رحل الطاغية فليرحل الطغيان
الفضل شلق
أطيح الطاغية. سيسقط طغاة العرب الآخرون. سوف يرحل الطغيان، لا فضل لأحد في هذه الثورة سوى شعب مصر، الشعب العربي الذي طالما خضع وأخضع واستغل واستبيح، مادياً ومعنوياً، حتى أصبح موضع تهكم الكثيرين من العرب، ومن العرب أنفسهم. طالما اعتبرنا مصر أم الدنيا، مركزنا وموئلنا وملجأنا ومنقذنا. أهينت مصر فكانت الإهانة لنا، كل العرب. نعرف تماماً أن قيامتنا تبدأ مع نهوض مصر. وكانت بحاجة إلى من يحركها. جاء المحرك من تونس. وهذه ليست المرة الأولى في التاريخ. كانت مرحلة الفاطميين من أزهى مراحل التاريخ في مصر، وهي جاءت من تونس على يد جوهر الصقلي الذي بنى القاهرة وشيد الأزهر.
قالوا لنا المشكلة في ثقافتكم. ثقافتكم العربية والإسلامية اتكالية تستسلم للقدر، تستسلم للغزاة، تستسلم لما يخطط لها. أنتم متأخرون، وعليكم أن تتعلموا. يعلمكم الغرب الديموقراطية. وإن لم ترضوا بالغرب فهناك إسرائيل، البلد الديموقراطي الوحيد في المنطقة. عليكم أن تتعلموا منها وإلا. لكي تتعلموا عليكم ان تتخلوا عن أرضكم، وتبيعوا كرامتكم، وتتخلوا عن مواردكم، وان تصيروا مهمشين، وعاطلين من العمل، وسقائين للماء، وحطابين للحطب. اشتغلوا عندنا فنعطيكم ما تستحقون. هاجروا إلى بلادنا، فنشغلكم في تنظيف المراحيض وكنس القمامة، ولا بد ان تستفيدوا من حضارتنا. لم يلجأ إلينا أحد إلا واستفاد.
قالوا لنا: لا نستطيع أن نثق بكم. إنكم تخلطون بين الدين والسياسة. ليست عندكم ملكة التمييز والعقلانية والحداثة كما يليق بثقافات القرن العشرين. لن تعرفوا إدارة أموركم. هذا عبد الناصركم لم يأت لكم إلا بالهزائم. وهذا محمد عليكم لم يجلب إليكم إلا الذل. وهذه طموحاتكم للمستقبل مشوبة بالعقلانية التي لن تصل بكم إلى أي مكان. تاريخكم انحطاط. ونهوضكم مرهون باستعداد الغرب وإسرائيل لتعليمكم. تاريخكم هو مرحلة استبداد بعد أخرى. لا تعرفون غير الاستبداد. لا تعرفون إلا أن تساقوا، وان يسوقكم غيركم.
قالوا لنا ان لا خيار لنا إلا بين الاستبداد الداخلي والاحتلال الخارجي، وان كل محاولة محلية للتحرر لن تجر علينا إلا سيطرة الإسلاميين. الإسلاميون بعبع. أسامة بن لادن ضد المثال الإسلامي. كل من يحترم تاريخه العربي والإسلامي ينتهي حتماً إلى ان يصير بن لادن آخر. بن لادن في نظرهم هو المثال الأعلى الذي يعبر عن جوهر هذه الثقافة في ماضيها وحاضرها ومستقبلها.
استجبنا لما قالوا لنا. لم نعد تثق بأنفسنا. تغرّبنا. انسلخنا عن أنفسنا، سخرنا بعروبتنا. نسينا أن العولمة تستدعي عالمية الثقافة، وان لا ثقافة عالمية دون ثقافتنا، وثقافة الصين وثقافة الهند، وثقافة الشرق عموماً، وعلوم الشرق عموماً، وفلسفة الشرق عموماً، وان الغرب ما كان لينهض لولا القهر والاعتماد على الشرق ومصادرة حضارات الشرق وموارده.
انحدرنا إلى الدرك الأسفل في انعدام ثقتنا بأنفسنا. صارت هويتنا موضع شك في نظرنا. انسلخنا عن ماضينا ومستقبلنا، فقدنا الاحترام لذاتنا. سادنا الاعتقاد بأننا الآخر لثقافة غربية متفوقة. اعتقدنا بتفوقهم لأننا اقتنعنا بدونيتنا.
شكراً لمصر، شكراً لثوار مصر الذين أنقذونا في أنفسنا. شكراً لأحلى وأجمل ثورة في التاريخ. شكراً لمن أعاد لنا المعنى والمغزى. شكراً لمن استعاد لنا إنسانيتنا وكرامتنا. شكراً لثوار مصر الذين لا اسم لهم، إلا انهم مصريون وانهم عرب.
احتاروا في أسباب الثورة، والسبب واحد، هو الكرامة، الكرامة المادية والمعنوية. الذي ثار هو الوجود الإنساني في مصر. لذلك كان بلا اسم آخر وبلا سبب واحد. الوجود أصعب من ان يختصر في سبب أو تفصيل من التفاصيل.
مارستم أعلى أشكال السياسة بأن جعلتم كل شيء سياسة، اختصرتم كل ذلك في إسقاط النظام. وبغير الدخول في التفاصيل، جعلتموها معركة بين الوجود العربي والطغيان. ذهب الطاغية، فليذهب الطغيان.