صفحات العالمما يحدث في لبنان

ماذا وراء إثارة “الخيار السوري” ؟!

راجح الخوري
قبل أن تتقدم المفاوضات المباشرة ولو خطوة واحدة الى الأمام، أثيرت في اسرائيل مسألة ما يسمى “الخيار السوري”، والمقصود إحياء المسار التفاوضي مع دمشق.
زيارة المبعوث الاميركي الخاص جورج ميتشل الى سوريا تأتي أصلا في سياق الرغبة الاميركية المعروفة والمعلن عنها تكرارا، أي إحياء عملية السلام على كل المسارات الفلسطينية والسورية واللبنانية.
ولكنها تندرج الآن في سياق طبيعي، تقتضيه على الاقل، لياقة إبلاغ دمشق بما تم في جلسات التفاوض المباشر بين الرئيس محمود عباس وبنيامين نتنياهو، والتي تراوح عند عقدة وقف الاستيطان.
ولكن اذا كان ميتشل يعتقد فعلا أنه من الممكن إحياء المسار السوري الآن، فإنه سيكون واهما تماما لأن هناك متطلبات وشروطا وطنية وقومية واستراتيجية تتمسك بها دمشق، التي تصر منذ البداية على أن التسوية يجب ان تقوم على مبدأ الارض في مقابل السلام، وأن هذا السلام يجب أن يكون شاملا وعادلا يليق بتضحيات الماضي ويستجيب طموحات المستقبل.
لقد كان واضحا منذ بداية “مؤتمر مدريد”، أن سوريا كانت سبّاقة في التنبه الى محاولات العدو الاسرائيلي، فتح المفاوضات المتزامنة على المسارات كلها، وذلك بهدف خلق مساحة ملائمة للقيام بمناورات تفاوضية تخدم مصالح تل أبيب، ولهذا وضعت سوريا قاعدة استراتيجية طبّقها الرئيس حافظ الاسد ورسخها الرئيس بشار الاسد منذ وصوله الى السلطة، وهي أن الحل العادل والمنصف على المسار الفلسطيني، هو البوابة الوحيدة للدخول الى المسار السوري، وهو المفتاح الاساس لقيام تسوية تنهي الصراع العربي – الاسرائيلي.
وهكذا عندما يقول البيان الرئاسي السوري والذي صدر بعد استقبال الرئيس الاسد ميتشل أول من أمس، إن سوريا متمسكة بخيار السلام على ان يكون راسخا ودائما وعادلا على قاعدة اعادة الحقوق الكاملة الى أصحابها، وأن ما تطالب به سوريا كشرط لتحقيق السلام ليس تنازلات تقدمها اسرائيل، بل أرض مغتصبة يجب ان تعود كاملة الى أصحابها الشرعيين… عندما تقول سوريا هذا الكلام، من واجب الادارة الاميركية، التي تحاول الدفع الآن في اتجاه التسوية، ان تدرك انه من غير المعقول الحديث عن إحياء المسار السوري، في وقت تعجز كل الضغوط في اقناع نتنياهو بوقف الاستيطان في الاراضي الفلسطينية، بينما من الثابت ان سوريا لن تقبل بأقل من عودة الجولان المحتل كاملا، ومن قيام دولة فلسطينية على قاعدة حددتها صراحة القرارات الدولية ذات الصلة.
ثم إن استئناف مفاوضات السلام يتطلب في رأي الاسد وضع أسس واضحة وضمانات ملزمة لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، وهذا أمر لم يتوافر قبل بدء المفاوضات المباشرة بين عباس ونتنياهو.
واذا كانت الديبلوماسية الاميركية عاجزة حتى الآن عن اقناع نتنياهو بوقف جديد ومحدود للاستيطان ولو لمدة ثلاثة أشهر على الاقل، لدفع المفاوضات مع الفلسطينيين، او عن حسم مسألة الحدود النهائية بما يؤدي الى تجاوز عقدة الاستيطان، فهل يمكنها اقناع اسرائيل بالانسحاب الكامل من الجولان؟ وهل يخفى على ميتشل ان اثارة “الخيار السوري” الآن في اسرائيل هدفه المناورة لمزيد من ابتزاز الفلسطينيين، وهذا أمر ليس خافيا على دمشق التي أسقطت منذ البداية سياسة التلاعب الاسرائيلي على مسارات التفاوض؟!
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى