صفحات سورية

سوريا تقابل العزلة الإيرانية بالأبواب المفتوحة

null
محاولتان أميركية وفرنسية لسحب ذريعة السلاح
هيام القصيفي
يترقب المسؤولون اللبنانيون بحذر الموقف الايراني من مجمل التطورات التي تشهدها المنطقة، بدءا من الاتفاق العراقي – الاميركي، مرورا بالوضع في غزة، وصولا الى الساحة اللبنانية، والاهم المتغيرات السورية على خط اسرائيل واوروبا على السواء.
ويطرح هولاء جملة تساؤلات عن حقيقة الموقف الايراني من التداعيات التي خلفتها حوادث 8 أيار الفائت، في بيروت والجبل، وانعكاس تطبيق المرحلة الاولى من اتفاق الدوحة، من دون الانتقال سريعا الى بند التشكيلة الحكومية.
وفي اعتقاد مصادر وزارية مواكبة عن قرب لمجرى التطورات الاخيرة، ان ثمة تساؤلا كبيرا حول وجود فصل حقيقي بين الموقفين السوري والايراني من الوضع اللبناني، ولا سيما بعدما كبرت دائرة الاحاديث عن تمايز سوري في شأن عدد من الملفات ومنها العلاقة مع ” حزب الله”.
فمنذ اغتيال المسؤول العسكري في الحزب عماد مغنية، ازدادت وتيرة الحديث عن وجود ذبذبات مطردة على خط العلاقة بين دمشق وطهران. ولكن لم يكن لدى اي من المسؤولين اللبنانيين، او حتى من يتصلون بهم من اوروبيين واميركيين، اي اوهام حول امكان فك هذه العلاقة، وسحب سوريا من بين ذراعي ايران. ولكن منذ حوادث بيروت، عادت التساؤلات تطرح بجدية حول هذه العلاقة، ولا سيما مع انكفاء اطراف على صلة مباشرة بسوريا عن الاضطلاع بأي دور محوري في هذه الحوادث، اضافة الى تسريب معلومات عن دور سوري في ايصال بعض المعلومات حول دخول سلاح الى لبنان، لا يمر عبر الاراضي السورية. وتقول مصادر في الاكثرية ان هذا الحديث تزامن مع بروز مشكلة مطار بيروت التي كانت في جوهر الانفجار الامني في أيار.
لم يكن لسوريا بطبيعة الحال دور مركزي في اتفاق الدوحة، على عكس الدور الايراني، فبدا الملف اللبناني ينتقل من كفة الى اخرى، ولكن على عادة دمشق، فقد حاولت قيادتها الافادة من الظروف المستجدة لاعادة تثبيت موقعها في لبنان. الا ان طهران وقفت بالمرصاد وطلبت من الرئيس بشار الاسد عدم استعجال الزيارة التي كانت سوريا لمحت الى قرب حصولها منتصف هذا الشهر.
في هذا الوقت، برزت الى الواجهة فجأة عودة المفاوضات السورية – الاسرائيلية عبر تركيا. ويقول مصدر وزاري رفيع ان المعلومات الديبلوماسية التي صارت في حوزة لبنان، تؤكد جدية هذه المحادثات ووصولها الى اتفاق شبه نهائي، ان لم يكن نهائيا، حول الحدود والترتيبات الامنية وتقاسم المياه. في حين أرجىء التطبيع الى السنوات اللاحقة مع ربطه بتحقيق كل البنود في نص المبادرة العربية التي أعلنت في القمة العربية في بيروت عام 2002، واعيد تبنّيها في كل المؤتمرات اللاحقة.
وبحسب المصدر نفسه، فان تركيا لم تكن لتدخل في مهمة كهذه، ان لم يكن الملف جديا الى اقصى حد، لكن اعلان هذا الاتفاق في صيغته النهائية لن يكون قريبا. اذ ان سوريا لا يمكن ان تهديه الى الادارة الاميركية الراحلة بعد اشهر قليلة، وكذلك فان رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت لا يمكن في ظل الفوضى السياسية العارمة في تل ابيب، ان يدفع به في شكل نهائي الى الواجهة.
من هنا تشير المصادر الوزارية الى ان ثمة ما يقلق في الموقف الايراني، فيما يضيق أفق تحرك طهران في شأن الملف النووي، ويرتفع التهويل الاميركي بفرض عقوبات ضدها بموافقة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن، تنفتح الابواب دفعة واحدة في وجه سوريا، اسرائيليا واوروبيا. من هنا تبدو الاسئلة المنطقية، حول امكان وقوف ايران الى الحياد، فيما تندفع سوريا في سياسة الابواب المفتوحة.
ورغم ان لبنان لا ينظر بعين الرضى الى الانفتاح الفرنسي على دمشق، تماما كما ان كثيراً من المسؤولين الفرنسيين عبروا عن عدم رضاهم علنا كالوزير برنار كوشنير، وغيره ممن زاروا لبنان اخيرا برفقة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، فان ثم اعتقادا ان فرنسا ستسير في هذا الخط الى الحد الاقصى، وان على لبنان الافادة منه، اذا قدمت سوريا فعليا ما يرضيه على خط المحكمة الدولية وتحقيق سيادته. ومرد التوجه الفرنسي، الى اسباب اوروبية بحتة، اهمها التعثر الجديد في مسيرة الاتحاد الاوروبي وخصوصا بعد الاستفتاء الايرلندي الرافض لمعاهدة ليشبونه، ووجهات النظر المختلفة بين باريس وبرلين حول عدد من القضايا الاوروبية والدولية. وهذا ما يدفع ساركوزي الى تحيّن الفرصة لابراز دور فرنسا في السياسة الخارجية من خلال محورين، الفرنكوفونية وقمة “الاتحاد من اجل المتوسط”. وعبر الباب الاخير ولجت سوريا الى اوروبا، رغم كل المحاذير السابقة، والتحذيرات الاميركية التي عبر عنها اخيرا الرئيس الاميركي جورج بوش من قصر الاليزيه تحديدا. ولكن كما قال كوشنير لاحد محدثيه خلال غداء قصر بعبدا” انتم تعلمون كما نحن اسباب الدعوة الفرنسية للرئيس السوري بشار الاسد، لزيارة باريس في 14 تموز المقبل”، فان لبنان ينظر الى الزيارة السورية لباريس، من باب ما ستحققه للبنان، وخصوصا أن فرنسا أكدت طرح موضوعي مزارع شبعا والمحكمة الدولية على بساط البحث مع الاسد. مع العلم ان حضور لبنان القمة، الذي لم يتقرر بعد من سيمثله فيها، رئيس الجمهورية ميشال سليمان او رئيس الحكومة فؤاد السنيورة يعزز طرح مطالبه من اجل تثبيت دوره كبلد ذي سيادة.
لكن هذه المسيرة التصاعدية من المفاوضات، لا تزال محكومة بمدى القدرة الايرانية على تعطيل اي حل نهائي في لبنان. فاوساط الاكثرية والحكومية منها، لا تراهن كثيرا على ما يمكن ان تنجزه فرنسا، ولا حتى على قدرة الاسد على فك تحالفه العسكري والامني مع طهران، لانه تترتب على ذلك تداعيات كثيرة، اهمها سلاح حزب الله في لبنان.
وفي رأي المصادر الوزارية ان عقدة التأخير في تشكيل الحكومة تكمن عند هذه النقطة. فـ”حزب الله” حصل على الثلث الضامن في الحكومة، التي يخترع كل يوم سببا لتأجيلها، ولا يفهم هذا التأخير تاليا، الا من زاوية ان الثلث الضامن سيكون مقدمة تلقائيا للانتقال الى البند التالي من اتفاق الدوحة، أي البحث في قضية السلاح. وهذا الامر هو الذي يهمّ الاميركيين أكثر من أي موضوع آخر، لذا تصاعدت وتيرة الحديث عن مزارع شبعا حاليا، وحتى التلميح الاميركي، في الضغط على اسرائيل لاعادتها الى الشرعية اللبنانية، وليس وضعها في عهدة الامم المتحدة. وكذلك جاءت حركة الامين العام للامم المتحدة بان كي – مون، مجددا، بالتوافق مع الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن، لتفتح ملف المزارع لسحب كل الذرائع من امام الحفاظ على سلاح ” حزب الله”.
لكن كل ذلك في واد والقرار الايراني في واد آخر. ثمة مثل ينسب الى الايرانيين عن طول صبرهم، هو”الذبح بالقطنة”. والايرانيون لا يبدون مستعجلين لكشف كل اوراقهم، في لبنان، تماما كما في الملف النووي.
المصدر :النهار اللبنانية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى