الجديدة مخطئ ومخطئ ومخطئ ولا يدار الملف السياسي من خلال عقلية الانتقام بل بمنطق الحوار والمصالح والتفاهم وروحية حكومة الوحدة الوطنية الحقيقية…
وأعقب اللقاء بيــن سليمان والسنيورة اتصال أجراه رئيس الجمهورية برئيس المجلس النيابي وأبلغه خلاله أن المقترحات التي طرحها هي محور درس.
وقال مصدر في المعارضة إن بري أبدى استعداده للتنازل عن وزارة الخارجية مقابل حصول المعارضة على حقيبة سيادية للعماد عون بالإضافة إلى حقيبة الاتصالات إما لـ«أمل» أو لـ«حزب الله» مقابل جعل الحقائب السيادية 6 بدلاً من 4 وذلك بإضافة الاتصالات والعدل إليها ومن ثم توزع على أساس غير طائفي مثالثة بين رئيس الجمهورية والمعارضة والموالاة.
السفير