صفحات الحوار

وديع سعادة: الناشر العربي تاجر والشعر تجارة فاشلة

null
حوار: هشام بن الشاوي
لا يحتاج شاعر مثل وديع سعادة (مواليد شبطين شماليّ لبنان 1948) صاحب التجربة الشعرية الاستثنائية الذي ارتبط اسمه بقصيدة النثر، أن نقدّمه إلى القرّاء. في هذا الحوار القصير والعميق نسأل صاحب «ليس للمساء أخوة» عن تجربة المنفى الاختياري (هاجر إلى أوستراليا أواخر العام 1988) وقصيدة النثر وأشياء أخرى.
منذ صدور «تركيب آخر لحياة وديع سعادة» عام 2006، لم يصدر لك أي عمل آخر. لماذا؟
–      أنا الآن في فترة صمت وتأمُّل. أعتقد أن على الكاتب أن يخصِّص وقتاً للصمت والتأمُّل أكثر من الوقت الذي يخصِّصه للكتابة.
ما الذي دفعك إلى نشر ديوانك الأخير الكترونياً، ومن قبل، وزَّعت ديوانك  الأول «ليس للمساء أخوة» بخط اليد؟ أهو احتفاء شخصي مبكر بالنشر الرقمي؟ كيف تبدو لك علاقة الناشر العربي عموماً بالشعر؟ وكيف ترى مستقبل الكتاب الورقي في ظل منافسة الكتاب الالكتروني؟
–      الناشر العربي تاجر وهذا حقُّه، والشعر تجارة فاشلة. ثم إن النشر الالكتروني يصل إلى أكبر عدد من القراء ومجاناً. هذان السببان دفعاني إلى نشر كتابي الأخير الكترونياً، وقبل ذلك إلى طباعة عدد من كتبي على نفقتي الخاصة وتوزيعها على الأصدقاء فقط. أما بالنسبة إلى مستقبل الكتاب الورقي، في ظلِّ منافسة الكتاب الالكتروني، فالواضح أن عدد قراء الأدب على انخفاض يوماً بعد يوم بالنسبة إلى الكتابَين معاً.
ماذا يعني أن تكون شاعراً في زمن الخراب؟ هل ما زلت تعتقد بأن «البشرية  لن ينقصها أي شيء إذا توقَّف كاتب عن الكتابة»؟
–      الخراب يعمُّ العالم، والشعر بالتأكيد لن يُنقذه من هذا الخراب. لا جدوى في أن يعتقد الكاتب أنه يكتب كي يُنقذ البشرية، فهو لا يستطيع أن يُنقذ حتى نفسه.
هل تعتبر أوستراليا – هذا المنفى الاختياري- وطناً بديلاً؟ وهل تؤيّد تقسيم الشعر إلى أدب مهجر أو منفى أو اغتراب أو حتى أدب إقامة؟ أم أنك ضدّ هذه التصنيفات السياسية – الجغرافية التعسُّفية؟
–      أعتقد أن الشاعر يبقى في منفى، سواء كان في الوطن أو في المهجر. أما التصنيفات بين أدب مهجر وأدب إقامة وغير ذلك فهي شغل نقَّاد وليست شغل أدباء.
ما تقييمك للاحتفاء بتجربتك الشعرية في «ملتقى قصيدة النثر العربية» مؤخراً بالقاهرة؟ وهل ترى بأن القاهرة ما زالت  مركز إشعاع  ثقافي عربي، أو قادرة على استعادة مكانتها الريادية؟
–      أعتبر الاحتفاء بتجربتي الشعرية احتفاء بالشعر الحديث عموماً أكثر مما هو احتفاء بتجربة شعرية فردية، وأنا أشكر القيِّمين على «ملتقى قصيدة النثر العربية» في القاهرة على الاحتفاء بهذا الشعر عَبْري وعَبْر الشعراء الآخرين. وأحب أن أشير إلى أن في مصر ريادة ثقافية كما في بلدان عربية أخرى وتجارب شعرية نيّرة، لكن ما آلمني تلك المعارك الصغيرة بين الشعراء المصريين.
كيف ترى واقع الشعر العربي؟ ولماذا ما زالت قصيدة النثر تُعامَل كلقيط أو بتعبير أكثر تهذيباً كابن غير شرعي للشعرية العربية؟
–       الشعر العربي مثل أي شعر في أي بلد آخر، فيه مستويات مختلفة. أما الجدل العربي حول قصيدة النثر فهو جدل عقيم ولا يدلّ إلا على تخلُّف.
ما تعليقك على استغلال بعض الشعراء المسيطرين على  الصحف والمجلّات، تلك المنابر لتكريس تجاربهم، في حين يتم تهميش أسماء مهمّة، فقط لأنها بعيدة عن الأضواء ولا تجيد سرقتها؟
–      على هؤلاء أن يعرفوا أن لا أحد يستطيع إلغاء أحد أو تكريس أحد حتى نفسه بهذا الأسلوب. الشاعر السيء يبقى شاعراً سيئاً ولو كان في قلب الأضواء والشاعر الجيّد يفرض نفسه ولو كان منعزلاً في آخر الأرض.
شعراء كثيرون اتَّجهوا إلى الرواية، ألم تحاول كتابتها؟ وهل نحن في زمن الرواية  حقاً، كما يقال؟
–      لم أحاول كتابة رواية، وأعتقد أني لا أُجيدها. أما السؤال عمّا إذا كان هذا العصر هو عصر الرواية، فأعتقد أن الناس في كل العصور كانوا يحبّون الحكايا أكثر مما يحبّون الشعر.
أيّهما الأكثر شعرية لدى وديع سعادة: كتابة قصيدة أم تفقُّد خضرة الحديقة  الخلفية، وأنت  الذي لم يغادر – ربّما – قريته الوديعة؟ هل يمكن اعتبار هذا النزوع الأخضر (الاهتمام بالزراعة والنباتات) نكوصاً؟ وأعتذر سلفاً إن حرَّكتُ بحيرة الشجن في أعماقك، وأنت الشاعر الشفيف الناظر «صوب حياته مثل حريق شبَّ فجأة في نزهة».
–      أعتقد أن تفقُّد خضرة الحديقة الخلفية هو فعلٌ شعري فيما كتابة الشعر هي مجرَّد كتابة. الاهتمام بالزراعة والنباتات ليس نكوصاً. قد تكون الكتابة نكوصاً، أما الاهتمام بالزراعة والنباتات فهو فعل حياة.
ثمة احتفاء كبير في شعرك بالتفاصيل اليومية، وبشاعرية مدهشة… في حين تختفي المرأة والغزل في نصوصك. لماذا؟
–      الغزل في الشعر العربي استُهلك حتى الإسفاف، وبات الحب يتَّخذ منحى واحداً: حب المرأة فقط، أو فلنقل الحب الجنسي. في شعري حبٌّ كثيرٌ، ولكن للإنسانية كلّها.
ما تعليقك على التصريحات الأخيرة لأدونيس، لا سيما في ما يتعلّق بتقييم  تجارب درويش والبيّاتي والسيّاب؟
–       أدونيس حرّ في مواقفه، لكني كقارئ خرجتُ بانطباع من تصريحاته هذه، وكأنه يريد أن يقول: «لا أحد غيري».

«الغاوون»، العدد 35، 1 كانون الثاني 2011

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى