صفحات العالمما يحدث في لبنان

صعوبات التسوية السياسية اللبنانية

سليمان تقي الدين
يبدو البحث عن تسوية سياسية للأزمة الناتجة من القرار الظني الذي سيصدر عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، أمراً صعباً جداً . لم يعد ممكناً إلغاء المحكمة أو وقف عملها طالما أنها نشأت بقرار من مجلس الأمن الدولي وتحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة . ما هو متاح فقط العمل على تطويق ذيول وتداعيات قرارات المحكمة، وعلى هذا الموضوع تعمل الوساطة السورية  السعودية وبعض الدول المهتمة بحماية الاستقرار الداخلي للبنان . نقطة الخلاف في وجهتي النظر اللتين تتجاذبان الوضع اللبناني هي في استباق القرار الظني بموقف لبناني موحد ينزع الشرعية عن الإجراءات التحقيقية وعن النتيجة إذا ما طاول الاتهام “حزب الله” .
يريد “حزب الله” وحلفاؤه هذا الاستباق خاصة بإجراءات قضائية لبنانية تلجم صدور القرار الظني أو تلقي ظلالاً من الشك على صدقية المحكمة . بينما يرى الفريق الآخر أن التسوية السياسية يمكن أن تتم بعد صدور القرار ومعرفة حيثياته وأسانيده . ضمناً يريد هذا الفريق أن يحشر “حزب الله” لكي يتعامل معه بقوة “المحكمة” في مواجهة قوة “السلاح” . هذه المعادلة التي تبدو منطقية لدى بعض الأطراف في الداخل والخارج تنزع الشرعية عن سلاح الحزب وتضعه في موقع دفاعي أمام احتمالات المعالجة السياسية أو الحزبية .
واقعياً هذا مأزق كبير يمتد إلى مشكلات في المنطقة ويفترض أن نظاماً إقليمياً قد تشكل واستقرت توازناته لكي يمكن معالجة قضايا لبنانية بهذا الحجم، لذا يقول المراقبون إن ما يجري هو سباق بين محاولات تأجيل الأزمة وبين الانفجار السياسية والأمني .
الحديث عن التسوية في لبنان اليوم يعني صياغة جديدة لتوازنات السلطة والنظام السياسي . لا بد لهذه التوازنات أن تتناول ضمانات تتعلق بدور ووظيفة سلاح “حزب الله” ومرجعيته وسقفه . هذا الثمن غير ممكن واقعياً مع شعوره بفائض القوة وغير ممكن نظرياً من دون أداة لتطبيق أي حل بهذا الشأن . في المقابل يظل الطرف الآخر يضغط باتجاه إحراج هذا السلاح حتى لو أدى ذلك إلى إقحامه في نزاع داخلي جديد يؤدي إلى إحباط وظيفته في الدفاع عن لبنان . “حزب الله” اليوم هو جزء من ثلاث معادلات . هو في المعادلة اللبنانية وفي المعادلة السورية وكذلك الإيرانية، التعامل مع هذه الوظائف الثلاث مسألة تحتاج إلى توافق بين هذه الأطراف وجزء مهم من النظام العربي وموافقة غربية ضامنة لمطالب “إسرائيل” التي باتت تنظر إلى السلاح كتحدٍ خطير على أمنها، وعلى مشروعها السياسي للحل على المسار الفلسطيني .
من الصعب فعلاً أن يتعايش السلاح مع ضغوط المحكمة الدولية وقرارات مجلس الأمن التي ستلي . قد يكون المشهد المحتمل هو أزمة سياسية وأزمة حكم وشلل للمؤسسات لأمد طويل، لكن مخاطر التوترات الأمنية قائمة ومحدقة . في مكان ما لا يستطيع “حزب الله” أن يقبل بحضور وحركة أطراف ورموز يستثمرون قرار المحكمة أو هم شاركوا بصورة أو أخرى في إنتاج هذا القرار، ولا يخفي الحزب رغبته في الاقتصاص من هذا الفريق عبر فتح ما يسميه ملف شهود الزور الذي ينفتح على مواقع سياسية مهمة داخل السلطة . ربما يحتاج الفرقاء جميعهم إلى اختبار بعض الفصول من المواجهة العنيفة لكي يؤدي ذلك إلى تسريع وتفعيل المبادرات الخارجية . هناك أطراف لبنانيون يعتقدون عن صح أو خطأ أنهم من خلال ذلك يغيّرون بعض مواقعهم في السلطة، فليس خارج البحث السؤال عن دور المجموعات الطائفية وصلاحيات ممثليها . وهناك من يعتقد أن الاهتزاز الأمني ربما ساعد على إيجاد صيغة لا مركزية سياسية أو صيغة كانتونات أو مناطقية . وهناك من يرى أن محاصرة “سلاح حزب الله” دولياً، وربما تكرار الخيار العسكري، هو المدخل لإعادة التوازن للوضع الداخلي . هذه التصورات هي التي تحرك العديد من المواقف خاصة لدى المرجعيات الكبرى .
في واقع الأمر يحتاج لبنان إلى نظام سياسي جديد لحل مشكلات الانقسامات الطائفية، لكن إنتاج هذا النظام لا يتم على البارد، بل على وقع الخضّات الكبرى المرتبطة بموقع كل فريق وعلاقاته الإقليمية والدولية . لا يمكن وقف مسلسل العنف اللبناني لا بواسطة القرارات الدولية ولا المداخلات الخارجية طالما هناك تشابك بين أزمة لبنان وقضايا المنطقة وخاصة فلسطين .
يعد عدّة أسابيع من الرهان على العلاقات السورية  السعودية وعلى مخرج يؤخر قرار المحكمة ويعالج علاقات الأطراف بخلق عوائق داخلية أمام قرار المحكمة، بدأت عناصر التفاؤل تتراجع وتستسلم لحالة الترقب والحذر وإعادة الحسابات . ويظهر واضحاً أن السعودية لا ترغب في خسارة مواقع إضافية بعد العراق في لبنان، وأنها مع حرصها على الاستقرار لأسباب لبنانية وعربية ليست في وارد الضغط على حلفائها في لبنان في ما تعتبره كسباً لإيران . ولا يبدو الموقف الأمريكي متعاوناً مع سوريا إلى الحد الذي يعطيها التفويض بمعالجة الوضع اللبناني عن طريق الإمساك بطرفي النزاع، بل إن ما يُشاع عن القرار الظني ما يزال يضع سوريا وإيران في دائرة الشبهة معاً وبالتالي في دائرة الضغوط الدولية . على هذا تشهد الساحة اللبنانية فراغاً سياسياً وانعداماً للمبادرات، وهو الأمر الذي يوحي بأن الأزمة تتفاقم واحتمالات صدور القرار الظني وحده الذي يحكم توقيت تصاعد التوتر وانهيار صيغة الحكومة الائتلافية .
ما يزيد الموقف حرجاً أن ما يجري في فلسطين من تعطيل للمسار السياسي سيلقي بثقله على المنطقة وموقف الدول المعنية بالأمر، ولهذا يستعيد لبنان وظيفته كساحة ضغوط متبادلة إذا اقتضى الأمر .
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى