عيـد أميـركي
ساطع نور الدين
أي اميركا هي التي تحتفل اليوم بعيد استقلالها الرابع والثمانين بعد المئة، وأي عالم هو الذي يشهد هذا الاحتفال بمزيج من الاحساس بالخوف من الاميركيين الذين ينتمون الى اقوى دولة عسكرية، ويفتقرون الى ابسط شروط القوة الاقتصادية والسياسية، وبالتالي الفكرية؟
السؤال الذي يُطرح من داخل اميركا نفسها هو ما اذا كان عصر الامبراطورية الاميركية التي حكمت العالم في القرن العشرين آخذا في الافول تدريجيا، ليفسح المجال امام دول وقوى كبرى صاعدة تطالب اليوم بحصتها على المسرح الدولي، الذي يشعر اليوم بضغط القوة العسكرية الاميركية الهائلة، وبفراغ القوة السياسية المضطربة، والذي لا يمكن ان يعزى فقط الى الظرف الانتخابي الموقت.
الرد الاهم على هذا السؤال جاء في العدد ما قبل الاخير من مجلة «فورين افيرز» الاميركية الرصينة، وفيه تقدير لكبار المفكرين والباحثين والمؤرخين الاميركيين بأن اميركا هي فعلا في حالة انحدار، وهي تحتاج الى التكيف مع تحديات عالمية جديدة وتسويات مع دول عديدة تتخطى قدرتها التنافسية ما كان يتمتع به الاتحاد السوفياتي، ومقاربات مختلفة لأزمات اقليمية معقدة تسببت بمعظمها في لحظة غضب، بعد هجمات 11 ايلول .2001
أما الرد الاطرف فهو الذي كتبه مؤخرا المعلق في صحيفة «نيويورك تايمز» توماس فريدمان، والذي عكس جوا اميركيا عاما يتردد على كل لسان وفي كل مكان داخل الولايات المتحدة هذه الايام، مفاده ان اميركا التي خرجت مؤخرا الى العالم تحت شعار اعادة بناء الدول الفاشلة، هي دولة فاشلة وتحتاج الى اعادة بناء كاملة، تبدأ من تحسين ادائها الاقتصادي المتداعي، وتطوير نظامها السياسي المتهالك، وتعزيز استقرارها الاجتماعي، الذي يشهد ارتفاع معدلات البطالة والجريمة.
لم تكن مناسبة هذه الكتابات النقدية، دنو موعد عيد الاستقلال، ولا اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الاميركية التي يمكن ان تشهد تحولا تاريخيا اذا قرر الناخبون الاميركيون اختيار اول مرشح اسود من جذور اسلامية ليكون رئيسا لهم يتولى مهمة اخراجهم من اسوأ حالة فوضى داخلية يواجهونها. ثمة محاولة جدية من قبل النخبة الاميركية لوضع الجمهور الاميركي امام الحقائق، وعرض بعض الحلول والبدائل البعيدة المدى.
فهذه النخبة تعرف ان الاميركيين في غالبيتهم لن يخرجوا اليوم من منازلهم للاحتفال بالعيد، وربما لن يخرجوا بعد ثلاثة اشهر للاقتراع في الانتخابات الرئاسية، لاسباب عديدة تبدأ من ارتفاع اسعار المشتقات النفطية، وتنتهي بالشعور باليأس من المؤسسة السياسية التي لا تملك رؤية واضحة للمستقبل، وتجر الاميركيين من اخفاق الى آخر.
العالم كله يترقب اليوم طريقة تصرف اميركا، وقدرتها على تدبير شؤونها الداخلية الجدية جدا، ومشكلاتها الخارجية الخطيرة جدا، والتي تمس بني البشر في كل مكان. والبعض ينتظر لمعرفة ما اذا كانت نبوءة الشيخ اسامة بن لادن ستتحقق مع الولايات المتحدة، مثلما تحققت مع الاتحاد السوفياتي الذي كان عظيما، فصار اثرا بعد عين.
السفير