الملغومة
رنده حيدر
تثير الوساطة الأميركية لإعادة مزارع شبعا الى لبنان التي حملتها معها وزيرة الخارجية كونداليزا رايس خلال زيارتها الخاطفة لبيروت قبل يومين وعرضتها على المسؤولين اللبنانيين تساؤلاً حقيقياً حول مدى جدية هذه المبادرة وفرص نجاحها وماهية أفقها السياسي.
الفكرة التي تقوم عليها الوساطة الأميركية ليست جديدة فقد سبق ان طرحت إبان حرب تموز عام 2006 وخلال البحث في قرار مجلس الأمن 1701. يومها رفضت اسرائيل رفضاً مطلقاً البحث في أي انسحابات جديدة بعد الهزيمة العسكرية التي تعرضت لها قواتها في المواجهات التي دارت مع “حزب الله” ورأت أن اي بحث في الانسحاب سيوظفه الحزب لمصلحة الانتصار الذي حققه.
اليوم يعاد تحريك فكرة الإنسحاب من مزارع شبعا في ظل متغيرات مهمة منها عودة الحياة الى مسار المفاوضات السلمية غير المباشرة بين اسرائيل وسوريا بوساطة تركية. وها هي الإدارة الأميركية التي لم يعد امامها الا بضعة أشهر كي تحزم حقائبها وتغادر البيت الأبيض تشمر فجأة عن ساعديها لتعيد احياء فكرة إنسحاب إسرائيلي من مزارع شبعا ظناً منها أن هذا الإنسحاب سيضعف خصمها في لبنان “حزب الله” ويعزز مكانة حليفها رئيس الحكومة المكلف فؤاد السنيورة. ولكن المقلق أن هذه المبادرة القديمة –الجديدة تفتقر الى معطيات أساسية تستند اليها لدى الجانبين اللبناني والإسرائيلي كي يكتب لها النجاح.
أولاً بالنسبة لإسرائيل لم يتبدل كثيراً موقفها المعلن من موضوع الإنسحاب من المزارع، رغم تصريح رئيس الحكومة ايهود أولمرت في اليومين الأخيرين رداً على المبادرة الأميركية بأن لا مشكلة لبلاده مع الموضوع. إلا أنه لا يرى حلاً لهذه المشكلة إلا في اطار مفاوضات شاملة ومباشرة مع لبنان تبحث كيفية تطبيق القرار 1701. من هنا فالثمن الاسرائيلي للإنسحاب من شبعا هو تجريد “حزب الله” وسائر التنظيمات الفلسطينية المسلحة الموجودة في لبنان من سلاحها. ويُعتبر هذا الشرط أهم بكثير من مسألة تحديد هوية مزارع شبعا وما اذا كانت سورية ام لبنانية وهي الذريعة التي لطالما تمسكت بها اسرائيل وقوامها أن المزارع شكلت جزءاً من هضبة الجولان التي احتلتها عام 67 وضمتها اليها مع مرتفعات الجولان عام 1982، وأنها مستعدة للبحث في مستقبلها في حال اعترفت سوريا بلبنانية المزارع، وهي أصل كل الدوامة التي ما زال لبنان يدور فيها منذ الانسحاب الأحادي من جنوب لبنان عام 2000 وترسيم الخط الأزرق، واستخدام “حزب الله” بقاء اسرائيل في المزارع ذريعة للإستمرار في الاحتفاظ بسلاحه حتى تحريرها واطلاق سراح الأسرى الموجودين في السجون الإسرائيلية.
أما بالنسبة للبنان فالجديد في الموقف الرسمي تبني رئيس الجمهورية ميشال سليمان فكرة وضع المزارع تحت وصاية الأمم المتحدة التي كان الرئيس السنيورة أول من طرحها ضمن النقاط السبع، كخطوة انتقالية لإستعادة السلطات اللبنانية سيادتها الكاملة عليها بعد ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا. ولكن “حزب الله” سارع الى اعلان رفضه للفكرة معتبراً أن المزارع ستبقى في نظره محتلة طالما لم يستردها لبنان.
تتقاطع المبادرة الأميركية حول شبعا مع موقف أوروبي ودولي داعم لفكرة الوصاية الدولية على شبعا وذلك بتشجيع ودعم من السلطات اللبنانية. وكل ذلك يصب ضمن الجهود الآيلة الى مساعدة السلطات اللبنانية على حل مشكلة سلاح “حزب الله” بالوسائل السلمية. فإذا استرجع الحزب أسراه كما هو منتظر خلال الأسابيع القليلة المقبلة بعد موافقة اسرائيل على صفقة التبادل، و تم الاتفاق على جعل المزارع تحت وصاية الأمم المتحدة تنتفي كل الذرائع التي استخدمها “حزب الله” للإحتفاظ بسلاحه.
من الصعب جداً في ظل الواقع السياسي الحاصل في لبنان منذ أحداث أيار الفائت حيث استطاع “حزب الله” فرض ارادته السياسية على حكومة فؤاد السنيورة بقوة السلاح أن تنجح المبادرة الأميركية. وقد انعكست مظاهر تعثرها مزيداً من الارباك والإضعاف للرئيس السنيورة بدلاً من دعمه وتعزيز قوته وهذه ليست المرة الأولى…
النهار