جيفري فيلتمان في تونس..جيفري فيلتمان في لبنان
جهاد الزين
عندما دخل جيفري فيلتمان مساعد وزيرة الخارجية الاميركية الى تونس، أمس الاول، كأول ديبلوماسي اميركي كبير يدخل هذا البلد بعد إنجاز انتفاضته، لم يكن لديه ما يخاف منه، أو ما يتهيب منه… تونسيا، فصورة “الموقف الاميركي” لدى العديد من النخب التونسية في الداخل والخارج، حيال الانتفاضة هي صورة ايجابية خلافا لصورة “الموقف الفرنسي”. إذ يبدو ان الادارة الاميركية في السنوات القليلة الاخيرة، وخصوصا في السنتين الاخيرتين قد فتحت اتصالاتها مع معارضي نظام الرئيس زين العابدين بن علي وسط انزعاج النظام. فواشنطن، كانت تعتبر، حسب تقارير ظهرت مؤخرا في الصحافة الغربية، ويؤكدها كاتبا الكتاب “الوصية على قرطاج” الصادر عام 2009، أن نظام بن علي لا خيار له سوى محاربة الاصوليين الاسلاميين. ولذلك هو لا يستطيع ابتزاز الاميركيين بالتخلي عن هذا الاتجاه لأن انخراطه في هذا الصراع لا عودة عنه ولا قدرة له على العودة عنه. بينما علاقته مع الدولة الفرنسية، أكثر تعقيدا وتداخلا وارتباطا شخصيا ومصالحيا وسياسيا من الجهتين، إنها علاقة مع جزء مهم من الطبقة السياسية الفرنسية، وخصوصا على اليمين الفرنسي.
إذن “الالتزام” الفرنسي بنظام بن علي بقي عمليا حتى سقوطه! (رغم اعتراض بعض السياسيين الفرنسيين وعلى رأسهم برنار كوشنير).
لهذا… لا “أميركي بشع” في تونس، بل أميركي مقبول وعمليا داعم لما حصل… والأهم إنهم في تونس يصدقون ذلك.
وهذا مختلف عن صورة “جيفري فيلتمان” اللبنانية. فما آلت اليه صورة السياسة الأميركية في لبنان تجعلها في حدها الأدنى خاضعة للانقسام اللبناني – اللبناني وفي حدها الاقصى موضع شكوك من جزء من الفريق الذي تدعمه وهو فريق 14 آذار… مع انها في الشهر المنصرم – أي السياسة الاميركية – اتخذت شكلا هجوميا في لبنان ضمن صراعها الضاغط على رأس النظام الدولي ضد المشروع النووي العسكري الايراني. فبعد أيار 2008 بدت الولايات المتحدة قابلة باستثناء لبنان من المواجهة المتبادلة بينها وبين ايران، عندما وافقت على التسوية السورية – السعودية في بيروت التي أمنت الاستقرار السياسي – الأمني حتى إسقاط حكومة سعد الدين الحريري. وهو انفراط عبّر عن انفراط التفاهم السعودي – السوري الامر الذي يعتبر انتصارا للضغط الاميركي الذي يعطي أولوية (لأسباب تتجاوز لبنان) لصدور “القرار الاتهامي” في ملف اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري.
بدا جيفري فيلتمان المتصلب لبنانيا في الاشهر القليلة المنصرمة – أي منذ زيارته الخاطفة الى بيروت – معبرا عن عودة التصلب الاميركي في الصراع على لبنان. فالرجل رغم أنه ايضا في صلب الفريق الذي ينفّذ الانفتاح المستجد على سوريا هو رمز ذو معنى في التجربة المنطلقة منذ صدور القرار 1559 حول لبنان، دون أن ننسى ان فيلتمان بالنتيجة هو مجرد مسؤول من مستوى متوسط قياسا بالمراتب القيادية الرفيعة في الادارة الاميركية، وإن كان موقعه أساسيا داخل وزارة الخارجية، وبصورة خاصة ان الوزيرة هيلاري كلينتون هي التي اختارته لموقعه الحالي وتدعمه شخصيا.
إنها حقبة مثيرة لتعدد الصور الاميركية في منطقة الشرق الاوسط. ففي وقت واحد، تبدو هذه الدولة العظمى رغم تعثرها المحتمل أن يكون استراتيجيا في أفغانستان، وقد استعادت دينامية هائلة:
في فلسطين وهي تواجه المسؤولية التاريخية عن استمرار تعثر التسوية الفلسطينية – الاسرائيلية والى جانبها السورية – الاسرائيلية، تتولى الآن نوعا من “الانتداب” الامني الاقتصادي على الضفة الغربية في نوع من تحضير السلطة الوطنية الفلسطينية للتحول الى دولة فلسطينية بمعزل اليوم عن “غموض” حدودها الجغرافية.
في السودان، قادت واشنطن النظام الدولي برمته، في رعاية وتحقيق انفصال جنوب السودان ضمن آليات “الشرعية الدولية” في ما يبدو أن مهمة عزل الرئيس السوداني عمر البشير قد قاربت من نهايتها بعد قيام هذه الدولة النفطية الجديدة في الجنوب، وعادت الى التقارب مع عمر البشير الذي أدارت سابقا عملية تجريمه في دارفور!
في العراق، يتقدم الانسحاب الاميركي ولكن بصيغة توافق سياسي ضمني مع ايران هو الذي يشكل الغطاء الخارجي للسلطة العراقية المستندة الى ثلاثية مرجعية النجف – الاكراد – حكومة المالكي في بغداد.
في الخليج تواصل واشنطن دعم سياسة مواجهة المشروع العسكري الايراني النووي وتبلغ بالعقوبات الاقتصادية على ايران درجة موجعة فعلا جعلت بعض المراقبين يشبهون المرحلة الحالية في طهران بأنها مماثلة لعام 1990 في عراق صدام حسين، أي درجة حصار دفعت الديكتاتور العراقي الى ارتكاب حماقة تدمير الكويت وإن كان من المستبعد لأسباب بنيوية تتعلق بطبيعة النظام والتقاليد والخبرات ان تقع ايران حاليا في حماقات مشابهة، بمعزل عن مدى قدرتها على الصمود الاقتصادي على المدى الأبعد.
قدرة أميركية هنا، عجز أميركي هناك، تخبط أميركي هنالك، استيعاب أميركي لإنجاز شعبي كما يحصل في تونس.