صفحات سورية

الى متى يبقى أكراد سورية في انتظار »غودو« المرجعية؟

null

شيرزاد عادل اليزيدي

عاد الحديث مجددا في الاوساط الشعبية والسياسية الكردية في سورية عن ضرورة بناء مرجعية سياسية عليا لاكراد سورية على خلفية الاداء القاصر والمرتبك للحركة الكردية التي فرض التيار المغازل للسلطة فيها رؤيته المتهافتة عليها ككل من خلال قرارها الغاء الاحتفال بعيد النوروز الكردي (وان عاد حزب يكيتي تحديدا ليقر بخطا ذلك القرار المستهجن) وكانه محض احتفالية اجتماعية معزولة عن اية مضامين قومية سياسية اثر الجريمة التي ارتكبت عشية النوروز عندما بادرت قوى الامن السورية الى اطلاق الرصاص على جمهرة من المواطنين الاكراد المحتفلين بقدوم هذا العيد الذي يمتد تاريخه لاكثر من الفين وخمسمئة عام وليس سرا ان هذا التعامل السلطوي الهستيري مع مجموعة من الناس لم يقوموا الا باضاءة الشموع والرقص فرحا وابتهاجا يستهدف اول ما يستهدف قمع اي مظاهر حراك سلمي وحيوي في الشارع بما قد يكرس في نظرها ثقافة التظاهر والتجمع والتعبير عن الرأي ليس في المناطق الكردية فقط بل في عموم سورية لكن ما حدث في اليوم التالي على الجريمة عندما شارك في القامشلي اكثر من مئة الف مشيع في جنازة الضحايا الاكراد الثلاثة اظهر ان الشعب الكردي قد كسر فعلا حاجز الخوف وانه مصر على المضي في حراكه المدني الديمقراطي عبر التظاهر والاحتجاج للمطالبة بحقوقه القومية والوطنية المنتهكة في اطار سورية ديمقراطية تعددية فالاكراد والحال هذه يتصدرون وبجدارة العمل الجماهيري المناوئ لديمومة الاستبداد والتسلط والتمييز القومي في سورية اذ على مدى الاعوام القليلة الماضية وخصوصا منذ الانتفاضة الشعبية الواسعة في كردستان سورية في مارس 2004 التي وضعت حدا لسيادة اسلوب البيانات الموسمية والمناشدات الاستجدائية للسلطة التي تمارسها بمواظبة بليدة بعض الاحزاب الهرمة في الحركة الكردية فمع تلك الانتفاضة دشن الشعب الكردي حراكا ديمقراطيا شعبيا فاعلا على الارض باتجاه الدفع نحو التحول الديمقراطي واقرار حل سلمي حضاري للقضية الكردية في سورية وعليه يمكن استيعاب خلفيات ودوافع هذا التعامل الامني الدموي مع المحتفلين الاكراد في القامشلي عشية عيد النوروز في 20 / 3 / 2008 اذ ان احزابا كردية فاعلة وكبيرة وفي مقدمها حزب يكيتي قد نجحت الى حد كبير في تكريس ثقافة التظاهر والاعتصام والنزول الى الشارع جهارا نهارا لطرح الحقوق والمطالبات الكردية في الديمقراطية والعدالة والمساواة وحل القضية الكردية حلا سلميا يلبي طموحات الشعب الكردي العادلة .

وازاء هذا التصعيد السلطوي الخطير ضد الشعب الكردي خاصة والشعب السوري عامة والمترافق مع امعان دمشق في تحدي العالم العربي والمجتمع الدولي على حد سواء لجهة تصعيد سياساتها التدخلية التوتيرية بالتنسيق الكامل مع طهران في لبنان ( انقلاب حزب الله ) والعراق (ارتفاع منسوب العنف مجددا) وفلسطين (تصاعد وتيرة اطلاق حماس لصواريخ قسام الصدئة) بغية فرض اجندة المحور الايراني – السوري على المنطقة حتى ان دمشق قلب العروبة النابض كما يحلو للبعثيين القول غدت والحال هذه مجرد منصة لانطلاق النفوذ الايراني الفارسي وزحفه التوسعي في المنطقة العربية لاسيما عبر البوابة اللبنانية كما ظهر جليا في العملية الانقلابية الاخيرة لحسن نصر الله بهدف فرض ايران كقوة اقليمية عظمى وباسنان نووية ولعل مقاطعة زعماء الدول العربية الكبرى لقمة دمشق الاخيرة مثلت خير دليل على عمق المأزق الذي يتخبط فيه النظام السوري وبالنظر الى كل هذه العوامل والمعطيات فان المرجعية الكردية السورية باتت ضرورة قومية ووطنية عاجلة لاسيما وان سورية مقبلة على تطورات وتحولات جذرية عاصفة فعدم وجود مرجعية سياسية مستندة الى ستراتيجية كردية شاملة وواضحة المعالم للتعاطي مع مختلف التحديات والاستحقاقات الداهمة نقول ان عدم توفر وتبلور هذه المرجعية بما هي خارطة طريق تهتدي بها الحركة الكردية وتركن اليها في هذه المرحلة المصيرية سيقود الى تشتيت وبعثرة جهودها وتهميش دورها وتقليل فاعليتها وتاثيرها في مجريات الاحداث بما يحيلها الى رقم هامشي في المعادلات الداخلية والاقليمية والدولية وعليه فان من الضرورة بمكان بلورة رؤية ستراتيجية لطرح القضية الكردية في سورية على قاعدة كونها قضية شعب وارض وعبر التمسك بحق الاكراد في تقرير مصيرهم بما يخولهم احقاق حقوقهم القومية والوطنية المشروعة في اطار فيدرالي او لا مركزي ان شئت ضمن سورية ديموقراطية تعددية وهذه الرؤية هي وحدها الجديرة بلم شمل الحركة التحررية الكردية وتوحيد صفوفها وقواها فالاندراج في اطار هذه الرؤية التاسيسية لاية مرجعية او مؤتمر او هيئة عليا ناظمة وجامعة للحركة الكردية يستوجب الايمان والاقتناع بها والعمل وفق ضوابطها ومحدداتها وهنا فان بعض الاحزاب ذات الباع الطويل في تقزيم القضية الكردية وتمييعها وبث روح الخوف والتردد وسط الشعب الكردي في سورية تلعب دورا سلبيا وخطيرا جدا في عرقلة انجاز هذه المرجعية المامولة الامر الذي يحول دون اخراج القضية الكردية من دهاليز السلطة المخابراتية ومكائدها المكشوفة الهادفة الى ابقاء هذه القضية اسيرة صراعات اطراف الحركة الكردية فيما بينها وانشقاقاتها عن بعضها البعض ونقاشاتها البيزنطية العقيمة بغية عرقلة تبلور خيارات الشعب الكردي في برامج وطروحات واهداف واضحة ملموسة ومنسجمة مع حق هذا الشعب في تقرير مصيره بوصفه شريكا للشعب العربي في سورية وعليه ليس مقبولا الانتظار الى ما لا نهاية فالوقت داهم وعلى الاطراف الفاعلة في الحركة الكردية المؤمنة بحق شعبها الكردي في تقرير مصيره كلجنة التنسيق وحزب الاتحاد الديموقراطي وكل القوى الكردية المؤمنة بهذا التوجه عليها المبادرة الى بلورة تحالف جبهوي عريض ومفتوح يستمد شرعية تمثيله من القوة الشعبية التي تتمتع بها هذه الاطراف ومن صوغ ستراتيجية وطنية واضحة لحل القضية الكردية وفق المبادئ الوطنية والقومية العليا التي هي محل اجماع شعبي كردي وكي لا يتحول العجز عن تاسيس المرجعية العتيدة الى شماعة تعلق عليها الحركة الكردية اخفاقاتها وتقاعسها عن حزم امرها وبلورة مواقفها وخياراتها الوطنية المصيرية بما يثبت وجودها وينتزع حقوق شعبها عبر فرضها على الاجندة اذ ليس كافيا كون الاكراد اصحاب حق وقضية عادلة بل المهم هو كيفية تقديمهم لانفسهم وطرحهم لقضيتهم بثقة وحنكة وشفافية في سورية وفي الاقليم وفي العالم الحر في اميركا واوروبا خصوصا .

قصارى القول ثمة اتجاهان في الحركة الكردية في سورية يؤمن احدهما بحق الشعب الكردي في تقرير مصيره على ارضه التاريخية اما الاتجاه الاخر فهو لا يقر بهذا الحق ويحصر حل القضية الكردية في مجرد الحصول على حق المواطنة الكاملة مع مطالبته في احسن الاحوال ببعض الحقوق الثقافية اللغوية البسيطة للاكراد في سورية فمن الصعب جدا والحال هذه الجمع بين هاتين الرؤيتين المتباعدتين والتوفيق بينهما وان كان مطلوبا العمل على بلورة قواسم وطنية مشتركة تجمع كلا التيارين الا ان ذلك لا يعني قطعا البقاء ابد الدهر في بذل محاولات فاشلة للتوافق والتفاهم مع من لا يثق في شعبه ولا يؤمن بعدالة قضيته فعلى القوى المؤمنة بحق تقرير المصير للشعب الكردي والحال هذه المضي في تطوير خطابها وممارستها النضاليين باتجاه تصعيد النشاط التحرري الكردي في سورية عبر تكريس ثقافة التظاهر السلمي الحضاري بما يقدم الاكراد امام العالم اجمع كشعب نابض بالحياة يسعى حثيثا الى احقاق حقوقه المنتهكة من خلال انتهاج اساليب عمل ديموقراطية وعصرية قوامها المظاهرات السلمية اللاعنفية والاحتجاجات المدنية الراقية اما تلك الاحزاب الكردية التقليدية اياها التي تطوعت لتعفي قمة السلطة في دمشق وتبرئها من مسؤولية الجريمة المرتكبة بحق المواطنين الاكراد عشية عيد النوروز المنصرم ( حتى ان الاب الروحي لتيار التناغم مع السلطة والرقص المبتذل على ايقاعاتها في الحركة الكردية كان فاضحا في تواطئه مع السلطة حين نفى صراحة عبر “الجزيرة” صفة المجزرة عن الجريمة المقترفة في القامشلي قبيل عيد النوروز ) فهي ماضية في تمسكها بخطابها الخشبي المنقرض وبتنظيراتها السقيمة الفارغة الهادفة الى زعزعة ثقة الناس بعدالة قضيتهم وباحقيتهم في العيش بحرية وكرامة ومساواة.

* كاتب كردي

جريدة السياسة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى