قفزة إيرانيّة في المجهول!
حازم صاغيّة
استعراض القوّة الذي انطوت عليه زيارة الرئيس الإيرانيّ إلى لبنان مهمّ وخطير، يدلّ إلى مدى النفوذ الذي اكتسبته إيران في المشرق العربيّ وفي لبنان تحديداً. وهو أيضاً يدلّ إلى نجاح «حزب الله» في توفير هذه القاعدة العريضة لنفوذ إيران ومحمود أحمدي نجاد. ولقياس حجم هذا النجاح، يُشكّ كثيراً في أن يلتفّ حول الرئيس الإيرانيّ في إيران، قياساً بعدد سكّانها، ما التفّ حوله في لبنان، قياساً بعدد سكّانه.
لكنّ الخشية، هنا، أن يتحوّل الرصيد اللبنانيّ المتجمّع في يد أحمدي نجاد شفرة أخرى على أعناق المعارضين الإيرانيّين. هكذا، في مقابل دعم السلطة الإيرانيّة للمقاومة اللبنانيّة، تردّ الأخيرةُ التحيّة بأحسن منها، داعمة استبداد تلك السلطة على شعبها. وعلى النحو هذا ينقلب لبنان ويتحوّل – هو الذي كانت الشكوى الدائمة منه أنّه يؤوي المعارضين والمنشقّين في الدول المجاورة التي يحكمها شكل ما من أشكال أنظمة الاستبداد.
والقاعدة الكونيّة، هنا أيضاً، لا تتغيّر: تشييد الامبراطوريّات الخارجيّة المرتكزة إلى السلاح والقوّة على حساب الحياة السياسيّة في داخل البلدان المعنيّة. هذا ما فعله الاتّحاد السوفياتيّ ذات مرّة على حساب شعبه وشعوب أوروبا الوسطى والشرقيّة، وكنّا نحن العرب، يومها، في طليعة من ساعده على ذلك مقابل كميّات من السلاح.
بيد أنّ التحوّل أو الانقلاب أبعد من لبنان. ولأنّه ضخم وهيوليّ حقّاً، يُخشى أن يكون قفزة عظيمة في الفراغ.
فإيران، عموماً، قد يراودها استئناف ما كانه الاتّحاد السوفياتيّ إبّان الحرب الباردة، بكفاءة وقدرات أقلّ بكثير، ومن ثمّ، وبفعل ذاك الضعف التكوينيّ، بشذوذ يفوق كثيراً الشذوذ السوفياتيّ عن مؤسّسات العمل الدوليّ وقنواته. وهذا ما سبق أن جرّبه صدّام حسين الذي غزا الكويت فيما كان ميخائيل غورباتشوف يضع حدّاً لإمبراطوريّة الممانعة الكونيّة. وقد كان ما كان.
أمّا لبنانيّاً وعربيّاً، ففات الرئيس الإيرانيّ أنّ لهذا البلد خصوصيّاته التي حملت الرئيس المصريّ جمال عبدالناصر على الامتناع عن زيارته، كما حملت الرئيس السوريّ حافظ الأسد على قرار مشابه. والرئيسان، ولأسباب كثيرة، كان في وسعهما أن يستنهضا حشوداً جبّارة هي، بالضبط، مصدر تحريك لحساسيّات مضادّة، جبّارة هي الأخرى. وليس سرّاً أنّ اللون المذهبيّ الحادّ الذي حفّ بالزيارة يستحضر إلى الساحة الألوان المذهبيّة الحادّة والمقابلة، والتي تملك رأياً مختلفاً في صدد بلدها ومستقبله، كما لا تريد لهذا البلد أن يغدو ساحة للالتحام المباشر بين إيران وإسرائيل.
ويُشكّ كثيراً في أن تختار العواصم العربيّة الصمت والسلبيّة ودفن الرأس في الرمال، وهي ترى توسّع رقعة النفوذ الإيرانيّ، وإمساك طهران بقرار الحرب والسلم العربيّين. والشيء ذاته، ولو بحدّة أقلّ، قد تستشعره تركيا، القوّة الإقليميّة الأخرى ذات الحسابات الخاصّة بها وبتلبية مصالحها. لا بل يجوز الشكّ في أن تشعر سوريّة نفسها، وهي حليف إيران، بالارتياح حيال المشهد اللبنانيّ كما حملته الأيّام القليلة الماضية.
يحصل هذا فيما إيران مطوّقة بحصار تتعاظم آثاره السلبيّة على اقتصادها، كما يتنامى الجفاء بينها وبين القوى المؤثّرة في العالم، وهذا في موازاة معارضة داخليّة لا يكاد يقال إنّها انتهت حتّى تعود، على نحو أو آخر، إلى واجهة الحدث.
وهؤلاء أعداء كثيرون، قد لا يجدون في نفوسهم ما يحرّكهم ضدّ إيران، إلاّ أنّهم قد يباشرون التفكير وبناء الأحلاف على نحو مغاير لما هو سائد الآن. وهم، في الحالات جميعاً، أكثر من أن يؤخذوا، دفعة واحدة، غلابا.
الحياة