باص السلام الإسرائيلي ــ السوري
فلورنس غزلان
ينطلق باص السلام من تركيا…رغم أنه لم يتحرك بعد من أمام فندق المفاوضات ولم نرَ فيه سوى أنه باص يشبه كل الباصات ، لكنه حتى الآن دون عجلات ومحركاته لم تدر بعد ولا ندري من سيزودها بالوقود؟!..هل سيكون قَطرياً بتوصية إسرائيلية ومن وراء الستار أمريكية؟، وهل سيتم تخفيض سعر البترول الخاص بالسلام كُرمى لعيون التفاوض والمتفاوضين، أو راعي التفاوض؟…
ما يثير الدهشة في باص السلام، أنه يقبع أمام محطة السلام …التي لا تحمل يافطة بعد، ولا تلتزم بموقف يخصها …ولا نرى نوعية الركاب الذين سيقلهم باص السلام هذا.
لكننا نشهد حشداً ينتظر…ويرمق الموقف بعين الريبة والشك..كما هي عين المراقب المتخوف ، وعين الرافض، وعين اللامبالي الذي يمر بسرعة دون أن يعير الباص وصانعيه أي التفاتة أو اهتمام.
ـــ الحشد المنتظر…يحمل بين صفوفه شعباً لم يُسأل يوما عن رأيه ولم يؤخذ به وعليه أن يستسلم لقيادته الرائدة الحكيمة في تقرير مصيره ومصير الأرض …كمصير الحرب والسلم…فقد حمل عقوداً هموم الأرض الضائعة المسلوبة، ودفع من عرقه وقوت عياله عربون التسليح في دول” الصمود والتصدي” وفي ما سمي في أوقات اللاحرب واللاسلم الدائمة والمستمرة مع تغيير المسميات حسب ما تقتضيه المرحلة…آنذاك سميت:ـــــــــ
( مجهوداً حربياً )، واليوم ( الممانعة ).
لهذا نراه يمر بسرعة ولا يأبه رغم أن التساؤل يمر من طرف عينيه ويحمل بعض الأمل فقد مل الانتظار وسئم من حالته التي لا يعرف لها لون ولا شكل ولا مذاق…ولا يفهم لها لغة في عالم السياسة ولا في أيديولوجيا الفكر …لكنه يعي تماماً أنها جزء مما ابتليت به شعوب الشرق الأوسط العظيم…أو الوطن العربي الكبير، الذي يزداد انكماشا ويصغر يوما بعد يوم ، ويهزل جسده ويصاب بالنحول والاصفرار ..ويصنف في عداد الدول المتخلفة أو السائرة في درب التطور ــ الذي لا يرى منه سوى التراجع المستمر والتقهقر في السياسة والاقتصاد وما يلحقها من قوانين طواريء ومحاكم أمن دولة…لها علاقة بوضع اللاسلم واللاحرب ووضعه المأساوي المعاشي اليومي ــ .
فالعقود التي مرت عليه بحروبها وسلامها..ودفع ثمنها قوانين استثنائية حكموه بها باسم محاربة العدوان الصهيوني وتحرير الأرض المحتلة..ولم ير خلالها سوى استمرارا لقمعه والتضييق على حريته ومعاشه ــــ…يحضرني الآن كمثل حي ورد أمامي بالصدفة على شاشة التلفاز الفرنسية، حين أعلن الرئيس ساركوزي عن” كتابه الأبيض”، والمتعلق بتخفيض نفقات وزارة الدفاع وتقليص أعداد الجنود وتخفيضها بما يعادل 54 ألفا ..وذلك لانتهاء الحرب الباردة، فلم يعد هناك سببا لمصاريف كبيرة يحتاجها الشعب الفرنسي ولا طائرات ومواقع عسكرية لا تفيد وتكلف الميزانية الكثير من الملايين وقد أجلت العديد من المشاريع العسكرية على ضوء هذا الكتاب! …إلى هنا انتهى الخبر. أتساءل، متى أُعلن على الملأ وأمام شعوبنا العربية مقدار نفقات وزارة الدفاع مع أنه كمواطن يساهم من راتبه بالمجهود الحربي؟!…ومتى قلصنا أو خففنا من وطأة قوانين الطواريء المرتبطة بحالة الحرب؟… رغم أننا لم نحارب ولا نحارب، لكن لغة الحرب العصبية ضد المواطن مازالت قائمة باسم العدوان الصهيوني ومحاربته وباسم المقاومة له والممانعة لغيره!.
