من يهزم العرب؟!
ميشيل كيلو
يطرح هذا السؤال نفسه علينا منذ دخل الاستعمار إلى وطننا العربي، دون أن نقدم إلى اليوم جوابا شافيا أو موقفا موحدا منه. يقول تيار عربي غالب: إن الخارج هو الذي هزمنا في الماضي ويهزمنا اليوم، ويرجع هذا التيار بلايانا كلها إلى الخارج، الذي نحن، حكومات وشعوبا، ضحايا له. ويرد تيار مقابل: بل إن الحكام العرب هم الذين هزمونا وهزموا أنفسهم، بقصور وتخلف وعيهم وفساد نفوسهم وأفعالهم. بينما يعترض تيار ثالث بالقول: الخارج يعمل لهزيمتنا، ويعاونه على تحقيق هدفه عجز وتأخر نخبنا وضعف مجتمعاتنا.
ومع أنني أميل إلى الرأي الأخير، فإن السؤال يبقى مطروحا، ولكن في الصيغة التالية: لو كان العرب أقوياء، ولو تصرفوا بطرق تخدم مصالحهم، تجعلهم أقوياء ومحصنين: هل كان الخارج تجرأ أصلا وغامر بدخول معركة ضدهم، يعلم أنه قد يخسرها؟
ربما كمن هنا الجواب على السؤال الذي يطرحه عنوان هذه المقالة. العرب في حال من الضعف والتشتت والعجز تغري الخارج بالطمع فيهم، وتجعله يستسهل منازلتهم، وقادرا على هزيمتهم. لو كان العرب أقوياء، أو موحدين، أو متكاتفين، أو متقدمين فكريا وواقعيا، وكانت حكوماتهم منسجمة مع شعوبها معبرة عنها، ولو كرسوا بعض مالهم وجهدهم لتنمية بلدانهم وتقوية دولهم ومجتمعاتهم، لتردد خصومهم، بمن في ذلك الحمقى جدا منهم، عن تحديهم، أو حتى الاختلاف معهم. أما الدليل على ذلك، فنأخذه من مثال نعرفه جميعا هو الصين: الدولة التي كانت مستباحة من الخارج، والتي استعمرها وفتح أبوابها بالقوة أمام سلعه وجيوشه، وأجبر شعبها بالحرب والعنف المنظم على تعاطي جميع أنواع المخدرات، وخاض ضدها حربا شاركت فيها معظم الدول المتطورة سميت جهارا نهارا ‘حرب الأفيون’، واعتمد سياسة فرضها وزير خارجية أمريكي مطالع القرن العشرين سميت ‘سياسة الباب المفتوح’، جوهرها منع أي قوة أوروبية من احتكار أسواق الصين بمفردها، وشهدت في نهاية الربع الأول من القرن العشرين حربا أهلية استمرت سبعة وعشرين عاما قتل خلالها نيف وخمسون مليون إنسان، ثم مرت بمصاعب هائلة بعد استقلالها، وتعرضت لحصار خارجي خانق فرضته الدولتان العظميان في المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي، واللذان عاملاها كدولة مريضة يجب أن تبقى تحت الرقابة، وأن لا تخرج من قمقمها، كي لا تتحول إلى خطر قيل إن نابليون بونابرت حذر منه حين قال: ويل للعالم إن خرج المارد الأصفر من قمقمه.
ماذا حدث بعد أن خرج المارد من قمقمه؟ كي لا أطيل، اذكّر بأن رئيس الصين اعتبر البارحة (يوم 6/11/ 2010) أقوى رجل في العالم، وأن بلاده صارت جهة تمسك أكثر من أية جهة أخرى عدا منافستها امريكا بمفاتيح السياسة والاقتصاد الدوليين، وأنها هي التي لعبت الدور الأكبر في التصدي لأزمة الاقتصاد العالمي الأخيرة، وهي التي أفادت منها أكثر من أية دولة أخرى، بعد أن انتقلت إلى المركز الثاني بين دول العالم في حجم صناعاتها وتجارتها، والأول بالنسبة لامتلاك احتياطي نقدي من رؤوس الأموال. في هذا الطور، الجديد من حياة الصين، الذي شهد تبدلا ملموسا في أوضاعها الداخلية، تبدلت أوضاعها الخارجية بدورها، فأخذ الجبابرة يركعون عند أعتابها طلبا للعون والمساندة، وتراجعت امريكا بصورة منظمة وإجبارية أمامها، فصارت تعتبرها شريكا استراتيجيا بينما كانت تصفها إلى ما قبل أعوام قليلة فقط بالخصم الاستراتيجي، كما أقلع العالم بصورة شبه نهائية عن التدخل في شؤونها أو التطاول عليها، وصار ساستها يسرحون ويمرحون في أربع أقطار الأرض، بينما يخطب ودهم عتاة أوروبا المتقدمة، التي تستعين بهم لحل مشكلاتها الداخلية!
ثمة أساس رئيس وحاسم أحدث هذا التغيير في وضع الصين الخارجي هو تبدل وضعها الداخلي. كانت الصين فقيرة ومتخلفة، فتطاول عليها كل من هب ودب. وصارت غنية وحديثة ومتقدمة، متماسكة وقوية، فسارع جبابرة العالم إلى مراضاتها، حتى أن بعضهم تعهد علنا بالكف عن التدخل في أي شأن من شؤونها، بما في ذلك تلك الخاصة بحقوق الإنسان، التي يعلم القاصي والداني أنها تنتهك هناك، ويتعهد الغرب بالدفاع عنها في كل مكان عدا الصين: لعلمه أن ثمن دفاعه عنها هناك سيكون فادحا بالنسبة إليه.
لو كان الخارج مقررا، لما سمح للصين بالتحول من بلد مستضعف لا حول له ولا طول، إلى قوة تكاد تكون قاهرة، تقرر اليوم شؤون من كان بالأمس القريب يقرر شؤونها. ولو كان الخارج مقررا، لما غير علاقاته مع الصين، ولما رضي بالتحول من جهة تؤثر فيها إلى جهة تتأثر بسياساتها ونفوذها.
تعالوا نفيد من تجربة الصين، التي تحدث تحت أعيننا، كي نلقي نظرة على أحوالنا، فماذا نجد؟ إننا نجد، باختصار شديد ان المشكلة فينا ودود الخل منه وفيه، كما يقال. ونجد أن أمورنا وقضايانا الكبيرة والصغيرة صارت جميعها مساخر هزلية إلى حد مخجل، من علاماتها المؤكدة ما يقوله أنصار التيار الأول، ومعظمهم من النخب الحاكمة أو أتباعها، حين ينسبون بلايانا إلى الخارج، ويحصرون أولوياتنا كلها في مواجهته، كي لا يطالبهم أحد بإصلاح أوضاعهم وأوضاعنا، وممارسة سياسات تمكننا من احتلال مكان تحت الشمس يتيح لنا ردع من يفكر بالتدخل في أمورنا، ناهيك عن السعي إلى إنزال الهزائم بنا. والمأساة أنك إن شكوت نقص الغاز في مدينتك على سبيل المثال، صرخ هؤلاء في وجهك: السبب هو الإمبريالية والمؤامرات الخارجية. وإذا احتججت على معاملتك المهينة في دائرة رسمية، لفتوا نظرك إلى أن الإمبريالية لم تترك لنا الوقت لتعلم احترام بعضنا بعضا. وإن وجدت راتبك قليلا لا يسد حاجاتك، بينما يرتع غيرك في النعيم، أتاك الرد: نحن في معركة مع الإمبريالية تتطلب منا تجاوز مسائل سخيفة وثانوية كالحياة الشخصية، فإن لفت نظر محدثك إلى ما يملكه غيرك من قصور ودور وسيارات وطيارات، وسألته إن كان قانون الصراع ضد الخارج هو الذي يجعلك فقيرا ويجعله ثريا، رد عليك بكلام يفهم منه أنك عميل للخارج، وإلا لما أسأت بكلامك إلى الوحدة الوطنية، ضمانتنا للنصر على الإمبريالية!
هل منع الخارج تقدم العرب؟ إذا كان الرد بالإيجاب، يكون السؤال المنطقي: لماذا نجح عندهم وفشل عند غيرهم؟ ثم طوروا، بعد أن منعهم إلى الآن، برامج وخططا لمنعه من الاستمرار في منعهم، وإذا كان هناك برامج وخطط كهذه، فلماذا لا تطبق؟ وإذا كانت ستطبق، ما المدى الزمني الذي تقرر لها كي تفعل فعلها؟ بالمناسبة، ألا يعيدنا هذا الحوار من جديد إلى مشكلة اسمها وضعنا الذاتي وخياراتنا وسلوكنا وأنماط حكمنا وإدارة شؤوننا؟ ألا يطرح علينا سؤالا لطالما واجهته الشعوب والأمم الفقيرة والمظلومة والمتأخرة، يتصل بما عليها فعله لبلوغ أوضاع تحصنها، تردع الخارج وتحول بينه وبين استضعافها واستغلالها: سواء عبر تغييبها عن شؤونها، أو بإخضاعها عن طريق حكامها، كما هو حاصل اليوم في معظم بلداننا العربية!
يستغل الخارج تقصيرنا تجاه أنفسنا، فيتدخل في أمورنا، هذا إذا لم نطالبه نحن بالتدخل فيها. لو كانت أمورنا على ما يرام، وكان زمام مصيرنا بأيدينا، لما اختلف سلوك الخارج تجاهنا عن سلوكه حيال الصين، ولخطب ودنا كما يخطب ودها، ورأى الأمور بأعيننا كما يراها بأعينها، ولتجاهل نقاطا أساسية في سياساته، مكرسة لابتزازنا ولتبرير تدخله في كل كبيرة وصغيرة عندنا، كان سيتخلى عنها قطعا، لأن حاجته إلينا ستكون أكبر بكثير من حاجته إلى مبادئه، ومنفعته من مراعاتنا أكثر حيوية لاقتصاده ومكانته الدولية من الاستهانة بنا.
نحن نهزم أنفسنا بأيدينا، وعندنا نخب حاكمة لا تستخدم عقلها إلا لتكريس واقع يضعف امتنا ويعزز عجزها عن الخروج من مآزق ومشكلات أنتجتها هي نفسها عن سابق عمد وتصميم كي يستغلها الخارج، لعلم الممسكين بهذا الواقع أن احتماءهم بالخارج يجعلنا عاجزين عن ردعهم والتخلص منهم. نحن نهزم أنفسنا، ونمكن العالم من إنزال ما يناسبه من هزائم بنا، ومن زيادة هوة التقدم والقوة التي تفصله عنا، وتمنحه الجرأة على نهبنا وإخضاعنا وإذلالنا. ولو كنا في حال مختلف، لغير مواقفه وسياساته ومصالحه، ولعاملنا بالاحترام الذي نفتقر نحن أنفسنا إليه في التعامل مع ذواتنا وقضايانا.
يهزم العرب أنفسهم اليوم، أكثر مما كانوا يهزمون أنفسهم في أي وقت مضى. وهم اليوم أشد عجزا عن مواجهة مشكلاتهم مما كانوا في أية حقبة سابقة. أليس منطقيا ومفهوما أن يلقي العاجز والضعيف بالمسؤولية عن عجزه وضعفه على غيره، خاصة إن كان مصرا على إنكار عيوبه ومصمما على الدفاع عن الواقع الذي أقامه ومتمسكا بعدم تغيير أي شيء فيه، بما في ذلك أفكاره وممارساته، حتى بعد أن بان خطؤها وانكشفت عوراتها في كل اختبار خضناه، وتحد تعرضنا له؟!
يقول الحديث الشريف: لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. هذا معناه: أن وضعنا الذاتي هو الأصل في كل شيء، وهو الذي يقرر ما نحن قادرون على تحقيقه، والهوامش التي نتيحها نحن للخارج! في ظل غيابنا، يلعب الخارج دورا مقررا، هذا منطقي ومفهوم. ولو كنا حاضرين لمارس الدور الذي نقرره نحن له، دون زيادة أو نقصان، مثلما يفعل في الصين.
كان الله في عون عرب لم يعودوا يعرفون أنفسهم، كي يغيروا ما بها، فيغير غيرهم مواقفه منهم.
‘ كاتب وسياسي من سورية
القدس العربي
أستاذ ميشيل لقد خرج العرب من رحم الإمبراطورية العثمانية – ضعفاااااااااااااااااااااااااااااااء وحكام عملااااااااااااااااااااااااااااااااااااااء – لاأقول هذا حباً بالإمبراطوية ولكن بيان واقع حصل – خرجنا إلى تحت الإنتداب ولازلنا إلى الآن منتدبين مستعمرين – وكل من يقول أننا دول مستقلة فهو جاهل وواهم ولم يقرأ تاريخنا الحديث بتمعن – الخيانة والعمالة لبريطانيا وفرنسا ثم بعد الحرب العالمية الثانية إنقلبت الأمور لصالح أمريكا – نحن لازلنا مستعمرين وأمريكا هي التي تعين لنا حكامنا – والحاكم الذي يأتي بغفلة عن أمريكا ولا يرتبط بفلكها ويسير برغبتها فإنه لايدوم طويلاً وإليك أمثلة – محمد نجيب في مصر والملك طلال في الأردن وغازي في العراق وأحمد بن بللا بالجزائر وأمين الحافظ ونور الدين الأتاسي في سوريا – تتخلص منه بإنقلاب أو سقوط طائرة أو حادث سيارة أو أو — ولايستمر في الحكم طويلاً إلا كل من ربط نفسه بعجلة الهيمنة – الأمريكية غالباً ولو أنها تمنح بعض حلفائها بريطانيا وفرنسا بعض النفوذ في دول معينة مثلما رأينا كبف تنازلت أمريكا لفرنسا عن موريتانا و (كرشت ) ولد الطايع – نحن خرجنا من إستعمار إلى إستعمار من نوع جديد ولاااااااااااااااااااااااازلنا مستعمرين – ولايغرنّك أسماء دول وممالك ورؤساء وملوك – والله لايملك واحد منهم أمر نفسه في غرفة نومه – وأنا أنعي على المثقفين العرب الذين غفلوا عن هذه الأمور فتراهم يكتبون ويحللون ويهللون – – إذا كانت وحدة مصر وسوريا عام 1958 هي تدبير أمريكي لهدفين ضرب الحزب الشيوعي في سوريا وتقويض الديمقراطية الوليدة في سوريا وعندما تحقق الهدفان فصلت الوحدة بأسهل من شربة الماء – ويا خسارة كم فرحنا وغنينا ورقصنا لهذه الوحدة ونحن طلاب في المرحلة الإعدادية – ومع ذلك لايزال الكثيييييييييييييييييييير من الكتاب العرب يكتبون عنها ويترحمون عليها وعلى (( أمجادها )) حيث وضعت إسرائيل بين فكي كماشة – – كان المفروض بعد مصيبة حزيران 1967 أن حزب البعث يندحر وعبدالناصر ينتحر والملك حسين يندثر – ولكن بقي كل منهم دليلاً على أننا أمة ذليلة مهانة محتقرة – نحن يا أستاذ ميشيل يااااااااااااااااا أمة ضحكت من جهلها الأمم