الميزان الإستراتيجي في الشرق الأوسط كما يراه خبراء اسرائيليون
رنده حيدر
من يرغب في التعرف على صورة الوضع الاستراتيجي لدول الشرق الأوسط خلال العام الماضي لا بد له من قراءة الكتاب الجديد الصادر عن مركز دراسات الأمن القومي الاسرائيلي والمنشور باللغة الإنكليزية على الموقع الإلكتروني للمركز( ).
اشتمل الكتاب على عشرة فصول توزعت على موضوعات مختلفة من علاقة اسرائيل بالنظام الدولي والوضع الداخلي الاسرائيلي، مروراً بدروس حرب لبنان الثانية والعلاقة مع الفلسطينيين وسوريا والميزان العسكري للدول العربية وانتهاء بتطورات الوضع في العراق وتقدم المشروع النووي الايراني وأزمة أسعار النفط وانعكاساتها على السوق الدولية للنفط.
من بين الدراسات المهمة تلك التي كتبها يهودا بن مئير ومئير إيلان والتي تناولت التطورات الداخلية في اسرائيل على الصعد السياسية والاجتماعية والإقتصادية. الملحوظ في التحليل الذي يقدمه الخبيران لحقيقة التوازنات في الحياة السياسية الاسرائيلية الداخلية ومواقف الرأي العام انه لا يستند الى معطيات ظرفية متغيرة وإنما يجريان نوعاً من تقويم لمسار عام بأكمله يُظهر على سبيل المثال أن الوضع العام خلال 2007 لم يكن سيئاً رغم كل الآثار السلبية التي خلفتها حرب تموز على الإسرائيليين ورغم تقرير لجنة فينوغراد للتحقيق في اخفاقات هذه الحرب. فالتراجع الكبير الذي شهدته شعبية رئيس الحكومة ايهود أولمرت لم يمنعها من الصمود طوال العام الفائت لا سيما أن انضمام ايهود باراك اليها في منصب وزير الدفاع أعطاها نوعاً من الزخم وجدد ثقة الإسرائيليين بها. هذا عدا ان عام 2007 كان الأهدأ على صعيد العمليات ضد اسرائيل فالجبهة مع لبنان كانت هادئة للغاية ،ولم تشهد اسرائيل سوى عملية انتحارية واحدة في ايلات. وبلغ عدد القتلى المدنيين الذي سقطوا بعمليات تسعة بالاضافة الى أربعة جنود قتلوا في مواجهات في الضفة وغزة.
ورغم كل المخاطر الأمنية التي هددت اسرائيل او تهددها فإن نحو 75 في المئة من الإسرائيليين يعتبرون ان عام 2007 كان” جيداً” أو “جيداً جداً” على الصعيد الشخصي، هذا مع توقعات غالبية الجمهور أن يكون عام 2008 جيد جداً أيضاً.
واللافت في التحليل اشارته الى الازدهار الكبير الذي شهده الاقتصاد الإسرائيلي العام الفائت الى حد يمكن ان يشكل “طفرة” اقتصادية. فلقد ارتفع النمو خلال ذلك العام بنسبة 3,5 في المئة وازدادت السياحة أكثر من 26 في المئة الى حد تعتبر فيه 2007 الأفضل منذ عام 2000. التضخم تراجع بنسبة 3 في المئة، والموازنة السنوية كانت من دون عجز، معدل الفوائد ظل منخفضاً وسعر صرف الشيقل ظل ثابتاً وقوياً، ناهيك باستمرار تدفق الإستثمارات الأجنبية على اسرائيل.
لكن هذا الإزدهار الإقتصادي لم ينعكس تحسناً على الصعيد الإجتماعي. فظلت “الثغرات الكبيرة” قائمة بين طبقات المجتمع الاسرائيلي،بالاضافة الى تراجع الهجرة اليهودية الى اسرائيل بحيث يمكن القول ان العام الفائت شهد أقل نسبة هجرة خلال العشرين سنة الأخيرة. وتوقفت الدراسة أمام ظاهرة هجرة الأدمغة التي باتت واضحة خلال العام الفائت الى جانب استمرار التوتر بين المجموعات الاثنية المختلفة التي يتألف منها المجتمع الاسرائيلي وازدياد حدة النزاع والتوتر الاجتماعيين بين اليهود والعرب.
يعترف واضعا الدراسة أن أهم ما يقض مضجع الاسرائيليين في هذا العام هو أزمة الزعامة السياسية وذلك في أعقاب اهتزاز ثقتهم بالقيادتين السياسية والعسكرية نتيجة الإخفاقات الكثيرة في حرب لبنان.
استيعاب دروس
حرب لبنان الثانية
يلخص الفصل الثالث الذي كتبه غيورا ايلاند الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الاسرائيلي والذي شغل لأعوام عديدة منصب مدير شعبة التخطيط في الجيش الاسرائيلي أهم الدروس التي بدأ الجيش الإسرائيلي في تطبيقها بعد حرب تموز ضد حزب الله. وهو يستعرض بصورة خاصة التحسينات التي أدخلها الجيش على قواته البرية على صعيد التأهب والاستنفار وعلى وتيرة التدريبات وكثافتها وعلى مستوى التنسيق في العمل بين القيادات في هيئة الأركان العامة للجيش وبين قادة الفرق والألوية. بالاضافة الى هذا كله يتحدث ايلاند عن مراجعة نقدية للعقيدة القتالية للجيش ولبرامج الدورات للقيادة العليا وعملية اعادة توزيع المسؤوليات بين رئيس الأركان وقادة المناطق وقادة الفرق العسكرية.
ويشدد على ضرورة تشجيع ثقافة النقاش بين المسؤولين العسكريين لا سيما عندما يتعلق الأمر بقرارات مصيرية على رئيس الأركان ان يتخذها. ويستعرض في نهاية الفصل احتمالات نشوب حرب ضد سوريا ويقول أنها ستكون مختلفة عن الحروب التي سبقتها من هنا يجب الاعداد لها بصورة مختلفة ايضاً.
لا يتطرق الكاتب في دراسته الى جانب مهم أوجدته حرب لبنان هو خطر الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى على الجبهة الدخلية في اسرائيل ولا يتحدث عن المشروع الذي تقوم اسرائيل بتنفيذه اليوم تحت اسم” سماء من فولاذ” وهو عبارة عن مشروع مظلة واقية من الصواريخ مهمتها اعتراض اي صاروخ يطلق في اتجاه الأراضي الاسرائيلية وتحويل مساره والذي يكثر الحديث عنه في الآونة الأخيرة ويبدو أنه احد أهم الدروع التي تقوم بها اسرائيل للدفاع عن نفسها في وجه هجوم صاروخي صاعق يشن عليها سواء بأسلحة تقليدية او غير تقليدية.
العلاقات الإسرائيلية – السورية عام 2007
يلخص أمير كوليك في الفصل السابع من الكتاب أهم التطورات التي طرأت على العلاقة بين اسرائيل وسوريا بعد الحرب الاسرائيلية الثانية على لبنان التي بحسب الكاتب رأت فيها سوريا ” فرصة ومخاطرة”. فالاخفاق الاسرائيلي في هذه الحرب قد يدفع اسرائيل الى المخاطرة بشن حرب جديدة ضد سوريا لإزالة الإنعكاسات السلبية التي لحقت بقدرة الدرع الإسرائيلية؛ ولكن من جهة أخرى ما جرى بدا كفرصة جديدة لإعادة المفاوضات السياسية بين البلدين وخفض وتيرة التوتر الذي شهد ارتفاعاً ملحوظاً في تلك الفترة.
