ثورة تونس

تونس عشية ثورتها: أرض الديموقراطيين من دون ديموقراطية

الثورة التونسية، هل هي تبشّر بربيع ديموقراطي عربي؟ إن إسقاط زين العابدين بن علي بسرعة قياسية في 14 كانون الثاني الجاري هو حدث غير مسبوق في المغرب كما في الشرق الأوسط. فالنظام الذي أُسقط، وبشجاعة نادرة من متظاهرين تونسيين، كان يتسم بالكثير من النقاط المشتركة المعروفة مع بقية أنظمة المنطقتين: من سلطة شديدة التمرْكز، واستيلاء عائلة الرئيس على مقدرات البلاد، والقوة المفرطة للجهاز البوليسي، والخنق المنهجي لأي شكل من أشكال المعارضة، ثم ديموقراطية “واجهة” تحوّر أي تعبير سياسي، من انتخابات سياسية إلى نشاطات اجتماعية أو مهنية؛ وكل ذلك يُبرَّر بالـ”خصوصية الثقافية” و”الوطنية التونسية”.
في الأنظمة التسلطية، أصبحت المعارضة تقتصر على الإسلاميين، والذين تحولوا إلى فزّاعة ملائمة تتلاعب بها السلطة لنيل الدعم المجزي من حلفائها الغربيين.
الآن، حتى لو كان من المبكر أن نعرف ما الذي يأتي بعد الثورة التونسية، فإن إقالة بن علي تنقض مقولة “الاستثناء العربي الإسلامي” الرائجة، بعد سقوط ديكتاتوريات أوروبا الوسطى وأميركا اللاتينية. وهي على كل حال مقولة تذهب إلى نكران “اللحظات الديموقراطية” التي جُرّبِت في مصر وسوريا والعراق في القسم الأول من القرن الفائت.
أخذاً بالاعتبار تاريخ تونس الراهن، التي نالت استقلالها سلمياً، وكذلك حاضرها الذي يزخر بأبناء الطبقة الوسطى المتعلمين، فلن يفاجأ أحد أن تحدث هناك أول ثورة عربية في مرحلة ما بعد الاستقلالات. وإذا أردنا استعادة عبارة وردت في كتاب مشترك عام 1994 بإشراف غسان سلامة، “ديموقراطية من دون ديموقراطيين”، يمكننا القول بأن تونس كانت، عشية ثورة كانون الثاني 2011، أرض “الديموقراطيين من دون ديموقراطية”.
هذا الاستثناء التونسي، هل يحدّ من احتمالات تطورات سياسية مماثلة لتلك التي شهدتها تونس؟ خلال السنوات السابقة، تكيّفت الأنظمة التسلطية مع الظروف الجديدة بأن قطعت مع مقولة التدخّل الاقتصادي للدولة، والذي كانت تسميه “الاشتراكية العربية”، واعتمدت النموذج الصيني أو السنغافوري الذي يزاوج بين الانفتاح الاقتصادي والانغلاق السياسي. لكن هذا التوازن الجديد لا يحمي هذه الأنظمة من المفاجآت؛ فالدرس الذي يقدمه النموذج التونسي كان مندرجاً ضمن هذا الإطار.
والقلق الذي تغذّيه تلك الوضعية يمكن التأكّد منه عبر الخفّة والسرعة اللتين أظهرتهما السلطات الأردنية والجزائرية في الاستجابة إلى التوترات الناجمة عن الارتفاع العالمي لأسعار المواد الغذائية، عبر سلسلة من الإجراءات المالية. المغرب وليبيا اتخذتا إجراءات مماثلة. إن أنظمة الحكم في المغرب والشرق الأوسط ليست متساوية في فرصها. فالذين لا يملكون الموارد النفطية من بين هذه الدول محرومون بالضرورة من إمكانيات شراء السلم الاجتماعي في مجتمعاتهم.
جيل باريس
(“لوموند” 17 كانون الثاني 2011)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى