عدم جدية اسرائيلية… و”سذاجة” اميركية ؟
سركيس نعوم
حسناً فعل الرئيس الجديد للجمهورية العماد ميشال سليمان عندما أبدى في خطاب القسم عزمه على بذل كل الجهود الممكنة لتحرير الاراضي اللبنانية التي لا تزال تحتلها اسرائيل، اي مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.
وحسناً فعل ايضاً عندما أكد لأحد الوفود التي زارته مهنئة في قصر بعبدا انه يملك معطيات جديدة او ربما وثائق تساعد في إثبات حق لبنان في هذه الاراضي.
وحسناً فعل اخيراً عندما سمح للجهاز الاعلامي في قصر بعبدا بتوزيع هذا التأكيد على وسائل الاعلام، وإن على نحو غير مباشر. ذلك ان حديثه عن هذا الموضوع سبق بأيام قليلة الزيارة المفاجئة والقصيرة التي قامت بها وزيرة خارجية اميركا كوندوليزا رايس للبنان وافسح في المجال امام طرحه هذا الموضوع عليها ومناقشته بكثير من الصراحة والوضوح والجدية الامر الذي دفعها الى التركيز عليه والبحث فيه مع المرجعيات الرسمية الاخرى التي التقتها والى تقديم الوعود الى اللبنانيين بأنها ستسعى مع ادارتها في الاشهر المتبقية لهما في الحكم لطي هذا الملف او على الاقل العمل على ذلك سريعاً.
طبعاً يمكن المشككين، وربما المتضررين وسيئي النية، ان يفكروا ان زيارة رايس لم تكن مفاجئة الا للبنانيين ولكن ليس للمسؤولين الكبار، وأن الرئيس سليمان مهّد لها بإثارة موضوع مزارع شبعا كي يفرضه بنداً اساسياً على جدول المحادثات معها. ويمكن ان يفكروا ان رايس “دخلت هذه اللعبة” لمعرفتها بأهمية موضوع مزارع شبعا لبنانياً وبتناقض المواقف حياله فعلياً بين الاطراف اللبنانيين، رغم اجماعهم العلني على السعي الى انجازه وبضعف وضع فريق 14 آذار ورئيس الوزراء المكلف فؤاد السنيورة وتالياً لرغبتها في تقوية الاخير وربما وضع اخصامه، أي 8 آذار، في موقع دفاعي بحيث يضطرون الى الجهر بحقيقة موقفهم الذي هو رفض بت ملف المزارع اذا كان ثمنه “تعطيل” سلاح المقاومة وتعطيل دور جمهورها محلياً وتالياً تعطيل دور حلفائها الاقليميين المناهضين للولايات المتحدة بل المواجهين لها في لبنان والمنطقة. لكن كل ذلك يجب الا يدفعهم، اي المشككين والمتضررين وسيئي النية ومعظمهم معروف من اللبنانيين الى الإنفعال والعصبية والوقوع في عقدة الخوف الدائم من تآمر كل الناس عليهم في الداخل والخارج، وتالياً التصرف على نحو يضر كثيراً بالسلم الاهلي الذي لم يعد موجوداً تقريباً وبالاستقرار الامني والسياسي الذي ينعدم يومياً، وبلبنان فضلاً عن انه يلحق بهم ضرراً كبيراً على المدى الطويل بل المتوسط رغم اعتقادهم انهم محصّنون تجاه اي اذى سواء بواسطة الشعبية الواسعة او السلاح المتنوع والمتفوّق او الدعم الاقليمي الواسع. وعلى العكس من ذلك فإن انسجامهم مع المواقف المعلنة وخصوصاً من تحرير الارض اللبنانية، ولا نتحدث هنا عن الارض في المطلق كما يفعل اسياد المقاومة احياناً، يقتضي من هؤلاء التناغم مع الدولة اللبنانية وإن كانوا لا يطمئنون اليها او يريدون احلال دولة اخرى مكانها، ومع رئيس الجمهورية وان كانوا “نقزانين” منه رغم علاقتهم الجيدة سابقاً معه لاعتزامه البقاء على الحياد وللجميع بل للبنان على الاقل حتى الآن وكذلك مع الحكومة بل مع رئيسها، اذا لم يعتذر، رغم عدم ثقتهم به وشكوكهم فيه. اذ بذلك وحده يستطيعون اولا ان يحولوا دون انزلاق لبنان نحو الفتنة والحروب، وان يعيدوا توحيد اللبنانيين في الحد الادنى. وثانياً، ان يوفروا ظروفاً تحرج اسرائيل واميركا من شأنها مع قليل من الحظ ان تساعد في استعادة المزارع والتلال المحتلة. وعلى هؤلاء، بل على كل اللبنانيين ومعهم “رؤساؤهم” ومرجعياتهم السياسية والطائفية والحزبية، ان يروا قبل ان يباشروا تبادل الشكوك والاتهامات وقبل ان يبدأوا التقاتل المواقف الفعلية لكل من اسرائيل واميركا من موضوع المزارع والتلال وتحديداً عدم جديتها اسرائيلياً وسذاجتها اميركياً أو تواطؤها، قبل ان يبدأوا نصب المدافع الكلامية وغير الكلامية. فاسرائيل قالت قبل زيارة رايس الاخيرة للبنان وبعدها ان اعادة المزارع مشروطة بتفاوضات ثنائية مع لبنان حول كل الامور، وهذا ما لا يستطيعه لبنان وما لا يريده حالياً لانه يعرف عواقبه. وانها مشروطة ايضاً بترسيم سوري للحدود مع لبنان، وخصوصاً في منطقة المزارع.
ولفت عدد من الدوائر الأميركية الى عدم ثقة واشنطن بالامم المتحدة وتالياً بخطوة وضع المزارع والتلال تحت وصايتها وألمح الى رفض تقديم اي مكافأة الى “حزب الله. ولا يخفف من هذا الموقف التأكيد ان رايس متمسكة بالعمل لحل هذه المشكلة عبر الامم المتحدة. فهذا التمسك لم تعد له قيمة. ذلك انها ورئيسها وادارته راحلون الى الحياة العادية بعد اشهر. وان اولمرت راحل الى العقاب والنسيان على الارجح. فضلا عن ان اسرائيل واميركا متجهتان نحو الانتخابات النيابية في الاولى، والرئاسية في الثانية. وفي اجواء كهذه لا “تنازلات” اسرائيلية ولا مواقف حاسمة اميركية الا طبعاً اذا استُهدفت المصالح الحيوية والاستراتيجية الاميركية مباشرة، واستهدفت اسرائيل مباشرة من “المقاومة الاسلامية” في لبنان. وفي حال كهذه لا تعود هناك روادع. علماً ان الاستهداف الاسرائيلي في لبنان لم يعد بالسهولة التي كان “تقريراً” بسبب القرار 1701 باعتبار ان التنفيذ يبقى سهلاً رغم وجود هذا القرار. وعلماً ايضاً ان التقرير في هذا الامر سيرتبط، في حال حصوله، بتطورات اقليمية – دولية بالغة الخطورة. في اي حال على المشككين والمتضررين وسيّئي النية قبل ان يقدموا على اي شيء مؤذ، ان يتذكروا ان الرئيس سليمان اكد انه لن يبحث في سلاح المقاومة بل في الخطة الدفاعية قبل استكمال تحرير الارض اللبنانية. وذلك يعني انه لا يستهدفها وسلاحها، وعليهم ان يتذكروا ايضا ان افرقاء لبنانيين آخرين يصرون على ان يشمل الحوار الوطني الذي يفترض ان يبدأه سليمان بعد تشكيل الحكومة السلاح والاستراتيجيا الدفاعية ويكونان من بنوده الاولى. وان مبادرتهم الى “القواص” على سليمان والحكومة، خوفاً من “طبخة” ما تؤذيهم، هي التي ستؤذيهم لأنها ستحمّلهم مسؤولية جمع الفريقين المذكورين اعلاه وتالياً مسؤولية التدهور في الداخل
النهار