18 يوماً صنعت تاريخاً
سميح صعب
18 يوماً كانت كافية لمعاودة كتابة التاريخ في مصر ومن قبل في تونس. ولم يكن رفع يد الولايات المتحدة عن هذين النظامين السبب المباشر لسقوطهما، وإنما حال الجمود التي سادت هذين النظامين لعقود، الامر الذي قاد الى التغيير.
لكن في حال مصر يحمل التغيير طابعاً مميزاً. فمصر دولة محورية في الشرق الاوسط ودولة اضطلعت بأدوار رئيسية ابان عهد عبد الناصر وساهمت في الاحداث التي كانت تدور في المنطقة، تفاعلت معها وانفعلت بها، تارة كانت تتخذ القرارات المناسبة وتارة تخطىء لكنها لم تكن يوماً خارج الحدث مثلما باتت عليه منذ التوقيع على معاهدة كامب ديفيد مع اسرائيل عام 1979.
فهذه المعاهدة التي قال انور السادات ان الهدف منها هو انهاء عهد الحروب التي أرهقت مصر واستنزفتها في رأيه، كي يصار الى الانتقال الى مرحلة البناء الاقتصادي بعد فتح مصر على الغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً بعد عقود من الدوران في الفلك السوفياتي.
بيد ان ما اعلن عنه السادات شيء والذي تحقق على ارض الواقع شيء آخر.
فالانفتاح ادى الى زيادة غنى الاغنياء والى تعميق فقر الفقراء. ولم تنتقل المعاهدة بمصر الى عهد من الازدهار الاقتصادي ولم تحقق لمصر ما كان يطلق عليه السادات “الامن الغذائي”.
الامر الذي حققته المعاهدة هو إخراج مصر من معادلة الصراع العربي – الاسرائيلي بما أتاح لاسرائيل تحقيق فائض في قوتها العسكرية في الشرق الاوسط، واتاحت لها المعادلة ان
تجتاح لبنان عام 1982 وتدخل في مناوشات مع سوريا وان تقصف المفاعل النووي العراقي عام 1981.
والى ذلك سمحت المعاهدة لاسرائيل بأن ترجئ كل بحث في ايجاد حل للقضية
الفلسطينية، وان تعتمد فرض أمر واقع في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وفي كل الاحداث والصراعات التي نشبت بعد كامب ديفيد، التزمت مصر الحياد، ولم تكن فاعلة في أي منها باستثناء مساعدة الرئيس العراقي السابق صدام حسين في حربه على
ايران، لأن هذه مسألة تقع خارج قيود المعاهدة مع اسرائيل. أما في عملية “عاصفة الصحراء” فوقفت الى جانب اميركا ضد العراق. وفي عملية “حرية العراق” كان دورها بلا تأثير يذكر لا سلباً ولا ايجاباً.
بينما لم يكن لمصر أثر في القمع الذي مارسته اسرائيل ضد الانتفاضة الفلسطينية التي اندلعت عام 1987 ولا في الحرب الاسرائيلية على لبنان عام 1993 ولا في حرب 1996 ولا في حرب
2006، لا بل في الحرب الاخيرة لم يكن دور مبارك حيادياً بل كان مشجعاً لاسرائيل على المضي
في الهجوم على لبنان و”حزب الله” حتى النهاية. وفي ذروة الحرب الاسرائيلية على غزة في اواخر 2008 ومطلع 2009، لم يتجرأ مبارك على فتح معبر رفح حتى امام الحالات الانسانية ولم يسمح بعبور اطباء الى القطاع حتى تتهمه اسرائيل بالانحياز وتقف ضد خططه لتوريث ابنه جمال. وهذا الفراغ الذي تركه الانسحاب المصري من الدور الذي يجب ان تضطلع به في الاصل
ساعد القوتان الاقليميتان الصاعدتان، ايران وتركيا على ملء الفراغ في المنطقة لا سيما من البوابة الفلسطينية. وحيال الاحساس بفقدان الدور حاول مبارك ان يلعب الورقة المذهبية بحيث يجيش الرأي العام ضد ايران و”حزب الله”. كما سعى الى السير في مقولة اميركية – اسرائيلية تصور الصراع في
المنطقة على انه صراع بين متشددين ومعتدلين وليس صراعاً بين العرب واسرائيل.
وفي النهاية، لا شك ان الوضع الاقتصادي المتفاقم لغالبية الشعب المصري فضلاً عن حرمانهم من ابسط الحقوق الديموقراطية والتلويح بشبح التوريث كانت النقطة التي جعلت الكأس يطفح وتدفع بالناس الى الشوارع مطالبة بالتغيير وباستعادة الكرامة والاحترام بين الامم وتصحيح مسار التاريخ.
النهار