ثورجية الكذب الحلو !!
حين تأخر الشاعر الأميركي “ت. إس. إليوت” عن الكتابة أكثر من عام اعتقد انه فقد موهبته وكتب لاصدقائه يشتكي ضياعها، لكنه بعدها كتب قصيدة “الأرض اليباب” وحاز على جائزة نوبل للآداب.
إن تأخري في الكتابة القصصية أو البوست على مدونتي، يرعبني، يجعلني أجزم اني فقدت بالفعل موهبتي أو أنني في الأصل لا أملكها، وكنت سأكف في كل مرة عن التفكير اني كاتبة لكن صدور شيء جديد لي أو تسلم جائزة أو مديح قارئ يجعلني أشعر ببعض طمأنينة، رعب اللحظة الابداعية بألا تاتي لا يوازيه رعب، والسعادة بمجئيها لا يدحضها أي شك، والكاتب الحقيقي هو الذي يبقى غير واثقاً من كتابته وموهبته حتى وفاته.
الآن ِأشهد نهاراً غائماً، جالسة في قهوة شعبية اسمها “الندوة الثقافية” في شارع هدى شعرواي بالقاهرة، بعدما وجدت “فيشة” كهرباء بجهد جهيد كي أوصل جهازي الكمبيوتر الذي بدأ يعلن وفاته ببطء، وبصراحة هذا ما أفضله ان يعلن وفاة طبيعية بدل أن أفقده بشكل مريب وتتم سرقته في وضح النهار كما حدث مع جهازي السابق في غزة.
نضال الياسمين والنار
كمدمنة على الثورات أبحث عن أخبار تونس بأنفي وأذني وعينيَّ ويديَّ، وأحزن لحالة الفلتان الأمني التي حدثت ولكني في الوقت ذاته أسلم بأن السرقة والفلتان ثمن يجب ان يُدفع حين تأين الثورات، كما ماء الخلاصة غير النظيف الذي يولد مع جنين جديد وطازج، وهناك أخبار وصلتني من أصدقاء توانسة أن من يسرق هم أذيال وفلول الحكومة السابقة ويتحركون كجماعات منظمة بسيارت متشابهة مؤجرة ما دفع الجيش لاعتقال الشرطة –كما جاء في أحد عناوين جريدة “المصري اليوم”-.
وما يحدث من فوضى في تونس يذكرني بفترة الانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة في عام 2005 حين هجم العديد من الناس يسرقون المستوطنات والحديد وحتى حبات المانجا الكبيرة، وتم منعنا في الجريدة من تغطية تفاصيل الفوضى هذه، كما حدث هذا في العراق ايضا، فحتى الآثار سرقوها مع الانتباه ان العراق تحرر من صدام لكنه أصبح محتلاً من قبل امريكا.
كان من الصعب أن أحتمل سماع أخبار تونس من التلفاز أو أتابعها فقط عبر الانترنت مثل الجميع، كان يجب أن أشعر باختلاف الفرحة وخصوصية الحدث بالنسبة لي فاتصلت حوالي ثلاث مرات بشقيقتي التي تعمل طبيبة في مستشفى بتونس العاصمة، كي أسألها، فقالت بسعادة فائقة:” مغادرة بن علي البلاد جعل عندي أمل بالحياة، إن المصابين عندنا تحول ألمهم لفرح، وبدأ الجميع يحتفل في المستشفى”، ثم أضافت شيء مثير للسخرية: “هل تصدقين ان كابتن الطائرة التي كان فيها بن علي رفض الطيران به وقال له لا يجوز مغادرة البلد، بل يجب أن تتم محاكمتك، فهجموا عليه يجبروه على المغادرة”، وهنا ضحكت وقلت لها: “من السماء بدأ بن علي اتصالاته في البلدان كي تستقبله، وكان الأسهل له ان ينطلق الى جهنم مباشرة، لأن الجميع رفض استقباله، وأولهم: باريس في محاولة لمحو عار موقفها قبل اسبوع، وفي النهاية توجه إلى السعودية..تتتتتتتتتتتتتيييييييييت ..خلص الكرت….-على فكرة في مصر اكتشفت ان شركة جوال الفلسطينية رحيمة مقارنة بشركتي “فوادفون وموبينيل”.
“انمزيت” بانتهاء المكالمة على هذا الشكل، وبدأت أفكر هل يمكن بالفعل المراهنة على الشعوب العربية؟، هل يمكن المراهنة على غزة والضفة؟، لا أدري، وكتبت على الفيس بوك لحظتها: “انقلي لنا يا تونس عدوى أحلى فيروس في العالم الا وهو الثورة”، وتابعت على موقع تويتر فرحة التوانسة والمدونين والمدونات الاصدقاء والصديقات والغرباء، وكتب احدهم بسخرية: “بن علي لاجئ سياسي في السعودية”، وأخرى كتبت: “بن علي عنده اعارة عقد عمل بالسعودية”.
ورجوعاً الى موقف فرنسا المتخاذل، فقد خرجت الليموند بعنوان “العار”، وقال لي الناشط الحقوقي مالك الخضري الذي يعيش في فرنسا وقابلته بمصر: “التاريخ سيذكر موقف فرنسا المخزي للأبد”، وبعد تحرر تونس من بن علي قال: “السخرية أن بن علي حارب طول عمره الارهاب، ولجأ الآن إلى من يمول الارهاب”، وخرجت وقتها جريدة الليبراسيون بعنوان باللغة العربية على غلافها: (حرية)، ولكني لا أخفي عليكم أني خائفة من قول: “يا فرحة ما تمت” فقد سقط الدكتاتور، ولم تسقط الدكتاتورية كما قال المعارض منصف المرزوقي.
وناقشت ونحن نتنقل من مقهى لآخر مع أصدقاء صحافيين فعالية مثل هذه الثورة في مصر، واتفقنا جميعا أن مصر نظام أكثر مرونة وخبثاً فهو يترك الناس تنفس عن كبتها وانتقادها، ويسمح للصحف أن تكتب ما تريد، ناهيك عن أن حالة الكره للنظام مختلفة تماما رغم أن مبارك هو ثاني أقدم دكتاتورية عربية بعد القذافي الذي وصل به جرمه في أواخر السبعينات أن أعدم طلبة في حرم الجامعة والساحات العامة وسميت وقتها بثورة الطلبة.
أسماء الغول-القاهرة