أشعريّةُ الشيخ البوطي ومأزقُ الإصلاح الديني
محمد الحاج صالح
توفّر آرارءُ الشيخِ البوطي في الآونةِ الأخيرة فرصةً ثمينةً لنقْدِ أشعرية وصلتْ إلى مأزقٍ لا فكاكَ منه. نخصّ آراءَ الشيخ في مسلسل “ما ملكت أيمانكم” والمدارس الخاصة، وقضية المُنقّبات.
نظرياً على عكسِ الشيعةِ في أهراماتها الثيُوقراطية، للسنّة مراحً من الاجتهاد ومن ملائمةِ الشرع مع ما يستجدّ. لكن على أرض الواقع يلمسُ المرءُ فاعليةً واختراقاً ونجاحاً نسبياً لدى الشيعة، ليس أدلّ عليه من استخدامِ إيران للمذهبِ الشيعي في بناءِ عمارة قومية، وفي فاعليتِها الدوليّة والإقليمية، وفي بعض الحلول المتحركة للوضع الاجتماعي في الداخل الأيراني،إضافةً إلى نجاحٍ معقول نسبياً لتشكيلٍ سياسي ديني طائفي في ظروفٍ مُعقّدة، نعني حزب الله. أيٌ تكن انتقاداتُ المرءِ لإيران ولحزب الله، لا يمكن له إلا أنْ يرى تلك الفاعليةَ. بينما نلحظُ التعثّرَ الديني والسياسي للدول ذات الاعتقاد السنيّ وللأحزاب والتيارات السنيّة. تكفي مقارنة دولٍ عربية تعلنُ استمدادَها للشرعيّة من الاعتقاد السنّي بإيران، وكذلك القاعدةُ بحزبِ الله. وعلى الرغم من أنّ كلاهما “الشيعة السياسية والمَذهبيّة والسنًة السياسيّة والمَذهبية” غير حداثيين ويشكُوان من سوءِ التلاؤمِ مع العصرِ، فإن هناك فرقاً.
لا يمكن لمذهب امتدّ به العمرُ لأكثر من ألف عام أنْ يبقى صالحاً، هي ذي طبيعة الأشياء في الدنيا. وحدُهُ مَنْ يتعصّبُ للمذهب وللأفكارِ النابِذةِ لكل ما هو دُنيوي وبشري، مَنْ يؤمنُ أنّ صلاحيةَ “المذهب” الأشعري قائمةٌ لا تزال. ولا يمكن للانتصار الأوّل للأشعريّة على المعتزلة، ومن ثمّ الانتصار السياسي العسكريّ إضافة للمذهبي على الشيعة وعلى سواها من المذاهب على يد المُرابطين والموحدين في المغرب، ثمّ صلاح الدين في المشرق، لا يمكنُ أن يستمرّ. الأمثلة ظاهرةٌ للعيان في طالبان، وفي جماعة الإخوان، وفي الجهاديين، وفي الجبهة الاسلامية الجزائرية، وفي السودان، وفي باكستان، وفي بعض دول الخليج. حيثما جرى التطبيقُ والممارسةُ كان الفشلُ حليفاً.
تستخدمُ الأشعريةُ مُزدوجتي النّقل والعقل في خطابها. لكنّ العقلَ عندها ما هو إلا أداةٌ في تعضيد وتدعيم النّقل. أي أن كلّ الأدوات العقلية تُسخّر لإثبات صحة القرآن والسنّة. العقل خادمٌ للمذهب. والعقل أداةٌ لمحاججة الخصومِ في أنّ كل ماجاءَ هو صحيحٌ لا اعتوارَ فيه. الحقيقة الصافيةُ هي أن النقلَ عمود الخطاب الأشعري، وما العقل إلا زينةٌ ووشيٌ فرضتْها علومُ الكلامِ ومحاججةُ الدهريين والمعتزلة والمذاهب الأخرى. تؤمن الأشعريةُ أنّ كلَّ شيء من الله. الخير والشر منه وبشكل مباشرٍ. والانسانُ له إرادةٌ ويختار لكنّه تحت إرادة الله وخيارِه. كل شيء مقدّرٌ ومكتوب. أيْ، ورغم أنها حاولت أن تتميز عن الجَبريّة، فإنها جبرية مُرواغة. الانسانُ فيها شيءٌ تسيره مشيئةُ الله في كل شيء. بهذا سدتْ الأشعرية كل المنافذ على الاجتهاد والتطوير والإصلاح. ولسان الحال أنْ ليس أبدعَ مما كان. وما الحديث عن الاجتهاد إلا مُطابَقةٌ لأنْ “يبصم” المجتهدُ الكتب القديمة في الشرع والحديث، وأنْ يستنبطَ أو يستدلّ أو يقيس على ما كان. المجتهد هنا بَصّيمٌ. إنه وعاءٌ أُلقيت فيه كتبٌ تتجاوزُ أعمارُ بعضها الألفَ سنة. وإذا أردتَ أنتَ أيها المسلم أن تُعمل عقلَكَ، فما عليك إلا ان تسخّره في إثبات المَثبُوت واكتشافِ الصحيح مرةً ومرّتين وألفاً.
لا تُحرَج الأشعرية في شيء متى ما وُضِعَ قطارُ تفكيرها على السكة. المشكلةُ هي في وضع القطار أول انْطلاقتِه، ومتى انطلق لا يشعر الأشعريّ بأي نقصٍ، ولا بأي حاجة لتطوير أو إصلاح في أي شيء. لنا أنْ نتذكّر أن الإمام أبي حنيفة النعمان وبعد أن اعتبرَ نفسَهُ، وكذلك اعتبرهُ الناسُ، بأنّه قد أجابَ على المسائل الشرعيّة ولم يبقَ مايمكنُ التفكير فيه، شرعَ في طرح مسائلَ شرعيّة غير موجود، أيْ افتراضية، وراحَ يحلُّها ويُفتي فيها.
كان يمكنُ للقطار السنّي أن يَتَعقلنَ ويجري إصلاحَهُ باكراً لو أن التفكير المُعتزلي والأسئلة المُعتزلية حازتْ على الأكثرية، ولو أنّ المأمون المثقفُ نجحَ في ترسيخِ مذهب المُعتزلة. فالسنّةُ أقاموا عمارةَ خطابهم على أنقاض مذهب المُعتزلة سيء الحظّ. ولكانَ من شأن استخدامَ العقل أنْ يقودَ التفكير الإسلامي إلى محطات وموانئ، هي بالتأكيد أكثر أماناً من أنْ يتنطّع فقيهٌ كبير في آخر الزمان، في القرن الواحد والعشرين، ليقولَ أنّ مسلسلاً تلفزيونياً هو السبب في انحباسِ المطر.
قال المعتزلةُ بالعقل. ورأوا أن الله عادلٌ عدلاً مُطلقاً. وهو منزّه ومتعالٍ وواحدٌ. ولا صفاتٍ له إلا بالسلب، إي أنّه ليس نوراً، ولا طولَ ولا عرضَ ولا أعضاءَ له، وهو ليس مادة ولا “طاقة!”. باختصار ليس كمثله شيء. عند المُعتزلة يبدو اللهُ أقربَ إلى الإله الفلسفي أو العلمي، إنْ صحّ التعبير. بينما يبدو اللهُ عند الأشعرية مثلُ حاكمٍ أو رجلِ أمنٍ كبير، وله صفات”أسماء حسنى”. بعض الصفات تنزل الله من عليائه ليتساوى مع جبار عتيد مثل “المُنتقِمُ، الجبارُ، الضارُّ، المُبْغِضُ، السَّخِطُ، خيرُ الماكرين، ذو الانتقام…” كان يمكنُ تجنّب مثل هذه الصفاتِ غير اللائقةِ بالنظرِ إلى القرآن، باعتباره مصدراً لهذه الصفات، على أنّه نصّ لمخاطبة الناس بلغة بشريّة وبمفاهيم بشرية. إضافةً إلى ميزة التخلّص من شُبهة الشرك بالقول باثنين قديمين: اللهَ والقرآن. في عدل الله المطلق تكمنُ إمكانية الحرية. حرية البشر في أن يقولوا وأن يفعلوا، أيْ أساسٌ لحرياتٍ واسعة كالتي نراها الآن في الدول المتقدّمة. أن يكون عادلاً عدلاً مُطلقاً يعني أن لايكون الخير والشر منه بشكل مباشر كما لو كان تاجرَ جملةٍ يبيعُ بالمفرّق. وأنْ لايكون كتب أو قرّر على كلّ إنسيّ ما سيقومُ به، ثم يأتي فيحاسبُهُ. إنها ملهاةٌ مأساوية أن يكون قد كتبَ عليّ أنني سأذنب، وهو عملياً الذي دفعني كي أذنب، ثم يشرعُ في محاسبتي. إنّه العبثُ.
القصدُ أنّ استخدامَ العقل الذي دعا إليه المعتزلة كان طريق مَنجاةٍ أحبطَهُ الأشعريون السنّة. وها نحن نحصدُ الثمار. لم يردع الأشعريةَ وجودَ ابن رشد، ولا المعري، ولا ابن سينا، ولا الفارابي. ظل الناس مُسرنَمين مُساقين إلى تعطيل العقل ألف سنة. ألأمرُ تجاوزَ الدينَ والشرع وأصبح مع مرورِ الزمن طريقةَ تفكير.
كيف لنا أنْ نعقلَ أن لاشيء تغير في التفكير الأشعري رغم ابن رشد، ورغم الثورية الصناعية العالمية الكبرى، وتقدّم العلوم، والاكتشافات الكبرى. ورغم ثورة علم النفس، واللسانيات، وعلوم الاجتماع، والسياسة، وعلوم الطب. ورغم ثورة الألكترونيات، ووسائل الاتصال، والانترنيت، والسينما، والتلفزيون. ورغم علوم الذرة، والقنبلة النووية، والهيدروجينية، وعلوم الصواريخ، والوصول إلى القمر. ورغم تطوّر علوم الجيولوجيا، والفيزياء، والرياضيات. ورغم الحروب جميعاً من الصلبيين والتتار والمغول، إلى الحربين العالميتين وحرب إيران والعراق، واحتلال العراق وافغانستان. ورغم التغيّر العاصف في تنظيم المجتمعات وظهور دول الازدهار والرخاء في أوربا، مقابل دول البؤس وضياع الحقوق والعنف الإسلامية. أَبعدَ كلّ هذا ولا يزال العالمُ المجتهدُ هو مَنْ يقيسُ على حادثة جرتْ قبل ألف عام وأكثر ليستنبطَ حكماً، بدلاً مِنْ أنْ يُحكّم هذه العلوم الحديثة! أبعد كل هذا مازال التقليد والنقل منهجاً وطريقة تفكير! أمرٌ يبعث على اليأس.
لخيْرِ المُسلم المؤمن أن يرى في القرآن نصاً إلهياً للزمان أي زمان البعثة، وللمكان أي جزيرة العرب وما جاورها. وإذا ما رغب في أنْ يرى دينَهُ ديناً عالمياً عليه أنْ يستوعبَ مافي العالمَ، وما خلقَ العالمُ عبر مسيرتِهِ الطويلة. هذا العالم لن يترك طريقة تفكيره التي أوصلتْهُ إلى هذا التقدم الكبير، من أجل أن يسير خلف شيخٍ، أو شيوخٍ، أو طريقة تفكير، أو مذهب يرى أنّ اللهَ واقفٌ للبشر على “الدعسة” متى أخطأ الواحدُ صفعَهُ، أو انتقم في وِلْده، أو في صحّتِهِ، أو ماله أو في شروط حياته.
ما ذنبُ أكثر من نصف مليون من البشر في الجزيرة السورية كي يجوعوا ويضطرّوا إلى الرحيل إلى جوار المدن الكبرى في أسوأ ظروف عيش نظراً لانحباس المطر لسنين عدّة؟ وهم الذين بحسب البُوطي عُقبوا بسبب مسلسلٍ لا دخلَ لهم فيه، ولم يسمعوابه. والأنكى أنْ يبردَ أطفالهم حتى التجمد ويمرضوا ويموتوا جوعاً على حساب غضبة ربّ البوطي. إن “ربّ” البوطي هذا لهو فعلاً سَخِطٌ ضارٌّ وذو انتقام. سخطُهُ وضرّهُ أصاب الضعفاءَ، ولم يصب المخرجَ ولا المُمثلين ولا المُمولين. أَنَتّهمُ “ربّ” البوطي بأنه “مُخاوز” وأحول؟ أم نَتّهم البوطي ومن يفكر تفكيره بأنهم متخلفون نقليّون بينهم وبين العقل بونٌ واسعٌ، وأن ضررَهُم لا يُقاس بمقياس؟
يربطُ الشيخُ البوطي عقابَ الله وجزاءَهُ العاجلين والمباشرين بأحداثٍ عادية صغرى قياساً إلى ما يحدثُ على سطح كوكبنا، فما بالكَ بالقياس إلى هذا الكونِ الواسعِ اللامتناهي. إته يُورد أسباباً، هي من التهافت، كمن يقول أنّ سببَ الحرب العالمية الثانية طنينُ ذبابةٍ مرتْ في نافذةٍ في الرايخستاغ. يقول البوطي “هناك أسبابٌ لهذه البليّة (انحباس المطر) إذا ارتفعتْ ستنهمرُ الأمطارُ بدون صلاة الاستسقاء… وإذا بقيتْ ستجدون أنّ الحالة (انحباس المطر) ستستمرُ وتتطوّر”. والأسباب التي يوردها الشيخُ هي مسلسلَ “ما ملكتْ أيمانكم”، ونقلَ 1200 منقّبة من التعليم في سورية إلى البلديات، وفرضَ ترتيبات أقلّ تديّناً على المدارس الخاصّة ذات الميولِ الأصُولية. بذلك يكون البوطي قد حرمَ اللهََ من عدلِهِ المُطلق، وصوره مُتربّصاً بالناس يضربُ خبط عشواء، ويأخذُ البريءَ بالمُذنب كما لو كان “حجاجاً” أو “علي دوبا” كبير.
الشيخ البوطي أمينٌ لأشعريته الناقلة المُجافية للعقل، إلا إذا كان العقل في خدمة تصوره هو وأمثاله للدين ولله. وكان الشيخ نفسه قد وجّهَ نداءً قبل أشهرٍ يناشدُ فيه وبحرقة “إنني لستُ متنبئاً بغيب، ولست من المتكهّنين بأحداث المستقبل. ولكنّي أحمل إليكم النذيرَ الذي رأتْهُ عيني، إنها غضبةٌ إلهية عارمة، تسدّ بسوادها الأفقَ، هابطة من السماء وليست من تصرفات الخلائق… إنها زمجرةٌ رباّنية عاتية…”. يا لطيف! لاحظوا معي تراكم الصفات والتشبيهات لله كما لو كان طاغيةً. والسبب كان أيضا ذاك الوقت وحسب قول البُوطي “مسلسلُ السخرية بالله وبدين الله، الفيّاض بالهزء من المتدينين (بيت القصيد) من عباد الله… إنه مسلسل ما ملكت أيمانكم…”. وعلى الرغم من نداء البوطي الأوّل، ومن تحذيراته الأخيرة، ومن طلبه في أن يتوبَ المخرجُ والممثلون، كي ينزل المطر وتُثمرَ صلاة الاستسقاء، فإنّ المطر والثلج نزلا من غير توبة. وفي الحَرَج لم يجد البُوطي، وبعد أنْ سقطت الأمطار، سوى أن يقول إن الله “عاملنا بما هو أهلٌ له… وليس بما نحن أهلٌ له”. غريبٌ أن يبقى بشرٌ في مثل هذا العمه رغم الأمثلة الساطعة. فلْينظر أولاء الذين يرون الله سِخِطاً مُنتقماً جبّاراً ضاراً يحبسُ المطر نكايةً بنا، لينظروا إلى البلاد الاسكندنافية. غاباتٌ ومطرٌ وثلجٌ وأراضٍ خصبة ومجتمع منظمٌ. فهل الناس هنا أتقى من الناس عندنا؟
أُشدّدُ هنا للشيخ البوطي أن الناسَ الفقراء في سورية يخشون الله خشيةً لا تقارن بالاسكندنافيين، و أنّ فقراءَ سورية يصلّون عددَ مرات وركعاتٍ تستغرقُ زمناً فلكياً مقارنةً بالاسكندنافيين. أكثر من نصف الاسكندنافيين لا يزورون الكنيسة مطلقاً. من يومين وفي البرلمان النرويجي قال رئيسُ الوزراء النرويجي، في معرض الكلام عن توسيع أجنحةَ الولادة وإنشاء أجنحةً جديدة في المناطق البعيدة، قال إنّ المسيحَ وُلد في أورشليم “القدس”. أخطأ هذا الخطأ الفادح بينما كانت الدنيا تهمي ثلجاً. لم ينقطع الثلج، ولم ينذره رئيس الحزب المسيحي المًُحاوِر بغضب الربّ وزمجرته، لأنه لا يُصلي، ولأنه اشتراكيٌّ لا يزور الكنيسة، وفوق كل هذا يخطئ في موضع ميلاد المسيح.
وكي يكتملَ الحولُ الديني لدى شيخِنا يستعطفُ الناس، وهو محق في الجزئية الأولى، بأنّ المنقباتِ الألف يبكين في الليل ويدعين على مَنْ كان السببَ في نقلهن. أكرّر نقلهنّ إلى وظيفة أخرى. ولم يخطر بباله عشراتُ الألوف من السوريين الذين سُجنوا سجوناً دهريةً، ولا خطرَ له أمهاتِهم اللائي بكين دماً، ولا أمهات المفقودين ولا العاطلين عن العمل ولا المحرومين من العمل المُجوّعين لسبب سياسي ولا المحرومين من الجنسية والسفر. كل أولاء لم يخطروا على بال الشيخ المُقرب من آل الأسد. وهو أيضا الذي تغرورقُ عيناه بالدموع كلما ذكر الأسد الأب. وهو الذي أيضاً وأيضاً لا ينسى أبداً التسبيح بحمد الأسدين الأبّ والابن كلما حانتْ فرصةٌ.
الدينُ الإسلاميّ بحاجة لإصلاح واسعٍ كالذي قامَ به “مارتن لوثر” في المسيحية. والأساس موجودٌ، إنه البناءُ على فكر المعتزلة وتطويره. هناك إشارات تُوحي بأن كثيرين يحسّون بالعَطَب وبأن ثمة شيئاً يجب أنْ يُصلح في هذه العمارةِ الإسلامية الباذخة. منذ أكثر من سنة اعترفَ العاهلُ السعودي اعترافاً نادراً من أننا نحن المسلمين أضحينا في ذيل الأمم، بلْ حتى الشيخ البُوطي ذاته وباللاوعي هجس بالعُطْبةِ التي باتتْ تَنِسّ لا بالثياب فقط، وإنما عميقاً في الدماغ حيثُ يقول “… وعندئذ ستكون نتيجة هذه الصلاة أنْ نسمع الاستهزاء والاستخفاف بنا”. الرجلُ يعرف أن الأمور وصلت حداً لا يعدمُ فيه منْ ساخرين من عدم رؤيته أنّ الله ليس طاغيةً يستخدمُ المناخَ في تعذيب الفقراءِ والجوعى.
سُفِكَ حبرٌ كثيرٌ من نخبٍ عربية وإسلامية تنادي بإصلاح الدين الإسلامي. وربما كان الوقتُ قد حان لأن تتحوّل الدعوةُ لإصلاح الدين إلى حركة ثقافية سياسية واسعة.
وقبل هذا وذاك على من يؤمنون بإلهٍ متعال منزّه عادلٍ عدلاً مطلقاً أن يُعيدوا للعقل مكانته في الدين، وان يكسروا حالة النقل والتقليد الغبيّة، وانْ يقفوا في وجهِ الدرْوَشَة والاستسلام لقدرٍ قاسٍ أعمى، ما هو في الحقيقة إلا أغلالاً سياسيةً واجتماعية ودينية، لن يخسروا بتحطيمها سوى نيْلَ حريتهم، وسوى إعادةَ الاعتبار لله ورفعه من متربّصٍ يتطلّبُ ويُجزي مثل تاجرٍ، إلى إلهِ العدل المُطلق المنزّه عن كلّ صفةٍ والواحد الأحد الذي لا قديمَ معه.
محمد الحاج صالح