لبنان من الدّوحة إلى الدّوخة
نـوري بـريـمـو
رغم السلاسة المحفوفة بالحذر التي رافقت إنتخاب العماد ميشيل سليمان رئيساً توافقياً للبنان الذي بقي بلا رئيس جمهورية على مدى عدّة شهور سبقت توقيع إتفاقية الدوحة التفاؤلية التي حزمت الأمور وضغطت على كافة الفرقاء لدفعهم بإتجاه الإسراع في إنتخاب رئيس ومن ثم إيجاد مخارج آمنة لأزمات بلاد الأرز السائرة صوب إستعادة إستقلالها، إلا أنّ الراهن السياسي في هذا البلد الآمن لا يزال يتعرّض لتوترات ومعوّقات جمة قد تُخرجها من دائرة سيطرة إتفاقية الدوحة القطرية إلى متاهة الدوخة الإقليمية، فمساعي التوافق بين الأفرقاء لا تزال محصورة في عنق قارورة تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة السيد فؤاد السنيورة الذي صرّح مؤخراً بأن مهمته باتت صعبة جرّاء تعنّـت الأطراف التي يتمترس بعضها وراء كلام حق لبناني يراد به باطل إقليمي.
إذ بعد مرور أكثر من شهر على هذه الإتفاقية العربية التي جرى ترجمة فصل وحيد منها دون فصولها الأخرى الباقية برسم التأجيل ورهناً لإشارات إقليمية ودولية قد تأتي متأخراً أو بعد خراب البصرة كما يقال، ما قد ينعكس سلبياً على مجريات العملية السياسية التي لا تزال تراوح في مكانها وسط هواجس توحي إلى إمكانية تجدد الأزمة التي لم مخرجاً حتى الآن، إلى جانب وجود ثمة مؤشرات تشير لإحتمال نشوب بعض المناوشات المتفرقة ولجواز حصول إنقسامات وخاصة في صفوف المعارضة التي باتت ملبوكة ومحرَجة للغاية بعد إصطدام تيار عون بالحقيقة المرّة على أثر إنكشاف مستور حزب الله الذي أمسى يتباهى علناً بإنتمائه لمحور ولاية الفقيه.
وبما أنّ حكومة تصريف الأعمال الحالية بإمكانها ويحق لها الإستمرار في عملها بشكل إعتيادي حتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة، ولما كان السنيورة يرفض تحديد موعد محدّد لإنجاز تشكيلته الوزاية الجديدة خصوصاً وأنّ الدستور اللبناني لا يلزمه بأية فترة زمنية في الوقت الذي لا ينصّ فيه على أية آلية لسحب التكليف منه أو إعفاءه من إتمام هذه المهمة المتعثرة، فإنّ التأخير الحاصل في تشكيل الحكومة ينذر بالدخول في تحويلة لبنانية إنتقالية قد ينجم عنها تداعيات خطرة عنوانها الحرب الأهلية التي قد تداهم الديار شيئاً فشيئاً مع إقتراب موعد المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة قتلة الشهيد رفيق الحريري ورفاق دربه من شهداء الأكثرية، في حين وجدنا كيف أنّ وزير الخارجية السوري وليد المعلم قد قال بما معناه أنّ اتفاق الدوحة والمفاوضات السورية الإسرائيلية واتفاق التهدئة بين إسرائيل وحماس، هي بمجملها ملفات تأتي مجتمعة في سياق سلة واحدة متكاملة تبحث عن أية حلول لها وللقضايا الأخرى العالقة في المنطقة…!؟، ما يعني أنّ الموضوع اللبناني مرتبط بمشاكل إقليمية شائكة تقودها محاور تتصارع مع الآخرين على مناطق نفوذها وأدوارها، خاصة وأنّ مؤتمر باريس المزمع إنعقاده بخصوص مشروع الإتحاد من أجل المتوسط قد بات على الأبواب وسط مواقف شرق أوسطية متناقضة حول حضوره أو مقاطعته.
وما دامت الأمور اللبنانية تسير وفق هكذا مواصيل محفوفة بشتى المخاوف، فهل هنالك ثمة قرارات دوحوية عملية من شأنها أن تضع النقاط على الحروف وتخرج لبنان من دوامة العنف الأهلي المتبادل الذي باتت علاماته تظهر بشكل مخيف في معظم الأوقات والمناطق التي يمكن تسميتها بخواصر الإحتكاك ما بين المعارضة والاكثرية وخاصة في مخيمات الفلسطينيين الخارجة حتى الحين عن سيطرة الدولة اللبنانية التي يحق لها فرض هيبتها على كامل أراضيها؟!.
في خضمّ هذه الدوخة التي تحاصر لبنان من كل صوب وناح، ليس بالوسع سوى الدعاء لأهله بتجاوز محنتهم التي نتمناها أن تكون مؤقتة وزائلة، عبر تشكيل حكومتهم بأسرع وقت ممكن، على طريق التحضير السلمي لخوض الإنتخابات البرلمانية القادمة في موعدها المحدّد وبعيداً عن لغة التهديد والوعيد ومختلف أساليب التخوين المتبادل والعنف الأهلي المقيت.
خاص – صفحات سورية –