صفحات العالمما يحدث في لبنان

ربما للفتنة … فتنة!

سليمان تقي الدين
لا يعرف اللبنانيون كيف يعالجون مشكلاتهم وينتجون التسويات الضرورية إلا على نارٍ حامية. دخلنا دائرة الخطر الشديد كما يعرف أصحاب القرار، الأمر الذي تحركت له الدول، ولم يصدر عن الجهة اللبنانية المعنية ما يشير إلى استعدادها لاحتواء الأزمة. أدت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وظيفتها بالكامل. أخذت أميركا الاستقرار اللبناني رهينة لابتزاز الدول التي يهمها الاستقرار في لبنان خاصة سوريا والمملكة العربية السعودية. لهاتين الدولتين حسابات مختلفة، كذلك أولوياتهما وعناصر قوتهما. «العدالة الدولية» في المزاد العلني على طاولة التفاوض. لاستئخار القرار الاتهامي ثمن، ولإنهاء دور المحكمة ثمن. لسلاح المقاومة فدية، ولحكومة العراق ولفلسطين. القاضي الدولي الأكبر الذي يدير أزمات المنطقة هو الذي يعرض الصفقات ويسوقها. يتصرف الأميركي كأنه «ولي الدم» الحقيقي في كل مكان. مرحباً «عدالة دولية».. مرحباً «تسييس» للعدالة. هذه قوننة وتشريع للجريمة الدولية، للاستعمار الجديد تحت عباءة الأمم المتحدة. يأتي الدبلوماسي الفرنسي والأميركي ليفاوضا على «القرار الظني». تفوح رائحة الشروط على السلاح. مروحة من المقايضات بموقف هنا وموقف هناك. التهديد بالقرار الاتهامي والإغراء بطائف جديد أو سلطة جديدة ينضوي المشروع المقاوم من خلالها بالقرار «الوطني»، بحكومة الطوائف المتعانقة المتناقضة والمتناحرة. هناك شاهد وحيد على الحقيقة يراد قتله وحماية الشهود الزور الذين هم دول وأنظمة وقيادات جرى تصنيعها وإعادة تصنيعها وإنتاج رموزها. الشاهد الحقيقي هو «المقاومة» الفكرة، المشروع، الاحتمال المستقبلي، الأمل، المثال على إمكان الحرية والكرامة والتضحية وهزيمة إرادة العدو.
يقف نتنياهو متحسراً على لبنان، يعتصر قلبه شفقة أو غضباً. «لبنان صار ولاية إيرانية»! يريده نتنياهو ولاية إسرائيلية أو أرضاً محروقة. ينجح الإسرائيليون في منهجية تفكيك التاريخ، تفكيك الوعي العربي وبعثرته. فرضوا بالقوة «تقويمهم» أو أجنداتهم.
لماذا نشأت المقاومة وكيف ولأي هدف كان السلاح ومن أي باب دخلت إيران الساحة اللبنانية؟ أسئلة ممنوع تداولها، كما هو ممنوع تداول الأسئلة عن أصل قضية شعب فلسطين. هناك اختراع في الفكر الغربي الحداثي وظيفته ان يلغي الذاكرة. لا ذاكرة استعمارية للتفوق الغربي. لا معرفة إنسانية خارج اللحظة السياسية، لا تاريخ للشعوب التي تغلّب عليها. هنا الوردة.. ارقصوا هنا. هنا القوة تعاملوا معها. صحنكم اليومي «المحكمة» أو «الاستيطان» أو «حكومة العراق» أو «الفتنة». تدار الشعوب والأمم والدول المستضعفة بقياداتها على إيقاع الشرطي الأميركي وتتحرك على صفارته.
لدينا كل القابلية اليوم لتصديق السحر الغربي والأميركي، لكن لدينا بشكل أو بآخر، بوعي محدود أم بوعي ديني إيماني، بعقل يكتسب تقنيات من الغرب أو بعقل يستخدم تقنيات الغرب، قدرة على الرفض، بل غريزة الرفض لكل ما هو غير إنساني جرى ويجري في فلسطين أو العراق أو جنوب لبنان. هذه «الغريزة» للممانعة يريدون تشويهها وقتلها. يبذلون المال، يسخرون الإعلام، يستخدمون السلاح والجريمة، يقدمون نماذج عن الزعيم الحداثي في القصر المنيف لتسفيه مغارة المقاوم ولحيته وكوفيته. هم يحبون الحياة ولكن يريدونها لهم لوحدهم وللطفيليين التافهين المستعدين للمغامرة والمقامرة بالناس والوطن في سبيل السلطة.
ربما علينا ان نوقف التماس الهدوء والاستقرار، ونوقف الدعوات لتدارك الفتنة. في سوق الفتنة تبيع الناس وتشتري وتسترزق. هذا بلد من بعض اقتصاده الفتنة. الفتنة قائمة داخل اقتصاد الطوائف والأحزاب والجماعات. قد تكون الفتنة ضرورة وطنية وإنسانية…
لعل وعسى. رُبَّ ضارة نافعة. هناك نخبة من كبار القوم وأصحاب الشأن يقولون ذلك.. في السياسة والإعلام وأصحاب القرار!!
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى