بين فالقين
حسام عيتاني
التوازن بين انفلات الوضع اللبناني وبين استمراره في حالة المراوحة (وليس الاستقرار) يرتكز إلى صمود “المظلة السورية – السعودية”، على ما تقول الحكمة السائدة في بيروت.
لكن ثمة مشكلة كبرى في الرأي هذا خلاصتها أنها تتجاهل تفاقم الأزمة اللبنانية الداخلية التي لا تجد ما يعالجها. المراوحة الحالية هي عنوان آخر لتعفن الوضع القائم واهتراء الكوابح التي تحول دون انقلابه انهياراً أمنياً وميدانياً. وفي الوقت الذي تبدو العلاقات السورية – السعودية تسير سيراً حسناً نحو تفاهمات في العراق ولبنان، يظهر السؤال عن قدرة التحسن في العلاقات تلك على الصمود أمام التغيرات اللبنانية الداخلية وأمام أدوار القوى الأخرى.
في الحالة اللبنانية، لا مفر من الاعتراف أن الخلاف على المحكمة الدولية الخاصة يحتوي على خطر شديد على استقرار البلاد. ولم يترك “حزب الله” سواء في حادثة العيادة الطبية أمس الأول أو في كلام مسؤوليه، أي مجال للشك في أنه سيمنع بكل الوسائل المتوافرة لديه، وهي كثيرة ومتنوعة، توجيه الاتهام إليه بالضلوع في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، أو اتخاذ الاتهام صيغاً عملية مثل اعتقال أي من عناصره.
من ناحية ثانية، يعلم الحزب أن وسائله ستعني دفع لبنان إلى مرحلة جديدة من الفوضى والارتباك العام (على الأقل)، في الوقت الذي يعجز فيه عن تحريك الجبهة الجنوبية التي باتت تخضع لحسابات إيرانية وسورية لا يملك الحزب فيها حرية القرار، بعد التهديدات الإسرائيلية الصريحة والقرار الاسرائيلي المتخذ بجعل كل لبنان، من أنصار “حزب الله” وخصومه، يدفع ثمن أي حركة “من خارج النص” كخطوة اختطاف جنديين اسرائيليين عام 2006.
عليه، وعلى رغم مظاهر الثقة البالغة بالنفس والنبرة المعتدلة لقادته، يقيم “حزب الله” اليوم بين فالقين يضغطان عليه ضغطاً قاسياً غير منقطع: الأول هو المحكمة الدولية التي لا يبدو أنه بقادر على تغيير مسارها (على رغم عدم وجود ما يثبت يقيناً أن قرارها الظني سيوجه اصبع الاتهام اليه في الاغتيال) والثاني هو العجز عن قلب الطاولة وتحويل الأنظار صوب معركة ولو محدودة مع إسرائيل.
وتنظيم احتجاجات، بغض النظر عن اتساعها وسواء كانت “شعبية” أو مسلحة، لم يعد كافياً لتعطيل المحكمة الدولية. فما سيصطدم به الحزب وحلفاؤه هنا يتعلق بالخطوة التالية التي سيخطونها غداة سيطرتهم الميدانية على البلاد (وهم قادرون على ذلك في كل لحظة). لكن الحزب، في الوقت ذاته، لا يستطيع القفز فوق “الاختبار الميداني” – إذا جاز التعبير – والقبول بالجلوس إلى مائدة مفاوضات جدية مع خصومه اللبنانيين الذين لا يرى فيهم غير أدوات وعملاء خارج معادٍ ومتآمر. بل أن جانبي المفاوضات المفترضة غير متفقين على مضمونها، أهو إعادة توزيع السلطة على الطوائف أو الدفاع عن قواها السياسية ضد أخطار تراها وجودية. طبعاً، سيقول “حزب الله” أنه في أفضل حالاته وان كل ما يصدر من الأعداء تخرصات وهلوسات لا مكان لها على أرض الواقع.
أما مهمة الجسر السوري – السعودي فهي ضمان الوضع العام في لبنان وليس معالجة مآزق الفرقاء، وهي عميقة وموزعة على كافة الوان الطيف السياسي – الطائفي. وإذا صح الوصف أعلاه، تكون الرهانات على نجاح دمشق والرياض في الحيلولة دون اضطراب كبير مقبل، الورقة الأخيرة في يد لاعب لبناني مرهق ومفلس.
الحياة