لماذا فصلُ الديِن عن الدولة…؟
وهيب أيوب
” إن مُعتقدي المعنوي يتضمّن جميع الشرائع التي تربط الناس بعضهم ببعض”
المهاتما غاندي
في العام 1633 حمل العالم الإيطالي جاليليو أوراقه، وكل ما يثبت نظريته التي تبنّاها عن العالم البولندي كوبرنيكوس، حول كروية الأرض ودورانها حول نفسها وحول الشمس، وأن الأرض ليست مركز النظام الكوني كما يدّعي الكتاب المُقدّس، بل هي الشمس، (وكان كوبرنيكوس قد مات عام 1543 قبل نشر كتابه خوفاً من غضب الكنيسة وعقابها)، وتوجه إلى روما…
ورغم تحذير أصدقاء جاليليو له بعدم الذهاب إلى روما للمثول أمام البابا والكهنة، إلاّ أنّه كان واثقا تماماً من صحّة نظريته وبراهينه، وبأنّه قادِر على إقناع البابا والكنيسة بصحة ما ذهب إليه وإثباته.
مُتجاهِلاً المصير الذي آل إليه العالم الفيزيائي والفيلسوف الإيطالي جوردانو برونو، بحرقهِ حيّاً عام 1600 بتهمة الهرطقة، كما تمّ حرق كتابه في نظريته عن الكون.
رغم كل ما قدّمه جاليليو من إثباتات وبراهين، في نقاشه مع رجال الكنيسة في روما، حول نظريته، فقد تمّ رفضها تماماً، لأنها تعارضت مع ما جاء في الكتاب المقدّس، وكاد جاليليو أن يلحق بصاحبه برونو لولا تراجعه في آخر لحظة ونكرانه لما قاله، وقبل أن يُصبح طعماً للنار كما ملايين الناس الذين أُزهِقت أرواحهم إما بتهم التجديف والهرطقة وإما بسبب التعصّب الطائفي والمذهبي.
ومن سخريات القدر أن تقوم الكنيسة الكاثوليكيّة بالاعتذار من جاليليو والاعتراف بخطئها عام 1983 أي بعد ثلاثة قرونٍ ونصف، ولكن في الوقت الذي ذهبت السلطة من يدها، فأُسقِط فيها.
هذا وقد نال فلاسفة العربِ وعلمائها ومتصوّفيها مصيراً مشابِهاً فيما مضى، بين حرقٍ وقتلٍ وصلبٍ وتعذيبٍ وتهجير، فلم يبقَ إلاّ الفقهاء ورجال المساجِد تناصِرها الغوغاء.
نصلُ إلى نتيجة مفادها، أنّه لا يُمكن لرجل الدين أن يكون سياسيّاً أو زعيم دولة، لأن رجل الدين سيحتكِم إلى كتابه المقدّس، سواء كان مسيحيّاً أو يهوديّاً أو إسلامياً، فالنتيجة واحِدة، نصوصٌ مُطلقة وغير قابلة للجدل أو الأخذ والرد أو الحذف أو التعديل. وهنا يصبح التعصّب المحتوم، الذي ينفي كل ما خالفه ووضعه بدرجة العدو أو الكافر أو العميل، الواجب تصفيته بأمر الدين. فهم يدّعون بأنّهم يحكمون بكتاب الله…!
إذاً كيف ستناقش مع رجل الدين، دستور الدولة أو التشريعات والقوانين، إذا كان كل شيء لديه جاهز منذ مئات السنين في نصوصٍ مُطلقة لا يقبل تغيير كلمة أو حرف فيها، فإما أن تقبلها أو تُهاجِر أو تُسجن أو تعيش كحيوانٍ في زريبة أو تموت.
ليس عبثاً، أن توصّل الأوربيون إلى فصل الدين عن الدولة، لكنّها تجربة ألف عام مريرة ومُدمّرة من حكم رجال الدين والكنيسة، قضت على أكثر من ثلث سكان أوروبا.
ورجل الدين يضع المخالفين له في مقامين اثنين لا ثالث لهما، إما أن تكون معه، أو مع الجحيم.
ولو نظرنا إلى بعض النماذج التي تأخذ بالدين كمنهجٍ في الحكم أو الصراع على السلطة، فماذا نجِد..؟
الحكم في إيران، وضع المعارضين له، وهم من ذات اللون الطائفي، موضع أعداء الثورة، وأنّهم تابعون لجهاتٍ خارجيّة، وهذا يجعلهم في مكانة الأعداء، هكذا بكل بساطة يصبح أكثر من نصف المجتمع الإيراني عُملاء للخارِج وغُرباء عن وطنهم، لمجرّد معارضتهم السلطة أو ولاية الفقيه.
في السودان، أراد البشير ومن قبله الترابي والنميري، تطبيق الشريعة الإسلاميّة على من هم غير مسلمين ولا عرب أيضاً، وعلى قبائل وثنية، وقاتلوهم ككفّار وأعداء.
في لبنان، ناصب حزب الله المناوئين له العداء المُبين واتّهمهم بالعمالة للخارج، هكذا أيضاً بمنتهى البساطة يصبح أكثر من نصف الشعب اللبناني عملاء خارجيين، وغرباء يجوز دحرهم وربما القضاء عليهم.
في الأراضي المحتلّة الفلسطينيّة، عاملت حماس خصومها كأعداء، وليس مجرّد مُختلفين معها في الرأي والرؤيا، وقاتلتهم وعاقبتهم بأشدّ وأبشع مما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي، وبات الصلح مع إسرائيل أقرب من الصلح مع ” فتح “، فكيف لهؤلاء أن يحكموا شعباً..؟!
وهذا ما جرى على أيدي الطالبان في أفغانستان، وما يجري في الصومال، وما كاد يكون في الجزائر، وهذا مآل كلّ الحركات الإسلامية، وهو ذات التفكير والمنهج لجميع الأصوليات الدينية أيّاً يكن دينها ومعتقدها.
جميع هؤلاء يعتبرون أنه يجب أن يحكموا البشر وفقا لما بين أيديهم من كتبٍ مقدّسة، وأن يخضعوهم للإرادة الإلهية بحسب ما يرتأون، لأنهم يعتبرون أنفسهم وسطاء الله على الأرض ومنفّذي شريعته.
لهذا، فما من دولة حديثة قادرة على العيش موحّدة، إلاّ بفصل الدين عن الدولة، ومساواة الجميع تحت سقف المواطنة.
الجولان المحتل / مجدل شمس
خاص – صفحات سورية –