يتحدث الكاتب عن “هجمة السلام” التي قامت بها سوريا بدءاً من كانون الأول من عام 2006 عن تبادل الرسائل السرية بين البلدين عبر موفدين أوروبيين مثل ميغال انخل موراتينوس واميركيين مثل السيناتور أرلين سباكتور، ويستعرض بالتفصيل احداث العام الماضي وموقف الإدارة الأميركية من عودة المفاوضات مع سوريا والانقسام الاسرائيلي بين مؤيد ومعارض لذلك. والكاتب هنا لا يأتي بجديد وانما يتضح أكثر فأكثر من سياق الكلام أن المشكلة الحقيقية التي تقلق المسؤولين الاسرائيليين “التأكد من جدية الرئيس الأسد وصدق نواياه في السعي الى التسوية السلمية”. وهنا يتضح أن التزام سوريا عدم الرد على الغارة الجوية التي نفذها سلاح الجو الاسرائيلية على أراضيها في أيلول من العام الماضي ورد الفعل الملجوم للسوريين شجعا الاسرائيليين على المضي قدماً في خيار التفاوض.
العراق لن يعود دولة موحدة
تناول الفصل المخصص للعراق التطورات الأمنية التي طرأت العام الماضي. وأظهرت الصورة البيانية حجم تراجع العمليات الارهابية والخسائر البشرية خلال هذه الفترة. وهو يتوقع استحالة عودة العراق الى ما كان عليه بلداً موحداً تحكمه سلطة مركزية قوية. ويعتبر في افضل الحالات انه سيتحول الى دولة فيديرالية مع حكومة مركزية ضعيفة، وان العراق لن يشهد الاستقرار خلال الأعوام المقبلة، وكذلك لن يعرف الديموقراطية، وقدرة الولايات المتحدة على تحديد سمات الدولة ستكون محدودة للغاية.
أما الفصل الذي يتناول السلاح النووي الايراني فقد قصره كاتباه على تحديد أين أصبحت المساعي الايرانية في هذا الصدد وذلك بعد تناول الانعكاسات التي كانت لتقرير المخابرات الأميركية عن المشروع النووي الايراني على المساعي الدولية لفرض عقوبات اقتصادية على ايران. وفي الخلاصة يصل الكاتبان الى استنتاج مفاده ان ايران باتت قادرة على انتاج كميات من الأورانيوم المخصب التي تسمح لها بانتاج أول قنبلة لها خلال أعوام رغم بعض الصعوبات التقنية التي ما زالت تعترض سبيلها. ما لم يتناوله الكاتبان الموقف الاسرائيلي من المسألة وكأنما البحث اقتصر على الجانب التقني دون سواه.
الفصل الأخير كتبه شموئيل أيفين وهو مخصص لدراسة الانعكاسات الاستراتيجية لسوق النفط العالمية. على الاقتصاد العالمي وانعكاساتها على الإقتصاد الاسرائيلي .فيرى أن هذا الانعكاس سيكون محدوداً لأن الجزء الأكبر من الصناعة الإسرائيلية يقوم على الصناعة الإلكترونية التي لا تحتاج الى استهلاك كبير لطاقة. ناهيك بان قوة سعر صرف الشيقل تساعد على مواجهة الإرتفاع في اسعار النفط. ثم يتناول الكاتب بسرعة تأثير أسعار النفط سياسياً وأمنياً لا سيما في ظل تهديدات زعماء “القاعدة”.
صورة الشرق الأوسط كما تتبدى في الكتاب مزيج من نور وظلمة. فارتفاع أسعار النفط والوفرة الكبيرة التي يحققها هذا الارتفاع في الدول العربية المنتجة للنفط وتأثيرات ذلك الايجابية على دول عربية أخرى غير منتجة له مثل الاردن ولبنان ومصر يقدم أكثر من صورة ايجابية للوضع. ولكن من ناحية أخرى المخاطر الأمنية الكثيرة التي تتهدد المنطقة تجعل هذا الاستقرار بعيد المنال.
(•)”The Middle East strategic Balance 2007-2008″ أشرف على وضعه مارك أ هيلر، وصدر عن مركز دراسات الأمن القومي الاسرائيلي، 2008.