أليس من الكآبة والبؤس والألم أن نصاب بالصدمات الواحدة تلو الأخرى، وبانعدام الثقة بمن يقود عمليات السلام أو الحرب؟ أنعول على سلام يصنعه قياديو بلادنا؟..أليس هذا هو السبب وغيره من الأسباب التي تدفع المواطن إلى عدم الاكتراث بسلامهم وحروبهم…لانعدام مصداقيتهم أمام شعوبهم؟ !.
لكنه مع هذا يرجو أحياناً ويتمنى …وربما يعود إليه بعض الأمل…مع أن حاله وحال الباص المتوقف عن المسير، و أقدامه التي لا تعرف إلا “مكانك راوح “وما تمر به من سيارات فارهة سوداء تركله لو اعترض طريقها وسألها عن وجهتها بما أنه: ( الشعب) ، ويحق له أن يعترض أو يُستشار على أقل تقدير ، يدرك انه لو فعل فسيكون مصيره الموت أو يتهم بالخيانة ووهن عزيمة الأمة ويدعو إلى التفرقة ونحن بحالة حرب مع العدو!!، وربما يعيق التطور والتقدم ومسيرة الثورة المباركة وممانعتها الشوهاء ومفاوضتها الحولاء…ودفاترها المشبوهة وأحجياتها التي تلعب بالوقت لتكسبه…وتفاوض مستخدمة هذا الشعب المسكين رهينة ..للمساومة !
ـــ العناصر المفاوضة ذات الطرف السوري…تحمل في حقيبة مفاوضاتها…دفاتر وأحجيات…وعلى المفاوض الإسرائيلي الإجابة عليها سلفاً…كي يُقلع الباص …نحو الجولان…مع أن هذه الأحجيات يتناقض ناقليها في طروحاتهم وتصوراتهم التفاوضية. فعندما يصرح السيد رئيس الجمهورية لصحيفة ” ذا هندو” …”أن 85% من الأمور المختلف عليها مع إسرائيل، قد تم حلها أو التوافق عليها بشكل كامل ولم يبق سوى قضية المياه”!.
ثم يأتي السيد نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد لقناة العالم الإخباري، التي تحمل لغة حرب وسيف أطول من قامته وقدرة بلده عليها…لكنها أيضا تتناقض مع تصريح سيده الكبير…إذ يقول:” إن اتفاقا يمكن أن يساعد على إعادة الاستقرار إلى الشرق الأوسط، بالإضافة إلى إعادة الجولان إلى أصحابه السوريين، يمكن أن يتم ليس فقط عن طريق المفاوضات، إنما بطرق أخرى ـــ إشارة واضحة للحرب ــ …ثم يضيف لاحقا..لأن الجولان سيعود عاجلاً أم آجلاً إلى الوطن الأم سورية”!
هذا العاجل أم الآجل حربا أو سلماً …تفاوضا أو ممانعة …أو بعد أن تنتهي دولة إسرائيل من الوجود على حد زعم الحليف الأكبر لسورية السيد “احمدي نجاد ” مبشرا ً بقدوم المهدي الذي يرى يده تبارك إيران ومساعيها ومشاريعها…وأنه سيولي رعايته القادمة لإنهاء الشر الإسرائيلي ودولته عن الأرض!.
انتظره أهل الجولان والشعب السوري بما فيهم أسرى الجولان ــ الذين يشكك بهويتهم ونضالاتهم ــ عقودا أربعة !..يُخَّون المواطن الذي يَسأل ويَستغرب ويُطالب، كما يُخَّون الجولاني ويصل التخوين للأسير القابع في السجون، الذي دفع ويدفع شبابه وعمره وصحته وانتظار أهله، لمجرد أنه يتلقى رسائلاً من معارضين مثلي…أو منفيين…لأن المنفي غير جدير بالوطن ولا ينتمي للوطن وحاله كحال الأسير مشكوك بانتمائه!ــ ..طبعا للنظام وليس للوطن ــ، ومادام هذا الأسير كعميد الأسرى الكبير سيطان الولي ــ الذي أصبح فجأة أسيرا سوريا!، فقط عندما وصل حافة الموت يُطالب به من النظام السوري ويُعترف بانتمائه حيناً! ثم يشكك فيه من قبل أتباع النظام نفسه حيناً آخر!!.علماً أن النظام لم يتعرف عليه ولم يسمع له ولغيره صوتاً حين طالب وأهله بمبادلته بجثمان كوهين!!، فكيف يكون خائنا ً إذن، بينما يسجنه العدو الإسرائيلي سبعا وعشرين عاما؟!!!ولماذا لا تطلق إسرائيل سراحه وغيره من الأسرى المشكوك بانتمائهم طالما أنهم مُتهمون بالتعامل مع إسرائيل؟!.
ــ هل وُضِعت أسماء الأسرى على جدول أعمال المفاوضات مع إسرائيل ؟
وهل سيقلهم باص السلام ويحملهم لأهلهم في الجولان؟ هل يكونوا في عداد الركاب؟
لا يعلم أهل سورية ولا أهل الجولان …وعليهم ألا يسألوا ولا يعلموا..لأن العلم عند أهله والمسئولين في القيادة فقط ، وعلينا الانتظار والترقب أو الابتهال…فربما هناك مَن يسمع ، ربما هناك مَن يرى ، أننا شعب مُطواع …يحسن الصبر والصمت والانتظار عقودا ودهورا، ولا يسأم ولا ينتفض ويدرك تماماً أن دوره كرعية …الانحناء والإصغاء والطاعة…يدرك أن دوره أن يُجَر كالخراف…للذبح والسلخ…دون اعتراض على مصير أو مشاركة في تقرير مصير،لأنه لو فعل فسيكون مصيره كُحل وقطران ، ونهاره ليل دامس لا يعرف الوقت ولا يرى الشمس إلا في الحلم…في رأسه ،إن أحسن التفكير…لأن رأسه لا يطالها العسس..ولا تطالها يد السجان ولا عصا السلطان…ومن رأسه يمكنه أن يظل حراً طليقاً ، ويصل في النهاية بر الأمان.
بعد استعراض التناقض في حقيبة المفاوض السوري…بين لغة الحرب ولغة السلام…بين رئيس ومرؤوس ، هل يمكننا أن نعول أن السلام قادم ؟..وأن باصه سيعبر حقل الألغام السوري صاحب التوجه لغايات في نفس يعقوب يمكنها أن تساوم إيرانياً من جهة وأمريكيا أوربيا من أخرى كي تنعم بانفتاح النوافذ على العالم والمحيط، أو تحصل على مكاسب من هنا وهناك، لبنانيا…عراقيا …فلسطينيا؟!!.
ــ باص السلام ..هل سيحمل مع السوريين أبناء العم الإسرائيليين؟….هل سيسمح المفاوض السوري لركاب إسرائيليين أن يكونوا في عداد الركاب؟ أم أن الأمر يتعلق بالراعي التركي ومدى حكمته وقدرته على المداورة والمناورة.؟..وسيأتي بعده في نهاية المطاف راعٍ آخر يأمل الطرفين أن يكون حاضراً ويوقع بأحرفه الذهبية على أوراق النهاية…فيكون الختام أمريكي الصنع وحينها يدور الباص بمحركات أمريكية وعجلات أوربية تختفي اليوم تحت طيات مؤتمر الاتحاد من أجل المتوسط!!.
ــ مع أننا لم نستعرض ما يحمله المفاوض الإسرائيلي، الذي لا تقل حساباته ولا ظروفه ضيقاً ولا أوضاعه تشابكا عنها المفاوض السوري، فأوراقه معقدة ووثائقه ينتابها الاعتراض والرفض…لكنها تمتلك على الأقل القدرة على السؤال والأخذ برأي أصحابها وشعبها…رغم أنها تتجاهل أصحاب القضية الأصليين …وتهرب من باص اهترأ واحترق ولم يبق منه إلا الهيكل…إنه باص السلام الفلسطيني…الذي انتظر أكثرمن ستة عقود، ولا يبدو أن الأفق يحمل له إصلاحا لحال، أو رأبا لصدع، أو انتشالا من مأزق أو حلاً …ولو كان مشلولا…أو دولة ولو كانت مهلهلة الخريطة ممزقة الأطراف…تحمل دويلات وعصبيات…وهذه الحقيبة …أُهملت وتركت في باصها المحترق وأُجلت …لهذا أرى أن باص السلام لن يقلع لا من تركيا ولا من مصر ولا من أوسلو ولا كامب ديفيد …وسيبقى الانتظار والبحلقة حتى العمى سيد الموقف وسيدنا…مع كثرة الأسياد ولا مبالاة الأتباع، لأن قرار المسير رهن بالوقت والظروف الخارجة عن إرادتنا.
ــ باريس 17/06/2008
خاص – صفحات سورية –