يجب عدم تمرير ما جرى في كنيسة النجاة
مازن كم الماز
القضية شديدة المأساوية , و عدد الضحايا استثنائي , لقد وصل جنون القتل إلى مستويات غير مسبوقة , و ليس طريقة تعامل الحكومة العراقية القائمة مع عملية احتجاز الرهائن أو الطريقة التي أعلن بها أوباما ( القائد العام لأقوى قوات عسكرية في عصرنا و ربما في التاريخ ) شخصيا عن اكتشاف الطرود “المشبوهة” و رسالة ابن لادن أو تهديداته في وقت كان فيه نظام ساركوزي يهتز تحت تصاعد الحركة الشعبية في الشارع إلا أدلة على أن الإرهاب و الاستبداد يتكاملان , إنهما إذ “يتصارعان” فإنهما يفعلان ذلك على اللحم المذبوح للضحايا . إن جنون القتل الذي استبد بالأصوليين لا يضعف من قبضة دائرة الاستبداد المغلقة حول البشر العاديين بل يقويها و يشرعنها و يعززها و يساعد فاشية الاحتكارات الرأسمالية في أن تصبح أكثر همجية و شمولية هي أيضا في عدوانها على البشر العاديين , إن نظام فاسد و وقح في عدائه للفقراء و في محاباته للمليارديرات و أصحاب رأس المال و فاشي في عدائه للأجانب كنظام ساركوزي استمد أخيرا شيئا من الشرعية المزيفة فقط نتيجة رسالة ابن لادن تلك , لأن الشيء الأخير المتاح لهذه الأنظمة هو أن تزعم أن أجهزة القمع و الموت و الملاحقة و العقاب التي تشكلها و تدربها ضرورية , ليس فقط لقمع العمال و الطلاب الرافضين لسياساتها , بل أيضا “لحمايتهم” كما تزعم من هجمات كالتي جرت باستخدام تلك الطرود “المشبوهة” , نظام أوباما لم يجد في الوقت المستقطع قبل انتخابات التجديد سوى تلك الطرود ليحاول أن ينسي الناخب الأمريكي أنه اقتطع من لقمة عيشه و من ثمن علاجه و اضطره ليبيع بيته كي ينفق على الإدارات الفاسدة للشركات الرأسمالية تريليونات الدولارات التي أنتجها هؤلاء أو سينتجونها حتى سنوات طويلة قادمة . لا أعرف كم تستطيع عبوة حبر في طابعة أن تستوعب من “مواد متفجرة” , لكن لنحاول فهم الموضوع , تستخدم الطائرات المقاتلة في التدريب قنابل زنة 6 كغ , و هي قنابل محدودة التأثير جدا , أما في العمليات القتالية فإنها تستخدم قنابل زنة 250 , 500 كغ و حتى طن فما أكثر , قنابل الطن هذه هي تلك التي استخدمتها الطائرات الأمريكية في قصفها لمدن أفغانستان و العراق في حربيها الأخيرتين هناك , هذا لا يعني أن موت إنسان , أيا كان , هو أفضل , أو يفضل , على موت ألف أو مائة , لا توجد قوة في العالم , سلطة , جهاز عقاب أو قمع أو إكراه أو رجل دين أو مؤسسة دينية أو إيديولوجية , يحق لها قتل أي إنسان أيا يكن , لم يمنح أي من هؤلاء البشر حياتهم و لا يحق لأي منهم أيضا أن يلغيها , ناهيك عن أن يستغلها أو يمارس ضدهم أي نوع من القمع أو القهر أو الاستغلال أو الإكراه أو حتى المراقبة . تصوروا ذلك المنطق في أخذ عراقيين رهائن في بلدهم , في عقر بلدهم , لإطلاق سراح سجناء ما لدى الحكومة العراقية القائمة , تصوروا هذا المنطق المعادي للإنسانية في مثل هذا العمل و فظاعة و همجية مثل هذا المنطق , و تصوروا منطق أن يهددك أحد ما و أنت في بيتك , في دار عبادتك , في وطنك , كما فعل الأصوليون مع مسيحيي مصر بعد العراق , فقط لأنك مختلف , هذه قمة الهوس الديني التي لا تنتج إلا همجية و وحشية غير اعتيادية و جنونا منفلتا ضد الآخر , و كما هو طبيعي , لجأت حكومة المحاصصة للمزاودة بدماء الضحايا , بدماء أكثر من خمسين “رهينة” , في بلدهم و على أرضهم , كيلا نقول على الأرض التي وهبتهم الحياة كما وهبتها لمن احتجزهم و قرر أن ينهي حياتهم و كأنه من طينة أخرى غير طينة هذه الأرض , فقط بسبب الهوس الديني و جنون إلغاء الآخر , أو حتى لمن أصدر الأمر بتنفيذ اقتحام دموي على هذا الشكل , إن دماء الضحايا اتهام للجميع , إن مجانين إلغاء الآخر سواء أولئك الذين في السلطة أو في الميليشيات أو في التنظيمات الأصولية المهووسين بدماء الآخر جميعهم متهمون و مدانون , يجب ألا يمر ما جرى في كنيسة النجاة , و يجب أن يكون مفهوما أنه إن لم يكن إخاء الجماهير العراقية , الفقراء العراقيون , من كل الأديان و الطوائف و المذاهب , و تضامنهم و إصرارهم على انتزاع حريتهم ممن يسلبهم إياها , هو الحامي الحقيقي للمسيحيين و الشيعة و السنة و الكلدانيين و الآشوريين و الصابئة المندائيين و أي عراقي , فلن تحميهم أية سلطة مشغولة بمصالحها و اقتسام خيرات العراق أو أي جيش من المرتزقة يقوم بتسليحه و تدريبه و يدفع له قتلة الشعوب وناهبي خيراتها و بالتأكيد لن تحميهم ميليشيات الهوس الديني و الطائفي و المذهبي , التي لا تعرف إلا قتل الآخر و قهر الفقراء من ذات الطائفة و مصادرة حريتهم و حياتهم بنفس السلاح الذي تقتل به الآخر , لم تكترث الحكومة القائمة بدماء العراقيين و كما استخدمهم مهووسو إلغاء الآخر “رهائن” استخدمتهم تلك الحكومة أيضا في المزاودة على الإرهاب , و كذلك يستخدمهم من يريد أن يبرر نهب ميزانية بلده لسنوات قادمة لصالح كبرى الاحتكارات بعبوات مشبوهة من أنصاف الكيلوغرامات , وبرسائل الكراهية التي يحركها الهوس الديني و الطائفي و المذهبي . كما أن ساركوزي لا يستطيع إخفاء حقيقة سياساته المعادية للجماهير إلا برسائل ابن لادن فإن حكومة العراق القائمة و نخبته السياسية و الإكليروسية الدينية لا تستطيع أن تقنع أحدا بأن وجود حكومة فعلية يعني الخير للعراقيين الفقراء و ليس لجيوبها هي إلا بمثل هذه المجازر الدموية , ليس هناك اليوم من شك في أن الإرهاب و الاستبداد يكملان بعضهما البعض و يؤدي كل منهما إلى الآخر , و إلى حلقة جهنمية من الموت و الموت المضاد الذي لا يسقط ضحية له إلا الفقراء من كل المذاهب و الأديان , إن القضاء على إرهاب المهووسين دينيا و طائفيا لا يكون عبر المزيد من الأجهزة القمعية التي لا تقمع إلا من يزعج سادتها , و التي لا تبالي لدماء العراقيين البسطاء من أي طائفة , و بالتأكيد ليس من خلال المزيد من سجون الظلام و المزيد من انتهاك حقوق الإنسان على يد تلك الأجهزة , إن هذا الإرهاب السلطوي و إرهاب الميليشيات المرتبطة بالنخبة السياسية و الإكليروسية الحاكمة هو المبرر الأساسي لإرهاب الأصوليين المهووسين بقتل الآخر على أنه المصدر الوحيد لحماية الجماهير السنية و ككرة الثلج يصبح الموت المجاني للفقراء من كل الأديان و الطوائف على موائد القتلة و المهووسين هو النتيجة الحتمية , إذا لم تأخذ الجماهير مصيرها بيدها و تنتزعه من أيدي طغاتها و من يريد أن يسلبها , ليس فقط خيرات بلدها و عملها هي بالذات , بل و حتى حقها في الحياة بكل همجية و وحشية , فلن تكون أبدا بمنأى عن هؤلاء القتلة و لن يحميها أحد من هذا الجنون المنفلت سوى نضالها هي بالذات إلى جانب كل ضحايا الطغاة الآخرين من كل الأديان و المذاهب ……….
خاص – صفحات سورية –