صفحات العالمما يحدث في لبنان

لا “خوش” ولا “آمديد” لجيفري فيلتمان

سعد محيو
“خوش آمديد”، وهو تعبير فارسي يعني “أهلاً وسهلاً”، هو الأكثر رواجاً هذه الأيام في لبنان . وقد استخدمه حزب الله على نطاق واسع للترحيب بالرئيس الإيراني أحمدي نجاد .
بيد أن جيفري فيلتمان، مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية، الذي زار بيروت غداة انتهاء زيارة أحمدي نجاد إليها (وبهدف موازنتها) لم يحصل لا على “خوش” ولا “آمديد” . فلقاءاته في بيروت اقتصرت على رئيس الجمهورية ووليد جنبلاط، الذي لاشك في أنه يبذل الآن جهوداً مضنية مع سوريا وحزب الله للإثبات لهما أن الاجتماع مع فيلتمان لم يكن بأي حال لوصل ما انقطع معه، بل ليكون سفيراً لهما وناطقاً باسميهمها .
أما الاتصالات الهاتفية التي أجراها فيلتمان مع أمين الجميل وجعجع وبعض قادة تيار 14 مارس/ آذار (أو ما تبقى منه) فقد كانت أقرب إلى رفع العتب منها إلى تنسيق المواقف .
لماذا هذا الفتور اللافت في استقبال هذا الرجل الذي كان قبل سنوات قليلة “الحاكم بأمره” حين كان سفيراً لبلاده في لبنان؟
لأن الأحوال تغيرّت، وكأن الخلق ولدوا من جديد، كما يقول ابن خلدون . فالولايات المتحدة التي كانت تريد قلب الأنظمة وتغيير وجه الشرق الأوسط في أوائل عهد بوش، باتت الآن في عهد أوباما تبحث بشكل يائس عن أبواب الخروج من أفغانستان والعراق، وتطوي بهدوء مشاريع الدمقرطة، وتواصل مد يدها إلى خصومها رغم أن اليد تكاد تدمى من درجة العض .
الساسة اللبنانيون الذين شاهدوا فيلتمان يحط الرحال فجأة في بلادهم، لم يروا فيه مسؤولاً يُمثّل دولة عظمى تأمر فتُطاع، بل دولة أمريكية ترضخ إلى شروط إيران في العراق، فتضع إياد علاوي على الرف وتُمهّد الطريق أمام نوري المالكي لخلافة نفسه، بعد أن لعب قادة إيران وحزب الله في لبنان الدور الرئيس لتذليل العقبات الصدرية والسورية له . كما شاهدوا الجبروت الأمريكي وهو يتوسّل حركة طالبان لإجراء حوار معه .
وفوق هذا وذاك، اعتبر قادة 14 آذار أن تمسّك فيلتمان القوي بالمحكمة الدولية وبسيادة لبنان واستقلاله واستقراره، هو دعوة مفتوحة إليهم إلى اتخاذ موقف تصعيدي ضد سوريا وحزب الله . لكن، أنى لهم ذلك وواشنطن لا تُبدي أدنى استعداد لدعمهم مادياً وعسكرياً، في ظل موازين قوى مختلّة بشدة لغير مصلحتهم؟
أجل . الولايات المتحدة تريد بوضوح لعب دور المُعرقل والمُعطل لكل الجهود السورية  السعودية  الإيرانية الراهنة لإيجاد مخرج ما من أزمة القرار الظني والمحكمة الدولية، لكنها تريد أن تفعل ذلك “مجاناً”، أي من دون أن تتورط في أي صراع قد يؤثر في عملية حصر الخسائر في العراق وأفغانستان . وهذا ما يجعل مواقفها “الصارمة” من المحكمة الدولية أشبه بمن يُهدد باستخدام المسدس وهو لا يحمل مسدساً، أو من يعد غريقاً بالانقاذ عبر الوعود المؤجلة ومعسول الكلام .
أجل أيضاً، الولايات المتحدة ستواصل ممارسة لعبة المحكمة الدولية، لأن هذه ستُشكّل سيفاً ممتازاً يمكن تسليطه على رأس سوريا وإيران . لكن، وكما دلّت زيارة فيلتمان إلى بيروت، والتي كادت تكون سرّية في مقابل زيارة أحمدي نجاد الصاخبة، فإنه سيكون على واشنطن مواصلة هذه اللعبة من دون “خوش” ولا “آمديد” من معظم الفرقاء اللبنانيين، وفي مقدمتهم (ربما) سعد الحريري .
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى