بسام كوسا: الدور سيدي المطلق وانا خادمه
مع الانتاج العربي المشترك لكن ‘التجميع الرومانتيكي’ لجنسيات عربية في عمل واحد افتعال
فاطمة عطفة
فنان تشكيلي وخريج كلية الفنون الجميلة اختصاصه النحت، مخرج مسرحي وممثل قدير ومبدع، حاز العديد من الجوائز، وهو من أهم الفنانين السوريين. إنه الفنان الكبير بسام كوسا جوهرة الدراما السورية، متميز بثقافته وحضوره وجرأته ورأيه، عمل على صقل موهبته وتطويرها فكان مبدعا متميزا ومتجنبا الوقوع في فخ النجومية، ينتقد أعماله ويتفحصها بشكل جيد قبل أن ينتقد أعمال غيره، قدرته عالية على الدخول في أعماق طبيعة الشخصية ومحاكاتها وإتقانها، وهو محب لكل أعماله لأنها تمثل تجربة غنية وحياة مهنية حافلة.
بسام كوسا قامة كبيرة في التمثيل، فهذا الفنان شارك تقريباً في أهم الأفلام السورية التي أنتجت خلال السنوات العشرين الأخيرة، بمعنى أنه لو وضعنا في تاريخ السينما أربعة أو خمسة أفلام فسوف نجد أن بسام كوسا شارك في معظمها، بالإضافة لأدواره المتميزة في التلفاز، فإن بسام من الممثلين القلائل الذين لا يخاف أداء أي دور ولم يتقولب في دور معين ولم يتردد أن يؤدي دور الشرير، أو المعاق، أو السارق، وهذا كله دليل على عمق داخلي كبير وذكاء يفتقده الكثيرون.
* لماذا غبت عن السينما خلال السنوات التسع الماضية؟
* ‘هذا موضوع إشكالي وقد جرى الحديث حوله كثيراً، أولاً آلية العمل المؤسساتية في سورية كونها الطرف الوحيد في إنتاجية السينما وكانت الشروط لا تحقق المطلوب بشكل عام، بالإضافة لذلك الإدارة ربما لم يكن لديها قدرة كي تنجز الاستحقاقات المتوجبة عليها، أنا لم أبتعد عن السينما، بل السينما أبعدتني عنها، يعني كمؤسسة نحن أبعدنا كي نهرب للتلفاز، لا تتصوري أن أي ممثل في العالم يكون طموحه هو التلفاز، ولكن عندما لا تكون هناك حلول فسيبحث الفنان عن بديل آخر. التلفزيون يستقطب معظم الطاقات الموجودة نتيجة انحسار الحالة السينمائية، إن كان في سورية أو في الوطن العربي. في الحقيقة هناك أزمة تعيشها الثقافة في الوطن العربي ومن ضمنها السينما’.
* حدثنا عن وضعية الإنتاج السينمائي في سورية. هناك اليوم في مصر دعوة للقطاع العام والدولة ووزارة الثقافة تحديداً للمساهمة في الإنتاج، يعني ربما تكون الصورة مثالية في سورية أن الدولة هي التي تحتضن السينما وتوفر لها التمويل مئة بالمئة، فلماذا الشكوى إذاً ما دمتم في حضن الدولة مدللين؟ سؤال آخر، ظاهرة غزو أو دخول الممثل السوري للدراما المصرية، صحيح أن الممثل في أي مكان من العالم يعمل بنفس الأدوات والمهارات، ولكن لا بد أن هناك خصوصية بالنسبة للممثل السوري، وهل دخوله الساحة الفنية في مصر سيفيد الدراما المصرية أم أنه سيقضي على الممثل السوري؟
* ‘بالنسبة للشق الأول من السؤال، أولاً أنا لست من أنصار إلغاء القطاع العام في السينما. من المهم أن يكون القطاع العام الذي هو للدولة وتحتضننا في كل شيء بما في ذلك السينما، ولكن أن لا تكون هي الحضن الوحيد لأنه لا يتسع، فهناك طاقات كبيرة جداً وقدرات المؤسسة ضئيلة. عندما يدخل القطاع الخاص للإنتاج السينمائي ممكن أن يحقق المزيد من المساحات باتجاه إيجاد سينما أفضل كماً ونوعاً. أولاً، هو عبارة عن توثيق وليس بكائية، فان أقوم بمسلسل جيد أفضل من أن أقوم بفيلم رديء وسخيف، أنا أصف الحالة، لو أني من دون عمل نقول عنه بكائية ولكن أنا أصف المشكلة. بالنسبة للشق الثاني، استخدمت مصطلحين هما ذهاب وغزو وكأنك تتحدثين عن التتار، هو ليس كذلك. من حق كل ممثل أن يذهب للمكان الذي يشاء وممنوع على أحد أن يقول لشخص آخر اذهب لهنا ولا تذهب لهناك، هذا شأن شخصي، إضافة لذلك الهدف الأساسي من قيام أحد بذلك هو إلغاء الحميمية. مشاركة أسماء ممثلين سوريين في أعمال عربية، منها المصرية، برأيي هو مشاركة صحية وطبيعية ولا تشكو من شيء، بل هي من الممكن أن تقدم إضافات للدراما المصرية، مثلما يحدث عندما يأتينا ممثلون من أقطار أخرى ويمثلون بالدراما السورية، فهذا تبادل ثقافي وتبادل لوجهات النظر واحتكاك وليس هناك ما يمنع أن نستفيد من تجارب الآخرين ونرى عيوبنا كي نعمل على معالجتها وتطوير أنفسنا. الدراما المصرية عريقة ولها حضورها التاريخي، والدراما السورية لها طريقة تفكيرها وطبعاً هناك اختلافات بالنوعية من الممكن أن نتناولها في ما بعد، أما بالنسبة لمشاركة الممثل السوري في الأعمال المصرية فهو شيء عادي’.
* لكن لماذا لم تشارك أنت بهذه الأعمال، على الرغم من أنهم عرضوا عليك أكثر من عمل مصري، سواء في السينما أو في التلفزيون؟
* ‘الموضوع بسيط جداً، إن المسألة لا تدخل ضمن اهتماماتي المهنية، إضافة لذلك أعتقد أني أستطيع أن أعبر عن مجتمعي السوري أكثر مما أستطيع أن أعبر عن المجتمع المصري، فأنا أعرف المجتمع المصري بطريقة جزئية، ولن أدعي بمنطق الأمة العربية وأننا جميعاً مثل بعض، فلكل منا خصوصيته. أعتقد أنني لا أفهم بالضبط ولا أستطيع أن أكون معبرا حقيقيا عن الواقع المصري بشكل حقيقي كما يعبر عنه الفنان المصري، وهم لديهم كم من الفنانين الرائعين الذين يقدرون أن يعبروا بمصداقية وبفهم أكثر مني أنا شخصياً. وإن كان هناك بين زملائي من ذهبوا لمصر وأجادوا العمل. ثانياً، أنا أقوم بعمل في التلفزيون السوري، وإن كنت سأذهب إلى مصر لأعمل عملا موازيا له فليس هناك مبرر، الأفضل أن أقوم بهذا العمل في بلدي نفسه إن كان سيكون بذات المستوى ولن تكون هناك مساحة شاسعة وفضاء رحب، فأفضل أن أعمل في مجتمعي. نحن لدينا مشاكل وعيوب في حياتنا، وأنا واحد من الحريصين على أن أكون أحد المعبرين عن إرهاصات وآمال وآلام مجتمعي، وربما أفهمه أكثر من فهمي للمجتمعات الأخرى وبالتالي أنا أؤثر العمل هنا في بلدي’.
* لماذا لا تكون هناك مشاريع لإنتاجات مشتركة؟
* ‘برأيي الإنتاجات المشتركة هي أهم من المنطق العاطفي المفتعل الذي قد نرتكبه بحماقة. إننا لم نقدر أن نتحد فعلياً كأمة عربية ووحدة وشيء من هذا القبيل، ولكننا نحن نتحد على الشاشات، نحن سقطنا بهذه الوحدة في الحقيقة ونحاول أن نعوضها بالدراما وبالتلفزيون، لكن الجانب الإيجابي هو جانب فني وإبداعي حيث يمكن أن يكون هناك تلاق بوجهات نظر مختلفة، لأن الآخر دوماً لديه شيء أنا لا أعرفه، مهما كان هذا الآخر حتى لو كان ولدك، دوماً لديه شيء يمتلكه وأنت لا تعرفينه، بالتالي أنت عندما ترين تجارب عميقة وعريقة وكبيرة، إن كانت لممثلين من تونس أو المغرب أو مصر أو العراق ومن دول الخليج … هي دوماً لديها طريقة تفكير قد تضفي شيئا إيجابيا على العمل، وهذا قد يولد حالة فنية عالية. ولكن أن نذهب باتجاهات ومفاهيم رومنتيكية، فهي لم ولن تؤدي لنتائج جيدة برأيي. بالتالي عندما يقومون بمسلسل عربي مشترك فكأن المنتجين العرب هم من صنعوا الوحدة، وأنهم قد حلوا هذه القصة. تبدأ بهذا المسلسل ‘الصدف’ ويبدأ الشيء المفاجئ أن هناك فتاة شكلها روسي مثلاً ووالدها في مكان آخر فنجد أن قصة المسلسل مفتعلة وبطريقة غير نبيلة فنياً، فهي ليست قائمة على بناء عضوي لعلاقة هذه الشخوص مع بعضها، إنما فقط لأن المنتج يريد أن يقول ان هناك ممثلا سوريا ومصريا وسعوديا وممثلا فلسطينيا، أي بمعنى: شوفونا، هذا الافتعال بطريقة العمل يؤدي لنتائج زخرفية ليس لها قيمة نهائياً’.
* هناك من يتحدث عن أزمة قادمة سوف تعصف بمستقبل الدراما السورية، ما رأيك؟
* ‘طبعاً، إن أي فعل في المنطقة العربية مبني على الأزمة وليس فقط الدراما، الدراما والفنون والثقافات هي انعكاسات للأمة، وبالتالي هي تشبه واقع الأمة، فنحن نقوم بفنون تشبهنا بإيجابياتها وسلبياتها، الدراما السورية طبعاً هي تعيش وسط أزمة فنحن نعيش في منطقة حارة جداً منذ خمسة آلاف سنة، فهل نريد الدراما أن تكون مثل أعمال شكسبير؟ هذا لا يمكن، هناك أزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية ومسلكية، المجتمعات تغلي، خصوصاً في هذا الوقت، فهل جميع القطاعات في مجتمعنا العربي تسير وبشكل مستقيم وسوي ومتزن؟ وهل الدراما فقط هي المضطربة؟ بالعكس ستضطرب مثل ما يضطرب الاقتصاد والحالة الصحية والقيمة الدوائية، الأمور مرتبطة ببعضها. لذلك هناك دائماً محاولة تخفيف الأزمة كالبحث عن كتاب أهم وغربلة النص وتوضع الملاحظات حوله ويدور سجال مع المؤلف. هذا ليس على نطاق جميع الأعمال، بل بعضها، نحن نمارس هذا العمل والذي يشبه الورشة، وهو لا يجعل من العمل وكأنه أفضل عمل حتى لا نكون موهومين، بل كي يكون أقل رداءة، يعني كي تكون مساوئه أقل، وهذا منطق الأشياء. هناك مشكلة بالتمويل وبجميع الدراما، وتحديداً عندما يتم التكلم اليوم عن الدراما السورية، التي لها حضور حالياً في الساحة العربية، توجد أزمة تمويل وأزمة عقلية منتجين وما الذي يريده هذا المنتج من هذه المهنة فكل شخص يريد شيئا. أيضاً، هناك فئات من المنتجين الجدد لهم عقلية خطيرة على الإنتاج، أي آخر ما يهمهم أن يكون هناك عمل يعبر عن بلده، مثالياتهم تأتي باللقاءات الصحافية فقط، في هذا الاستعراض الإعلامي، أما وفي الواقع وكل همومه الأساسية تنصب في اتجاهات أخرى، ونحن هنا لا نتهم الجميع، ولكن نسبة كبيرة منهم. لقد دخل أشخاص الآن وبرؤوس أموال ضخمة جداً، ولكن بمنطق بعيد كل البعد عن الأهداف الحقيقة لهذه المهنة. هناك أزمة نص طبعاً، وهناك أزمة أمية، ولا نقصد بالأمي الذي لا يحمل شهادات، بل هناك أشخاص يحملون شهادات وهم أميون. هناك أزمة كاتب، فهناك من يأتي بألفي صفحة بيضاء يشتريها بعشرة دولارات، وبعد أن يعبئها يبيعها بنصف مليون دولار. هؤلاء الأشخاص موجودون طبعاً وهذا موضوع إشكالي. هناك الفنيون والبنية التحتية، هذا كله بحاجة للتغذية. كانت سورية ترسل عددا سنويا إلى الدول الاشتراكية – رحمها الله – فتخرج مجموعة من السينمائيين والمسرحيين ومن اختصاصات مختلفة. الآن نحن بحاجة لهذا الأمر، فقد توقف ولم يبق لدينا هذه الوفود التي تذهب وتقوم بالتحصيل العلمي وتعود كي تنهض بالمهنة. لقد أصبح الفنانون يتوارثون المهنة مثل المنجد الذي يقوم بتنجيد الفرشات واللحف، والنجار يرث المهنة عن معلمه حيث أصبح الأشخاص كالصنايعية يتعلمون من الجيل السابق، وكأن الإخراج التلفزيوني هو عبارة عن أربعة كوادر فقط. القضية قضية تقنية وليس لها علاقة بثقافة هذه المهنة. هذا الموضوع برأيي هو واحد من المؤشرات التي أشرت إليها، هو أننا ندق جرس الإنذار لأن هذه المهنة هي مهنة معرفية تطل على كل الاختصاصات لا تقبل الأمية، ولكن الذي لاحظته للأسف أنها تقبل الأمية ولا أحد يدري إلى أين ستؤدي هنا الخطورة’.
* لماذا استيقظ العالم العربي متأخراً على طرح قضايا جريئة وإنسانية؟ لا نريد أن نقول الخجل فقد ذكرت حضرتك الجهل أحياناً، فالشخصية التي أديتها عكست واقع الكثير من عائلاتنا في الوطن العربي؟
* ‘أنت أشرت الآن إلى أننا في مجتمعاتنا العربية مازلنا متخلفين بطرح هذه المشاكل والمواضيع، على أساس نحن متطورون بصناعة الطيران يعني، نحن حتى الآن لدينا مجموعة أشياء لا يمكن الحديث عنها، فما بالك بالمواضيع التي تحت الحزام والتي يعاني منها كل مجتمع، نحن من الصعب علينا أن نتحدث بها بداية بالثالوث المقدس: الدين والجنس والسياسة، هي من المحرم الحديث عنها في مجتمعاتنا. هناك الكثير من المواضيع التي تبحث ومنها ما ينجح ومنها ما لا ينجح، وهذا من ضمن مشاكل الدراما السورية، فليس لديها خطط إستراتيجية، أي ماذا سنفعل بعد سنتين او ثلاث سنوات وليس بعد عشر سنين؟ وما هي المواضيع الحارة التي سنتناولها؟ إذاً، هي دوماً مبنية على الارتجال مثل أي فعل في حياتنا. الأعمال القائمة على الارتجال تكون قائمة على العدوى، لذلك أعتقد أن العام القادم أو الذي بعده كلهم سيتكلمون عن التوحد، مثل الشاميات، التي انتشرت بالعدوى، وكذلك الفانتازيات التاريخية عدوى، وكذلك المعاصر الذي يتكلم عن العشوائيات، كلها نوع من العدوى وليست إستراتيجية، وهذه مشكلة جديرة أن تحل. أديت الدور على أنه هو من يعطيني الأوامر، أي أنه هو سيدي المطلق وأنا خادمه وليس العكس، بالتالي أنا أحمل كل ما لدي من إمكانيات وأذهب إليه، فالدور يحكي يقول لك أديني بشكل كذا، فهو يحمل القيمة الجمالية والمعرفية والإنسانية والتربوية للشخص الذي يقرأه وكيف يتلقى القارئ للنص شيفرات هذا الدور، بالتالي أي شخصية هي جديرة بأن أتعامل معها كسيد. من هذا المنطلق: أولاً، ألغي حالة الترفع على الشخصية على أقل تقدير، فالشخصية التي سألعبها مهما كان تفكيرها وانتماؤها وأخلاقها أنا يجب أن أتعامل معها برأيي كأنها أنبل شخصية بالدنيا فنياً وأدبياً وبعدها أقدم لها ما أستطيع لأنها من الممكن أن تعطيك مئة أمر ويأتي الممثل وينفذ منها 80 أمرا، ربما لا يستطيع الفنان أداءها جميعاً. فكل واحد منا لديه إمكانيات وطاقة، وممن الممكن أن لا يستطيع، وهنا تتراوح جودة العمل ونجاح الشخصية. بالنسبة لعملي الأخير عن التوحد سهل جداً لأني أنا توحدي، فكلنا لدينا توحد ولكنه لا يظهر بوضوح. وإن كان العمل تاريخيا فيجب أن أعود للمرحلة وأدرسها. نفس الشيء بالنسبة لهذا الدور، فهو لديه مشكلة صحية فأعود لمرجعيتها الطبية والعلمية، لأن كل ما يعنيني مسألتان أثناء العمل على الدور، بقيت تقريباً ثلاثة أو أربعة أشهر أرى مراجع وأطباء ومراكز كي أكبر الفكر الذي لدي حول التوحد فاكتشفت محيطا من المعلومات، بالتالي كان لدي همان أساسيان الأول برأيي أن يكون يشبه مجتمعه، أي يشبه المكان وليس غريباً عنه وهذا شرط مهم بالنسبة لي ونحن نتحدث مهنياً. أنا أعمل جميع الشخصيات لأن حظي جيد فقد درست الفن التشكيلي وتخرجت بكالوريوس فنون جميلة ودرست النحت وهذا فادني، حيث أقوم بعمل (كروكي) على بعض الشخصيات التي تتطلب مني أن أجري لها دراسة على الورق كي أرى أين أضيف وأين أختزل، هذا الهم له علاقة بالشكل الخارجي والذي أعول عليه كثيراً وأتمنى من الممثلين أن لا يلعبوا لعبة من الداخل للخارج ومن الخارج للداخل فهذا يدخل الشخص بمتاهة. الذي أهتم به هو المتلقي فهو الهدف الأعلى، والدائرة الإبداعية التي لا تكتمل إلا بالمتلقي. وبالتالي أريد أن أرى كل ما أريد أن أبنيه خارجياً فهو الذي سيحقق اللمسة الأولى مع المتلقي، فإن لم يكن هناك مصداقية فلا قيمة للدور. لذلك أنا أهتم بالشخصية من الخارج، ثم تأتي أهمية الإحساس والغوص بالشخصية. هناك شخصية أريد أن أؤدي أفعالها، بغض النظر عن إيماني بها، أنا لا أؤمن بالشخصية بل بأفعالها، ولا أؤمن بسلوكها وأخلاقها وبانتمائها السياسي، هذا ليس من حقي، فإن كنت سأؤمن بكل هذه الأشياء فكيف سأؤدي دور شخص من أنصار جابوتنسكي الصهيوني؟ لا أستطيع. هذا أول شيء حاولت أن أعمل عليه، ثاني شيء حاولت أن أكون حريصا عليه هو عدم اهتمامي برأي الجمهور فنياً، فالجمهور من الطيبة والبساطة أنه يحب الذي تفعلينه مهما كان. كان من المأخوذ لدي بعين الاعتبار هو الأطباء الذين يهتمون بهذا الموضوع، أن لا يراني طبيب أو اختصاصي ويقول إن أدائي خاطئ وانصب اهتمامي على أن يكون كل ما أقوم به مبني على علم دقيق ولا يكون فيه أي إشكال علمي في بناء الشخصية’.
* ما هو الدور الذي تحبه أكثر من غيره؟ ما هي الأدوار التي لم تقم بأدائها بعد؟
* ‘لا يوجد دور أحبه فهناك مراحل، أنا من حسن حظي أني أعمل في هذه المهنة التي أحبها وأحترمها، كل دور قمت به قدم لي قيمة معرفية وجمالية وقدم لي شيئا لا أعرفه أو معرفتي به ضئيلة، أي مخرج تعاملت معه قدم لي قيمة معرفية وإنسانية، وأنا مدين لهذه الأدوار مثل ما أنا مدين لجميع عناصر العمل الموجودة، والذين من دونهم أنا لا أحد، أي دور هو قيمة، وهذا ليس مجرد كلام عابر، لأنها حياتي أي كما الجدار نبنيه بأحجار، وحياتي أبنيها دورا بعد دور، فكل دور هو جزء مني وهو غالي وعزيز على قلبي حتى لو فشلت فيه فهو يشكل جزءا من هذا الجدار الذي هو حياتي المهنية’.
* من هو الشاعر أو المفكر العربي الذي ترغب بأداء دوره؟ وسؤال آخر ينقلنا من التاريخ إلى الحاضر: لدينا ظاهرة في الوطن العربي وهي هجرة العقول المفكرة والشباب، لماذا لم تحاولوا أن تتناولوا قضية الجاليات العربية التي هاجرت لأسباب عديدة وأن تلقوا الضوء على هؤلاء النخبة والتي تستفيد أوروبا والغرب منهم ومن خبراتهم؟
* ‘أولاً بالنسبة للسؤال الأول يوجد في تاريخنا أشياء أثقلت ظهورنا لشدة عظمتها، أنا لا أحلم أن أقوم بأي شخصية تاريخية لأجل ذلك، قدمت الكواكبي تقريباً هو شخصية في بداية القرن العشرين وهو شخصية نخبوية وإصلاحية كبيرة وما زالت أفكاره حتى الآن متداولة، أنا أتمنى أن يكون تناول أي شخصية تاريخية لا يكون تناولا تطهيريا، لماذا لا أرغب بالقيام بعمل تاريخي لأن مشكلتنا نحن أننا ننتقي الشخصيات ونقدمهم على أنهم قديسون، إن كانت شخصيات فكرية أو فنية أو سياسية، ونجردهم دوماً من العناصر الحقيقية لإنسانيتهم، دوماً نظهرهم كالملائكة ونقوم بتجميلهم أي نسلب منهم هويتهم، وهذه واحدة من العيوب الهائلة حيث أننا نخطئ بطريقة تناولنا للمادة التاريخية. هذا التعقيم برأيي واحد من الأسباب التي دفعتني كي أبتعد عن أداء هذه الأدوار التاريخية، دوماً نقوم بالتعقيم ولا نكون بحالة مواجهة شديدة، فهناك فرق أن يكون التاريخ محترما مثل أي أمة من الأمم، فكل الأمم لديها تاريخها وهي تحترمه، وأن يكون التاريخ مقدسا. المشكلة عندما تكون هناك أعمال تتناول العمل التاريخي والمراحل التاريخية والحديث عن التاريخ، أصبحت هناك مشكلة لدينا حتى بطريقة تفكيرنا. نحن كأمة، بدأ قسم كبير من الناس يعتقد أنه لا يوجد في الكون أحد لديه تاريخ سوانا، أي نحن التاريخ ونحن الحقيقة! هذا الكلام غير صحيح، فلا يوجد شعب إلا لديه تاريخ عريق يعتز به. فهذا الاستئثار بالماضي، وهذا التغني والحنين وغيره برأيي أفقد التاريخ قيمته الحقيقة كمن يسير للأمام ورأسه للوراء، هذه مشكلة. التعامل مع التاريخ يجب أن يكون جديا جداً ومحترما وراقيا، ولكن بوجهة نظر نقدية وموضوعية، كل الأعمال التي تقدم تكون محاباة للتاريخ ومحاباة لوجهة نظر المجتمع.
أما بالنسبة للشق الثاني من السؤال، عن هجرة العقول والعلماء والمبدعين فما الذي سيفعلونه هنا؟ اتركيهم يهاجرون، هذه مسألة عندما تريدين أن تتحدثي عنها في الدراما فستقومين بعمل بكائي أي الحنين والوطن وتعالوا لرؤية الوطن والخبز المشروح والفول، هذه دعائم البنية الاجتماعية لدينا. هل ستدع هذه الأمور عالم الذرة يعود؟ اذهبي وقولي له، لا يوجد أحد في الدنيا يحب أن يترك المكان الذي ينتمي له عندما يأخذه هذا المكان بعين الاعتبار، فإذا لم يأخذه بعين الاعتبار يبحث عن مكان آخر. للأسف الشديد يستفيد منهم الغرب، وإن عادوا لن نستفيد منهم. هم يقدمون الآن شيئا للبشرية، وهذا أفضل من أن يأتوا إلى بلدهم ليصبحوا مجرد أرقام. لذلك هي أمنية أن يكون البلد الذي ننتمي له لديه الجاهزية كي يقدم ما يلزم لهؤلاء المبدعين والمفكرين والعباقرة والعلماء، فهم ثروة قومية وهم خسارة بالنسبة لنا، أما إن كانوا سيتحولون لمجرد أرقام فكلا دعيهم يبقون هناك’.
* نرجع إلى مسلسل (وراء الشمس) وهو فكرة جديدة مطروحة، أنت لم تكن راضيا عن العمل بالمجمل أو بعض تفاصيل العمل، هل من الممكن أن توضحها لنا مع أن الجمهور أحب الفكرة والمسلسل كان ناجحا؟
* ‘هذا ما كنت أتمناه أن يصدر من الحالة النقدية والأقلام النقدية، لأنه من المفروض أن يكون هناك شيء متنور لدى الأقلام النقدية في الدراما، سينما وتلفزيون. نحن لا نتحدث عن الفن التشكيلي بل دعينا ضمن الفنون الأكثر التصاقاً بالشارع، للأسف الشديد أنا أولاً لا أرى أنه يجب أن نختبئ وراء مقولات عظيمة لعمل فيه إشكالات عديدة، فمقولة عظيمة لا يعني أن العمل عظيم هذا أولاً، أنا أتحدث عن عمل (وراء الشمس) الذي لديه مقولة عظيمة ورسالة. إن الناس من حقها أن ترى العمل من دون رؤية نقدية، ولكن من حق العمل علي أن أراه بطريقة نقدية، أول الأعمال التي أنتقدها وأبحث عن تفاصيلها هي الأعمال التي أقوم بها، لا يكفي إن نجحت في عمل أن أغيب العقل ولا أرى عيوبه وهذا واحد من الأسباب. أنا ما جئت إلى هذه المهنة للسياحة، لا أريد أن يراني أحد في الشارع ويقول انني أظهر في التلفاز، هذا آخر همومي، هناك مشكلة ويجب أن نعترف أننا أمم لديها تخلفها، فإحدى مهمات الفن هو الارتقاء بالمجتمع ومساعدته على تحسين وجهة نظره وطريقة تفكيره. عندما يأتي عمل يطرح مقولة جديدة مثل مشاكل التوحد ومتلازمة داون، هي جديدة ومهمة جداً وتركت أثرا كبيرا لأنها أولاً جديدة، وثانياً لأنها صادمة جداً، خصوصاً وجود شخصية الشاب علاء، الذي يعاني من مشكلة متلازمة داون وقد لعبه بطريقة جيدة جداً. لكن هذا الشيء لا يجعلني أصمت عن عيوب العمل. أولاً: كان هناك اتفاق على الورق قبل أن يبدأ التصوير، وكنت حينها مشرفا على العمل ثم انسحبت ولكني موجود بالعمل. كان لدي مشكلة الإجهاض وعدم الإجهاض، الشخصية التي لعبها الأستاذ باسل خياط والسيدة صبا مبارك وقد أديا الأدوار بمقدرة عالية، ولكن السير بهذا الخط أنا لست معه حيث كنا متفقين على الورق، أنا والمخرج والمؤلف، أننا نحن صناع العمل، لا يجب أن يكون لدينا موقف ويجب أن يكون هناك صراع أفكار بين الشخصيتين والمجتمع هو الذي يأخذ الموقف، عند التنفيذ وعند الإجهاض أظهر المخرج الأشخاص الذين مع فكرة الإجهاض سلبيين ومجانين ومختلين، وكل الذين هم ضد الإجهاض أظهرهم على أنهم أشخاص نورانيون ومتسامحون ومحبون، فهو أخذ موقفا وأنا أخذت موقفا من هذا الموقف. لأننا نحن يجب أن نكون حياديين ولا نعبر عن رأينا ونترك للمجتمع الاختيار: تجهض أم لا. مسألة ثانية أنا كنت مصرا على أن الذين لديهم مشاكل طبية وصحية من هذا النوع يجب أن لا نحملهم أفكارنا وعقائدنا لأنهم خارج هذه المعادلات، فما الذي يعنيه لي إن كان هذا الذي يعاني من التوحد مسلما أو مسيحيا أو بوذيا… هذا خارج المعادلات والصراعات فممنوع أن نحمله نحن أفكارنا، نحن العقلاء للأسف. فأتى المخرج بعد الاتفاق أظهر علاء في كل الوقت في حالة الصلاة واللباس والقراءة فغربه عن الآخرين، وأنا لا أريد أن يجعله غريبا عن الآخرين، وحمله موقفا وحصره في زاوية، بينما يجب أن تكون زاويته الإنسانية مفتوحة جداً. كنت أتمنى أن يتكلم النقاد عن هذا الأمر فهو واضح جداً، إضافة لذلك هناك البعد الجمالي، مجتمعاتنا مجتمعات صوت. لا نريد أن نكون مثلما قال عبد الله القصيمي ‘العرب ظاهرة صوتية’، ليس لهذه الدرجة، لأننا نحن فقط نقول الشعر والخطابة فالقيمة البصرية لدينا ليست على مستوى عال. فليعد النقاد ويروا طريقة عمل الكادر والحلول. حقي المهني أن أختلف، وهو ليس شيئا شخصيا، لكن إن كانت المسألة تفهم على أساس شخصي فهذا يكون حسب آلية التفكير. أنا كان صراعي واختلافي صراع أفكار تحديداً. فدعونا لا نغش بقصة مقولة عظيمة، فهناك شيء أكثر دقة يجب أن نتعامل معه، هذا سبب الخلاف’.
* أريد فقط أن أثني على دورك وأقول أن التقمص والتلون هو من الأدوار الذي يحتاج إلى إمكانيات استثنائية حقيقة، فان تتقمص دور شخص لديه توحد شيء صعب، فكيف استطعت أن تقترب من هذه الشخصية؟
* ‘هذا السؤال قد أجبت عنه، فعلاً كانت هناك مراجع وأفلام ولقاءات مع أشخاص يعانون من هذه المشكلة كباراً وصغاراً. إن موضوع الأوتيزم بشكل عام خطير جداً، ولا يعتقد أحد أنه محصور ومحدد، متلازمة داون فيها الكثير من التقاطعات بين الشخصيات، أما بالنسبة للتوحد يبدأ من التلف الدماغي الكامل وينتهي بالعبقرية، التي يقال إن أديسون وموزارت كان لديهما توحد، فالدماغ يوجه كل قوته باتجاه واحد. التقيت بشخصيات حقيقية، مثلاً: شاب عمره خمسة وعشرون عاما لكن أمه تتعامل معه كأن عمره سنتان تحممه وتنظفه وهو عبقري إن أعطيته ستة أرقام ضرب ستة أرقام يعطيك النتيجة، وهو لديه توحد فهذه المسألة خطيرة. كل الذي حاولت أن أقوم به أن يكون يشبه المكان ويشبه واقعه ومجتمعه وقد كنت مصراً دائماً في الكادر أن يكون مهمشا كما هو في الواقع والحياة، ليس منبوذا، لكنه مهمل كما هو في الحياة. وهكذا كان يجب أن يظهر، لكن المخرج لم يفعل ذلك. فهذا أيضاً كان واحدا من الأهداف التي عملت عليها’.
* ماذا عن قلة الاهتمام بالسينما في سورية؟ البعض يتهم الشعب السوري بأن لديه أمية من ناحية السينما، وأنا من هؤلاء الأشخاص ولم أتردد إلى السينما في حياتي إلا مرات معدودة، والسبب أن والدتي كانت تقول لي لا تذهبي للسينما. والسبب أنها عندما كانت تمر قرب واجهة السينما تجد صورة لامرأة في لباس غير محتشم… وفي نظر العقل الشرقي أن السينما فيها فقط مشاهد العنف والجنس، ألا يجب أن تكون هناك رقابة على السينما من هذا النوع؟
* ‘أنت طرحت عدة مواضيع، إن عدت للتاريخ قليلاً في منتصف الخمسينات كان المجتمع العربي البنية الأساسية له هي الطبقة الوسطى التي حملت لواء الثقافة والعلوم، أي اتكأت على العلم. هذه الطبقة بدأت بالاضمحلال نتيجة لعدة ظروف سياسية واقتصادية ودولية. السينما جزء من هذا الحراك الثقافي الذي يعبر عن هذا المجتمع. في تلك المرحلة، أي في الخمسينات كانت السينما في سورية طقسا عائليا حتى أواخر السبعينات، وكانت السينما بغير الشكل الذي تحدثت عنه الآن. فعندما كنا صغارا، أهالينا كانوا يقطعون التذاكر قبل يوم ويقولون لنا: غداً سنذهب للسينما، ويكون هذا اليوم عيدا، فالطعام يكون أفضل واللباس جديدا، لماذا؟ لأن هناك سينما، وكان هذا يحصل كل أسبوع أو كل أسبوعين. السينما كانت من الأشياء العضوية في المجتمع، وتحديداً في المجتمع السوري. بعد تلك الفترة، أصبحت هناك انهيارات ثقافية في كل أنحاء العالم. أنت تقولين انه لم يعد في سورية سينما. لقد كان هناك مجتمع اسمه المجتمع الاشتراكي، أين هو الآن؟ لقد اختفى، فكيف لا تختفي السينما؟ أصبحت هناك تغييرات جذرية في الكرة الأرضية، وبالتالي تغيرت مناخات المجتمعات وعقليتها وآليتها وطريقة التفكير، أمم تتغير. وأنت تقولين: سينما، طبعاً ستتغير بفضل وجود وسائل الاتصال العظيمة والعولمة الجديدة التي جعلت كل شخص يكون لوحده منفصلا عن الآخرين، وبكبسة زر يذهب لأفضل فيلم وهو في المنزل، يغلق عليه الباب وقربه الشاي وزوجته قربه، فلماذا سيذهب ويقطع التذاكر ويأخذ الأولاد والجو بارد؟ قالوا لك: اجلسي في المنزل ولا تجتمعي مع أحد. لأن هذه الأماكن، من ملاعب كرة قدم ومسارح وسينما، هذه الأماكن تصنع نوعا من الحميمية بالتواصل بين أفراد المجتمع والتي أيضاً للأسف بدأت تختفي. فإذاً البديل وسائل الاتصال والفضائيات الجديدة وضعف إمكانية الدفاع عن السينما، ففي أوروبا يدافعون عن السينما. أيضاً هناك الصراع الكبير بين السينما والفيديو، فهم يقاتلون السينما ويشجعون الفيديو والتلفزيون الطاغي، الذي أسميته ‘الثقب الأسود’ فهو يبتلع كل شيء، زمننا وذاكرتنا وروائيينا وفنانينا التشكيليين وممثلي المسرح والسينما. هذا صراع حضاري ولا يختص به بلدنا فقط. فبشكل عام دول العالم الثالث، الثقافة بالنسبة لها هي في آخر سلم الأولويات، وتأتين لتقولي سينما، ما بالك وبال السينما؟ دعينا نحرر أرضنا أولاً’.
* أستاذ بسام، بالنسبة للمكان.. لماذا بقي المكان مهملاً ومهمشاً بالنسبة للدراما والسينما العربية، خاصة الريف، مع أن كثيرا من العظماء انطلقوا من الريف بعطائه وجماله وبطبيعته؟
* ‘أنا لا أوافقك الرأي أن المكان مهمش في الدراما أو السينما، لأن المكان دوماً هو الوعاء الأساسي لمجرى الأحداث، بالتالي هناك دوماً أولويات: فهل نمنح الأولوية للأشخاص أم للمكان؟ أنا برأيي للأشخاص. الدراما بشكل عام تعنى بالأولوية الأساسية، وهي الأشخاص، إلا إن كنا بصدد السير الذاتية لبعض الشخصيات، وهنا يكون تسجيل لسيرة حياة أشخاص خرجوا للحياة بأشياء مهمة. برأيي لا يمكن أن يكون هناك عمل درامي من دون أن يكون المكان هو الوعاء الحاوي لكل الأحداث التي تجري، إن كان بالبيئة الشامية أو الحلبية أو الأعمال التي تكون تحوي مزيجا بين بيئة المدينة والريف مثل هجرة القلوب إلى القلوب. كذلك عندما تتناولين بيئة الأشخاص الذين يعيشون بالعشوائيات، أيضاً يتعامل العمل مع المكان بشكل كاف لإظهار المناخ الذي تعيشه هذه الشخصيات، بالتالي لا أرى أن هناك تقصيرا.
* نحن الآن في عصر يطغى فيه الإعلام وتصنيع الحدث يكون حسب وجهة نظر هذه الجهة أو تلك، برأيك كيف يوصل هذا الإعلام صورتنا نحن العرب للعالم؟ وكيف يتعامل مع قضايانا؟
* ‘معظم الميديا والنشاط الإعلامي العربي منصب على الداخل، وهذا واحد من عيوب الإعلام العربي وكأن الداخل هو وحده المعني. الداخل معني نعم. لكن الآخر في أنحاء العالم له الحق، ولكن الإعلام بشكل عام أهمل وأسقط من حساباته أن يوصل رسالة للعالم الآخر أو للأشخاص الذين هم خارج المنطقة التي استطاعت إسرائيل للأسف الشديد أن تنتصر علينا في هذا الموضوع قبل أن تنتصر بالمعارك، انتصرت إعلامياً قبل أن تنتصر عسكرياً. الإعلام يعتبر أنه موضوع أساسي جداً وحيوي جداً واستراتيجي، وكل هذه المواصفات المهمة لم يأخذها الإعلام العربي بعين الاعتبار، وبالتالي دائماً هناك صوت واحد وهو لعدونا. صوتنا مغيب لأن إعلامنا العربي تهمه أمور أخرى، وهي توجيه كل رسائله وإمكانياته الإعلامية للداخل لأهداف سياسية طبعاً’.
* الإعلام المرئي صورة وصوت، وقد غدت الصورة بالنسبة لكثير من الفنانين والإعلاميين الهدف الحقيقي للشخص المشهور، أحياناً ترى بعض الشخصيات تظهر على الشاشات فقط لأن لها جمهورها وشهرتها بغض النظر عن الموضوع إن كان رديئاً أو جيداً، بعد النجاح الذي حققه بسام كوسا، كيف يتعامل مع مجتمعه وزملائه؟ وبالنسبة للتواضع الذي يجب أن يتحلى به نجم الإعلام أو الدراما، ماذا يضيف له هذا التواضع في علاقته مع الآخرين؟ أم أنه يقيم جدارا من التكبر حوله يعزله عنهم ويكتفي بمجده على الشاشات؟
* ‘أنا لست ميالاً لمصطلح التواضع فأنا لست متواضعا بشكل نهائي، أنا أسعى بكل جهدي أن أكون حيا بكل تفاضلي وتكاملي مثل أي إنسان، بالتالي أسعى جاهداً قدر المستطاع أن لا أستثمر هذه المهنة لهدف شخصي. دائما الشأن العام هو الذي يأخذ الحيز الأكبر من تفكيري. طبعاً لا يمنع هذا أن أكون مستفيدا من محبة الناس ومن الإعلام والشهرة ومن هذه الأشياء الموجودة أساساً بسبب طبيعة المهنة، ولكن استثمارها بشكل محدد أنا ضده. هناك شأن عام يجب استثماره بهذه المهن، كنت قد تحدثت قبل وقلت اني لست قادما لهذه المهنة للسياحة، بل أنا آت لهذه المهنة لأني مع الزمن تشكل لدي وجهة نظر ومفاهيم تتعلق بنوع المهنة والجهود التي يبذلها الشخص. لأن كل ما هو حولي يعنيني من تخلف وجمال حياتنا ومساوئنا والنقاط الإيجابية، كل هذه الأشياء تأخذ حيزاً من تفكيري ويجب أن نستثمره لإيصال رسائلنا كإعلاميين عرب وفنانين ولإيصال الصورة الحقيقة للآخر، لأنه دوماً هناك صورة تقريباً مزيفة وغير حقيقة ومشوهة ومهمشة في كثير من الأحيان. الناس أصبحت ترانا من خلال عدونا أكثر مما ترانا من خلالنا، وهذه واحدة من الأخطاء والخسائر الكبيرة التي ارتكبناها بحق أنفسنا، إن كان على صعيد الإعلام السياسي أو الثقافي أو الاقتصادي’.
* أوقات فراغك عندما لا يكون لديك نص تعمل عليه، هل تستغل هذا الوقت بالقراءة وزيادة المخزون الثقافي لديك؟ وهل تفضل الشعر أو الرواية ولمن تحب أن تقرأ؟ أنت معروف بحسن استقبالك للناس، فكيف يكون تعاملك مع أسرتك وأصدقائك ضمن هذه الشهرة والنجاحات التي حققتها؟
* ‘أنا أهرب دوماً للمنزل وأعتبر أن هذا حظ كبير بالنسبة لي. طبعاً هناك دوماً وقت كما قال صديقنا المشترك، رحمه الله، ممدوح عدوان الذي كان يستغرب عندما يسمع أحد يقول إنه يشعر بالملل: كيف تمل ولديك الكثير من الفرص التي تعمل عليها؟ وأنت تعلمين ممدوح الذي يشبه التوربين الهائل، إضافة لذلك نحن محكومون بمهنة تقوم على المعرفة والثقافة. هناك من يقول الموهبة، أنا لا أومن كثيراً بهذا الكلام. أعتبر الموهبة كأفخم سيارة والشخص يركنها أمام منزله سنة سنتين ثلاثا فتصدأ، يجب أن يضع لها وقودأ كي يصبح لها قيمة، الوقود هو المعرفة المقروءة أو المسموعة أو البصرية والبحث الدائم. جزء من طبيعة حياتي هو الاطلاع على المنتوجات الإنسانية، إن كان بالأدب أو بالفن التشكيلي أو السينما والموسيقى’.